قضايا

محمود محمد على: ظريف حسين بين إبداعه الفلسفي وانتاجه الشعري

في صباح عيد الفطر، أول أمس، السبت 22 / 4 / 2023م وبينما نكبر ونهلل في صلاة العيد، فوجئت بموت أعز حبيب وأوفي صديق، ألا وهو الأستاذ الدّكتور" ظريف حسين مصطفى أحمد حسين (أستاذ الفلسفة المعاصرة بكلية الآداب جامعة الزقازيق بجمهورية مصر العربية).. صمتّ وحدي عندما قرأت الخبر الفاجع على صفحة الأستاذ الدكتور حسن حماد (أستاذ الفلسفة  الحديثة والمعاصرة وعميد آداب الزقازيق السابق).. تعطّلت قواي، عادت بي الذّاكرة إلى مواقف كثيرة لا تنسى.. تذكّرت مقولة للإمام عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول فيها: "أكره الحق، وأهرب من رحمة الله، وأصلي دون وضوء! فسئل: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أكره الموت وهو حق، وأهرب من المطر وهو رحمة من الله، وأصلي على الرّسول دون وضوء."..  ووالله إنّ الموت مكروه مع أنّه حقّ على الأحياء كلهم، خصوصا إذا ما اختطف إنساناً أخاً وصديقاً وفيّا كالدّكتور " ظريف حسين " الذي ينضح حبّا إنسانيّا قلّ مثيله. رحل الإنسان النّقيّ الذي لم يحمل ضغينة لأحد كما اعتقد، رحل ليترك غصّة في قلب من عرفوه كلهم، فو الله إنّ العين لتدمع وإن القلب ليحزن، "وإنّا لفراقك يا ظريف لمحزونون".

أما أن ترحل قامة علمية مثل الدكتور "ظريف حسين"، دون كلمة رثاء في الإعلام المصري والعربي، فتلك علامة من علامات التردي، ودليل من أدلة الرداءة والعشوائية، فهذا الرجل كان من أولئك الرجال الذين يعيشون وفق ما يكتبون، ويظهرون ما يضمرون، ويعملون بما يؤمنون، فهو في نظري من النماذج الكبرى من أستاذ الفلسفة المعاصرة العملاق، حيث كنت واحدا من متابعيه عن كثب في كل ما يكتبه أو يخطه من منشورات ومقالات على صفحات الجرائد والفيس بوك، وفي كل مرة كان يثير انتباهي أسلوبه النقدي الحاد وتعبيراته الصادمة التي يمكن أن يلاحظها أي قارئ لكتبه ومقالاته.

واسمحوا لي أن استعرض الأبعاد والمعالم الرئيسة لمشروع ظريف حسين الإبداعي الفلسفي وأيضا انتاجه الشعري، ونبدأ بالفلسفة عند ظريف حسين، حيث كان دائما يقول بأن الفلسفة تمثل الفقه العام للواقع، ففيها يحيا الوعي من أجل الواقع، وهو ليس فقط وعيا موجها للواقع كما في حالة الفلسفات التصورات النظرية،وموجها إلى نفسه كما في حالة الاستبطان النفسي، فالفلسفة الحقيقية كما يراها ظريف حسين هي كل رؤية تدعم الحياة وتوجهها في الاتجاه الصحيح وتمنحها القوة والتجدد في السياق العام للحياة الإنسانية على مستوي العالم، ولذلك فإن الحقائق في نظر ظريف حسين تقاس بالعلم، وبقدرتها على نفخ الروح فينا بجعلنا قادرين لا على مجرد المواكبة، بل على المنافسة الحقيقية، وليس بالأيدولوجيات وادعاء التدين ولا الشعارات.

ويرتكز المنهج الفلسفي العام عند ظريف حسين على السلوكية التجريبية، ولكنه في تناوله للمشكلات الجزئية فقد كان يتبني جملة من المناهج الموثوقة في العلوم الإنسانية، ولذلك يعد منهج ظريف حسين شاملا وليس أحاديا أو جزئيا، ذلك أن المنهج الأحادي مناسب فقط للروئ الجزئية.

