قراءة في كتاب

محمود محمد علي: أسرار حركة الحشّاشين بين برنارد لويس ومحمد عثمان الخشت (2)

محمود محمد علي3- تحليل الكتابين:

إن البحث الفلسفي في برنارد والخشت يمثل تعبير خالص عن الموقف الفكري المستقل الخالص بهما فهو في نظرهما ليس مجرد مجموعة من النقول والشروح والتعليقات المفتعلة. وعلاوة علي ذلك فإن جدية برنارد والخشت في الكتابين تتكشف عندما طرحوا لنا القضايا الفكرية والسياسية لفرقة الحشاشين، حيث رأينا أن غايتهما تجسدت في عدم تكرار للأفكار، وإنما تسلط الضوء علي أفكار وقصايا بعينها في عرض فرقة الحشاشين

علاوة على أن كتابهما لا يعول على القصة السوداء التي نالت هذه الحركة بقدر ما يقفون عند حد البحث والمقارنة والوصف والتحليل والموازنة، مع اختلاف توجهات كل منهما ؛ فمثلا يقول الخشت:" لا يحسب أن أحدا من أهل التيارات المعارضة لهذه الحركة سيرفض الكتابة عنها على أساس أنها حركة سرية معارضة ينبغي لها أن تظل في طي الكتمان" (3) .

بينما نجد في كتاب برنارد لويس استعراض لتطوّر فرقة الحشّاشين في التاريخ ومعتقداتهم والأساطير التي تعلّقت بهم ووسائل انتقامهم من أعدائهم وخصومهم الذين يناصبونهم العداء. ثمّ الُعروّج على أهدافهم الدينيّة والسياسيّة ومغزى وجودهم في تاريخ الحركات الثوريّة في الحضارة العربيّة الإسلاميّة (4).

وهنا ننتقل إلى عرض وتحليل كتاب برنارد لويس، حيث يقع كتابه في 203 صفحة، حجم كبير، بغلاف جميل معبّر من تصميم مدبولي، وقد اشتمل على مقدمة وفصول ستّة هي: -الفصل الأوّل: اكتشاف الحشّاشين (5)، والفصل الثاني: الإسماعيلية (6)، والفصل الثالث: الدعوة الجديدة (7)، والفصل الرابع: الدعوة في فارس (8)، والفصل الخامس: شيخ الجبل (9)، والفصل السادس: الوسائل والغايات (10).

فمثلا في الفصل الأوّل ينطلق لويس من بحثه "اكتشاف الحشّاشين" بمحاولة تحديد معنى دقيق لمصطلح الحشّاشين بعد ظهوره في اللغات الأوروبيّة وشيوع استعماله، إذ يجده مُستعملا عند المؤرّخ الإيطالي جيوفاني فيلاّني(ت1348) في سياق حديثه عن حاكم لوركا الذي "أرسل حشّاشيه إلى بيزا لقتل أحد أعدائه". في حين يشير دانتي في "الكوميديا الإلهيّة" ضمن النشيد التاسع من الجحيم إلى الحشاّش الخائن (Le Perfido Assassino) ويفسّر فرانشسكو دابوتي شارح دانتي في القرن الرابع عشر هذا المعنى قائلا:" الحشّاش هو الذي يقتل الآخرين مقابل أجر"  (11).

أمّا الفصل الثاني وهو بعنوان "الإسماعيليّة"، فقد أفرده برنارد لويس لتتبّع تشكّل طائفة الإسماعيليّة في تاريخ الحضارة العربيّة الإسلاميّة وأساسا تحوّلها من حزب إلى فرقة بعد حادثتي كربلاء وثورة محمد بن الحنفيّة التي تُعرف عند الشيعة بحادثة اختفاء الإمام "المهدي" والتبشير بعودته مستقبلا ليملأ الأرض عدلا ورحمة بعد امتلائها ظلما وجورا. وقد ركّز لويس على البرنامج السياسيّ لهذه الفرقة الذي يقوم على الإطاحة بالنظام القائم وتنصيب الإمام المختار وإقامة العدل والمساواة والرخاء منتبها إلى أهميّة قيادة هذه الدعوة من قبل من يدّعون القرابة من النبيّ ومن نسل عليّ وفاطمة تحديدا، وهي قرابة ستكون لها استتباعاتها في تحديد العلاقات مع فرق تعدّ من غلاة الشيعة، وقد نشطت خاصّة في جنوب العراق وشواطئ الخليج الفارسيّ ذلك أنّها سرعان ما هزمت مع بداية النصف الثاني من القرن الثامن ميلاديّ، فاضمحلّت وتركت مكانها لأئمّة من الشيعة أقوياء ولهم تصميم ذهنيّ للسيطرة على العالم الإسلاميّ. وقد أقاموا في أماكن بعيدة عن المراكز السياسيّة وأسّسوا ما يمكن اعتباره معارضة قانونيّة للخلفاء الذين يتولون السلطة (12).

