قضايا

عبد الله العروي في رواية "الموتشو" لحسن اوريد

توطئة: "ان الخطر بالنسبة لاي كاتب هوالاستبعاد قبل الاستشكال".

(اديب طه حسين هو المثقف المغترب المتردد بين النبوغ والجنون، الذي يخفق في كل مساعيه فلا ينفع نفسه ولا ينفع امته .او ليس لانه اديب واديب فقط ؟ ماساة مصر التاريخية من حلال ميل ثقافي ونفساني)... عبد الله العروي: من التاريخ الى الحب

(1)

عن دار النشر المتوسط بايطاليا صدرت الرواية الجديدة للاستاذ حسن اوريد " الموتشو" والحق انني لم اكن متحمسا لقراءة الرواية اولا، لان قراءتي في مجال الرواية تقلص كثيرا واخر رواية قراتها للاستاذ حسن كانت روايته "رباط المتنبي" و اعجبني كتابه السردي رواء مكة..

اما روايته الاخيرة ما يهمني فيها هو ما ورد فيها عن الاستاذ العروي واثار بعض الاستهجان على صفحات التواصل..

ونظرا لاهتمامي بفكر الاستاذ العروي كان لا بد من الاطلاع على ما ورد في الرواية حول العروي وضمن اي سياق جاء ذكره..

والجدير بالذكر ان الرواية مليئة باسماء كتاب ومؤلفين اقحمت اسماؤهم في السرد الروائي من غير رابط يربطهم بالنسيج الروائي..، فقد اقحمهم السارد اطنابا وحشوا مما اخل بالبناء الفني للرواية .. وغني عن البيان ان غياب التصويرالفني، أفقد السرد مسحته الفنية وأصبح مجرد كلام مباشر فاقد للشحنة الفنية..

ولست بصدد تقويم نقدي للرواية فذلك يتطلب قراءة فاحصة ومدققة..

وما اريد ان اتوقوف عنده ينحصر في ابداء ملاحظات على السياق الذي تطرق فيه للاستاذ العروي من خلال ربطه بالرؤية السردية بقصد فهم مراد السارد من اقحام اسم احد اعلام الفكر النقدي الحداثي في خطابه السردي..

(2)

لعل اول ما يشد قارئ الرواية شخصية بطل الرواية.. (أمين).

من هو "أمين"..الشخصية الرئيسية التي حولها نسج المؤلف الخيوط العنكبوتية لاحداث روايته المؤلفة من جزئين الاول من ص7 الى ص299والجزء الثاني من ص303 الى ص429).

ولست هنا بصدد تقديم قراءة نقدية حول البنية الفنية للرواية هذا أمر اتركه للنقاد المتمرسين من فن النقد الادبي والسردي ..

وما يهمني الوقوف عنده هو تجلية بعض الملامح والمعالم للشخصية الرئيسة للرواية التي من خلالها اطلق المؤلف احكامه المبتسرة التي اثث بها مجمل صفحات روايته.. فمن خلال بطل الرواية اقحم السارد الكلام الموجه للاستاذ العروي..

وقبل ان نعرض لما ورد بهذا الصدد وتحديد سياقه.. نود التعرف على الملامح التي رسمها السارد لبطل روايته ومن خلاله اطلق احكامه الجزافية والفجة على الاحداث والافكار والتوجهات والاشخاص تلميحا وتصريحا ..

(3)

من هو اذن امين البطل الرئيسي لرواية الموتشو.؟

 ان اسم " امين" يحيل الى "امين الكوهن" استاذ التاريخ اليهودي في المغرب بجامعة الحسن الثاني (بن مسيك/ الدار البيضاء)..وقد اختار المؤلف الاسم لتأكيد على الأصول اليهودية لبطل الرواية..

ويصفه المؤلف بانه "فتى" في الثلاثينيات من عمره يلقبه صديقه "بنيس" وهو احد شخصيات الرواية "بالموتشو" تدللا او تحببا..

