قضايا

علجية عيش: هكذا استثمر المبشرون في الثورات والحروب الأهلية

(هكذا استثمر المبشرون في الثورات والحروب الأهلية بين الأنظمة والحركات الإسلامية)

يبحث المبشرون اليوم عن سبل العودة للمغرب الإسلامي مستغلين في ذلك تردي الأوضاع في البلدان العربية التي عاشت الثورات والحروب الأهلية كما تستغل مباحث تاريخ الأديان ومقارنتها في جامعات المغرب العربي لتطرح مشروعيتها، حيث اتجهت بعض المنظمات التنصيرية إلى أساليب جديدة في عملياتها التبشيرية، باستغلالها الأغاني الشعبية التي تغلب عليها الصبغة "الصوفية" وتحويلها إلى أغنية تنصيرية تدعو للتحول إلى النصرانية، وهي تعد من أخبث ألوان التخطيط، يحدث هذا أيضا في منطقة القبائل بالجزائر عن طريق تعليم تلاميذ المدارس أغاني تنصيرية.

يعود الاهتمام بالمغرب العربي كونه يعد من أكثر الأقطاب والبلدان ثراءً من ناحية الكثافة السكانية التي يزخر بها، حيث كان مسرحا للتنوع الثقافي، فكان اللعب على وتر هذا التنوع عاملا مساعدا للسيطرة على المنطقة وتنفيذ المخططات والقضاء على الوحدة القومية للمغرب العربي ونشر الأباطيل والشبهات حول الدين الإسلامي، ونشر كذلك الانحلال والتفسخ الأخلاقي ومظاهر الفسوق والمجون داخل المجتمع، والقضاء على التنوع الثقافي والعادات والتقاليد ونشر الثقافة الاستهلاكية والتبعية للغرب، فتاريخ التنصير في المغرب العربي بدأ منذ انحسار ظل الدولة الفاطمية وتدهور أوضاع دولة الموحدين، وهجرة رهبان الفرنسيسكان والدومنيكان إلى دول المغرب العربي والحملات التي قادها رامون لول، إلى غاية الاحتلال المسيحي لدول المغرب العربي، وشجع تسامح الحكومات المغاربية مع المسيحيين توغل المسيحيين والمتنصرين.

فبين الإسلام والغرب ضراوة أحقاد قديمة وعداء ديني من قبل الكنيسة كرد فعل للفتح الإسلامي الممتد في أوروبا وشقيقاتها، ما أدى إلى تحول الكنيسة إلى العالم الإسلامي وبالخصوص المغرب العربي، وما ساعد على الغزو التنصيري توافر المناخ الثقافي من خلال اللغة الفرنسية، على الرغم من أن مسار التعريب يواصل مجراه، فإن اللغة الفرنسية ما زالت تشكل أداة العمل في كل المواقع الإدارية منها والبيداغوجية، وقد كان لها دور كبير في تأهيل شعوب المغرب العربي في استقبال الإرساليات التنصيرية من خلال التبادل الثقافي، وقد سبق وأن سلط أكاديميون ومختصون في مقارنة الأديان الضوء على ظاهرة التنصير في المغرب العربي عامة وفي الجزائر خاصة في ملتقى حول الحركة التنصيرية في المغرب العربي، ناقش فيه أكاديميون ظروف تعرض أقطار المغرب العربي للظاهرة الاستعمارية الاحتلالية الحديثة وكيف مكنت هذه الأوضاع المبشرين من أن يندسوا ويبثوا سمومهم في نشر العقيدة الإنجيلية تحت كل المسميات: الإغاثة، التطبيب، حوار الثقافات وحوار الأديان.

لم يكن عامل الفقر والبطالة الخيط الذي ربط به المبشرون الشباب العربي وحده، فالمخطط النصراني شمل مختلف الجوانب الدينية والسياسية والثقافية من أجل خلق الصراع بين المسلمين، تذكر الأرقام أنه في الأيام الأولى من استقلال الجزائر (كعينة) كان هناك 327 كنيسة لأقل من 700 معمر أوروبي مسيحي ممن لم يرحلوا مع فرنسا وأثروا البقاء في الجزائر وبالمقابل لم يكن يتعدى عدد المساجد 116 مسجدا لأزيد من 08 مليون جزائري مسلم، وبعد اعتماد الكنائس من السلطات الرسمية في الفترة بين 1969 و1974 تأسست جمعيات تنصيرية، أهمها الجمعية الأسقفية الجزائرية واللجنة المسيحية للخدمة في الجزائر، تشير المصادر الى وجود 16 جمعية تنصيرية في الجزائر العاصمة وحدها، و20 جمعية في منطقة القبائل، هذا وبداية من سنة 2004 اجتاحت حملة تنصيرية شرسة ترمي إلى تمزيق الشعب المغربي المسلم عرقيا وعقديا وأخلاقيا، وتفتيت قوته وإضعاف مقاومته لإلغاء هويته الإسلامية وعروبته على يد أجنبي متكالب كي يتمكن من مسخ هويته واستنزاف ثروته الوطنية وتوسيع رقعة ما يطلق عليه اسم " فرنسا ما وراء البحار"، تذكر الدراسات عن ارتداد 2000 مغربي عن الإسلام في ظل وجود أكثر من 800 منصر، ومصادر أخرى تقول 500 منصر حسبما جاء في دراسة أجراها الباحث المغربي العايب يوسف نشرت في صحيفة المساء المغربية.

