قراءة في كتاب

نبيل الربيعي: عرض لكتاب: صور ناطقة للدكتور نصير الحسيني

نبيل عبدالامير الربيعيصدر الكتاب بطبعتان، الطبعة الأولى عام 2017م، والطبعة الثانية عام 2018م عن دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة، وبـواقع (297) صفحة من القطع المتوسط. والكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات القصيرة تجاوزت (162) مقالة، لصور ناطقة تحمل في طياتها هموم الكاتب وهموم المواطن العراقي بما يحدث من خراب في هذا البلد الذي يتطلع شعبه بعد عام 2003م للتغيير، إلا أنهُ وبفضل قادته السياسيين الحُكماء يعود بنا إلى ما قبل المربع الأول من خراب ودمار وسرقات وقتل وخطف وانتشار العصابات المنظمة للأتجار بالاعضاء البشرية والمخدرات بجميع اصنافها.

عودنا الدكتور نصير الحسيني منذ فترات طويلة على اقتناص المواقف والأحداث التي مرَّ بها ويمر بها المواطن، لتنظيدها من خلال حروفه الجميلة والساخرة والمبطنّة التي لا تتجاوز صفحة أو صفحتان من القطع المتوسط أو أكثر، وهي مقالات أثارها الحسيني بذكاء ليطلّع عليها القارئ عِبرَّ شاشة الموبايل أو اللابتوب، لأنه في عصر العولمة أصبح شبابنا يمّل من المطالعة ويبتعد عنها أو لا يتابع المقالات الطويلة بصفحاتها.

ويعجبني الحسيني عادةً في اختيار عناوين لمقالاته، واختيار مفرداته وحروفه الناطقة التي تصور لنا حال العالم من تطور ورفاهية وحال ما حلَّ بعالمنا العراقي من خراب، ففي ص9 كان عنوان مقالته (شكراً ماما أمريكا)، وهو عنوان ساخر قائلاً في ص10: "لكل ما جلبته أمريكا للعراق من خراب ودمار وضياع، وتحويل المنطقة إلى (قطعة كيك)، تنزف بالنفط الأسود وتطفو على سطحها الدماء، التي لوّنت الجدران والطرق والأنهار، نقول: شكراً ماما أمريكا"، هذا الخطاب تجد بين طياته الكثير من سخرية القدر لما وعدت به أمريكا العراقيين من بناء واعمار وإعادة عجلة حياة العراقيين نحو الرفاه الاجتماعي.

فنجد في مقالات الحسيني القصيرة الاحترافية في اختيار الموضوع والعنوان والكلمات الدقيقة والقصيرة؛ لنقل المتلقي من خلال شاشة الموبايل إلى عالم الصورة من خلال المتخيل العقلي دون ضبابية، إنها صورة بالالوان أي (سكوب ملون) كما تذكر ذلك الأفلام على شاشات السينما. من الصعب أن يقدم الحسيني تلك الصورة إلا وهي تنطق للمتلقي وتوضح له ما بداخل الحسيني من هموم في عمله وهموم المواطن العراقي.

فكثيره هي الصور الناطقة التي منها لا تتعدى إلا ما يشعر به المواطن، من خلال لغة الإيحاء التي أتخذ منها عنواناً لمقال بثلاث صفحات، فيقول في ص12: "ولغة الإيحاء تقترب كثيراً من لغة الهمس، واعتقد أنها من العلوم التي يجب أن تُدّرَس في كليات الإعلام والعسكرية وغيرها". أو مقال تحت عنوان (زلة لسان) لتصريح لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة أولبرايت، أو عنوان آخر (الديمقراطية أكبر كذبة في العالم)، أو ما اتهم به المواطن المصري اسلام بحيري بتهمة ازدراء الأديان، ومقال تحت عنوان (الاستثمار ما بين الاستعمار والاستحمار!)، وهو يصور البلد كأسير للحكومات المحلية التي لا يعرف على وجه التحديد ما معنى لوجودها، ويتساءل في ص18 "هل هي لتخريب البلد؟ حيث أغلبهم مجموعة من الدلالين يروجون لمصالحهم رغم أن كثيراً من الذين صوتوا لهم لا يفهمون لماذا انتخبوهم؟"، أو مقال تحت عنوان (وشاية)، أو مقالته حول واقع حال (تربية بابل)، ففي ص23 كتب "سألني موظف في تربية بابل وأنا اراجعها، منذ متى لم تراجع التربية، قلت له منذ عام 1979، أجاب حيّل!، والحقيقة حين دخلت إلى الدائرة شعرت بالأسى والشجن، لأن هذه الدائرة قد تأخرت كثيراً في الأداء ويكفي ذلك حديثاً". وكلنا يعلم أن جميع دوائر الدولة قد تخلفت في الأداء، والمواطن يشعر بالأسى وحمل الهموم عندما يراجع دائرة حكومية لما يجد من تردي الخدمات واهمال الموظف لواجبه في أداء الخدمة للمراجعين لهذه الدوائر.

