قراءة في كتاب

السعيد بوشلالق: قراءة واقتباسات في رواية: «البَيْتُ الأَنْدَلُسِي» لـ: واسيني الأعرج

السعيد بوشلالق- يبدو لي أنني تورطتُ في البيت الأندلسي وأصبحتُ أعرفه أكثر حتّى من الذين سكنوه وأقاموا فيه، أو الذين توالوا عليه على مدار أكثر من أربعة قرون. ص 25.

- كُلّ القِصص حقيقية عِندما تأتي مِن القلب.. وقصة "البيت الأندلسي" لا تأتي إلّا مِن قلبِ القلب..

- البيوت الخالية تموت يتيمة.. ص35.

نسخة رواية «البيت الأندلسي» التي قرأتها تتكون من 530 صفحة طبعة دار موفم للنشر بالجزائر – 2015.

تتحدث الرِّواية عن بيت أندلسي قديم تريد سُّلطات الجزائر بعد الاستقلال أن تهدمه، وتستغل مساحته لبناء (مول) برج كبير، لكن الحفيد والوريث (مُراد باسطا) يرفض تهديمه ويخوض معركة قانونية ضد الهيئات المعنية العقارية والإدارية لمنع الهدم والإبقاء على البيت الأندلسي لرمزيته التّاريخية ويقترح ترميمه واستغلاله في النّشاط الثّقافي وتحويله إلى دارٍ للموسيقى كما كان في زمن ما عند بنائه.

البيت الأندلسي كان قد بناه أحد الموريسكيين الأندلسيين الفارين من محاكم التّفتيش في اسبانيا في القرن السّادس عشر، هو (سيد أحمد بن خليل غاليليو الرُّوخو) وفاءً لحبيبته (سُلطانة بلاثيوس)، ثُم استولى عليه الأتراك من طرف القُرصان دالي مامي، ثُم استولى عليه الفرنسيون بعد احتلالهم للجزائر وقاموا بتحويله إلى دار للبلدية. ثم يأتي جونار الحاكم العام الفرنسي للجزائر وقام بتحويله إلى دار للموسيقى. وبعد الاستقلال يتكالب ورثاء الدّم والمصالح للإستيلاء عليه. فيقررون هدمه وبناء برج مكانه... يتواصل السَّرد في صراع دراماتيكي من أجل البقاء إلى أن تنتهي الرِّواية بموت بطلها (مُراد باسطا) بعد أن خسر معركته للإبقاء على البيت الأندلسي فأحرق المخطوطة التي رافقت البيت منذ نشأته وماتت بهدمه وموته.

الرِّواية تتكون من خمسة فصول يتصدرها استخبار ماسيكا، وتوشية مُراد باسطا. تبدأ الرِّواية باستخبار ماسيكا بنت السبنيولية، تقص: (القِصة مُعقدة جداً ولكني سأحاول أن أُفككها لِتُصبح مُستساغة ومقبولة. كُلّ شيء بدأ من تلك اللّحظة التي خرجتُ فيها من الصّفّ الطُّلابي، ورجعتُ ركضاً صوبه بعد أن كان عمي مُراد باسطا – كنت أُناديه عمي وعندما كبرت قليلاً، قال لي ناديني باسمي أحلى – قد شرح لنا قصة البيت الأندلسي، وأظهر لنا المخطوطة ذات الرّائحة الغريبة التي ظلّت عالقة بأنفي، لأني شممت فيها أيضاً رائحة أمي. ولا أدري ما هي القوة الخارقة التي دفعتْ بي يوم الحريق المهول الذي أكل البيت الأندلسي، إلى القفز من على ظهر الحائط الخلفي للحديقة، والانزلاق من النّافذة من الكوة الصّغيرة، لأجد نفسي في عمق دار الخدم التي سكنها دائماً عمي مُراد باسطا، وسحب المخطوطة من مكانها الذي كنتُ أعرفه جيداً... أعتقد أني كُنتُ الوحيدة بعد مُراد باسطا ورُبما حفيده سليم، مَن كانت تعرف مكان المخطوطة السّرّي. هو الذي نبهني إلى مكانها، وهو لا يدري أنه سيأتي يوم وأضطر فيه لإنقاذها من نهاية مفجعة.) ص 09 – 10. تليها توشية مُراد باسطا يتحدث فيها عن (هذه الدّار، الخربة الرُّومانية، البيت الأندلسي، كازا أندلوسيا، دار لالّة سُلطانة بلاثيوس، دار المحروسة، دار لالّة نفيسة، دار زرياب، إقامة الإمبراطور، ملّهى الضِّفاف الجميلة... كُلّها أسماء صاحبت البيت الأندلسي عبر حقب مختلفة وكثيرة.) ص 31.

