قضايا

حاتم حميد محسن: الألغاز الكبرى في الفيزياء..هل هناك وجود للواقع الموضوعي؟

من الصعب تجاهل حقيقة ان هناك عالما ماديا موضوعيا. لو نظرت انا الى المظلة الموجودة على الرف، أفترض انت تراها ايضا. وعندما لا انظر الى المظلة، انا اتوقع ان تبقى في مكانها طالما لا أحد يسرقها. لكن نظرية ميكانيكا الكوانتم التي تحكم العالم الجزئي للذرات والجزيئات تعارض هذا الرأي البديهي الشائع.

طبقا لنظرية الكوانتم، كل نظام، مثل الجزيئات، يمكن وصفه طبقا لوظيفة او دالة الموجة، التي تتطور بمرور الزمن. وظيفة الموجة تسمح للجزيئات بامتلاك عدة خصائص متناقضة مثل ان تكون في عدة أماكن في وقت واحد – هذا يسمى مبدأ التراكب a superposition(1). لكن من الغريب ان هذه الحالة تحصل فقط عندما لا ينظر أي شخص للشيء.

رغم ان كل موقع محتمل في مبدأ التراكب له احتمالية معينة للظهور، لكن في اللحظة التي انت تشاهده، يلتقط الجزيء وبشكل عشوائي موقعا واحدا – منتهكاً مبدأ التراكب. الفيزيائيون عادة يشيرون الى هذا بانهيار وظيفة الموجة. لكن لماذا يجب ان تتصرف الطبيعة بشكل مختلف اعتمادا على ما اذا كنا ننظر ام لاننظر؟ ولماذا يجب ان تكون عشوائية؟

كما يرى ماركوس هوبر البروفيسور في معلومات الكوانتم في الجامعة التقنية بفيينا "اذا كنت ترغب توضيح كل ما نستطيع مشاهدته في تجربتنا بدون عشوائية، عليك الدخول في توضيحات طويلة ومثيرة للضجر لا أشعر بالارتياح معها". وفي الحقيقة، انت تستطيع التخلص من العشوائية لو قبلت ان المستقبل يمكن ان يؤثر في الماضي، وان هناك محصلة واحدة لكل قياس او ان كل شيء في الكون هو مصمم سلفا منذ بداية الزمن.

مشكلة اخرى هي ان ميكانيكا الكوانتم تبدو انها تقود الى حقائق متناقضة. لو تصوّرنا ان الخبيرة Lisa داخل المختبر تقيس موقع الجزيء. قبل ان يطرق زميلها باب المختبر ويسأل عن أي محصلة هي رأت، هو سيقيس ليزا باعتبارها في مبدأ تراكبي لكلا الموقعين – واحد حيث هي ترى الجزيء هنا وآخر حيث ترى الجزيء هناك. ولكن في نفس الوقت، ليزا ذاتها ربما مقتنعة انها تمتلك جوابا محددا حول مكان الجزيء. ذلك يعني ان هذين الشخصين سيقولان ان الواقع مختلف – هما سيكون لديهما حقائق مختلفة حول مكان الجزيء.

هناك العديد من حالات الشذوذ الاخرى حول ميكانيكا الكوانتم. الجزيئات يمكن ان تتشابك بطريقة تمكّنها من المشاركة بالمعلومات في وقت واحد حتى لو كانت تبعد مسافة سنة ضوئية. هذا يتحدّى بداهة حسية اخرى وهي ان الأشياء تحتاج الى وسيط مادي لكي تتفاعل. الفيزيائيون خاضوا نقاشات طويلة في كيفية تفسير ميكانيكا الكوانتم. هل هي وصف صحيح وموضوعي للواقع؟ اذا كانت هكذا، ماذا يحدث لجميع المحصلات الممكنة التي لا نقيسها نحن؟ التفسيرات المتعددة تجادل انها تحدث حقا – ولكن في عوالم موازية.

عدد آخر من التفسيرات، تُعرف مجتمعة بتفسير كوبنهاكن تقترح ان ميكانيكا الكوانتم هي لدرجة ما مرشد مساعد بدلا من وصف مثالي للواقع كما يوضح تمبسو فيلسوف الفيزياء في جامعة اكسفورد. "لذا في الحالة الكمومية، ان هذا الشيء الذي يصف هذه المبادئ التراكبية الرائعة،هو فقط وسيلة لعمل تنبؤات عن سلوك سيناريوهات القياس العياني".

ولكن لماذا لا نرى تأثير الكوانتم في نطاق الانسان؟ شيرا مارليتو فيزيائية الكوانتم في جامعة اكسفورد طورت نظرية شمولية تسمى نظرية المنشيء constructor theory تهدف لدمج كل الفيزياء بالارتكاز فقط على مبدأ بسيط بموجبه تكون التحولات الفيزيائية في الكون ممكنة بالنهاية.

هي تأمل انه يساعدنا في فهم لماذا لا نرى تأثيرات الكوانتم في المستوى العياني للانسان. "لا شيء هناك (في قوانين الفيزياء) يقول من المستحيل امتلاك تأثير كوانتمي على مستوى الانسان"، حسب قولها.

"لذا نحن اما نكتشف مبدأ جديد يقول انها حقا مستحيلة – والذي سيكون مثيرا للاهتمام – او في غياب ذلك،لابد من محاولة شاقة لتهيئة الظروف في المختبر لتحقيق تلك التأثيرات".

مشكلة اخرى مع ميكانيكا الكوانتم هي انها غير منسجمة مع النسبية العامة، التي تصف الطبيعة على النطاق الأوسع. مارليتو تستعمل نظرية التركيب في محاولة ايجاد طرق لدمج الاثنين معا. هي ايضا جاءت ببعض التجارب التي يمكن ان تختبر مثل هذه النماذج – وتستبعد تفسيرات معينة لميكانيكا الكوانتم.

***

حاتم حميد محسن

...................

The conversation.com, March29, 2023

الهوامش

(1) يصف مفهوم التراكب الكمي superposition قدرة النظام الكوانتمي على ان يكون في أوضاع متعددة في وقت واحد الى ان يتم قياسه. فيزياء الكوانتم تفترض ان الذرات او الفوتونات توجد في حالات متعددة تتطابق مع مختلف المحصلات الممكنة والإمكانات التي تسمى تراكب كمي،ولاتلتزم تلك الذرات بحالة محددة حتى تتم ملاحظتها. في الفيزياء الكلاسيكية، اشياء مثل الموقع او النشاط هي دائما تُحدد بشكل جيد. في ميكانيكا الكوانتم، الجزيء يمكن ان يكون في تراكب كمي في حالات مختلفة. انه يمكن ان يكون في مكانين اثنين بوقت واحد. القياس دائما يجد الجزيء في حالة واحدة،ولكن قبل او بعد القياس، هو يتفاعل بطرق يمكن توضيحها فقط بامتلاكه تراكيب من مختلف الحالات.أي حالتين أو اكثر من الحالات الكوانتمية يمكن إضافتهما الى بعضهما(superposed) والنتيجة ستكون حالة كوانتمية اخرى صالحة.

في المثقف اليوم