قضايا

بادية شكاط: كيف انتقلنا من أمة وسطا إلى أمة واسطة؟

يقول المفكر مالك بن نبي رحمه الله: “وما كان لحضارة أن تقوم إلا على أساس من التعادل بين الكم والكيف،  بين الروح والمادة،  بين الغاية والسبب، فأينما اختل هذا التعادل في جانب أو في آخر كانت السقطة رهيبة قاصمة"

إنّ إدراكنا وفهمنا العميق لمقومات سيرورة أي حضارة يجعلنا ندرك أننا كأمة إسلامية نمتلك أهم مقوماتها وماتقوم عليه قوتها:

أول مقوّم: وهو المقوم الروحي والذي يتمثل في كل مانملكه من منظومة  قيم أخلاقية اسلامية سامية

وثاني مقوّم: وهو المقوم المادي والذي يكمن في كل مانملكه من ثروات وإمكانات مادية

وهذا التأمل ليس محض تمجيد أو صناعة للخيال والوهم، بل هو صناعة لأدوات حسن الإدراك والفهم، حتى  نضع أنفسنا موضعها الصحيح الذي من خلاله نمتلك وثاق الثقة بالإستحقاق، فنخرج من دوائر الواسطية التي جعلتنا مجرد دول وظيفية في خدمة الدول القطبية، ترسل من خلال ضعفنا الى العالم رسائل الإستعلاء والفوقية، فوجدنا أنفسنا بذلك وقد خرجنا للأسف من تاريخنا وجغرافيتنا وعقيدتنا، وصرنا مجرد صناّع لتاريخ غيرنا على جغرافيا أمتنا، فلم نتحرّج لأحقاب ونحن نتدحرج من هامات الحضارة الى أسافلها.

وإن أردنا تفكيك العلل والمسببات لوجدناها تبرز في:

تداعيات الحروب الطاغوتية، التي مرت بها المنطقة الاسلامية سواء كانت داخلية من خلال طاغوتية نظام الملك العاض أو خارجية من خلال طاغوتية الحروب الاستدمارية، والأكيد أنه لا يمكننا الإنعتاق من موضع الواسطية إلا باعتناق قيم الوسطية، وهي قيم ديننا الإسلامي الحنيف، فليست مثلا الدول الغربية من تجعل منا محاربين للتطرف والإرهاب، مستخدمة ذلك كأداة للتغلغل في منطقتنا الإسلامية، في حين وجب أن نمسك نحن بزمام هذه المهمة ونجعلها لنا وظيفة مهمة، فنحارب بوسطيتنا إرهابهم على جغرافيتهم قبل جغرافيتنا.

ولانريد من خلال هذا الطرح مجرد التحسر والتباكي على أحوال هذه الامة التي لايخفى حالها، إنما نريد البحث عن عاجل الحلول التي يمكن من خلالها التحول من أمة الإستضعاف الى أمة التمكين والإستخلاف.

وبسط الحلول برأينا لايكون الا بعد طرح أهم الإشكالات والتي نذكر بعضها على سبيل الذكر لا على سبيل الحصر:

أولا: كيف نغالب بقوتنا الروحية قوة العالم الطاغوتية لإحلال السلام في العالم؟

ثانيًا: لماذا لانشكل نحن كدول اسلامية أمم إسلامية متحدة لمحاربة التطرف في العالم؟

ثالثا: لماذا لانمنع نحن استخدام الأسلحة النووية بما نمتلكه من قوة قيمية روحية ؟

ولماذا نترك تلك المهمة لأنظمة فارغة من أي مقومات قيمية؟

رابعا: هل مشكلتنا كأمة اسلامية في استيراد الديموقراطية أم في تصديرها بوجه آخر غُيّبت عنه جميع مايجمعنا بها ولو بأهم تفاصيليها كالشورى، لتحل محلها أدوات الإستبداد والإستعباد، فتتشوه ملامح أنظمتنا السياسية برمتها، وتصبح أنظمة ديموكتاتورية أو ديكتاتورية دينية؟

خامسا: هل نحن بحاجة لفصل الحكم العسكري عن الحكم المدني أم بحاجة لفصل الحكم أيًّا كان مدنيًا أو عسكريًا عن التحكم الخارجي؟

سادسًا: لماذا نحن بحاجة أن نكون دوما ذيلا لقطب من الاقطاب العالمية؟ لماذا لانكون رأسًا

يحرك مفاصل العالم بما أوتي من حكمة وحاكمية؟

سابعًا: لماذا كلما ارتفع موج بحرهم أغرقنا بدلا من أن يغرقهم؟ فنرى حتى حروبهم تنطفئ باشتعالها في ديارنا؟

ثامنًا: الى متى نعتصم بجبل قوتهم ولا نعتصم باعتصامنا ووحدتنا؟

يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في إحدى محاضراته التي ألقاها في الجزائر: "إن تصحيح البواطن هو الأهم لتصحيح الظواهر، وإن أدق الأنظمة ينهار مع خراب النفوس، وإنّ الضمان الأوثق لنجاح الإقتصاد وانتصار الجيوش واستقرار الحضارة يعود الى البراءة من الأهواء والتجرد لله وايثار ماعنده"

إننا أمة أنزل إليها كتاب معجَز لاأمة كُتب عليها أن تعجَز، وأمة استخلاف لاأمة استضعاف، فكفوا عن جر ذيول الذل وارفعوا هامات العطاء والبذل، ولاتكونوا في مهب الريح وهبوا كالريح مجتثين جذور التضعضع والانهزامية، رافعين صوت الحق بأن الدين الحق هو من يجمع أمة الاسلام ليعم في العالم السلام.

***

بادية شكاط - كاتبة في الفكر، السياسة وقضايا الأمة

ممثلة الجزائر في منظمة اعلاميون حول العالم في النمسا

في المثقف اليوم