ثم وبانسيابية معهودة في أسلوب الكاتب واسيني الأعرج ينتقل بنا إلى الفصل الأول: نوبة خليج الغرباء. هذا الفصل ضمّ أوراق مخطوطة غاليليو سيدي أحمد بن خليل، حيث الورقة الأولى منها تتحدث عن ظروف اعتقال سيدي أحمد بن غاليليو الرُّوخو، وطرده وترحيله من غرناطة إلى منافي وهران بعد موقعة جبل البشرات، وإعتداء محاكم التّفتيش عليه، ولقائه بالكاهن أنجيلو ألونصو. ووقِعَت الورقة بالمحروسة 1570.

أما الورقة الثّانية فتحكي عن حزن الغرناطيين، وعن نيران جبال البشرات، وقصة غاليليو مع الدُّون فرناندو ونشوء رباط الدّم المقدس، وحرب الإخوة من الموريسكيين والمدجنين، والأتراك المتطوعين وموت الأمير سيدي محمد بن أمية في جبال البشرات آخر معاقل المسلمين الأندلسيين في غرناطة، وخيانة سفن العُدوة الأخرى واستسلام الجميع للنِّهاية الحتمية، ونهاية الزّمن الأندلسي على يد دون خوان النّمساوي. ووقِعَت الورقة بخريف 1573.

وتليها الورقة الثّالثة من المخطوطة والتي تتحدث عن ضربة الشّمس القاسية التي تعرض لها غاليليو، ونِداءات المُرحّلين اليائسة في مواجهة مصائرهم. وتروي كيف التقى غاليليو الرُّوخو بحبيبته سُلطانة بلاثيوس للمرة الأخيرة، وما جرى بينهما من أحاديث خاصة ووعود على أمل اللِّقاء من جديد في زمن أخر وأرض أخرى لتحقيق حلم بناء البيت الأندلسي.

3312 واسيني الاعرجيوفي الفصل الثّاني: نجوم السّراب. تأتي الورقة الرّابعة والتي تتحدث عن رحلة غاليليو الرُّوخو وعزلته وحنينه إلى سُلطانة، وحكاية شرائه لبُستان حميد كروغلي المُهمَل وبنائه للبيت الأندلسي في أعالي المحروسة في انتظار اللِّقاء بحبيبته سُلطانة التي ما نساها وأبداً، كما تتحدث هذه الورقة عن بداية عمل الرُّوخو غاليليو سيد أحمد بن خليل في محل الصّائغ الذّهاب ميمون البلنسي، وتعرفه على الجنوي والطملقي والمهندس المالطي. ووقِعَت هذه الورقة في صيف 1570.

أما الورقة الخامسة من المخطوطة فهي تحكي عن نشوء البيت الأندلسي على هضبة القصبة المحروسة، وحكاية عودة لالّة سُلطانة بلاثيوس من منفاها مع أخيها دون فريديريكو دي طوليدو، ولقاء الجميع مع السّفير الدّانماركي وزوجته وأخته العاشقة، وأسرار أول ليلة عشق بين الرُّوخو غاليليو وحبيبته سلطانة بعد غياب طويل، وقصة النّافورة الفينيسية في صحن البيت الأندلسي.

وفي الورقة السّادسة حكاية أهوال رحلة مايوركا، ونجاة الرُّوخو منها، ونجاة الرّايس حسن كروغلي وبحارته من عواصف عرض البحر. وانتشاء لالّة سُلطانة ولالّة مريم في البيت الأندلسي. وتأسيس فرقة جاهاركا أو لاكاسا أندلوسيا للموسيقى التي كانت توشح بموشحاتها الأندلسية أجواء البيت الأندلسي فتُضفي عليه روحاً أندلسية. ووقِعَت الورقة في شتاء 1575.

أما في الفصل الثّالث: سفر المخطوطة القديمة. فالكاتب واسيني الأعرج يمارس سلطة النّص على القارئ فيشده إليه في اندماج ذهني بليغ، حيث يتذكر مُراد باسطا وفاة والده الذي ائتمنه على المخطوطة. وفي الورقة السّابعة من هذه المخطوطة تتحدث عن حكاية دخول غاليليو إلى قصر الأغا حسن كمترجم، والخوف الذي سكنه من الأغا. كما تورد قصته مع الرّهينة الرّجُل الأحمر ميغيل سيرفانتس. وما جرى له ولأصدقائه في سجن مالكه دالي مامي من مصائب وأهوال. وسفر رودريغو للحصول على الفدية لتحرير الرّهينة سيرفانتس، ثم عودته على متن سفن حربية. وأسرار العلاقة بين حسن فنيزيانو وميغيل سيرفانتس، وأحلام زريدة طليقة الأمير الفاسي. وقد وقعت هذه الورقة في شتاء 1575.

