المثقف - قراءات نقدية
للهايكو شقائق أخر!!
- التفاصيل
- كتب بواسطة: لطفي شفيق سعيد
الهايكو ويطلق البعض عليه الهاينكو وهو أسلوب من الشعر برز في اليابان قبل مدة طويلة وتصل جذوره إلى نحو ثلاثة قرون أو أكتر من ذلك. ويرتبط بمذهب (الزن zen) وهو أحد المذاهب البوذية ويعتمد التأمل العميق للوصول إلى المعرفة وبلوغ الإثارة وتتألف قصيدة الهايكو من 17 مقطع وكل مقطع من ثلاثة أبيات .
يقرب هذا الأسلوب والمعنى واحد من أشهر شعراء اليابان وهو موريناك بقوله: لنفترض أنك غاضب أكتب قصيدة حول هذا الغضب وسيتبين أليك فورا إنك تصف غضب الآخرين، لا يمكنك أن تكتب الهايكو في نفس هذا الوقت. وأحد شعراء الهايكو سطا لص على كوخه الصغير وأخذ ثيابه وقصعة الرز فكتب بالهايكو:
اللص أخذ كل شيء
ماعدا القمر
على النافذة
في كوخي
كل ما عندي لأقدمه إليك
عدا البعوض لأنه صغير
يعتبر اليابانيون ماتسيوباشو وشيكي ماساوكا من أهم من كتب في هذا اللون من الشعر وبكلمات بسيطة ولاسيما أسماء الأشياء والتي تعيش في الطبيعة وتكون ذات معنى عظيم ومن هذه الأشعار مقطعان غاية في الروعة والإحساس العالي:
زهرة سقطت
تصعد إلى غصنها
لا إنها فراشة
أسند الإنسان
الذي كان فيما مضى
يحملني بين ذراعيه
وبهذا الأسلوب تحقق ما يصبو له الهايكو وهو الإيجاز في وصف الأشياء والوقائع وهو ما يحقق نجاحا في التعبير الأدبي والتصويري واختصار الكثير من القول الزائد عن اللزوم.
لقد حاول الكثير من المثقفين والشعراء ومن أمصار عديدة تقليد شعراء الهايكو اليابانيين القدماء إلا أن محاولتهم باءت بالفشل ويرجع سبب ذلك إلى المعتقد البوذي والطبيعة الخلابة اليابانية التي تحيط بشعرائها .
ومن هؤلاء الشعراء الذين كانت لهم محاولات مباشرة وغير مباشرة متعمدة أو من دون قصد للكتابة بطريقة الهايكو عربا كانوا أو أجانب أورد القليل منهم على سبيل المثال ولا الحصر وأتمنى أن لا أكون مخطأ في تشخيصي وأثير حفيظتهم مع اعتذاري وتقديري لهم :
للشاعر المرحوم يوسف الصائغ
الليلة قبل طلوع الفجر
نزلت من نصب الحرية
خمس نساء في مقتبل العمر
يحملن شموعا موقدة للشهداء
وللأبطال أكاليل الزهر
لم يبق على النصب
سوى تلك السيدة الثكلى
تمسح بالزيت والطين
عيون القتلى
وله أيضا
نظرت نحوه وتبسمت
ونظر نحوها وتبسم
ذهبت ولم يعرف أنها خرساء
كما أنها لم تعرف أنه أخرس
لكولن ولسن
الرياح تجري في شوارع لندن بسرعة السيارات
السياب
أسمع النخيل يشرب المطر
البياتي
القمل والموتى يخصون الأقارب بالسلام
سعدي يوسف
توهمت أن نخل السماوة نخل السماوات
حسين مردان
أف لعمر أطول منه عمر مروحة سقفية
أراكون
السماء تتسع للكواكب والشموس ولكنها تضيق بعيون الزا
ناظم حكمت
قلبي مياه البحر تحمله تفاحة حمرا كتذكار
أحد الشعراء
زوجها ساعي البريد إعشوشبت ساقه الخشبية
والى آخر القائمة التي تطول وأنا أدلو بدلوي بهذا السهل الممتنع وأقول:
من نافذتي في شوزبري
رأيت الخريف على الرصيف
يدفع بأوراق الأشجار للكناسين
--
الخريف يعري الأشجار
وأشجار الصنوبر لا تخلع لباسها
لكنها ظلت ترتجف طول الليل
هنالك على الرصيف رجل وغليون
الرجل ذو الغليون تركته الحافلة
لأنه غادرها قبل قليل
الرجل ذو الغليون
فتح مظلته وعبر إلى الرصيف الآخر
تأبط ذراعها وسار تحت المطر
من نافذتي في شوزبري
على الرصيف سناجب وكلاب زينة
ونساء بشورتات
إذن وطني بعيد
دعينا لعشاء في المساء
في اليوم الثاني
كان بجهاز ضغط الدم أملاح
لم أحمل كندا في محفظتي
أتاوه الكندية والأرض الأمريكية
يوحدهما النهار ويفصلهما الدولار
في بلادي
خرج من داره صيفا بساقين
عاد إليها بساق واحدة
ترك الثانية على الرصيف من شدة الحر والانفجار
الناس الواقفون على رصيف المحطة
اختفوا فجأة
لأن القطار أخذهم إلى مكان الانفجار
وكلمة أخيرة من عندي: إن من يتمكن أن يحول اللون الأبيض إلى ألوان قوس وقزح يمكنه أن يدرك معنى الهايكو!
لطفي شفيق سعيد
في 20 أيلول 2014
مدينة شوزبيري الأمريكية
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.