وكلمة الموتشو التي عنون بها المؤلف روايته تعني (ايها الشاب او الولد او الصبي..) والمقابل الفرنسي للكلمة الاسبانية:( gars /gamin/ garçon)

وتجدر الاشارة بان هناك قصة بنفس العنوان(mutchacho) للرسام الفرنسي امانويل لباج صدرت في 2006..

شخصية "امين" كما رسمها المؤلف وقدمها في فصول روايته شخصية مركبة غريبة الاطوار رافضة ماجنة .. ينحدر من اسرة محافظة متدينة مسلمة من اصول يهودية ضاربة في القدم ..

ويسعى السارد الى ان يجعل من الاصول العرقية روابط هوياتية يهودية ثاوية في اعماق الشخصية..

حصل "امين الكوهن على " دكتوراه من الجامعة الفرنسية تخصص التاريخ حول اليهود المهاجرين بعد سقوط قرناطة 1492 رغم انه درس التاريخ كان له اهتمام بالفلسفة..

يتقن اللغة الفرنسية والانجليزية ويقوم بالترجمة من اللغتين الى اللغة العربية.. يقول بان توجهه السياسي يندرج في دعم (حرية/عدالة/كرامة).

هل كان حاملا لرؤية ومسلحا بزاد معرفي ومنظومة قيمية؟

جاء على لسان بطل الرواية (ص46) " ان اسمه امين كوهن ( كوهن عربي مسلم .. ( مسلم يعنيune façon de parler) أي

لا يريد الحديث في القضيا المعقدة..( الهوية او التاريخ او الايديولوجيا؟)

 قضايا كبرى وسرديات مجلجلة ورسالات مهدوية..هذا مكر التاريخ يصوغ القضايا الكبرى او الاوهام الكبرى..

يرى ان الصراع العربي الاسرائلي نزاع تغلب فيه العاطفة الجياشة..وهو نزاع من اجل الوجود.. المنتصر فيه يجهز على الخصم الاخر ..

يشعر بانه يعاني من التهميش كمثقف و هذا ينعكس على مواقفه وتفكيره..

هذه بعض ملامح بطل رواية الموتشو ورغم ان البطل شخصية حقيقية الا ان السارد نزع عنها صفتها الواقعية والبسها لباس التخيل الروائي الفني ..

فشخصية امين في الرواية وكل ما نسجه السارد حولها هو من بنات فكر المؤلف وهذه مسالة فنية بالغة تحتاج الى بحث وتشريح لا يندرج في اهتمامنا .. وقد توقفنا عند الشخصية الرئيسية للرواية كتوطئة لعرض الكلام الذي اقحم في الرواية عن الاستاذ العروي ..وسيكون الخاتمة التي نختم بها ملا حظتنا المقتضبة حول الرواية ..

 (4)

من نافل القول ان القصة لون من فنون الادب ولون من الوان الحياة.. ولكل قصة طريقة تصلح لادائها وتبلغ اثرها وفحواها وما يتخللها من شعور وفكرة فاذا احسن المؤلف فهي حسنة واذا اساء واسف فهي اسوأ المكتوبات وادناها الى الضعة..

والقصة ليست مجرد رسم لحوادث او لشخصيات بل هي قبل ذلك الاسلوب الفني وترتيب الحوادث في موضعها وتحرك الشخصيات في مجالها.. وليس المهم نوع الحادثة وضخامتها ولا لون الشخصية وعظمتها.. وانما المهم هو طريقة تناول الموضوع بحيث يؤدي الى رسم صورة معينة للحياة .. لكي تكشف لنا عن اكبر قدر من خصائصها وتعبر عن مشاعرنا بعبارات والفاظ تتناسق مع الجو والسياق والشخصيات ..

والقصة عمل ادبي واعي ..بمعنى ان التعبير في القصة يتم في حالة وعي كامل..