أما الورقة الثّامنة فهي تتحدث عن الرّهينة سيرفانتس وهو يكتشف أسرار المحروسة وسوق العبيد. حيث الرّجُل الأحمر يغرق في تفاصيل حكايته وحروبه مع دون خوان النمساوي. ومأساة سلسلة الحروب التي لا تنتهي، وانهيار المركيزة في ميناء ليپانتي. وموت علي باشا، ومناورة انسحاب العلج من المعركة البحرية، وتلقي ميغيل سيرفانتس الضّربة التي أفقدته ذراعه الأيسر.

وفي الورقة التّاسعة، تتحدث عن سقوط ميغيل سيرفانتس بين أيدي القراصنة، وقصة دخوله إلى المحروسة، وعرضه مقيداً في سوق العبيد، وحكمته وتعلمه من قسوة تجربته الخاصة.

ثم تأتي الورقة العاشرة التي تتحدث عن تعقد وضعية ميغيل سيرفانتس بعد فشل أهله في تجميع الفدية لتحريره من الأسرّ والعبودية. كما تتحدث عن محاولة سيرفانتس الهروب مع أصدقائه وإلقاء القبض عليهم وسجنهم. ومقتل الموريسكي خوان الذي ساعدهم على الهروب وقصة إنقاذ سيرفانتس من سفينة الهجرة الثّانية نحو القسطنطينية.

وفي الفصل الرّابع: بيتٌ في مهب الرّماد. يتحدث السّارد عن التّخطيط الجديد الذي فرض على مدينة الجزائر العاصمة بعد الاحتلال الفرنسي، والذي هدد بزوال الكثير من المباني القديمة فيها ومن بينها البيت الأندلسي. غير أن مجيء الحاكم العام الفرنسي للجزائر جونار الذي استمر حكمه من 1903 إلى 1911، والذي كان يهتم بالمباني ذات الطّراز الموريسكي فيرممها ويحافظ عليها باستثمارها في الأعمال الثّقافية والفنية. فحافظ البيت الأندلسي على هويته التي نشأ عليها كدار للموسيقى.. وبعد استقلال البلاد في 1962 لم يتغير شيء في البيت الأندلسي، فقد استمر في أداء وظيفته كبيت للموسيقى الأندلسية، إلى أن استولى عليه العسكريون حكام اليوم ثوار الأمس، وحولوا البيت إلى كباريه بو ريفاج، ثم سماه مالكوه الجدد ملهى الأندلس وأبقوا على نشاطه كملهى ليلي الذي فرض عليه بعد الاستقلال. ثم شمّعوه للمرة الأخيرة.

أما الورقة الحادية عشر فتعود بنا إلى العهد التُّركي وتحكي عن سرقة البيت الأندلسي وكيف آل إلى المرتد دالي مامي.

وأخيرا الورقة الثّانية عشر التي تحكي عن دخول الغازي الجديد الفرنسي الذي نهب كُلّ شيء في المحروسة، ومحى معالمها القديمة، ومحكيات حمدان بن عثمان خوجة عن السُّقوط الأعظم. وكيف حُوِّل بيت لالّة سلطانة بلاثيوس إلى أول دار بلدية في عهد الاحتلال، قبل أن يُهيأ كإقامة شتوية لنابليون الثّالث وزوجته أوجيني.

وتختم الرِّواية بالفصل الخامس: لمسة سيكا النّاعمة. والذي يحكي عن الحكام الجُدد الذين أرادوا للبيت الأندلسي أن يُهدم ويُبنى مكانه (مول) عظيم أو البرج الأعظم برج الأندلس، لتنتهي الرِّواية بهُدم البيت الأندلسي وموت بطل الرِّواية مُراد باسطا، وحرق المخطوطة.. لكن ورغم النِّهاية المأساوية إلاّ أنّ قضية البيت الأندلسي بقيت صارخة في ضمير القارئ والضّمير الإنساني.

نقاط على هامش قراءة رواية: «البيت الأندلسي» لـ: واسيني الأعرج

- تتحدث الرِّواية في تداخل ثنائي نّص داخل النّص، عن المخطوطة الخاصة التي كتبها صاحب البيت الأندلسي (أحمد بن خليل غاليليو الرُّوخو) التي يروي فيها الظُّروف الوحشية لاعتقاله من طرف محاكم التّفتيش في إسبانيا، وترحيله إلى منفاه في وهران، ورحلته للاستقرار في الجزائر المحروسة، وبنائه للبيت على الطِّراز المعماري الأندلسي وفاءً لحبيبته لالّة سلطانة بلاثيوس.