على نمط هذه العناوين يكتب الحسيني صوره الناطقة، والكثير منها لو تطلّع عليها لتجده يحمل عين مصور يلتقط الصور يومياً ويرتبها بحروفه الجميلة الناطقة، فهي يوميات لمواطن يلتقط الصور كما يلتقط الطير الحبوب ليستمتع بغذائه، فالكتابة بالنسبة للحسيني غذاء الروح، ولم يمر يوماً إلا وتجده كتب مقالاً أو اقتنى كتاباً من مكتبة الفرات في الحلة أو في شارع المتنبي، فالقراءة والكتابة همهُالشغل الشاغل للحسيني، فهو المقاول الذي توقفت شركته عن العمل وتوقف منح الحكومات المحلية المشاريع لها بسبب مبدأيته في رفض المشاريع التي تحال مقابل نسبة لمسؤول أو موظف مرتشي يحددها مسبقاً بنسبة 10% على قيمة المقاولة، أو عند استلام المبالغ وهي على شكل دفعات، فالمواطن والمقاول النزيه في عالمنا هذا ووسط هذا الخراب من الصعب أن يعمل.

وعندما ذكرت مقالاته الكثيرة والمتنوعة في كتابه هذا فمن الصعب أن تحتويها هذه الوريقات القلية التي انضد حروفي عليها، ولكن سأذكر بعضها، ومنها: فيلم ملون، لا منتصر، لا هذا فاد ولا ذاك فاد، كلمة اعتذار، ما لم يقله السارد عن العرافة، صرخة، اللعبة، ألا يخجلون؟، مرةً أخرى يخطئون، رجل طيب، طير حمام، طبيب، أم بريص، فيزة، مشاجرة، صحة صدور، مدراء، ساعة، قلق، حَمام، خدمات الطريق السريع، وجاهة، جزية، شخصية، انهيار أمريكا، مشفى، الديك، نقابة، بذور الشر، انتخابات، مكسي مول، تصريح، أسى، فساد (2)، العتاوي، الستار الله، مطلوب عشائرياً، فصل عشائري، مراجعة، لوح الأقدار، القط والفأر، دبلوماسي، مخدرات، تحرش، اجتثاث، أحزاب، حلم الرئيس، جثة الرئيس، قضاء، يا لسعادتنا، تشهير، أبو علوش، تخ... طيط، عجيب غريب، أطباء، جريدي، طرفة.

هذا التنوع في العناوين يمنح القارئ اللبيب الكثير من الخيال والتطلّع لقصص وأحداث واقعية عاشها الحسيني من خلال زياراته للدوائر الحكومية أو متابعته للتلفاز والأخبار أو ما يحصل في حياته وحياة المواطن اليومية من مواقف. حروف الحسيني الجميلة لم تسلم منها الذكريات الحزينة التي ترسم المكان والواقع والرغبة والتفاؤل والمرح والبسمة والسُخرية، تلك الحروف الناطقة للمستقبل الموعود، ولوطن القهر والظلام والفساد والخراب والظلم والتهريب.

يذكر الحسيني عن صفة الصور الناطقة قائلاً: "صور ناطقة عن حجم الفوضى التي مرَّ بها العراق بعد عام 2003م، وهي عبارة عن هواجس شخصية لصور تتحرك يومياً عبر حياة مليئة بالغرابة والدهشة والانفعال، وتجعلنا نعيش حالة من الاغتراب الذاتي، ونحلم بجرعة من الأمل بأن القادم ربما سيكون أجمل! الصور تسلط الضوء على تحولات المجتمع في ظل ظروف أتسمت بالتحولات الرافضة للتبعثر الاجتماعي وفساد الفعل عبر البوح المعترض".

ومهما كانت الظروف بحسنها وقبحها يبقى العراقي يركض كل العمر على مدى صراخه الدامي في وطن يموت ابنائه كالشجر لم يشهد تاريخ الشعوب مثيلاً له، ولكن صراخ العراقي لا يسمعه إلا ابن الوطن المهموم والمجروح، ومن يتحاشى هذا الصراخ، وبفضل الفاتحون الأمريكان غمروا تراب هذا الوطن بدماء الأبناء ودموع الأمهات الثكالى، ليجلسنّ على ترابه المقدس ببركة التغيير والسلام والعالم الجديد المنتصر.

هذه الاطلالة التي كتبتها لقراءة بسيطة لكتاب الحسيني (حروف ناطقة) اعتقد أن لها صور أخرى ناطقة سينشرها الحسيني على صفحات التواصل الاجتماعي في ايامه القريبة، فمداد قلمه لا يتوقف ما زال هناك خراب في هذا الوطن المحتل والجريح.

 

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

 

في المثقف اليوم