أمّا الفصل الثالث وهو بعنوان "الدعوة الجديدة "، فقد أفرده برنارد لويس للحديث عن حسن الصباح، مؤسس الطائفة،والذي ولد في عام 410 هجرية، 1015 ميلادية، في مدينة "الري" بإيران، وإن كان البعض يعتقد أنه ولد في مدينة "قم"، ثم إنتقل إلى "الري ومنهجه في الاغتيالات .. ووعد أتباعه الفدائيين بالجنة في مقابل الطاعة العمياء .. ثم كيف أخذ يدعو بإمامة الخليفة الفاطمي "نزار"، متعاوناً في ذلك مع داعي الدعاة "عبدالملك بن عطاش" وابنه "أحمد، والذي كان أحد كبار الدعاة الإسماعيليين، إلي أن قُتل الوزير الأفضل بدر الدين الجمالي يد علي يد الخليفة "المستعلي" (13).

وفي الفصل الرابع وهو بعنوان " الدعوة في فارس" وفيه حاول برنارد أن يبرز لنا أنه بموت جلال الدين عاد الحشاشين إلي سابق عهدهم، فقد تولي إبنه علاء الدين محمود، وكان عمره لم يتجاوز التاسعة، لذا كان لوزير أبيه دورًا في السيطرة علية، فأعاد كل شيء إلي سابق عهده، فعاد الإلحاد والعربدة وانتشر الإرهاب، فقد شهِد عهده الكثير من الاغتيالات الجريئة ضد أعداء الإسماعيليين، إلي أن توفي سنة 1255 ميلادية، ليخلفه ابنه ركن الدين، والذي لُقب بشمس الشموس، ورغم أنه لم يحكم سوي 3 سنوات، إلا أن النهاية كانت علي يديه، فقد دخل في صراع مع التتار "المغول"، الذين سيطروا علي المنطقة كلها، وبعد أسر ركن الدين توفي أثناء اقتياده بصحبة ابنه وابن أخيه إلي هولاكو وتم دفنه بجوار نهر جيحون، ليودع الاَئمة الاسماعيليين بلاد آلموت لتستقر في أذربيجان بعد أن دام حكمهم فيها ما يقارب 214 عام (14).

في الفصل الخامس من الكتاب، يفصّل لويس برنارد شخصيّة "شيخ الجبل" الغامضة، والتي أخذت خصائصها من حسن الصباح وما عرف عنه من قوّة وذكاء ودهاء. والثابت أنّ ولاء الحشّاشين لشيخ الجبل والتزامهم الكامل بتعاليمه وقدرتهم على تنفيذ الاغتيالات والضرب بيد من حديد، حيثما حلواّ هو سرّ خوف الناس منهم في إيران وسوريا والعراق. وقد واجه الحشّاشون الجميع، فحاربوا الصليبين والفاطميين من الخطّ الموالي للنزاريين ووجّهوا حرابهم لأهل السنّة، فكانوا أعداء الجميع. وقد حاولوا اغتيال صلاح الدين الأيوبي الذي برز نجمه في الدولة الزنكيّة، بينما كان يُحاصر حلب أكثر من مرّة ولكنّهم فشلوا. لذلك جاءت نهايتهم بعد عداء الجميع لهم، إذ كسر شوكتهم المغول وقضى عليهم السلطان المملوكيّ الظاهر بيبرس (15).