- النّص السّردي (البيت الأندلسي) ينطلق من واقع يومي مُعاش، غير أنه ما يلبث أن يحلق في فضاءات الخيال، فقد عمد الرِّوائي إلى المزاوجة بين أحداث المخطوطة من خلال تقسيم أورقها إلى اثنتي عشرة ورقة، تتخللها بين كّلّ ورقة وأخرى والأحداث الخاصة بمُراد باسطا المكملة لسيرة هذا البيت العتيق، وكيفية الحفاظ على إرث الأجداد تنفيذاً لوصية الجد الأول (غاليليو الرُّوخو أو سيدي أحمد بن خليل) التي يوصي فيها بأن: (حافظوا على هذا البيت، فهو من لحمي و دمي. ابقوا فيه ولا تُغادروه حتى ولو أصبحتم خدماً فيه أو عبيداً... إنّ البيوت الخالية تموت يتيمة.) ص 35.

- هذه الرِّواية أن مادتها الأساس هي التَّفاصيل اليومية للحياة، مضاف إليها مادة التَّاريخ بمداها القريب والبعيد. فمتنها نوع خاص من القلق والشّك والبحث، عن طريق مزج الخيال السّردي بالتأمل الفلسفي.

- الرِّواية تدور حول إشكالية الذّاكرة والموروث الثّقافي والتّراث المِعماري الذي ضيعته الجزائر، فالنّص يشتغل على الذّاكرة والهوية الثّقافية.

- يمكن اعتبار رواية (البيت الأندلسي) لواسيني الأعرج توثيقاً أدبياً وفنياً لواقعنا الجزائري والعربي وصورته النَّمطية التي يعيشها. فإذا كان للاستعمار دور في كُلِّ ما حدث في الوطن، فإن الورثة الذين ظهروا بعد الاستقلال كان لهم الدَّور الحاسم لأنهم فشلوا حتى في الحفاظ على مخلفات الاستعمار العمرانية والتَّنظيمية والإدارية.

- احتوت الرِّواية في بنيويتها على ثلاثية تمثلت في صراع القيم الأصيلة، والتّاريخ البعيد، والتّاريخ القريب. فعلى مستوى البنية الداخلية، تتحرك الرِّواية بين مستويين زمنيين واضحين: مستوى تاريخي بعيد يمتد حتى القرون الوسطى، ومستوى عصري يلامس حياتنا اليوم في ظِلِّ وضع عربي لا شيء فيه يبشر بخير. فإذا كان سيد أحمد بن خليل غاليليو الرُّوخو هو راوي النّص التّاريخي الأساسي في دوره القائم الأول بأمور البيت الأندلسي، فإن وريثه في الحاضر مُراد باسطا هو من يروي لنا نهاية البيت في عصرنا ويكشف لنا جريمة الهدم المرتكبة في حقه.

- استخدم الكاتب واسيني الأعرج في عناوين الفصول كلمات منتقاة من مقامات أندلسية متعددة مثل: استخبار، توشية، نوبة، خليج الغرباء، وصلة الخيبة. وهي تسميات جاءت في السّياق العام للسرد وأكسبته تأثيراً جمالياً كالجمال الأندلسي، كل ذلك كان في موقعه المناسب ليزيد من قوة النّص وشدِّ القارئ إليه.

- الرِّواية تنحاز إلى فكرة التّسامح الدِّيني، ونبذ الحروب الدِّينية، لأنها تتناقض مع أساس الحياة القائم على التّعدد والتّنوع العرقي والدِّيني والمذهبي.

-الرِّوية مليئة بالشّخصيات، فهي متعددة وكثيرة وهذا هو حال الرِّوايات التَّاريخية. والوحيد الذي استمر من بدايتها إلى نهايتها، هو مُراد باسطا بطل الرِّواية، وهو الجسد الحقيقي للرِّواية. وهو المتحكم في المسار العام للرِّواية، وأزمنتها الماضية والحاضرة.

- يمكن للقارئ أن يُلاحظ أن الكاتب الرِّوائي واسيني الأعرج قد استخدم في هذه الرِّواية الشُّروحات والهوامش وذلك بغية الدّفع بالقارئ إلى تصديق المادة المعرفية التي جاءت في الرِّواية، وإدخاله في اللّعبة السّردية.