فهل ينطبق كل ما ذكرناه على رواية حسن اوريد الموتشو ..

تقديري انها تفتقد الى التنسيق الفني او التصوير الفني الجمالي الذي يجعل من القصة تعبيرا عن التجربة الشعورية اي تعبيرا عن الحياة في تفاصيلها وحوادثها الجارية في الزمن وكل غاية مرتبطة بغاية اعظم ..

وعندما ينعدم التنسيق الفني تصبح الرواية مجرد حشد من الخواطر والانفعالات والصور بلا ترتيب ولا تنسيق، محشوة بحكايات متناقضة.. لا رابطة بين الحوادث والاشخاص ومن هنا جاء التنافر بين فصول الرواية و بين شخصيات الرواية واحداث الرواية وزمانها ومكانها وبدت وكانها شخصيات هلامية فوق الواقع وفوق الخيال يختفي السارد خلفها ليصدر احكاما في كل اتجاه باعتباره الحكم الذي يصدرحكمه على ما يجري في المجتمع من منظور انه فوق الاشخاص وفوق الحوادث ..وضمن هذا السياق يندرج الكلام الذي ورد فيه ذكر الاستاذ العروي دون رابط سابق ولا لاحق ..

(5)

العمل الادبي تعبير عن التجربة الشعورية.. والتعبير في اللغة يشمل كل صورة لفظية ذات دلالة .. والقصد رسم صورة مثيرة للانفعال الوجداني لدى الاخرين وهذا هو شرط العمل الادبي وغايته.. وليست غاية العمل الادبي ان يعرض لنا حقائق عقلية او فلسفية..

من هذا المنطلق يمكن القول ان ما يسم فصول رواية "الموتشو" انها حاطبة من كل فن بطرف ومحشوة بحكايات واشارات وظواهر شاذة واحالات الى كتب وذكر اسماء بارزة .. من اجل الاثارة..

ويستتبع هذا ان شخصيات الرواية هي مزيج من الواقع والخيال..

ضمن هذا السياق الجامع بين الاضداد و الذي تضافر فيه السرد والوصف والاحداث والشخصيات جاء ذكر اسم المفكر عبد الله العروي بشكل عرضي في ديباجة الفصل(13) من الرواية..

 نص هذا الفصل من صفحة(107 الى صفحة(115).ورد فيها ذكر العروي في اسفل الصفحة(109 وبدايةالصفحة110).

ان قراءة هذا الفصل ستبين لنا انه لا توجد لازمة او رابطة بين الكلام الذي جاء فيه ذكر العروي والخطاب السردي للرواية اي الربط بين السرد والسارد والمسرود اليه او المتلقي..

فالسارد هو شخصية محورية في الرواية يتوسل بها الكاتب لنسج عالمه الحكائي والقصصي وتمرير خطابه الايديولوجي..

ان البحث في علاقة السارد بالشخصيات من حيث العلاقة التي يقيمها بمتنه الحكائي او بمخاطبه..

فالروائي يعرض وجهة نظر معينة من المنظور السردي..قد تعني فلسفة الروائي او موقفه الاجتماعي والسياسي..

فهل يندرج ما ذكره حول العروي ضمن موقف الروائي السياسي وليس نقدا للمشروع الفكري للعروي..

وهنا لا بد من التذكير بان الأستاذ العروي مؤرج ومفكر نقدي واديب منشئ ومترجم.. وفوق هذا وذاك يتسم بسداد النظر ووضوح التفكير والجرأة في الرأي والتقد..

(6)

الرواية فن ادبي واسلوب تعبيري، في صورة موحية عن الحياة، في تفاصيلها وحوادثها الاجتماعية والنفسية..

والغاية من العمل الادبي الفني الهادف ليس الامتاع الغريزي، او الاثارة العاطفية.. بل وسيلة لطرح مشكلة من مشاكل الحياة يمتزج فيها الواقع بالخيال.. بحيث لابد ان تحدث او تقبل الحدوث ..

