قضايا

المثلية الجنسية.. فاحشة أم جريمة أم حق شخصي؟

(الأزهر يدين تصرف وزيرة المانية في مباراة كأس العالم بدولة قطر)

توطئة: يوثق القرآن الكريم تاريخ الجنسية المثلية الى عهد النبي لوط في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وهناك من يرى ان تاريخها اقدم بكثير.هذا يعني ان الجنسية المثلية لم تظهر حديثا لهذا السبب او ذاك.

وقد تم نحت مصطلح (Homosexuality) في القرن التاسع عشر، وهو مؤلف من مقطعين ( Homo ) وتعني المماثلة، و (Sexuality) وتعني النشاط الجنسي.وصارت تعرف في اللغة العربية بـ(مثلي الجنس)، ثم (الجنسية المثلية) مقابل مصطلح (Heterosexual ) التي تعني الجنسية المغايرة او الطبيعية.

هل الجنسية المثلية.. فاحشة؟

يصف القرآن الكريم الجنسية المثلية التي مارسها قوم لوط بالفاحشة، بقوله (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العالمين – الاعراف 80)، وقوله( ولوطا اذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون- النمل 54).

وتعني الفاحشة بحسب تفسير اهل الدين بأنها (معصية كبيرة في غاية القبح، او متناهية القبح)، وعدّها آخرون (قبحا كبيرا كالزنا)،  فيما تعني بحسب المختصين باللغة (ما عظم قبحه من الافعال والأقوال)، يقابلها في اللغة الانجليزية (Immorality) أو (Shameful Deed).

هذا يعني أن الدين الأسلامي وضع الجنسية المثلية في صنف الأخلاق التي لا تترتب عليها عقوبة، بقدر ما يكون مرتكبها قبيحا منبوذا في مجتمعه.

هل الجنسية المثلية.. جريمة؟

تنظر مدارس الشريعة الاسلامية التي تعتمد على اسس قرآنية واحاديث نبوية الى ان المثلية الجنسية هي شذوذ جنسي وخروج عن فطرة الانسان. ويصنف العلماء هذه العلاقة كخطيئة وجريمة يجب ان يحاسب عليها مرتكبها فيما لم يرتب نفس العقوبة على المثليات الجنسية ولم يعد السحاق زنى.غير ان ابن القيم في كتابه الجواب الكافي يقول (ولما كانت مفسدة اللواط من اعظم المفاسد، كانت عقوبته في الدنيا والاخرة من اعظم العقوبات).

للأزهر.. رأي

في مباراة كأس العالم المقامة في قطر (كانون الأول 2022)، حصل ان حضرت وزيرة المانية مباراة بلادها مع اليابان مرتدية شعار المثليين في منصة المتفرجين الخاصة بالمسؤولين، وصف تصرفها بأنه تحد سافر لقوانين دولة قطر، ما دعى شيخ الأزهر (أحمد الطيب) الى التضامن مع قطر، منددا بما وصفه (الغزو الثقافي الغربي الذي يريد تقنين المثلية والشذوذ والتحول الجنسي في المجتمعات الشرقية بدعوى الحقوق والحريات وغير ذلك من الأفكار غير المقبولة دينياً وإنسانياً).وما يعنينا هنا انه وضع (المثلية الجنسية) في صنف الأفكار غير المقبولة دينيا وأنسانيا.

وعن الحدث ذاته كشف مصدر أمني رفيع المستوى في القاهرة بأن (هناك مخططاً يجري تنفيذه لنشر المثلية في مصر والوطن العربي، وأن اتفاقية السيدو التي طرحت مؤخراً من جانب الأمم المتحدة لدعم الدول النامية تحتوي على بند يطلب من الدول العربية الموافقة على زواج المثليين، إلا أن مصر تحفظت على هذا البند الذي أعيد طرحه مرة أخرى). ورصدت الأجهزة الأمنية مؤخراً أفلاماً كرتونية للأطفال تشجع على المثلية.

وبالضد من كل المواقف السابقة، فان داعية أسلامية أسمه (مصطفى راشد) أيد زواج المثليين، مؤكداً أن (تحريم زواج الشذوذ جاء بالنسبة لآل لوط فقط). وحصل أن اقيم علنيا حفل لزواج المثليين على مركب وسط النيل.

في العراق.. طنطا!

على مدى أربعين سنة، وتحديدا" من عام 1980 بداية مسلسل الحروب الكارثية، عاصرت ما حدث بالمجتمع العراقي من ظواهر، واجرينا دراسات ميدانية سواء في ميدان جرائم القتل البشعة، البغاء، المخدرات، العنف، أو المثلية، توصلت من خلال من التقيت بهم الى الحقيقة الأتية :

(حين يمر المجتمع بأزمة حادة،

فأنه ينتج عنها ظواهر سلبية

تتجسد أكثر في أوساط الشباب).

واللافت للانتباه ان الظاهرة السلبية التي تحدث في المجتمع لها علاقة بطبيعة أو نوعية الازمة. ففي زمن الحصار شاعت في المجتمع ظاهرة سرقة السيارات المصحوبة بقتل اصحابها، التقينا في سجن (ابو غريب)بالعصابات التي القي القبض عليها وقمنا بتحليل شخصياتهم.وفي زمن الحرب العراقية الايرانية ازدادت حالات البغاء، واجرينا دراسة ميدانية شملت اكثر من ثلاثمائة بغيا" وسمسيرة القي القبض عليهن، لمعرفة اسباب ووسائل البغاء وتحليل لشخصية البغي.