-لغة الرِّوائي واسيني الأعرج كما عرفناها في نصوصه الأخرى هي لغة أدبية سردية قوية تتناغم مع المتن الرِّوائي فهي لغة شاعرية في المواقف الحميمية التي جمعت بين العشيقين الزّوجين الرُّوخو غاليليو سيد أحمد بن خليل وسُلطانة بلاثيوس، وهي لغة سياسية فاضحة وناقدة في مواقف السُّلطة الحاكمة التي تريد هدم البيت الأندلسي، وهي لغة تحقيقية تاريخية في تفكيك الأوراق الاثنى عشر في المخطوطة التّاريخية التي رافقت مُراد باسطا، ورحلة اللُّجوء التي قادت الرُّوخو غاليليو من غرناطة والأندلس إلى منفاه في وهران والجزائر المحروسة، وفي المراحل التي عمرها البيت الأندلسي.

- في نهاية السّرد خسر مُراد باسطا معركته ومات في النِّهاية. لكنه انتصر على مستوى الفاعلية الأدبية وذلك لأن مأساته بقيت صارخة في نفوس القُراء الذين آمنوا بموقفه.

- وفي الأخير؛ يرى "لوسيان غولدمان" أن الرِّواية هي «بحث عن قيم أصيلة في عالم منحط»، ويرى "جورج لوكاتش" أن الرِّواية «ظهرت لدواع تتصل بانهيار سلم القيم الذي كان سائداً في المجتمعات القديمة». ورواية البيت الأندلسي جاءت لتعالج بامتياز هذا الطّرح القيمي المتراجع والمتهالك.

اقتباسات من رواية: «البيت الأندلسي» لـ : واسيني الأعرج

- (الحرائق لا تجلب إلاّ الحرائق.) ص 10

- (في زماننا هذا نحمل الكثير من القطع الجسدية الميتة التي لا نستعملها أبداً، ونُدفن بها ونحن لم نجرب حتى صلاحيتها.) ص 11

- (أدركتُ يومها أن للبلادة جناحين، وأن كل مَن استولى على منصبٍ، ملأه بالأغبياء لكي تسهل عليه الهيمنة والسّيطرة والنّهب. كل شيء كان منظماً ومرتباً سلفاً.) ص 25

- (الكُتب لا تقول الحقيقة المُطلَقة، فهي ليست أكثر مِن حقيقةٍ نسبية لشخصٍ يفترضها كذلك.) ص 28

- (ليست السّنوات العابرة شيئاً في أعمار الحِجارة والبشر، ولكنها كافية للشهادة على زمن كان فينا ولم نكن فيه إلاّ قليلاً.) ص 32

- (عندما يسكننا شُعاع الشّباب، وتُبهرنا الحياة بكل جنونها، نظن أن كُلّ شيء ملء قبضات أيدينا، نُبعثره كما نُبعثر زرعاً في حقولٍ مفتوحة على الخير والشّمس. وعندما يُداهمنا العُمر بِقسوةٍ، نجدُ في الكفِّ المفتوحة حفنةً مِن الهواءِ السّاخِن، وبقايا خطوطٍ جِلدية، ترسم تفاصيل حياة اِندثرت بسرعةٍ وكأنّنا لم نعشها أبداً، أو حاذيناها فقط، وحنين أشياء مبهمة لا نعرف أسرارها، نكتفي بِحبها ونمضي، ونحن لا ندري لماذا؟) ص 33

- (الذّاكرة مثل النُّجوم، حينما ينفذ ألقها وصبرها، تتعب ثم تموت ثم تتبعثر هاربةً في السّماء في شكل رماد مضيء.) ص 33

- (العُمر يُعذبنا عندما نتذكره، وتخدعنا الحواس كلها عندما نطلبها.) ص 33

- (لِتأت الأشياء وفق إرادتها وفي وقتها، نحن لا نصنع الحياة التي نشتهي، الحياة تصنعنا مثلما تريد، وتدس في أجسادنا ما تشتهيه مِن جنونها وقنابلها الموقوتة.) ص 33

- (البيوت الخاوية تموت يتيمة.) ص 35

-(الأشياء عندما يدخلها مرض اليأس، تفقد طعمها وتخون بسرعة ذويها حتى ولو كانت تفاحة.) ص 36

-(البيوت في هذه البلاد، كانت تُعزف ولم تكن تُبنى. ومِن هُنا هشاشتها. عندما تفرغ، تجتاحها الضِّباع بِفِكاكها الحادة والصّلبة، قبل أن تتعفن مِن الدّاخِل والخارج، وتموت كما يموت البشر.) ص 36

