قراءة في كتاب

محمود محمد علي: وحيد الدين خان ونظرية الإسلام يتحدى

محمود محمد علييعد وحيد الدين خان  أعظم مفكر وفيلسوف هندى طوال الـ70 عامًا الماضية، وأعظم مفكرى الإسلام على مستوى العالم، وهو من القلائل الذين جمعوا بين منهج الإسلام المعرفى والمنهج العلمى والفلسفى الحديث، ولذلك نجح فى مقارعة الإلحاد والعلمانية والماركسية بالحجة العقلية، التى تصلح لإقناع المؤمنين وغيرهم على السواء.

كما يُعد وحيد الدين خان كذلك المؤسِّس الحقيقى لعلم كلام إسلامى حديث يناسب العصر، كما قال عنه د. محمد عمارة: «لقد وهب حياته كلها للدعوة الإسلامية، وتخصص فى إقامة الأدلة العلمية على الإيمان الدينى، فبلور علم كلام جديد يناسب عصر العلم، خاليًا من جدل الفرق الإسلامية القديمة، ومتجردًا عن محاكاة الفلسفة الإغريقية القديمة، وقد أعانته على ذلك ثقافته العلمية الواسعة ليقدم أعمالًا فذة غير مسبوقة".

ومن أهم كتبه التى تُرجمت إلى العربية واشتهرت فى الوطن العربى "الإسلام يتحدى"، الذى أثر فى جيل كامل من العرب ونقل شبابهم من الإلحاد وجحود الله- الذى شاع فى الستينيات وأوائل السبعينيات- إلى الإيمان والعودة إلى الله، ومنها كتبه «تجديد علوم الدين» و«حكمة الدين» و«الدين فى مواجهة العلم» و«المسلمون بين الماضى والحاضر والمستقبل» و«خواطر وعِبَر».

وقد تميّز المفكّر الهندي وحيد الدّين خان منذ أن أصدر كتابه الإسلام يتحدّى عام 1966 باللّغة الأُردية، في الهند، بأنّه أراد في جميع كتبه تقديم تصوّرات جديدة عن الإسلام، وتصحيح ما علق به من إضافات وأوهام، اعتبرها دينًا موازيًا، ومعارف ثانويّة، أثقلت العقل الإسلامي بأعباء كانت سببًا في نظره، في تكريس الجمود والتخلّف. فعمل جاهدًا على نشر الدّعوة الإسلاميّة وإحياء الفكر الإسلامي في ربوع الهند منذ زمن مديد. لتحقيق مشاريعه، والتّعريف بأفكاره.

وكتاب الإسلام يتحدى هو كتاب في العقيدة من تأليف وحيد الدين خان وترجمة ظفر الإسلام خان ومراجعة وتقديم عبد الصبور شاهين، يرد الكتاب على شبهات أهل الإلحاد، ميزة الكتاب أنه يعالج موضوع الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وكذلك إثبات الأدلة على البعث والقيامة، ومناقشة القائلين بصدفة وجود الكون، والقائلين بالتطور بأسلوب فريد يتسم بالدقة والموضوعية والمنهجية العلمية، والكاتب رجع لكثير من الكتب الغربية لمفكرين وأساتذة كبار في المجالات العلمية المختلفة، فجاء الكتاب مخاطبا للعقل والوجدان، كاشفًا اللثام عن حقائق مهمة وخطيرة.

وفي أحد أحاديثه الصحفية؛ عندما سُئِلَ عن سرّ اختياره لعنوان "الإسلام يتحدى"، كعنوان لكتابه الأشهر، قال خان إن "هذا الدين جواب محدد لكل الأسئلة التي تؤرقنا في كفاحنا الحضاري، إنه يوجّهنا إلى المشرع الحقيقي الطبيعي، وهو يضع لنا الأساس النظري للقانون ولكل شئ، فهو يمنحنا أساسًا صائبًا لكل مسألة في هذه الحياة، حتى يمكن لها الوصول إلى أعلى درجات الازدهار والرقي، كما أنه يهيئ لنا الأساس النفسي، الذي يصبح القانون بدونه مشلولًا تماما وبلا حراك، كما أنه يخلق لنا ذلك المناخ المناسب الذي لابد منه لتطور أي مجتمع تطورًا حيويًا وفعالًا.

وقد حمل الكتاب عنوانًا أصغر هو: "مدخل علمي إلى الإيمان"، وجاءت الطبعة التي بين أيدينا في 264 صفحة، وقسَّم المؤلف المادة التي وضعها فيه إلى تسعة أبواب.الباب الأول منها، تناول قضية معارضي الدين كمبدأ، في الآفاق التاريخية والنفسية، وحتى من الزاوية البيولوجية.أما الباب الثاني، فقد قدم نقدًا لأفكار معارضي الدين، فيما يخص حقيقة الطبيعة، مع استدلالات بالتاريخ والاجتماع حول الخلق وحقيقة خلق الإنسان.الباب الثالث، فند بعض الأمور التي جاء بها الملحدون من خلال العلم، حول حقيقة الخلق، ومن بينها الأخطاء التي تقود إليها التجربة والقياس في المنهج العلمي في بعض الأحيان، ونظرية التطور العضوي، وغير ذلك. الباب الرابع، قدم فيه الأدلة على وجود الله تعالى من خلال الطبيعة، والفلك، وغير ذلك، فيما تناول في الباب الخامس، الأدلة القائمة على وجود الآخرة، والحياة بعد الموت.الباب السادس تناول فيه إثبات الرسالة وأدلة ذلك، فيما الباب السابع أثبت فيه أدلة أن القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى وكلماته إلى الناس، مع لمحات عن جوانب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.أما الباب الثامن، فقد تناول فيه خان كيف عالج الدين مشكلات الحضارة، وبالذات في مجال التشريع، وفي الحقوق والعدل داخل المجتمعات الإنسانية.وأخيرًا، تناول خان في الباب التاسع شكل الحياة الإنسانية كما يتصورها الإسلام.

وقد حاول المؤلف القيام بأمرين : الأول : إثبات أن النظريات العلمية - الفيزيائية والفلكية وغيرها - لا تعارض أصول الإسلام، وقد أجاد في هذا الأمر، والثاني : إثبات أن النظريات العلمية تدل وتؤكد صحة أصول العقائد الكبرى للإسلام، وهو في هذا الأمر لم يحسن؛ لأنه لم يخل من التكلف في الاستدلال.

مع أهمية الكتاب إلا أن المؤلف وقع في بعض الأخطاء، ومنها : توسعه في الاستدلال ببعض النظريات العلمية على قضايا العقيدة، وهي لم تصل إلى درجة القطعيات، ومنها : تنبيه لنظرية تحضير الأرواح وقبوله لها.

وقد توفي في العاصمة الهندية نيودلهي، في 21  أبريل 2021 ، المفكر الإسلامي الهندي الكبير "وحيد الدين خان" عن 96 عاماً، تاركاً خلفه مكتبة علمية كبيرة. والميزة التي يمتاز بها وحيد الدين من بين أقرانه من مفكري العصر إتقانه اللغات و قراءة الكتب العلمية والفكرية باللغة الإنجليزية، ويمكن تقدير سعة اطلاعه وعمق دراسته من خلال مؤلفاته ذات المستوى العلمي الرفيع، والتي تظهر عمق ثقافته الإسلامية وتمكنه من ثقافة العصر.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

 

في المثقف اليوم