فالغاية من الرواية هي ربط الفن بالحياة حيث يتداخلان فينتج عنهما تجديد عميق في حياتنا الروحية والفكرية... فالتجديد هو الفهم العميق..، وكل فهم صحيح يعتبر تملك للمفهوم..

فكل ادب لا يجدد الفكر انما هو مجرد تعبير نرجسي وكلام مرسل لا طائل من ورائه.. يندرج ضمن العبث بالافكار..

والادب الحي بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة هو الادب الذي يأخذ ويعطي..

ان ما اردناه من هذا الاستطراد هو التنبيه الى ما حفلت به فصول رواية الموتشو من تنافر وحشو و عدم تناغم و قدح واغراب والتكلف الثقيل المعيب..

في الفصل (13) الذي ورد فيه ذكر المفكر العروي يتحدث بطل الرواية عن الصحافة والجامعة ( والفهم والادراك) وان الجامعة هي مكان الفهم ..لكن الجامعة شاخت واصبحت تنقل مصطلحات من دون محتوى..وتحول سلم القيم .. ويقول السارد ان بطل الرواية تقدم بطلب للالتحاق بالجامعة وان طلبه رفض من طرف اللجنة التي وصفها باشتع الاوصاف و سخر متها سخرية هجائية سوداء ونعتها نعتا كاركاتوريا كما طعن في الجامعة وبخس من اساتذتها..

ضمن هذا السياق جائت الاشارة المقحمة في الفصل عن الاستاذ العروي..

 (7)

بعد حديثه في ذم الجامعة وتبخيس مؤسساتها ووصف اساتذتها باشنع الاوصاف ..(ص=108/109) يستدرك السارد بالاسناد الى بطل الرواية"امين"

انه لا ينكر وجود اشخاص متميزين بعضهم استقطبته مراكز بحث اجنبية.اومجانين يحلمون ويجرون وراء السراب.. معتمدين على امكاناتهم الذاتية.. ثم يضيف لم تعد هناك لحمة تشد الاجيال الى ذاكرة..او رؤية مستقبلية. وان دور النشر اغلبها مؤسسات ربحية تقوم على الاحتيال..

الكاتب عامل برولوتاري يمني النفس بالحصول على جائزة ويكتب تحت الطلب ليروق للجنة المانحة .. اغلب اعضاء اللجنة لم يبدعوا شيئا يذكر ولكنهم حاذقون في العلاقات العامة..

بعد هذا الاستطراد الممل والكلام المرسل المباشر..اردف الى اقحام ذكر الالاستاذ العروي( كان مثقف مغربي قد كتب في السبعينات كتابا جيدا عن ازمة المثقفين العرب والايديولوجية العربية المعاصرة.. وكان بحق مثقفا جيدا يتحلى بالصرا مة العلمية ..ولوانه اضحى هو نفسه في خريف عمره معبرا عن الازمة لانه لم يعد يقول شيئا سوى اوان فارغة في تعبير الشاعر الفرنسي ما لارميه "Des bibelots d'ananité sonore" مما استعمله سارتر عن الكاتب الذي لا يقول شيئا.)(ص109/110) وينهي السارد كلامه عن العروي بتعليق نرجسي يحيل الى الكاتب الذي هو في الحقيقة البطل الحقيقي للرواية بدليل ما ورد في الفصل الاخير من الرواية(ص428) :" لم تكن رواية انما قصة حقيقية انعكست في حياة امين في تبادل ادوار بينه وبين الضمير المستتر." والضمير المستتر هو المؤلف نفسه حسن اوريد ..