- (المخطوطة مثل الكائنات تعيش بالاهتمام، وتموت بالإهمال.) ص 61

- (الحرب هي دائماً حرب المُنتصر والسّلام سلامه أيضاً.) ص 88

- (مَنْ يُعلن الحرب ليس هو مَنْ يُسكت مدافعها في النِّهاية.) ص 97

- (الدُّنيا التي لاقتنا على كِتاب، جمعتنا على كِتاب، وجعلتنا نعشق الدُّنيا أيضاً على كِتاب.) ص 111

- (إنّ لِكُلِّ حُبٍّ نجمة ترعاه، سأكون نجمتك التي لا تغيب. وإنّ الحبيب للحبيبِ غطاء، سأكون غطاءك في الأيام القاسية والصّعبة. سأكون، عمري، مسافتك بين القلب ولسانك.) ص 113

- (رُبما منحتنا الحياة شيئاً خاصاً وخارقاً لا نعرفه إلاّ عندما نعيش قسوته.) ص 114

- (كُلّ شيءٍ يضيق عندما نقنط، عيوننا، قلوبنا، أشواقنا فقط لأن المحيط صغر حتى أصبح باتساع خرم إبرة.) ص 144

- (لم تكن الحياة مغلقة. هناك دائماً خيط نور يأتي بالصُّدفة، نلتصق به حتى النِّهاية، ويُعطينا بعض الرّغبة في الاستمرارية.) ص 145

- (أنا أُريدُ أن أُبيّن للتلاميذ أنّ التَّاريخ ليس بعيداً عنهم، في أكلهم وبيوتهم وألبسة أهاليهم. لقد علموهم تاريخاً مزيفاً وبعيداً عنهم، ولهذا كرهوا كُلّ شيء.) ص 145

- (الشّعب الذي يرمي الزِّبالة يُشبه حكومته في كُلِّ شيء، تربيتها الكريمة ومنجزها العظيم بعد نصف قرنٍ مِن الاستقلال.) ص 151

- (نظرة الإنسان قصيرة وحكمته في هذه الدُّنيا قليلة. عندما ينتصر، كثيراً ما يتحول إلى طاغية ويُمارس ما مورس ضده عندما كان ضعيفاً. بدل أن يكون حكيماً وكبيراً ومُتسامحاً مع الآخرين مِن الضُّعفاء لأنهم في النِّهاية منه على الأقل في جانبهم الإنساني، يتحول فجأةً إلى فرعون صغير.) ص 164

- (الحقد يُسمى أيضاً العمى بعيونٍ مبصرة.) ص 166

- (السّنوات تعود ولا شيء فيها يتشابه سوى العُمر الذي يمضي بسرعة البرق.) ص 173

- (ربما كانت الكتابة رديف الحياة، إذ نفقد الشّهوة أحياناً في كُلِّ شيء بما في ذلك مواصلة العيش. ونتحول أحياناً إلى شُعلةٍ مُضيئة، ولكنها حارقة أيضاً، لا قوة في الدُّنيا تستطيع الوقوف في وجهها.) ص 173

- (الأشواق والحقيقة حرائق مثل الجِبال... كُلّ شيء ننساه إلاّ الأشواق التي تحرقنا في العُمق وتسلخ بعضاً مِن جلدنا.) ص 174

- (الشّبيه لا قيمة له مُطلقاً لأنه مجرد نسخةً منسوخة.) ص 181

- (في النِّهاية، إذا كنّا نتفرد في الحياة، نحن نتساوى أمام الموت، لا يهم... فيفعل النّاس ما تُمليه عليهم دواخلهم، فهي الأهم، ولكن الجبن إرث سيئ.) ص 187

- (هناك نوع مِن النّاس ليسوا في حاجة إلى أن يرفعوا أصواتهم لكي نصدقهم أو نأخذهم مأخذ الجِد. نظراتهم الطّيبة والصّافية تكفي.) ص 192

- (في قلب كل فنان شيء مِن الهبل والجنون وإلاّ سيكون إنساناً عادياً ومُسطحاً.) ص 198

- (الأديان ليست في النِّهاية إلاّ ظِلالاً هاربة لأشياء عميقة فينا، يتقاسمها الحُبُّ والكراهية. النّاس هم مَن جعلها مقياساً وضوابط للقسوة والعزلة.) ص 207

- (البلاد مِن البداية سلكت طريق الغلط. لا تُبنى حضارةٌ بِناسٍ غير حضاريين.) ص 250

- (وكأن كُلّ الزّمن الذي مضى لم يُغيّر فيَّ شيئاً. رسخ قناعتي أكثر في البشر. كنتُ على يقين أنِّي إذا لم أكن صائباً في الكُلّ، فأنا لم أكن على خطأ أبداً.) ص 252