أمّا الفصل الأخير، فقد خصّصه برنارد لمناقشة "الوسائل والغايات" التي شهرت فرقة الحشّاشين حتى بلغ صيتها الغرب الصليبيّ، فأصبح اسم حشّاش (Assassin) يعني "القاتل المأجور" في اللغات اللاتينيّة. وقد أطنب لويس برنارد خاصّة في مناقشة مسألة الاغتيال السياسيّ وطرق الحشّاشين في القضاء على خصومهم والتفاني في أداء المهمّات الموكولة إليهم، حتىّ صار الاغتيال علامتهم المميّزة ومصدر شهرتهم. والعجيب أنّ الحشّاش لا يستعمل في الاغتيال إلاّ الخنجر ولا يلتجأ إلى السمّ أو السهام أو غير ذلك من الوسائل التي قد تسهّل عليه الفرار والنجاة بفعلته، بل الأدهى أنّه يسلّم نفسه بعد عمليّة القتل، وكأنّه يرى أنّ بقاءه حيّا بعد "عمليته الفدائيّة" فضيحة وعار (16).

ويتّضح من خلال ما تقدّم البحث فيه أنّ الحشّاشين هم خدّام مُخلصون لقضيّة دينهم، ولم يكونوا يوما مُجرّد قاطعي رقاب بالخناجر لقاء أجر معلوم، بل كان لهم هدفهم السياسي الخاصّ، وهو إقامة الإمامة ودولة العدل الموعودة (17).

أما الخشت فنجده يقسم كتابه إلي تسعة مباحث، حيث يقع الكتاب في 208 صفحة، حجم كبير، بغلاف جميل معبّر من تصميم دار مكتبة ابن سينا للنشر والتوزيع والتصدير، وقد اشتمل على مقدمة وعشرة مباحث. أما المبحث الأول منه بعنوان " الأحداث التاريخية المواكبة لنشأة الحركة وتطورها "، وفي هذا المبحث تحدث الخشن عن طابع العصر، والسلاجقة، والفاتج طغرل، وألب أرسلان: البطل قلب الأسد والسلطان ملكشاه، ونظام الملك: الوزير اللامع والخصم اللدود لحسن الصباح، واضمحلال مجد السلاجقة، والسلاجقة في الشام، وسلبية الخليفة العباسي تجاه الحروب الصلبية، ومقدم صلاح الدين وانتصاراته، والخليفة الناصر وشاهات خوارزم، وظهور التتار في أقصي الشرق، والعاصفة المميتة، وهولاكو يحطم قلاع الحشاشين، وسقوط بغداد، وتحطيم الجيش المصري لأسطورة التتار (18) .

وفي المبحث الثاني وهو بعنوان "الأصول التاريخية لحركة الحشاشين"، وفيه تحدث المؤلف عن نشوء الفاطميين، وعبيد الله الحاكم القوي، وفتح مصر، وعصر الأساطير والتناقضات، وأطول حكم في التاريخ الإسلامي، والحالة الداخلية لمصر في عهد الفاطميين، وهل حققت الدعوة الإسماعيلية انتصارات عقائدية مع انتصارات الفاطميين السياسية ؟ (19).

والمبحث الثالث وهو بعنوان " حركة الحشاشين: النشأة والتطور، وفيه تحدث المؤلف عن الظروف الممهدة لظهور حركة الحشاشين، مع حسن الصباح من الصفر، والرفاق الثلاثة: حقيقة أم خرافة ؟، والحسن الصباح في مصر، والاستيلاء على قلعة آلموت، والوضع الطبوغرافي لقلعة الموت، وتفنيد خرافة ماركو بولو، وانتصارات الحسن الصباح، واغتيال نظام الملك، وانشقاق داخلي في التيار الإسماعيلي، والاستيلاء على قلعة كردكوه الشهيرة، واتنكاسة مفاجئة للحركة، وما زالت الاغتيالات مستمرة، وهجوم واسع النطاق على معظم قلاع الحركة، وانتقام الحسن من قائد الهجوم، ومحاولة إسقاط قلعة ألموت وغيرها، والحسن يعيد تنظيم صفوف الحركة، ومدي مسؤولية الحركة عن مقتل أمير الجيوش بمصر، ونهاية المطاف مع الحسن الصباح (20).