اذن يقول بعد وصفه للعروي بانه اصبح في خريف عمره مجرد اناء فارغ له رنين(او طبل اجوف..) وكاتب لم يعد يقول شيئا.. في هذا الحال فان الضمير المستتر اذا قدر له ان يكتب عن ازمة الثقافة العربية سيذكر انها لم تعد ترتبط بمشروع سياسي ولا فكري و لاسردية تستحثها ولا طموحا جماعيا يلم شعثها. والدليل ان جل الكتابات الفكرية مترجم ترجمة رديئة ..

اما الاسلاميون فلا ينتجون فكرا.." (ص110)

والرادكاليون يوظفون الدين مما يؤدي الى وحشنة الدين المقابل الفرنسي لكلمة

 ( l' ensauvagement).

هذا مجمل ما ورد في الفصل الذي تناول فيه مؤلف الرواية المفكر عبد الله العروي..

ان العروي الذي يصفه صاحب الرواية بانه اصبح طبلا اجوفا.. (أي اناء فارغا..) هو نفسه الذي يقول عنه نفس المؤلف لموقع طنجة انفو(3غشت2018) عند صدور كتابه "من اجل ثورة ثقافية بالمغرب؟).

" يقول ما اقصده بالثورة الثقافية هو تغيير البنية الذهنية للمجتمع وان التحديث والمعاصرة ليست اكتساب مهارات او تقنيات على أهميتها بل لا بد ان يتم تغيير البنية الذهينية للمجتمع..ثم يضيف ان فكرة الثورة الثقافية ليست حديثة فقد صدرت منذ خمسين سنة واول من استعملها من المفكرين المغاربة هو عبد الله العروي في كتابه الايد يولوجيا العربية المعاصرة معتبرا ان العرب لن ينتقلوا الى طور التحديث ما لم يقوموا بثورة ثقافية والثورة الثقافية لن تتحقق الا بتغيير البنية الذهنية من خلال التربية ..

يبدو ان مؤلف الرواية نسى انه اخذ فكرة كتابه "من اجل ثورة ثقافية.." من كتاب الأيديولوجيا العربيةا المعاصرة الذي صدر سنة1967 وما زال مرجعا يلهم الكثيرين..

واجمالا فان الأستاذ العروي صاحب ملكة عقلية رفيعة بوأته المقام الأول في الاعتبار ..

يمكن ان تخالفه في بعض ارائه او في مبادئه السياسية.. ولا تكون المخالفة الانظرة حيث تقترب الأفكار والاراء..

وصدق الفقيه الفيلسوف ابن حزم اذ يقول " من حقق النظر راض نفسه على السكون الى الحقائق وانما آلمتها لاول صدمة وكان اغتباطه بذم الناس إياه اشد واكبر من مدحهم إياه.''..

الخاتمة : ان الملاحظات السالفة تندرج ضمن تجلي الحقيقة واستضاح الراي..من موقع النقد والتعقيب،بغرض الفهم و النفاذ الى لمضامين الخطاب السردي وطبيعة العمل الذي يصوره والتجربة الشعورية التي يعبر عنها..

فكان لا بد ان نتوقف عند معنى الرواية، باعتبارها ملحمة في عالم تضطرب فيه علاقات المعنى والقيمة..،وتختل فيه الانساق الكبرى، وتنهار المطلقات..

ان ما يميز الكتابة الروائية هو انها تبحث عن أشياء خارج المضامين المعقلنة عند الفلاسفة والمؤرخين..

ليس من مهمة الرواية ان تصنع ثورة او تغير مجرى الاحداث في العالم..، انها أداة للمعرفة والمتعة، تجعلنا اكثر إدراكا واحساسا لكل ما حولنا..

الرواية مرآة عاكسة لسجل الأفكار والامال والاحلام..، وهدف الرواية الجراة والصدق في الرؤية، والتعامل مع الحقائق والأساليب..، والهدف هوقضية الموضوع..

وعمل الاديب صورة لشخصيته وموقفه من الحياة..