وفي تونس زاد عدد المسيحيين خلال السنوات الأخيرة وشكل قدوم أعداد كبيرة من الأفارقة المعتنقين للدين المسيحي، وامتد اعتناق المسيحية في تونس إلى مدينة جربة السياحية جنوبا، وفيها أعيد افتتاح كنيسة القدّيس يوسف بعد 30 سنة من إغلاقها، في تونس يفوق عدد المسيحيين اليوم 20 ألف مسيحي لهم 11 كنيسة، وتكشف نفس الدراسة أن الأرقام في موريتانيا تبقى شحيحة جدا لكن نشاط المنظمات التنصيرية يلقى تجاوبا كبيرا من المجتمع الموريتاني بسبب الفقر والجهل، وتوجد في موريتانيا أكثر من 100 منظمة غربية..، ولكون مسألة التنصير لم تطرح في ليبيا، شرعت بعض المنظمات في غرس هذا السم في قلب الشعب الليبي، تذكر تقارير تورط قساوسة ووعاظ يعملون لدى شركة أمريكية تعمل على نشر التبشير في ليبيا في إطار منظمة تحمل اسم "جماعة الله" وهي مؤسسةً دينيةً تضم أكثر من 13 ألف كنيسة منتشرة حول العالم، ومقرها في أمريكا، وتضمّ نحو 53 مليوناً من المسيحيين البروتستانت وينصبّ تركيزها على فئة الشباب، ولديها مؤسسات تعليمية خاصة، وتمتلك فروعاً في آسيا وإفريقيا وبعض الدول العربية وتهدف إلى نشر الديانة المسيحي.

الأسباب تعود إلى الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد، ضف إلى ذلك غياب الدعوة الإسلامية والصراعات التي تدور بين الحركات الإسلامية وانشغالها بالنزاعات السياسية إن استهداف ليبيا واستغلال ظروفها يعود إلى كونها من الدول السادسة عشر على مستوى العالم من حيث المساحة وتملك من بين الدول المطلة على البحر المتوسط ساحل عريض يبلغ طوله حوالي 2000 كلم، تتكون من ثلاثة أقاليم: طرابلس، برقة وفزان)، وتعد ليبيا من حيث الديانات متجانسة إلى أبعد ما يمكن حيث يدين غالبية البلاد بالدين الإسلامي ويتبع أغلبهم المذهب المالكي، والأقلية البربرية تتبع المذهب الإباضي، حيث يمثل عدد المسلمين بليبيا نسبة 67 بالمائة، و03 بالمائة فقط ينتمون إلى ديانات أخرى، وقد نبه باحثون ومنهم الدكتور محمد عبد الدايم علي سليمان محمد الجندي إلى الخطر الذي يهدد الشعوب العربية والإسلامية وبخاصة دول المغرب العربي، وهو أن بعض المنظومات التنصيرية اتجهت إلى أساليب جديدة في عملياتها التبشيرية، بحيث أصبحت تستغل الأغاني الشعبية التي تغلب عليها الصبغة الصوفية وتحويلها إلى أغنية تنصيرية تدعو للتحول إلى النصرانية، وهو من أمكر وأخبث ألوان التخطيط التي تستعملها المنظمات التبشيرية.

فقد اتخذت هذه المنظمات من مهنة التطبيب كذلك وسيلة لتحقيق مآرب التنصير، وخصوصا عند تقديم العلاج والكشف المجاني على الفقراء وصرف أدوية مجانية من طرف البعثات الطبية، ويسعى المبشرون الى تكريس مفهوم عولمة ديانة الإمبراطورية الأمريكية عن طريق التنصير الإلكتروني، وقد اشار إلى ذلك باحث جزائري هو الدكتور الحسين عمروش من جامعة المدية في إحدى دراساته، حيث تسيطر الولايات المتحدة على أغلبية المواقع الإلكترونية وتحارب عن طريقها العقائد والقوى العسكرية والاقتصادية المعادية، مستخدمة التكنولوجية الضخمة التي توفرها المؤسسات التنصيرية من جعل الفضاء الإلكتروني مسرحا للحرب المقدسة والتي تطال شريحة الشباب باعتبارهم الشريحة الأكثر قابلية للتأثر، ما جعل العلماء والدعاة دق ناقوس الخطر، والدعوة إلى وضع آليات سياسية وقانونية لمواجهة ظاهرة التنصير في المغرب العربي

***

علجية عيش 

في المثقف اليوم