أما المبحث الرابع، وهو بعنوان " حركة الحشاشين في إيران بعد رحيل الحسن الصباح"، وفيه تحدث المؤلف عن تتابع الاغتيالات، واغتيال الخليفة العباسي المسترشد، واغتيال الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، وعهد الإمام محمد المهتدي، والقاهرة بقوة الله، وإعلان القيامة والتحرر من تعاليم الشريعة وسقوط الفرائض، وبشائر العودة إلى الإلتزام بالشريعة، وعهد الإمام جلال الدين وعودة الشريعة، وعلاء الدين محمد، وركن الدين شاه، والحشاشون (21).

أما المبحث الخامس، وهو بعنوان " حركة الحشاشين في سوريا"، وفيه تحدث المؤلف عن نشاط الحركة يمتد إلى سوريا، والخطوة الأولي للحركة في سوريا، وأبو ظاهر الصائغ، وبهرام يقود الحركة، وإعادة تنظيم صفوف الحركة، وخيانة المرغيناني ونكبة جديدة للحركة بدمشق، والحركة تجدد نفسها مرة أخرى، والعصر الذهبي للحشاشين في سوريا، وراشد الدين سنان بن سلمان، واضمحلال الحركة في سوريا ونهايتها (22).

أما المبحث السادس، وهو بعنوان " نظرية الوجود"، وفيه تحدث المؤلف عن  الألوهية، وكيف بدا الخلق ؟، ولماذا خلق الله العالم ؟، ونظام الوجود العلوي والسفلي (23).

أما المبحث الثامن، وهو بعنوان "عقائد ما بعد الموت"، وفيه تحدث المؤلف عن مصير الطبقة الأولي من المؤمنين ، ومصير الطبقة الثاني من المؤمنين، ومصير الكافرين (24).

أما المبحث التاسع، وهو بعنوان " نظرية الإمامة "، وفيه تحدث المؤلف عن إثبات الإمامة، ووجوب معرفة إمام الزمان، وطبيعة الإمام المتمايزة، وتعالي منزلة الإمام، وحقيقة الإمام كمظهر للألوهية اللامعلومة، والنتائج المعرفية لنظرية الإمامة، ورتبة النبي وعلاقته بالإمام (25).

أما المبحث العاشر والأخير، وهو بعنوان " التنظيم السري للدعوي "، وفيه تحدث المؤلف عن أسباب اللجوء للعمل السري، والنظام الهرمي للدعاة، وأساليب الدعوة ومراحلها، ومراحل ارتقاء المستجيب في درجات التنظيم، ونظام الشفرة المستخدمة بين كبار الدعاة، وفرق الفدائيين والعمليات الانتحارية (26).

وفي هذا الكتاب يحاول الخشت أن يبرز لنا بأن طائفة الحشاشين أو الحشاشون أو الحشيشية أو الدعوة الجديدة كما أسموا أنفسهم هي طائفة إسماعيلية نزارية، انفصلت عن الفاطميين في أواخر القرن الخامس هجري/الحادي عشر ميلادي لتدعو إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله ومن جاء مِن نسله، واشتهرت ما بين القرن 5 و7 هجري الموافق 11 و13 ميلادي، وكانت معاقلهم الأساسية في بلاد فارس وفي الشام بعد أن هاجر إليها بعضهم من إيران. أسّس الطائفة الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة آلموت في فارس مركزاً لنشر دعوته؛ وترسيخ أركان دولته (27).

وقد اتخذت دولة الحشاشين من القلاع الحصينة في قمم الجبال معقلاً لنشر الدعوة الإسماعيلية النزارية في إيران والشام. ممَّا أكسبها عداءً شديدًا مع الخلافة العباسية والفاطمية والدول والسلطنات الكبرى التابعة لهما كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين بالإضافة إلى الصليبيين، إلا أن جميع تلك الدول فشلت في استئصالهم طوال عشرات السنين من الحروب (28).