وعلاوة على ذلك فإن أساليب ظريف حسين في الكتابة الفلسفية نقدية حادة، وتعابيره صادمة، وقد حاول في كتاباته أن ينقل البحث في الفلسفة من مجرد التعريف العام بها أو الحديث الخطابي عنها إلى مستوى دراستها دراسة موضوعية، وكان رحمه الله في ذلك صادماً إلى أبعد حد، فالمشكلات الواقعية، وليس النصوص فقط هي مادة التحليل الأولى، ومضمونها هو أساس التقييم، وهدف ظريف حسين النهائي كان هو اقتراح الحل على أسس علمية، أو تبريرات عقلانية،وليس على مجرد تصورات جدلية تزيد المشكلات تعقيدا.

ومن ناحية أخرى فإن كتابات ظريف حسين تنتمي إلى بصفة عامة إلى نمط الكتابة ما بعد الحداثية ؛ أي الكتابة غير النسقية، وهي كتابة لا تتقيد ببناء محدد، أو خط سير معين، وإنما تمضي في كل اتجاه بحسب الحاجة والضرورة التي تفرضها المناسبات والقضايا الحياتية، ولكنها مع ذلك تخدم رؤية واحدة بشأن أعباء الحياة بوصفها رسالة لخدمة الإنسان والمجتمع والوطن وذلك كما أوضح في كتابه الفلسفة الأخيرة.

ولقد وفق ظريف حسين إلى رؤية واضحة عن تطور تاريخ الوعي الفلسفي عامة، والفكر العربي المعاصر بصفة خاصة، والحق يقال بأن ظريف حسين من نوع المفكرين الذين لا يعترفون بالحلول الجاهزة، ولا الإجابات المسبقة، ولا يؤمن بالمطلقات الإنسانية، أو الدوائر المغلقة للفكر.

ورغم أن مقدماته لكتب الاكاديمية تعد بمثابة دراسات تحما رؤئ متعمقة بمناسبات الموضوعات المبحوثة، فإنها كلها تخدم فكرة واحدة،مؤداها أن كل الفلسفات جزئية لأنها ترى الأشياء من موقف أحادي، وبذلك فهي في نظر ظريف حسين منحازة، وضيقة الأفق ومتزمتة، والحق يقال أن ظريف حسين رحمه الله  كان يرى أن الحياة أكبر من كل الفلسفات، وليس معني ذلك أن مهمتنا كما يري ظريف حسين تجمعية تلفيقيه، بل يجب إعادة إدماج الفلسفة في الجسم الثقافي العام جنباً إلى جنب في العلوم الإنسانية، بعد أن انعزلت جبراً،و طوعاً عن غيرها، ومن ذلك كان عقمها.

كذلك يرى ظريف حسين أن الفلسفات السابقة قد تعبر عن الواقع، لكنها لا تعبر عن الحقائق، لأن الفلاسفة في نظره حالوا الوفاق من أدوات العلم، وبذلك ليس بمقدورهم حل المشكلات، بل يزيدونها تعقيداً، ويضيفون إليها ركاماً إلى ركام، ومن هذا المنطلق فإن ظريف حسين رحمه الله كان من أكثر المهتمين بمصر والعالم العربي للفكر الأخلاقي والعقلانية.

في كتابه " الفلسفة الأخيرة رؤية معرفية سلوكية للفكر العربي" يصف الرجل رؤيته بأنها الأخيرة من حيث إنها نظام معرفي شامل يتأسس على كل المناهج العلمية للتفسير، ومن ثم فلن تكون في نظره مؤقته، وهي بذلك مختلفة تماماً عن أية فلسفة سابقة، وفي ذلك الكتاب أيضاً يتجه ظريف حسين إلى تعميق نظراته باستخدام معارفه،وأدواته الفلسفية لإصلاح منظومة التعليم والثقافة في المجتمعات العربية التي عانت ولا تزال تعاني من التدهور والانحطاط الحضاري مركزا رحمه الله على تطوير المناهج الدراسية، وطرق التدريس، والمحتوى الدراسي والخطط المسؤولة رسميا عن التعليم.