وفي 2010 ظهرت للعلن حالات اصطلح على تسميتها شعبيا" (طنطا).. وتعني الشباب المتميعين الذين يستخدمون (المكياج) لتجميل وجوههم، وزرق الهرمونات لتكبير الصدر، والتشبه بالنساء في تصرفاتهم، وصفوا بــ (المخنثين) أو (المثليين) أو (الشاذين جنسيا")، فقامت احدى الميلشيات الاسلامية بقتل عدد منهم واحتجاز عدد آخر ولصق مادة السيكوتين على فتحات شروجهم.. وراحوا على ما فعلوا بهم يتفرجون!.

وكان السبب الرئيس لظهورهم في ذلك الوقت يتعلق بالتحولات الديمقراطية واشاعة الحرية، وظهور منظمات مجتمع مدني تطالب باحترام حقوق الانسان، فشّكل المثليون ما يشبه التنظيم الذي يهدف الى انتزاع الاعتراف بحقوقهم كما هو الحال في عدد من المجتمعات الغربية، دون اخذهم بالاعتبار ان المجتمع العراقي مجتمع اسلامي له قيمه التي تختلف عن قيم المجتمعات الغربية.وسبب اخر اعتقد انه الارجح، هو ان هؤلاء (المثليين) ارادوا في حينها ان يعلنوا عن انفسهم ليكشفوا للعالم الغربي كم هم مضطهدون ومستهدفون بالقتل لعلهم يحصلون على لجوء في دولة اوربية.

المثلية الجنسية.. في الطب النفسي

كانت التصانيف الطبية النفسية وأشهرها (DSM) قد وضعت حالات المثلية تحت مصطلح (اضطراب الهوية الجنسية).. وتعني تحديدا" ان الفرد " المثلي " يشعر انه ولّد في الجسم الخطأ. فالولد يشعر نفسيا" انه انثى ولكنه مولود في جسم ذكر، وهنا يحصل اضطراب بين هويته النفسية ومشاعره الانثوية وبين هويته البايولوجية وما مطلوب منه التصرف كرجل.وهذا ما كنا نبهنا له(في 2010) اجهزة الدولة المعنية والناس بشكل عام الى ان هؤلاء المثليين جاءوا بتركيبة نفسية وبايولوجية خاطئة، وانهم كالمرضى الذين لا يكونوا مسؤولين عن مرضهم. وعليه فان اساليب التعامل مع هذا الصنف تحديدا" يجب ان تختلف. فاذا كان الارشاد الديني والاخلاقي ينفع مع الذين (تخنثوا) لاسباب اسرية واقتصادية وشعور بالضياع، فانه لايجدي نفعا" مع المصابين بــ(اضطراب الهوية الجنسية)، وعلينا ان نكف، شرطة واجهزة امنية ومتشددون، عن استخدام العنف مع هؤلاء أو استهدافهم بالقتل، لأنه يزيد المشكلة تعقيدا".

وعلينا ان نقر بحقيقة تاريخية هي ان المثلية الجنسية حالة بشرية وجدت على إمتداد التأريخ، وموجودة في المجتمعات البشرية كافة في العالم المعاصر بغض النظر عن العرق أو الدين أو اللغة أو المستوى الحضاري أو الإقتصادي، بضمنها المجتمعات الإسلامية المعاصرة، والفرق انها صارت تمارس في المجتمعات الغربية بشكل علني فيما هي تمارس في مجتمعاتنا الاسلامية بشكل سرّي.

إن النظرة العلمية الحالية لظاهرة المثلية هي أنها في اغلب الأحوال ناجمة عن خلل تكويني يؤثر في نمو وتكوين الدماغ البشري، يبدأ في المراحل الجنينية ويستمر طوال حياة الفرد المصاب.ولهذا السبب، ولأحتجاجات المثليين في الغرب، تم رفع (المثلية الجنسية) من تص ولقد اتصلت بطبيب نفسي عراقي مقيم في لندن (الدكتور رياض عبيد) عن آخر ما تم التوصل اليه علميا عن المثلية، فاجاب بأن أسباب المثلية ليست معروفة تفصيلياَ، و لا يوجد لها علاج في الوقت الحاضر يمكن أن يغير المثلي الى سوي سواء بإستعمال العقاقير أو العلاج النفسي أو الإجتماعي، مؤكدا بأن (المثلية ليس لها علاقة بالتربية البيتية وليس لها أي علاقة بالتفسخ الخلقي أو الإجتماعي أو بقدرة الفرد على أن يمارس دوراَ إيجابياَ في المجتمع).

توصية

نوصي الأجهزة الأمنية والفصائل المسلحة بأن قتل المثليين الجنسيين او تعذيبهم لن يقضي على هذه الظاهرة، فضلا عن ان استهدافهم بالقتل او التعذيب يعد جريمة، وأن التعامل معهم يكون باحالتهم الى الأطباء النفسيين وتأمين متطلباتهم. وعلى الأعلام العربي الكف عن التحريض ضدهم واظهار انفسهم بانهم الأحرص على الدين والأخلاق.

وللتذكير، فان مدير شرطة بغداد استدعاني الى مكتبه في التسعينات، وعرض عليّ مجموعة من (المخنثين والمثلين) طالبا مني اجراء دراسة عليهم واقتراح الوسيلة المناسبة للتعامل معهم، فاخذ بما اقترحنا ونقلوا الى مستشفى ابن رشد للأمراض النفسية.. فكونوا مثلهم وخذوا بما يقوله العلم ان كنتم على القيم والدين وشعبكم حريصين.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

في المثقف اليوم