قضايا

المدرسة: حضور إنساني أم احتضار رأسمالي؟

"لقد أسسوا المدارس، ليعلموننا كيف نقول نعم بلغتهم"

(من رواية موسم الهجرة للشمال، للأديب السوداني، الطيب الصالح ).

ما زال الوعي التربوي العام السائد في بلادنا أسير الرؤية التقليدية السحرية إلى المدرسة بوصفها المكان الذي يتفتق بعطاء المعرفة، ويتضوع بأريج العلم، ويعبق بمعاني الحكمة، وينهض بأسرار الجمال، ويقدح بأنوار الحقيقة في تدفق ضوئي غامر يتعانق فيه سمو المعاني بألق الدلالات.

ومما لا شك فيه أن هذه الصورة الجميلة عن المدرسة قد تشكلت وتبلورت عندما كانت المدرسة عبر تاريخها الطويل عنوان عطاء إنساني حرّ ينهض بالإنسان ويعلو به إلى مراتب الحق والخير والجمال، وعندما كان روادها يشكلون طليعة من رسل الحق الخير والمعرفة والجمال، أي في الزمن الذي كانت فيه المعرفة التي تبثها المدرسة تعبق بطابعها الإنساني والأخلاقي والغائي دأبا على تشكيل العقول وبناء النفوس على مقاييس السمو الأخلاقي والإنساني تجسيدا لقيم المعرفة والحق والعدل والخير والغنى والجمال.

لقد تأصلت هذه الصورة الجميلة عن المدرسة في الوعي العام، وارتسمت في الوجدان تحت مطارق الشعارات والكلمات التي تعلمناها منذ الصغر حول المدرسة والمعلم والرسالة التربوية وقيمة العلم وعظمة المعلم وقدسية المعرفة وقداسة العقل، وهي المفاهيم التي رسخت في العقل الباطن وبقيت أصيلة في الوجدان العام دون تغيير أو تعديل يذكر على مرّ الأيام والأزمان.

ولكن هذه الصورة الجميلة للمدرسة ليست على جمالها في مدرسة اليوم، فالمدرسة لم تستطع - تحت معاول التغير ومطارق التحول - أن تحافظ على صورتها الجميلة، حيث فقد المعلم ألق الصورة التي رسمت له في الماضي، ولم تعد المعرفة العلمية غائية كما كانت في الأمس إذ سقطت في مستنقع الأداتية والنفعية الخالصة.

لقد فقدت المدرسة اليوم كثيرا من بريقها الإنساني وتألقها الأخلاقي تحت وقع تحولات رأسمالية جديدة تختزل الإنسان إلى أبعاده الوثنية المادية، وتغتال الطابع الإنساني للمدرسة، وتسحق أعماقها الأخلاقية، وتوظفها كأداة مدمرة لإنسانية الإنسان وقيمه الإنسانية. فمدرسة اليوم تًحتضر على مذابح التقدم المادي الرأسمالي، وتذهب ضحية الشهوات الرأسمالية الزاحفة نحو المال والربح والقوة والسطوة والسيطرة، حيث تقدم رسالتها الإنسانية قربانا في مواسم انتصارات الرأسمالية الجديدة التي تأخذ صورة عولمة جارفة زاحفة لا تبقي ولا تذر، وعلى هذه الصورة يتمّ تدمير الجانب الإنساني في الإنسان الذي يحتطب ليزود النظام الرأسمالي الجديد بالقدرة على الانطلاق إلى غاياته المادية والنفعية المطلقة.

لقد أبدعت العولمة بأدواتها الذكية تمائمها التربوية، وتعويذاتها السحرية، للسيطرة على مقدسات الأنظمة التربوية وروحها، واحتواء طاقتها الإنسانية، ومن ثم توظيفها للسيطرة على السوق، وتحويلها إلى مؤسسة رأسمالية بامتياز في وظائفها وغاياتها. واستطاعت في هذا المسار أن توظف أدهى الأدوات وأذكى الممارسات لقتل الروح الإنسانية في المدرسة، وتحويلها إلى جسد رأسمالي يعيش على إيقاعات القيم الرأسمالية الجديدة القائمة وعلى مقاييس الجشع الرأسمالي طلبا للثراء والقوة والربح في ميادين العرض والطلب.