ومن ثم فإن أهم الهداف التي يصبوا إليه ظريف حسين في كتابه " الفلسفة الأخيرة"، هي اصلاح التعليم الفلسفي في العالم العربي، وذلك بتصحيح وضع الفلسفة، وإخراجها من قاعات الدرس إلى الواقع العملي، والاشتباك مع قضايانا ومشكلاتنا، وهمومنا الحضارية، وبيان أوجه القصور في ممارسة الأساتذة لها، فضلا عن تهافت الفكر العربي، ومشروعيته، وعقمه ونضوب روافده.

وينقسم كتاب " الفلسفة الأخيرة" إلى ثلاثة أقسام رئيسة:

1- القسم الأول: يتضمن الإطار النظري الذي يكشف عن رؤية ظريف حسين النظرية، وأراءه حول القضايا الفلسفية، ومواقف الفلاسفة منه، وموقف ظريف حسين نفسه منها، وهو ما كان يسميه رحمه الله بـ" إعادة تأهيل الفلسفة".

2- وأما القسم الثاني فيتناول بعض النماذج التطبيقية لرؤية ظريف حسين الفلسفية التي طرحها في الإطار النظري، ولقد اختار رحمه الله للتناول مشكلات بعينها لها صلة قوية بمشكلات مجتمعاتنا ومتأصلة في الواقع، ذلك أن جل اهتمام ظريف حسين بالمشكلات هي تلك المشكلات التي تؤرق الإنسان العربي عامة، والمصري خاصة، متبعا رحمه الله في ذلك كل المناهج المتاحة والمناسبة.

3- وأما القسم الثالث: فيتضمن باقة من المقالات الكاشفة في نظره حول المشكلات التي تشغل عقل الإنسان العربي، وهي مقالات تعمد فيها ظريف حسين على حد علمي بساطة العرض، مع العمق في التناول، والمعالجة بعيداً عن اللغة الأكاديمية الصارمة، والمصطلحات العلمية الرسمية التي تحتاج إلى أهل الخبرة والتخصص في فهمها، وذلك إيمانا منع رحمه الله بضرورة إعادة الفلسفة للعمل ضمن النسق الثقافي الجماهيري العام، كما كانت في بدايتها اليونانية الأولى.

وفي ضوء هذه الأقسام الثلاثة حاول ظريف حسين الإجابة عن العديد من التساؤلات كمت طرحها في الكتاب، وهي: كيف تتحول الفلسفة من مجرد نحلة سرية، أو تعاليم خاصة لجماعة معينة يطلقون على أنفسهم اسم " الفلاسفة"، ويتناقلون تعاليمها بمنهج نقلي – مدرسي صارم، وتنطوي مؤلفاتهم على تقديس عال للنصوص الأصلية لأسلافهم، والتي يعملون عليها وتتشكل جسد أبحاثهم التي يتكسبون من وراء تلقينها للطلاب، أو للحصول على الدرجات العلمية، كيف يتحول هذا الشيء المسمى فلسفة، إلى طريقة لفهم الأشياء، والعلاقات والشؤون الإنسانية بشكل فعال،ومنخرطة في العالم، ومشركة في تنشيط الحس الإنساني،والملكات الإبداعية.  كما طرح ظريف حسين أهم التساؤلات التي تتعلق بمصير الفلسفة بصفة عامة، والفكر العربي خاصة بمنهج نقدي، وبروح جديدة.

وهنا يمكن أن نقنتبس بعض من أقواله في هذا الكتاب حيث يقول: فالفلسفة ليست مجرد دراسة لنصوص الفلاسفة مطلقا، وإن كنا نُعلِّم الشباب في الجامعة كيف كان أسلافهم يفكرون، وكيف كانوا يكتبون عن مشكلات تشبه- إلي حد بعيد- مشكلاتنا، علي ألَّا يكرسوا حياتهم لقال فلان ولكن فلان، تماما كما يفعل دارسو السلفية الدينية الذين يحب المتفلسفون أن يكيلوا لهم السخرية من طريقتهم هذه المُثلَي!.. فأما انكباب طلاب الفلسفة والدراسات الدينية علي كتب التراث ومناهج الأسلاف، فمرود إلي اهتزاز الثقة بالنفس، والارتجاف، والهلع من مجرد الاختلاف. ومن ذلك أنك إذا خاطبتهم قالوا لك: قال فلان، ولكن فلان، في دائرة مغلقة تصيبك بالغثيان والدوار، وتغري كل محاولة وليدة بالانتحار!

