قضايا

عبد الله الفيفي: في عِلم الجَمال (1)

"عِلم الجَمال/ فلسفة الجَمال: دراسة طبيعة الشعور بالجَمال، والعناصر المكوِّنة له، كامنةً في العمل الفنِّي."(1) فالعمل الفنِّي هو مادَّة (عِلم الجَمال The aesthetic). ويعود الفضل الأكبر في نشأته إلى المدرسة الألمانيَّة في القرن الثامن عشر. أمَّا قبل ذلك فقد كانت نظريَّة الجَمال تربط بين الجميل وأشياء أخرى: كالمتعة، والمنفعة، والأخلاق، والدِّين. وهو ما ظهر عند (اليونان)، منذ (أفلاطون) أو قبله، ثمَّ في الفلسفة المسيحيَّة، وفي عصر النهضة من بَعد. وقد استبعدت "الإستطيقا" الحديثة ذلك، وإنْ اتَّخذَت منه أُسسًا لفهم الجَمال ونقده. وكذلك فرَّقوا بين الجَمال و"الإستطيقا"، أو بين جَمال الطبيعة وجَمال الفَنِّ، ولم يكن مثل هذا التفريق معروفًا من قبل. وبهذا صار يدخل في مفهوم "الإستطيقا" ما يُعَبَّر عنه بجَمال القُبح.(2)

وقد ظهرت كلمة "إستطيقا" للمرَّة الأُولَى في بحثٍ نشره الفيلسوف الألماني (ألكسندر جوتليب باومجارتن Alexander Gottlieb Baumgarten، -1762)، بعد حصوله على الدكتوراه، سنة 1735م. ولم يخرج بهذه الكلمة عن معناها اللُّغوي الحرفي، وهو دراسة المدركات الحسيَّة. ثمَّ أخذ بذلك من بعده (إيمانويل كانت Immanuel Kant، -1804)، كما يتضح من كتابه "بحث العقل الخالص"، سنة 1781م. وظهرت محاولات في القرن التاسع عشر لضمِّ "الإستطيقا" إلى ميدان العلوم الوضعيَّة؛ فأصبحت "الإستطيقا"، كما عبَّر عن ذلك (إيتيان سوريو Étienne Souriau، -1979)، هي عِلم الأشكال، ولكنَّها تُفيد من تلك العلوم ولا تذوب فيها، فتُوسِّع بذلك من ميادينها. (3)

وتتناول "الإستطيقا" الحديثة مجموعتين أساسيتين من المشكلات: مشكلات التذوُّق الجمالي، ومشكلات الإنتاج الفنِّي. وهكذا يمكن أن يُطلَق على "الإستطيقا": عِلم الفن.(4)

تلك لمحات من مجمل تاريخ الوعي الإنساني بالجَمال. أمَّا من حيث الأُسس، فنظريَّة الجَمال الحديثة ترَى جَمال الفنِّ أسمَى من جَمال الطبيعة؛ لأنَّه نتاج الرُّوح.(5) ونقد هذا الجَمال الرُّوحي، المبنيُّ على عِلم الجَمال، يُعنَى بدرس الأثر الفنِّي من حيث خصائصه البنيويَّة، ومَواطن تميُّزه، بصرف النظر عن بيئته وتاريخه، وعلاقته بشخصيَّة مبدعه.(6) والحُكم الجَماليُّ، بالمعنَى "الإستطيقي" الصحيح، ينصبُّ على الصورة، وهو بمعناه الأعمِّ ينصبُّ على العمل من حيث هو كُلٌّ. (7)

وعند البحث عن أصول الجَمال ومقاييسه، فإنَّ (كانت)(8) يعرِّف الجميل بأنَّه "ذلك الذي يُرضي المتلقِّين جميعًا، بلا تفكير، أو فهم أسباب". ذاهبًا إلى أنْ ليست ثمَّة قاعدة موضوعيَّة للذوق الجَمالي يمكن من خلالها تعريف الجَميل وَفق مفاهيم محدَّدة. ذلك أنَّ كلَّ حُكمٍ جَماليٍّ إنَّما أساسه الشُّعور الذاتي. وإنْ نحن حاولنا البحث عن مبادئ ذوقيَّةٍ مبنيَّةٍ على معايير عالميَّةٍ للجَمال، من خلال مفاهيم محدَّدة، وقعنا في الإحالة والتناقض.(9) على أنَّه يرى أنَّ العبقريَّة الفنيَّة هي التي تؤسِّس معايير للذوق الجَماليِّ والحُكم على الجَمال.(10) ومن ثَمَّ فإنَّ (أميل فاغيه Émile Faguet، -1916) يرى أنَّ النقد الجَمالي يرتكز في بعض أصوله على الظنِّ والحدس، ويتمازج فيه العِلم بالفن، محاولًا الاقتراب من العِلم، دون بلوغه.(11) وكذلك يُنكِر الانطباعيُّون القواعد في نقد الجَمال.(12)

وفي مقال الأسبوع المقبل سنتطرق لآراء اليقينيِّين والتجريبيِّين في النقد الجَمالي.

***

أ. د. عبد الله بن أحمد الفَيفي

(رئيس الشؤون الثقافيَّة والإعلاميَّة بمجلس الشورى سابقًا- الأستاذ بجامعة المَلِك سعود)

.......................

(1) وهبة، مجدي، (1974)، معجم مصطلحات الأدب، (بيروت: مكتبة لبنان)، 7.

(2) يُنظَر في هذا: إسماعيل، عِزُّالدين، (1955)، الأُسس الجماليَّة في النقد العَرَبي: عرض وتفسير ومقارنة، (مِصْر: دار الفكر العَرَبي)، 32- 00.

(3) يُنظَر: م.ن، 20- 23.

(4) يُنظَر: م.ن، 23- 27.

(5) يُنظَر: هيجل، (1988)، المدخل إلى علم الجمال/ فكرة الجمال، ترجمة: جورج طرابيشي، (بيروت: دار الطليعة)، 8- 10.

(6) يُنظَر: غريِّب، روز، (1952)، النقد الجَمالي وأثره في النقد العَرَبي، (بيروت: دار العلم للملايين)، 5.

(7) يُنظَر: إسماعيل، 408.

على أنَّ دارس الجَمال قد يجد نفسه مضطرًّا، في بعض الحالات، إلى النظر في البيئة، أو العصر، أو التاريخ، أو علاقة الأثر بصاحبه، أو غير ذلك ممَّا هو خارج العمل الفنِّي، من حيث هو أساسٌ سياقيٌّ لفهم جَماله ونقده. وهو ما لم نَجِد عنه مناصًا في كثيرٍ من دراستنا التطبيقيَّة لجَماليَّات تصوير الحيوان.

(8) Kant, Immanuel, (1987), Critique of Judgement, translated with an introduction by: Werner S. Pluhar; with a foreword by: Mary Gregor, (Indianapolis/ Cambridge: Hackett Publishing Company), p.64- 66.

(9) See: Ibid., p.79- 84.

(10) See: Ibid., p.174- 189.

(11) يُنظَر: غريِّب، 7- 8.

(12) يُنظَر: م.ن، 8.

في المثقف اليوم