علي اسعد وطفةوالأدهى من ذلك كله، أن الرأسمالية العالمية الجديدة تعمل وبطرق خفية ذكية على تغيير المدرسة وتفجير أعماقها الإنسانية والإبقاء على تموجات السطح بشواطئه الجميلة؛ فالتغيير والتدمير يحدث في العمق المدرسي دون أن تبدو آثار هذا التدمير في السطح، أي في الصورة الخارجية للمدرسة، التي ما زالت من حيث الشكل كما كانت في الماضي معادلة إنسانية جميلة ترتسم في معادلة العلاقة الخلاقة بين المعلم والطالب والرسالة والأمل والحياة والقيم والحق والخير والجمال، أما في العمق المدرسي وعلى خلاف ذلك فتعتمل كل معاول الهدم والتدمير التي تطبق على المعادلة الإنسانية تسييّدا لقيم الربح والتنافس والتسويق والتسابق وانسجاما مع قوانين السوق بما يعتمل فيه من صراع وعرض وطلب وربح واصطفاء وابتزاز.

فنحن اليوم إزاء صورتين للحقيقة المدرسية، صورة إنسانية تطفو على السطح، وصورة أخرى حقيقة تستقر في الأعماق. وهكذا تبدو الصورة الإنسانية التي تطفو على السطح جميلة صافية نقية، أما الصورة التي تستقر في الأعماق فهي صورة النار والبركان والحجر، وعلى هذه الصورة تبدو مدرسة اليوم أشبه بالمحيط الذي يستريح على جمال الشواطئ بينما تعتمل في أعماقه السحيقة اندفاعات الزلازل وثورات البراكين المدمرة.

ومما يؤسف له أن الوعي التربوي العام مأخوذ بمشاهد السطح وأوضاعه الجميلة دون أن يغوص في الأعماق ويتحرى في ظلماته وتياراته العنيفة. فمن منا اليوم لا تمتلكه مشاعر الرضا والإحساس بالنشوة الوطنية على إيقاعات التقارير الوطنية للتعليم في بلداننا، المتخمة بالمؤشرات الإحصائية عن إنجازات السياسات التربوية الكبرى في ميدان التربية والتعليم، من حيث النمو المتسارع في عدد المدارس، واقتحام معاقل التسرب، واختراق جدران محو الأمية، واتساع الجامعات وتنوعها، وارتفاع عدد الخريجين، وازدياد مخصصات التعليم من الدخل القومي. وغالبا ما تتجلى هذه التقارير التربوية في صورة خطب سياسية تبتهج وتُبهج شعوبها وتفاخر بعدد الإنجازات التربوية التي تحققت، كالزيادة في عدد الطلاب والجامعات والمدارس والفصول، ومن ثم فإن هذه الخطب تذكرنا دائما بالخطوات الكبيرة المتحققة في ميادين التربية والتعليم تحقيقا لإلزامية التعليم ومجانيته وشموليته وديمقراطيته ونسب الإنفاق عليه.

ومما لا شك فيه أن الخطاب التربوي الرسمي السائد يضعنا إلى حدّ ما في صورة الإنجازات المادية الملموسة المتحققة واقعيا في ميدان التربية والمدرسة، ولا يتجاوز حدود هذا الامتداد الكمي والتوسع البنيوي للأنظمة التعليمية، بل يقدم لنا في كثير من الأحيان معالم الصورة الخارجية الكمية لأوضاع التعليم وتحدياته وطموحاته، ولكن هذا الخطاب لا يضعنا أبدا- وهو بالطبع لا يستطيع لقصور في إمكانياته العلمية والنقدية- أن يضعنا في صورة المشهد الأيديولوجي والفعاليات الخفية المستترة الكامنة في عمق هذه الأنظمة التربوية وفعالياتها التعليمية؛ فالمشهد السطحي الذي تقدمه التقارير والبيانات تكاد تخلو من أي وصف حقيقي للفعاليات القيمية والوظائف الطبقية والأخلاقية المتأصلة في التكوينات الوظيفية لهذه الأنظمة التعليمية، بل تنأى كليا عن تصوير الجوانب الاصطفائية والإقصائية للمؤسسات المدرسية والتعليمية، كما تجفل إشاراتها إلى المضامين الاستلابية القائمة في المؤسسات المدرسية التي تصطفي النخب، وترسخ التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين أفراد المجتمع وفقا لانتماءاتهم الاجتماعية والطبقية.