وأما فلسفة ظريف حسين فمودعة إجمالاً في كتابين: الأول: نحو نظرية للأخلاق الكونية، والآخر بعنوان " الأزمة الأخلاقية في العالم الإسلامي المعاصر "، ويعد الكتاب الأول منهما تحليلاً نسقياً وعلمياً يستند إلى معطيات علوم الحياة، ووظائف الأعضاء، بالإضافة إلى علمي النفس والاجتماع بهدف تفسير موثوق لنشأة أفعالنا الأخلاقية، ولماذا نرتكب الأخطاء؟.. وقد تطلب ذلك من ظريف حسين مسحاً شاملاً لأهم نظريات الأخلاق برؤية شاملة،هدفها تركيز أفعال البشر نحو أداة مشتركة من جهة، وحل المشكلات الأخلاقية القائمة في مجتمعاتنا، وخاصة ما يتصف بعلاقتنا بالعلم والدين والقانون والعادات والتقاليد من جهة أخرى.

كما قدم ظريف حسين خطة للإصلاح الأخلاقي عبر خطوات محددة مستفيدا رحمه الله من الثقافات الراسخة في العالم، والذي حصرها في فضائل تبدأ بالشهامة والأريحية والميل إلى سعادة الآخرين، والعدالة والإنصاف،وانتهاءا بثقافة نشر السلام بين الناس، وذلك في ضوء تحليل مسهب للمفاهيم والنظريات الأخلاقية عبر أربع فصول تحدث رحمه الله في أولها عن إعادة تعريف الأخلاق، والثاني عن الأساس الطبيعي للأخلاق، والثالث عن تحليل الفعل الأخلاقي، وفى الرابع عن محركات الخير والشر، أما الفصل الأخير فقد خصصه للحديث عن كونية الأخلاق، وفى ثنايا هذه الفصول تعرض كما يقول الدكتور مصطفي النشار لكل ما يمكن تصوره من القضايا الاخلاقية بحرفية شديدة بدءا من علاقة الأخلاق بالدين والقانون وانتهاء بقضايا اصلاح المجتمع والبيئة والمرأة وأصل الرذيلة وفكرة الكمال الأخلاقي والكمال الشخصي وفلسفة الفعل والربط بين الأخلاق النظرية والأخلاق التطبيقية، وفى الختام كان تساؤله الكاشف: هل ننجح في تصميم آلية سلوكية تجعل الأفراد حساسين دائما من مجرد الاقتراب من مساس النظام الأخلاقي عوضا عن انتهاكه وبطريقة تشبه الآلية التي تعمل بها الوساوس القهرية ولكن لأهداف ايجابية فيحترم المواطنون اشارات المرور مثلا حتى لو لم تكن هناك رقابة حكومية  عليهم من أي نوع ؟!

ومن خواطره إزاء هذا الكتاب: لقد كنت أقَبِّل يد والدي ووالدتي وأخوالي، وعمي، وأخوتي الأكبر سنا، وربما أكون قد قبلت يد أستاذي، (بعد حصولي علي الدرجة العلمية) ولم تكن هذه "عبودية" علي الإطلاق، بل محبة، وتقديرا واحتراما لمن جاءوا بي إلي الحياة، أو كان لهم عليّ فضل، أيُّ فضل.. وأنا أعبد الله وأوقِّره بالمنطق السابق هو نفسه، حتي لو زعم الملحدون أن الله مجرد "وهم"؛ فلا محيصَ عن الإقرار بأن هناك مبدأً للحياة، ولن يكون هذا المبدأ هو" الحياة نفسها"، ولن يكون - من باب أوْلَي- هو المادة الخاملة!.. وهكذا فإن مبدئي الأخلاقي هو أساس "عبادة الله" التي هي، بالأساس، تقدير وتقديس، وما دام لكل شيء مبدأ ومركز، فإن الدوران حول هذا المركز ضرورة طبيعية وأخلاقية، وهذا هو مبدأ الدين الذي يرفضه الملحدون خلافا للمنطق الطبيعي: فهل تستطيع الكواكب أو الالكترونات أن ترفض الدوران حول الشمس أو نواة الذرة، باسم الحرية؟!.. والخلاصة هي أن الدليل الأخلاقي علي وجود مركز للموجودات يعد متمما مثاليا للدليل الطبيعي الذي يجادل هؤلاء فيه."

