قضايا

مساهمات ارسطو في علم البايولوجي

كان الفيلسوف الكبير ارسطو بايولوجيا ايضا، درس النباتات والحيوانات في جزيرة ليسبوس. وخلافا لمنْ جاؤوا قبله، فضّل ارسطو المشاهدة على النظرية، وقام بتجارب بسيطة، لكنه لم يستعمل وسائل التحكم واعتمد دون تمحيص على شهادات غير رسمية، قادت الى بعض الأخطاء .

في عام 370 ق.م، وعندما كان ارسطو بسن الـ 13 عاما توفى ابوه وامه. وفي عمر 17 ارسله ولي امره للدراسة في اكاديمية افلاطون في اثينا. بقي في الاكاديمية قرابة عشرين سنة ولم يغادرها الا بعد وفاة افلاطون عام 347 ق.م. ولما بلغ سن الـ 37 عاما، سافر ارسطو الى اسوس (تركيا حاليا) لمقابلة الطاغية اليوناني هيرمياس Hermias حاكم مدينة أترنيوس، الذي كان احد طلاب الاكاديمية. يبدو ان ارسطو مارس تأثيرا معتدلا على هيرمياس في التخفيف من حكمه الاستبدادي القاسي. ولكن في عام 344 تم أسر هيرمياس وتعذيبه حتى الموت على يد أحد مرتزقة الملك الفارسي ارتتحشتا الثالث.

وبعد موت هيرمياس، دعا تلميذ ارسطو(ثيوفراستوس) ارسطو للعبور الى موطنه الأصلي جزيرة ليسبوس. كلاهما بحثا في نباتات وحيوانات الجزيرة وفي بحيرتها الرائعة (بيرها) والتي تسمى الآن خليج كالوني.

من المفترض ان ثيوفراستوس الأكثر عملية ركز على النبات بينما ارسطو الاكثر تنظيرا ركز على الحيوان، لذلك يجري تذكّر الاول كأب لعلم النبات بينما الثاني كأب لعلم الحيوان. في الحقيقة، ثيوفراسيوس كتب ايضا حول الحيوانات، وارسطو كتب ايضا حول النبات، لكن جميع هذه الاعمال قد ضاعت.

أعمال ارسطو البايولوجية تمثل اول دراسة منهجية للبايولوجي وتكشف الكثير عن الرجل وطريقته. تلك الأعمال جرى في العادة تجاهلها مع انها تشكل ربع كتاباته المتوفرة حاليا، وجرى تقييمها عاليا من جانب الطبيعيين مثل جورج كوفيه وتشارلس دارون الذي كتب في سنة وفاته،1882، الى وليم اوغل انه "بالرغم من ان لينيوس وكافيه كانا مثالا يُحتذى بهما لكنهما ليسا اكثر من اطفال مدرسة قياسا بارسطو".

في أعماله البايولوجية، يوجز ارسطو اكثر من 500 نوع من الكائنات الحية، البعض يصفها بتفاصيل اكثر من غيرها. هو يصف معدة الحيوانات المجترة، والتنظيم الاجتماعي للنحل،والتطور الجنيني لفراخ الطيور. هو لاحظ ان بعض سمك القرش تضع صغارها بالولادة ، وان الحيتان والدولفينات تختلف عن الاسماك الاخرى في تنفس الهواء ورضاعة أطفالها. هو يستدل بان حجم الولادات يقل مع كتلة الجسم بينما يزداد مع كل من فترة الحمل وعدد سنوات الحياة المتوقعة .

ولعدة قرون، بدت بعض توضيحات ارسطو بعيدة عن الواقع، فمثلا، ان صغير كلب البحر ينمو داخل جسم امه، وان ذكر سمك السلور يحرس البيض لمدة 40 او 50 يوما بعد تركها من قبل الام. كل واحدة من هذه القصص كان لابد من الانتظار حتى القرن التاسع عشر ليتم التحقق منها.

خلافا لإفلاطون، فضّل ارسطو المشاهدة على النظرية. وكما في العلماء المعاصرين هو بدأ بتجميع منهجي للبيانات ومن هذه البيانات حاول الوصول الى توضيحات وعمل تنبؤات. هو أجرى ايضا تشريحات وحتى تجارب بدائية مثل قطع قلب سلحفاة ليكتشف ان كانت تستطيع تحريك اطرافها لوقت طويل.

لكن ارسطو، لم يقم بأي شيء يشبه دراسة الحالات الحديثة واعتمد دون نقد على الشهادات غير الرسمية لمربّي النحل وصيادي الاسماك والمسافرين. فقدان الصرامة هذا قاد لأخطاء محرجة مثل الادّعاء بان انثى العديد من الانواع الحية لها عدد أسنان أقل من اسنان الذكر.

ارسطو لم يدرس البايولوجي لأجل العلم، وانما لأجل الفلسفة. مثل افلاطون، هو كان يبحث عن العالمي ولكن هذه المرة من البداية. "نحن يجب ان نغامر في دراسة كل نوع من الحيوانات بدون كراهية، لأن كل حيوان يكشف لنا شيئا طبيعيا وشيئا جميلا". الحيوان يلد من نفس الحيوان بسبب شكله او نمط تنظيمه – وهي الفكرة الشائعة في الوراثة الحديثة. اهتمام ارسطو بالبايولوجي يجسّد نظريته في الشكل والتي بدورها تجسّد كامل فكره الفيزيائي والميتافيزيقي.

ورغم ان ارسطو آمن بان جميع الحيوانات لها شكل، وان ذلك الشكل ينتقل عبر الذكر، لكنه ايضا اعتقد ان العديد من الحيوانات الدنيا تتولد تلقائيا spontaneous generation: اي ان الثعابين تنشأ من الوحل، ويرقات الحشرات تنشأ من اللحم المتعفن. وفي دفاعه ذكر ارسطو ان الثعابين لا توجد فيها غدد جنسية.

أول تحدّي للتوليد التلقائي جاء عندما قام فرانسيسكو ريدي بتجربة أبطلت فرضية التوليد التلقائي (1).

***

حاتم حميد محسن

.......................

الهوامش (1)

في عام 1665 قام فرانسيسكو ريدي Francesco Redi بتجربة للتحقق من فرضية التوليد التلقائي التي ترى ان بعض أشكال الحياة البسيطة يمكن ان تنشأ تلقائيا من مواد غير حية. وضع ريدي لحما طازجا في وعاء مفتوح . وكما متوقع ادّى اللحم المتعفن الى جذب الذباب، وسرعان ما تراكمت عليه الديدان التي بدورها فقست لتنتج ذبابا. وعندما جرى تغطية الوعاء بغطاء محكم بحيث لا يصل اليه الذباب،لم تظهر اي ديدان. وللرد على المعارضين الذين قالوا ان الغطاء يمنع وصول الهواء الضروري للتوليد التلقائي، قام ريدي بتغطية الوعاء بعدة طبقات من الشاش ذو المسامات بدلا من غطاء محكم. رائحة اللحم المتعفن جذبت الذباب،لتتجمع على الغطاء لتكوّن على الفور تجمعات من الديدان، لكن اللحم ذاته بقي خاليا من الديدان. وهكذا أثبتت التجربة ان الذباب ضروري لإنتاج الذباب، انه لا يتولد عفويا من الاشياء العفنة. أي ان الحياة ضرورية لإنتاج الحياة.

في المثقف اليوم