فالصورة التمجيدية في الخطاب الرسمي لأوضاع التعليم وإنجازاته الكبرى تخفي في الظل منظومة من الحقائق والوقائع التي تنذر بالخطر، وتغفل عن قصد وعن غير قصد عن كثير من الممارسات التربوية المدمرة التي تعتمل في صميم هذه المؤسسات وعمقها، وتنذر بعدمية تربوية فائقة المقاييس والمعايير. وهذا الخطاب التمجيدي يتصف دون أدنى شك بقدرته على التضليل والتدليس في نشاط يهدف إلى ذر الرماد في العيون وإخفاء الحقائق التي يندى لها واقعنا التربوي بالمهانة والخجل. فالخطاب السياسي السائد عن الإنجازات والانتصارات لا يعدو أن يكون أكثر من مخادعة تربوية كبرى تضع في الخفاء ما لا يمكن الإعلان عنه والتصريح بوجوده من ممارسات تربوية اغترابية استلابية طبقية مضادة للإنسان والكرامة الإنسانية.

ولكي نكون في دائرة الموضوعية يتوجب علينا أن نعلن أن أصحاب هذا الخطاب هم أكثر الناس انخداعا بأوهام التقدم التربوي والإنجازات في ميدان التعليم. ويجب أن نعلن أيضا بأن منتجي هذا الخطاب هم أقل الناس قدرة على قراءة ما يعتمل في داخل أنظمتهم التربوية من أسرار وما يكتنفها من غموض وما يدور فيها من فعاليات تربوية استلابية واغترابية.

وهذا الخطاب الرسمي قد لا يختلف كثيرا عن الخطاب العلمي السائد الذي لم يستكشف أبعاد الأنظمة التربوية السائدة وفعالياتها الجوهرية، وقد يكون هذا الأخير مسؤولا إلى حد كبير عن الطابع الشكلي والسطحي للخطاب الرسمي الذي يغتذي من معين البحوث الجارية في ميدان المدرسة، وهي أبحاث تعوم على السطح وتتجنب الغوص في القاع واستكشاف الأعماق. وقد أثر هذا الخطاب بشقيه العلمي والسياسي الرسمي في تشكيل الوعي التربوي العام في المجتمع الذي يفتقر إلى المعطيات الجوهرية حول فعالية التعليم ودينامياته الأيديولوجية والسياسية. فالوعي التربوي العام ما زال مأخوذا بالعناوين الكبرى التي تطرحها الأيديولوجيا السياسية والطبقية للتعليم والتربية، حيث يتشدق أغلب التربويين بخطاب الانجازات، ولغة البيانات، ولهجة المؤشرات التربوية التي تدل على سلامة الأنظمة التربوية ومكانتها في الحياة الاجتماعية والسياسية دون دراية بالأبعاد الحيوية الأيديولوجية لهذه الأنظمة وغاياتها.

وفي خضّم هذا الواقع الملتبس تجب الإشارة إلى حضور طليعة نقدية واسعة من المفكرين والباحثين والمربين الذي أخضعوا أنظمتهم التربوية للنقد والتأمل، وكشفوا عن مواطن الضعف والقصور في بنيتها ووظيفتها، واستطاعوا في سياق رؤيتهم النقدية تناول مختلف جوانب الضعف والقصور في المنهج والمعلم والممارسات التربوية والأخطاء والسياسات القائمة. ولكن قلة قليلة من هذه النخب الفكرية استطاعت أن تذهب إلى أبعد من ذلك سعيا إلى استكشاف الخفي والكامن والمستتر والغامض في بنية الأنظمة التربوية ووظائفها الأيديولوجية، وذلك لأن هذه الجوانب الخفية تتميز بدهائها وقدرتها على التخفي والتدليس والمراوغة في المكان والزمان حيث يصعب استكشافها وتعيينها وتحديد أبعادها وملابساتها وديناميات وجودها. فالجوانب الأيديولوجية الخفية في الحياة المدرسية تتميز بدرجة كبيرة من الصعوبة والتعقيد وتحتاج إلى أدوات معرفية متقدمة وطاقات نقدية متفردة في عملية التقصي والاستكشاف.