- (كلما تعلق الأمر بالتّاريخ في هذه البلاد، مال النّاس إما نحو الكذب أو الكِتمان، لا يوجد شيء ثالث.) ص 258

- (خَفِفْ مِن حَماسِكَ لِمن تُحِبّ أو تكره، حتى تكون الخيبة واهتزاز يقينك أقلّ وقعاً.) ص 295

- (الحرب مثل المرض، عندما يُصاب المرء بها، يحتاج إلى زمنٍ مِن الهُدنة مع الذّات لكي يستطيع أن يُفكر بعقله.) ص 304

- (كلانا فقد شيئاً ثميناً، أنا خسرتُ جزءاً مِن جسدي، ذراعي، وأنت فقدت وطناً. فلا الذِّراعُ ينبت ذاتياً، ولا الوطن الأول يُزرع مِن جديد فينبت، ومع ذلك علينا أن نتعود على الفقدان والعيش.) ص 305

- (صُدفُ الحياة هي التي تربط أحياناً المصائر نهائياً.) ص 305

- (الدُّنيا تخط مصائر البشر ولكنهم قليلاً ما يتعلمون.) ص 305

- (في هذه البلاد شيء يلفه التّناقض بين ما يأمره الدِّين وما تتحكم فيه العادات. يقف الدِّين قوة ردعية ثانوية بالقياسِ لقوة التّقاليد القوية والمؤثرة في النّاس وفي حياتهم.. بلاداً ليست فقط محكومة بقوة الدِّين ولكن أيضاً بهذا الخليط الذي تلتبس فيه الأدوار بين الدِّين والمعتقدات البدائية والقديمة. علينا أن نفهم هذه الازدواجية القوية لنتمكن من فهم ناس هذه البلاد.) ص 311

- (العواقب تُقاسُ بِنِهايتها.) ص 312

- (البشر في النِّهاية مُخٌ واحد يشتغل في اتجاهات مُتعددة بحسب الرِّياح التي قد تكون شرقية أو غربية.) ص 312

- (التّهكم والسُّخرية، أقوى سلاحين وأذكاهما، أمام غباوة العصر والبشر.) ص 312

- (الحُبّ كان هو الجاذبية الوحيدة والأساسية، وليس الدِّين إلاّ المسلك المختصر لذلك. الحُبُّ أيضاً فوق الأصول الأولى التي نفترضها دائماً هي ما يقود حياتنا وأشواقنا.) ص 313

- (الدّرس الأول في المعارك البحرية يُحفظ جيداً لهذا يجب أن يكون قاسياً.) ص 313

- (إن الثِّقة الزّائدة واليقين الصّارم، مقتلان مدمران.) ص 314

- (يُصيبنا العمى أحياناً، فلا نرى في غنى الدُّنيا بكاملها، إلاّ ظلالنا الصّغيرة.) ص 314

- (كُلّ حربٍ مهما كانت عادلة، تتبطن في عمقها قدراً معيناً من العجز عن التّفكير.) ص 315

- (للأسف، نحتاج دوماً إلى انكسارٍ عظيم لنعود إلى يقيننا الوحيد، الخسارة. حتى عندما نربح نظلّ في عمق خسارة لا ندركها إلاّ لاحقاً، بعد زمنٍ طويل.) ص 315

- (هذه هي حالة الحروب، لا نعرف دمارها إلاّ عندما تنتهي، وتكون قد جرّت وراءها جيشاً من النّاس نحو النِّهاية والإبادة لا لشيء سوى لأن بشراً أخطئُوا في التّقييم أو انغلقوا على أنفسهم، وأدركوا بعد زمنٍ أن بؤسهم الدَّائم كان أكبر.) ص 316

- (هذه الحرب التي تركت علاماتها القاسية على أجسادنا، نخوضها أحياناً لأنه ليست لنا أية بدائل أخرى أمام ظلم البشر حتى ولو أكلنا رؤوس أصابعنا ندماً، فيما بعد.) ص 316

- (بعض هذه الحروب ليست حروباً، ولكن مُجرد طلقاتٍ أخيرة لإقناع النّفس المُنهكة أنّها قاومت ولم تستسلم.) ص 316

- (مصائرنا كلها تكون أحياناً معلقة على حواف الصُّدفة القاتلة.) ص 317

- (كثرة الحروب تولد الملل حتى بالنّسبة للمنتصر، لأن الانتصار والهزيمة، كُلُّها حالات مؤقتة.) ص 321

- (في الأدب، التّرجمة عمل عبثي وقليل الفائدة. كأننا ننظر إلى زرابي الفلاندر بالمقلوب، نلحظ جيداً الأشكال الجميلة، ولكنها مليئة بالخيوط المنسدلة التي تشوهها، ولا تظهر وحدة اللّون والموضوع.) ص 322