وفيما يتعلق بالإنتاج الشعرى لظريف حسين فإن هناك ديواناً بعنوان" مجرد رغبة" وقد  صدر حديثا عن دار ليفانت بالإسكندرية وبمعرض القاهرة للكتاب 2022، ويضم مجرد رغبة (ديوان شعر) مجموعة من القصائد والمقاطع الشعرية في أغراض شعرية تدور موضوعاتها حول العلاقات الإنسانية وفلسفة الدين، ويمكن أن نقتطف فقرة من مقدمته حيث يقول رحمه الله:"

رَبَّاهُ أَنـزِلْ فـوقَ روضِ حبيبتي

قَطْـرا يعـانقُ قلبَها و يُساقِــی،

فأبيتُ أقطفُ من أزاهرِ حسنِها،

وتَبيتُ تشكـو لوعــةَ المشـتاق!

وآخر بيتيْن في قصيدة "عفاريت فاشلة"، من ديوانه "مجرد رغبة" نجده يقول:

إِلهِـــــي، ومِنكَ نَسَمْتُ الحـياةَ:

عليكَ بِخلقِكَ مَـــــــن أَجْرَموا،

فسُحقا خصومي؛ فكم أبدعوا

طريقا لمَـــــوتِي، فماتوا هُمُو!

ومن قصيدة "لا أستريح" من ديوانه "مجرد رغبة".  ومن أقواله أيضا:

هل كان حُبكِ سِوَي بُرهةٍ

أُجَددُ فيها سِنِييَّ الخوالي

أقلِّبُ عنها زمانا شقيا

وأنعَمُ فيها بحُلمِ الوِصَال

وأسألُ نفسي في كل يومٍ

ولا أستريحُ بِرَدِّ السؤالِ

لأن الجوابَ يُمزقُ نفسي

ويُرسل في جُنوحَ الخَبَالِ

فلا أنتِ غيمٌ و لا أنتِ صحوٌ

لقلبٍ ينوءُ بحِملِ الجبالِ!

وفي النهاية فإن الكلمات لا تستطيع أن توفي هذا الأستاذ الاكاديمي العاشق حقه، صحيح أن هذه الكلمات جاءت متأخرة فكثير ممن يطلقون علي أنفسهم لقب أساتذة لا يعرفون قدر هذا الأستاذ الاكاديمي، فتحية طيبة للدكتور ظريف حسين الذي كان وما زال يمثل لنا نموذجاً فذاً للمفكر الموسوعي الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

رحم الله الدكتور ظريف حسين، الذي صدق فيه قول الشاعر: رحلتَ بجسمِكَ لكنْ ستبقى.. شديدَ الحضورِ بكلِّ البهاءِ.. وتبقى ابتسامةَ وجهٍ صَبوحٍ.. وصوتًا لحُرٍّ عديمَ الفناءِ.. وتبقى حروفُكَ نورًا ونارًا.. بوهْجِ الشّموسِ بغيرِ انطفاءِ.. فنمْ يا صديقي قريرًا فخورًا.. بما قد لقيتَ مِنَ الاحتفاء.. وداعًا مفيدُ وليتً المنايا.. تخَطتْكَ حتى يُحَمَّ قضائي.. فلو مِتُّ قبلكَ كنتُ سأزهو.. لأنّ المفيدَ يقولُ رثائي.

***

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

....................

المراجع:

1-   حلقة من برنامج "بتوقيع المؤلف" علي إذاعة البرنامج الثقافي من القاهرة، بصوت الأستاذ الدكتور ظريف حسين.

2- د. مصطفى النشار: نحو نظرية للأخلاق الكونية، جريدة الوفد، Friday, 21 October 2022 20:56

3- كتابات الأستاذ الدكتور ظريف حسين المنشورة.

في المثقف اليوم