ولا يمكننا أيضا أن نغض الطرف عن الجهود الكبيرة التي تبذلها طليعة من المفكرين التربويين في عملية استكشاف الفعاليات الخفية والأيديولوجية للأنظمة التعليمية وإدانتها، وعلى الرغم من أهمية الجهود التي بذلوها ويبذلونها ، فإن هذه الجهود ما زالت متفرقة وضائعة، ولم تشكل بعد قوة فكرية ثقافية مؤثرة في الوعي التربوي العام الذي ما زال مأخوذا بمعطيات سطحية وشكلية عن قضايا التعليم والفعاليات التربوية في جسد المؤسسات التربوية. وما زالت الساحة الفكرية تحتاج إلى المزيد من التطلعات الفكرية الجديدة والممارسات النقدية الساخنة كي يأخذ الفكر التربوي النقدي مكانه ودوره في خريطة الفكر التربوي المعاصر.

فالوعي التربوي في بلداننا مأخوذ بظاهر الأمور وليس بوشائج حركتها الداخلية وما يعتمل فيها من حقائق وممارسات على مبدأ " لك من الأمر ما ظهر وليس عليك منه ما خفي وما ستر"، ومن المذهل اليوم أن مفكرين تربويين يشهد لهم بالعطاء والعناء يقعون تحت سطوة ظاهر الأمور دون التوغل في الأعماق والبحث في دهاليز الأماكن المظلمة والردهات الخفية في الواقع التربوي المعاصر.

وتحت تأثير هذا الغياب الكبير للفكر التربوي النقدي، يجد الوعي التربوي العام نفسه مثقلا بأوهام كبرى عن المدرسة والتربية والتعليم، متأثرا بلمغالطات والضلالات التي ارتبطت بوظيفة المدرسة ودورها وفلسفاتها وبنيتها وديناميات عملها. وهذا الأمر قد ينسحب جزئيا على الوعي التربوي المتخصص الذي نجده لدى أجيال من الأكاديميين والجامعيين، ولدى كثير من الكتاب المفكرين الذي لم يستطيعوا تجاوز عتبة الرؤى السطحية الشكلية لوظيفة النظام التعليمي ودوره في الحياة الإنسانية للمجتمعات المعاصرة.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم هو: أين الرسالة الإنسانية للمدرسة المعاصرة؟ وأين دورها الأخلاقي؟ وما موقع رسالتها السامية في عالم شديد التحول والتغير والتسارع؟ أين هو الدور الحضاري والإنساني لمدرسة اليوم في ظل عولمة مادية جارفة زاحفة؟ أين الدور الإنساني والأخلاقي والحضاري للمدرسة في ظل رأسمالية جديدة تدور رحاها لتطحن كل القيم والمعايير الإنسانية التي عرفتها المدرسة عبر تاريخ الإنسانية الطويل؟

هل يمكن للمدرسة اليوم أن تؤدي أدوارا مختلفة لرسالتها الإنسانية؟ هل يمكن للمدرسة أن تتحول كليا إلى مدرسة بورجوازية أو رأسمالية نفعية لا أنسنة فيها ولا قوة روحية؟ هل تحولت المدرسة حقا إلى مؤسسة للتمييز والإكراه والاصطفاء الرأسمالي الجديد؟ هل يمكن للمدرسة أن تتحول إلى ممارسة برجوازية اغترابية؟ هل تحولت المدرسة في عصر الصورة والميديا والعولمة والثورات الرقمية والمعرفية إلى مؤسسة استلابية؟ هل فقدت المدرسة دورها الإنساني ورسالتها الأخلاقية؟ هل أصبحت مؤسسة للقهر والاصطفاء والعنف؟ هل أصبحت مؤسسة طبقية تمارس وظيفة التقسيم الطبقي؟ هل هي حقا مؤسسة أيديولوجية تنتج وتعيد إنتاج ثقافة الهيمنة والسيطرة للأنظمة السياسية القائمة وللطبقات التي تسود وتهيمن؟ هل تعمل على بث أيديولوجيا الدولة أيديولوجيا الهيمنة والقمع والسيطرة؟