وحيثما يوجد ادب تصويري للعواطف والمشاعر، يصبح من الصعب ان نفصل ما هو ترجمة داتية، عما هو عمل فني موضوعي خارج عن ذات الفنان او المبدع..، فصاحب العمل الفني لا يعطينا ترجمة ذاتية حقيقية حتى وان تطابقت الوقائع والشخصيات والطباع مع مانعرفه عنه وعن من حوله..،وهو في نفس الوقت لا يعطينا عملا منفصلا عن ذاته تمما..، بل يقدم عجينة او طبخة تمتزج فيها وقائع حقيقية مع وقائع متخيلة..

واذا طغى التوصيف الاسلوبي المباشر على الخطاب السردي، وقع التطابق بين السارد والكاتب، فيترتب عن ذلك اسقاط السارد لمواقف الكاتب النظرية على العمل التخيلي..، فيصبح العمل عبارة عن اشتات مجتمعات ومقابسات من عالم الأسماء والاعلام وعالم الأفكار والمعاني والاحاسيس..

فالرواية الفنية هي التي تترجم الحدث وتعبر عن التجربة الشعورية للأشخاص، وتحيل السرد الى مرآة عاكسة لمظاهر الحياة وعلاقة الانسان بالكون..

فالرواية رحلة استكشافية مفتوحة على المجهول ..والكون كله مرآة تنكس فيه أشياء كثيرة..

اما روية الموتشو فقد تخللها خلط كثير يمزج الاسرائليات وطروحاتها المختزلة بالدعاية الصهيونية التي تكرس الأكاذيب المقررة حول علاقة الصهيونية السياسية بالعصبية الدنية .. ولا فرق بين الصهيونية الدنية والصهيونية السياسية في النتيجة الواقعة..

ان الاله عند العبرانيين يسمى اله إسرائيل ويخص من أبناء إبراهيم ذرية يعقوب دون سائر الخلائق..كما ان طبقة الهيكل موقوفة على سلالة هارون( واليها ينسب طبقة الكهان.).

ويقول عالم النفس الشهير "فرويد" في كتابه موسى والتوحيد" ان اليهود لديهم فكرة عالية عن انفسهم ويعتقدون انهم انبل من غيرهم وعلى مستوى ارفع..ويضيف ان سبب هذا الاعتزاز هو تصديقهم بانهم شعب الله وابناؤه الذي اختارهم واصطفاهم على العالمين.." ويطمئن بنو إسرائيل لهذا الزعم حتى وان لم يستحقوه بولاء او ايمان ..والاسرائلي يعتبر نفسه سيد العالم بحق الهه..

واليهود اشتات وقبائل ومذاهب ..كل طائفة لها مذهبها حسب المجمع الذي تنتمي اليه..

والعقيدة الدينية لا تقاس بالنظر الى الأصول العرقية ..وانما تقاس الأديان بما تودعه من القيم والحوافز التي تزيد حرية الضمير .. والامل في الصلاح وفي طلب الكمال..

وقد خلت كتب بني إسرائيل من ذكر البعث واليوم الاخر..فلا مناص في العقيدة باي معنى من معاني الاعتقاد من خير وراء أيام الفناء..

لقد جعلوا من العقيدة الإلهية مشيخة قبلية ومن النبوة ضربا من التنجيم ومن المسؤولية الإنسانية ضربا من العصبية الجهلاء لغير سبب ولا فضيلة..

من الأمور اللافتة للنظر في عصرنا بث الأكاذيب المقررة من تدليس وتمويه وقلب للحقائق من اجل استهواء البصائر وسحر القلوب وابهار العقول ودفع الناس على التهافت كما يتهافت الفراش على النار..

لمواجهة الأكاذيب المقررة حض الامام الغزالي على النظر لان من لم ينظر لم يبصر ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال..

يجب ان نحرر الفكر من الأوهام الزائفة وذلك بنقد الأفكار نقدا يميز صحيحها من باطلها..

***

احمد بابانا العلوي

في المثقف اليوم