- (الحُبُّ أحياناً لا يمنح فقط السّكينة السّاحرة، ولكن أيضاً وَهْم الأرض المفقودة.) ص 327

- (عندما تلتصق السُّفن المتحاربة تموت الرّحمة في قلوب النّاس.) ص 329

- (ينسى النّاس بِسُرعةٍ بطشهم، وأنّه يُمكن أنْ يكونوا هُمْ أيضاً ضحية للطّاحونة التي صنعوها.) ص 331

- (أعرف مِثلك أن سوق العبيد هو أقسى مكانٍ يُصيب الإنسان في صميمه. وأعرف أيضاً ما معنى أن يُساق إنسان نحو حتفه المعنوي، لا أذلّ للإنسان من أن يُجر مُصفد اليدين والرِّجلين ويتحول إلى فرجةٍ للعابرين في الموانئ المُكتظة بالبشر.) ص 332

- (أن تكتشف مدينة لا يكفي، إذ يمكنك أن تنساها بسرعة عندما تعود لك مدينتك وتسترجع شوارعها، لكن أن تكتشف أُناساً يُشبهونك فيها، فهذا أجمل ما يُمكن أن يحدث مِن صُدفٍ حتى ولو كانت حالاتنا قاسية مؤلمة.) ص 333

- (نموت أحياناً على تُربةٍ نظن أنفسنا أننا عرفناها، ولكننا نستيقظ في آخر العُمر لنكتشف بأننا لم نعرف شيئاً عنها وأنها بقية خارج الذّات. كثيراً ما تكون الصّدمة قاتلة. والهلاك أكيد.) ص 334

- (الخير يُورَّث، ولكن المؤسف، هو أنّ الأحقاد تورَّثُ أيضاً.) ص 334

- (الأفكار لا قيمة لها إذا لم تجد لها متنفساً في الحياة... والفكر عندما يطمئن لذاته يموت. يجب أن يتحول إلى بارود وإلاّ لن يؤثر في أيّ شيء.) ص 370

- (هناك خيانات يسكت عنها التّاريخ لأنها تُحْرِجُه، وعندما يتذكرها يكون كل شيء قد رُتب ولَفّتْهُ استحالة التّغيير.) ص 378

- (لا يوجد في الدُّنيا أحسن من التُّهمة الأخلاقية، الوحيدة التي يتمنى الكُلّ سترها، بما في ذلك عائلة المجني عليه. الجريمة الوحيدة التي لا يطالب أحد بدمها.) ص 392

- (القِراءة مِثل النَّوبات، عندما تنتابها، تنام فيها زمناً طويلاً ولا ترفع رأسها أبداً.) ص 469

- (الرَّغبة في العودة مثل الطُّوفان، عندما تستيقظ لا قوة في الدُّنيا تمنعها، تفشل أمامها كُلّ الإرادات والنَّوايا الحسنة.) ص 470

- (المُدن حينما نبتعد عنها كثيراً، تُنكرنا وربما تعادينا أيضاً، قبل أن تضرب صفحاً عنَّا وتنسانا.) ص 471

- (جرح لا يموت أبداً.. ليس في الجسد وحده، ولكن في الرُّوح.) ص 471

- (البحر حبيب الغريب حتى يتحول كلاهما إلى ملح، الأول للفراغات العميقة، والثّاني للتُّربة المُنزلقة من بين الأكُف.) ص 472

- (لا أدري لماذا وجدتني مُعلقاً في التّاريخ، وتلميذاً لما يقوله.) ص 475

- (أنت لم تقل إلاّ الحقيقة التي لن يرضى عليها لا قومك، لأنك سلكت مسلك العاقل أمام الهزيمة، ولا أعداءك لأنك اخترت أن تقول الحقيقة.) ص 478

- (الحواس مِثل الذّاكرة. هي أيضاً أمكنة لِتخبئة عطر وملامس وهسهسة الأسرار.) 481

- (البيوت أيضاً تموت عندما تنطفئ روائحها.) ص 508

- (هذا الوطن أعرفه جيداً وأحتفظ به في قلبي. أتركوا الشُّهداء ينامون قليلاً، لقد تعبوا في حياتهم وفي موتهم. وطني في جراحات جسدي. لو تفتحونها بصدق، ستجدون في كُلِّ جرح يختبئ تاريخ الذين مروا من هنا. لكني مثل أجدادي، تعودت على أن أستر جُرحي وأُخبئ حُبِّي لهذه الأرض في عيني.) ص 510

 

أ. السعيد بوشلالق

 

في المثقف اليوم