وإذا كانت المدرسة قد قلبت ظهر المجن لرسالتها الأخلاقية، وتنكرت لدورها الإنساني، وتنكبت كل أسلحة القهر والاصطفاء والتمييز، وتبنت كل القيم التي فرضتها عولمة زاحفة ورأسمالية متجددة تخلع جلدها في كل يوم لتظهر في حلة جديدة متجددة، فما الأدوات والفعاليات الذكية الخفية التي تمارسها في عملية الاصطفاء الاجتماعي؟ كيف تمارس الاصطفاء والرمز والعنف الرمزي والقهر الأخلاقي ضد الفقراء والمسحوقين وأبناء الطبقات الهامشية المغفلة المنسية؟

وإذا كان قد ساد في الوعي العام أن المدرسة تقدم وحياة وحركة ونشاط وجمال وأخلاق وقيم وتحضر وعلم ومعرفة، فإن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هل هذه أوهام أم أصنام أم أقنعة مزيفة؟ هل ترمز المدرسة حقيقة إلى هذه القيم السامية وتجسدها؟ أم أن ما تأصل في الوعي هو زيف وأوهام وضلالات تخفي الوجه الخفي للمدرسة؟ فهل للمدرسة أوجه خفية وممارسات فاضحة في دائرة الصمت البارد خلف الستائر المهيبة؟ أسئلة أخرى وجيهة مشروعة يطرحها هذا الكتاب ويسعى إلى فك رموزها واستكشاف خفاياها وأسرارها. تلك هي الأسئلة المحورية التي تشكل منطق هذا الكتاب ومنهجه ولحمته وغايته.

وهنا يجب علينا أن نعلن في هذه المقدمة أن ثمة تحولات عميقة وجوهرية قد حدثت في بنية المدرسة ووظائفها وديناميات وجودها وحركتها، وأن عوامل اجتماعية وتاريخية قد فرضت هذا التحول الجوهري في بنية المدرسة ووظيفتها، ومما لاشك فيه أن العولمة وتطور النظام الرأسمالي الجديد قد أحدث ثورة في عالم التربية وزلزالا مدمرا في وظائفها، والمدرسة تحت وقع هذا الزلزال الكبير قد تحولت - وماضية في تحولها - إلى مدرسة برجوازية ورأسمالية بامتياز، وهي في دائرة هذا التحول تفقد طاقتها الإنسانية وقدرتها على بناء الروح الحقيقة للإنسان الخلاق. لقد تحولت المدرسة وهي ماضية في هذا الاتجاه إلى مؤسسة اقتصادية رأسمالية تفتقر إلى الدلالة والمعنى لتعلن بأن القيم المادية قد أصبحت جوهر الفعاليات التربوية والتعليمية.

وباختصار المدرسة قد تحولت إلى مؤسسة رأسمالية واستطاعت في دائرة هذا التحول أن تنمي في ذاتها فعاليات استلابية جديدة تمتاز بالقدرة على التخفي والتحرك في الظل دائما والتي تعطي للمدرسة من حيث الشكل صورة ترمز إلى معاني التقدم ولكنها في مضمونها تنزع إلى ممارسة الاستلاب ووضع روادها ومريديها في دائرة الاغتراب، حيث تمارس استلابا فكريا واغترابا طبقيا بأدوات عبقرية تتصف بقدرتها على التخفي والظهور من جديد في صور ومعاني ودلالات مخادعة مراوغة.

***

ا. د. علي أسعد وطفة

في المثقف اليوم