المثقف - قضايا
سليم الحسني: العراق.. وَهْمُ الدولة (9): المثقف المعتاش
- التفاصيل
- كتب بواسطة: د. سليم الحسني
تقوم العملية السياسية في العراق في تعاملها مع الشعب، على أساس (كيف تخدع المواطن؟). فالقائد أو الكيان الذي يعرف آليات الخداع فانه سيضمن وجوده في البرلمان ومن ثم في المناصب المهمة. أما الخدمة والقيام بالواجب الوطني، فهذا أمر خارج الاعتبار، فليست هناك محاسبة، ولا تقييم ولا متابعة.
وحين يبلغ قادة الكيانات السياسية بالمجموعة المرتبطة بهم مناصب الدولة، تبدأ عملية السرقة المنظمة للثروات، وهي تجري بانسيابية عالية، وبضمانات مؤكدة بسلامة السارق وعدم وجود جهة تلاحقه وتعاقبه.
...
كيف تخدع المواطن؟.. هذا هو السؤال الذي يشغل القيادات السياسية على الدوام، وعندما أقول يشغلها، فلا أعني أنه يرهقها في التفكير، إنما المقصود كيف تستطيع أن تبلغ به درجات أعلى من السابق.
هنا يأتي دور (المثقفين المعتاشين) إنهم فئة يتوزعون على نشاطات متعددة في الصحافة والفضائيات والاعلام الالكتروني والمنابر والمساجد والحسينيات وغير ذلك من مجالات النشاط العام.
يعرف هؤلاء توجهات القيادات السياسية، فيجربون طرق الأبواب جميعاً، ويحددون ولاءهم لمن يفتح ولمن يمنح. ثم يأتي نشاطهم سريعاً غزيراً صاخباً. وبالشكل الذي يُرضي القائد أولاً فهو وليّ النعمة، وحين يتم إرضاء القائد فان الاتباع يقنعون ويزداد تمسكهم بالقائد الذي يسمعون عنه عناصر قوة جديدة يختلقها (المعتاشون).
...
يمكن تبرير بحث القيادات العلمانية عن المعتاشين، بان ضوابط الدين عندهم غير محسوبة، لكن بماذا نفسر ذلك عند القيادات الإسلامية؟ وأمامهم هذا الحشد الهائل من النصوص والتعاليم الاخلاقية التي تنهى عن هؤلاء وتدعو الى الاستعانة بالناصحين المخلصين؟.
هنا يتحد الموقف بين العلمانيين والاسلاميين، فالمطلوب هو: (كيف نخدع المواطن؟)، لأن الوجه الآخر للمسألة الوطنية وهو: (كيف نُقنع المواطن؟) محذوف من العملية السياسية في العراق.
ويجب الاعتراف وإن كان اعترافاً قاسياً، بأن الغالبية من الناس في العراق توزعوا في الولاء على القيادات السياسية، وهم بهذا الولاء أقنعوا أنفسهم بانهم ليسوا بحاجة الى حقوق وخدمات يقدمها قائدهم، إنما تلك مسؤولية القادة الاخرين. وهذا ما شجع المثقفين المعتاشين على دور الخداع السهل.
بمتابعة بسيطة الى الوجوه التي تظهر على الفضائيات والاقلام التي تكتب في وسائل الإعلام، نستطيع ان نكتشف التقلبات السريعة والمفاجئة لهؤلاء المعتاشين.
...
في هذا المجال يقف المثقف العراقي أمام مسؤولية كبيرة، فهو حين يسكت على هذه الظاهرة التخريبية، فانه سيدعم (المثقفين المعتاشين)، وسيكون بطريقة وأخرى مساهماً في انتشار الخرافة والتضليل والتجهيل في اوساط المجتمع.
لقد رأينا وقرأنا كيف رأى البعض صورة الشهيد الصدر الثاني في القمر وفي الماء، ثم انتشرت على نطاق واسع من دون ان يتصدى المثقف الواعي لهذه الخرافة.
ونقرأ ونسمع كيف أن الفوضى التي احدثها مقتدى الصدر، صارت موضع تقدير وتقديس واعجاب من قبل هؤلاء، في مقابل صمت من المثقف الملتزم.
وسمعنا كيف يتحدث الشيخ اليعقوبي عن مؤامرة خارجية لرفع درجات الحرارة في العراق، من دون ان يكتب المثقف العراقي عن ظاهرة المراجع المصطنعين.
ونرى الترف المعيب الذي يغرق فيه عمار الحكيم، بينما ينادي بقيادته اعلاميون معتاشون يصفونه بالحكمة والاعتدال.
وسمعنا كيف أراد عباس البياتي استنساخ المالكي، وكيف اعتبر النائب علي العلاق ان مخالفة المالكي خروج على سنة الرسول، من دون ان يتصدى له المثقف العراقي.
إن السكوت على المعتاشين، خطأ كبير يقع فيه المثقف العراقي الملتزم. ومن أجل الحل، نحتاج الى شجاعة الكلمة، والقول المباشر، نأمل من القارئ الكريم أن يرفع صوته بأن يطلب من المثقف العراقي أن يكتب بصراحة وبشكل مباشر، لنكون جميعاً في مسار واحد من اجل الحل.
لها تتمة
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.