وكانت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين كما يري الخشت تعتمد على الاغتيالات التي يقوم بها "فدائيون" لا يأبهون بالموت في سبيل تحقيق هدفهم. حيث كان هؤلاء الفدائيون يُلقون الرعب في قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جداً في ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد والراشد وملك بيت المقدس كونراد (29).

وقد تبني الحشاشون التقاليد الثورية للتشيع، وقد تطورت تلك الأفكار في عقول تابعيهم من عصر لأخر، خاصة مع التطور الاجتماعي للدولة الإسلامية، ما اضطرهم للتحول من الافكار الثورية، إلي مفهوم حركات التمرد والجماعات المسلحة التي تحارب في سبيل العدالة الاجتماعية، وهي الأفكار التي نشطت خلال القرنين الثالث والرابع الهجري، والتي انتقلت من الدولة الفارسية المتأخمة، أو من بعض الممالك الأفريقية (30).

لم يكتف الحشاشين بذلك، ولكنهم واصلوا الانتشار شرقا، حتي  وصلوا إلى مدينة مازندران في السهل الساحلي المطل علي بحيرة قازوين، ثم قاموا بحتلال بعض المناطق الأخري، مثل، رودبار جنوب مدينة غيلان المطلة علي بحر قازوين، ومدينة رامسر وسط شمال إيران، وتطل علي بحر قازوين، كما قاموا بإحتلال عدد كبير من القلاع والحصون، فإمتدوا حتي وصلوا إلي نهر جيحون، وذلك علي الحدود بين دولتي أوزبكستان وتركمنستان، قبل أن ينتقلوا غربًا حتي سوريا، وقاموا بالاستيلاء علي قلاع بانياس ومصياف والقدموس والكهف والخوابي وسلمية، وقد أثارت هذه الطائفة الذعر والرعب في قلوب كثير من الناس، سواء كانوا من أعدائهم كالعباسيين والسلاجقة والصليبيين، أو من الناس العاديين الذين خافوا على أرواحهم فصمتوا (31).

وفي عام 1106 ميلادية هاجم السلطان محمد بن ملكشاة قلعة شاهدز في أصبهان، والتي كان الباطنية قد استولوا عليها، وتمكن من استعادتها، وقتل صاحبها أحمد ابن عبد الملك العطاش، وفي المحرم من عام 701 هجرية، 1109 ميلادية، سير السلطان محمد بن ملكشاة وزيره نظام الملك أحمد ابن نظام الملك إلى قلعة ألموت لقتال حسن الصباح ومن معه من الإسماعيلية النزارية"، وبالفعل نجحوا في احكام الحصار علي القلعة، وكاد أن تسقط لولا قدوم الشتاء، لذا حاول الحشاشين اغيال نظام الملك أحمد، ولكنهم فشلوا، فقام بإرسال حملة للقضاء علي قلعتهم، وقام بحصارهم ستة سنوات، انتهت بوفاة السلطان وبعودة نفوذ الحشاشين مرة ثانية، وتجددت الحرب مع تولي السلطان أبو الحارث سنجر بن ملكشاه، ولكنه اضطر للصلح خوفًا بعدما وجد خنجرًا مغروسًا في فراشه، ورسالة تهديد من الصباح (32).

وفي السادس من ربيع الأخر من العام 518 هجريًا، 1124 ميلاديًا، توفي شيخ الجبل حسن الصباح مؤسس العقيدة النزارية، عن عمر ناهز التسعين، وكان قد أرسل لصاحب قلعة لامسر "برزك آميد" ليتولي مكانه في قلعة ألموت، كما كلف البعض بشئون الدعوة والإدارة وقيادة القوات، وطلب منهم التعاون مع بعض حتى ظهور الإمام المستتر ويتولى شئون الطائفة، ليغادر الصباح كرسية بالقلعة بعد أن قضي فيه أكثر من 35 عامًا، ولكنه لم يغادر القلعة، فقد تم دفنه في أحد سراديب القلعة، وفي اليوم الثاني تولي برزك أميد حتي وفاته في 532 هجرية، 1138 ميلادية، وطيلة فترة حكمة لم تتغير سياسة الحشاشين، خاصة فيما يتعلق بالاغتيالات، والحرب مع الدولة السلجوقية (33).

وقد قضى المغول بقيادة هولاكو على هذه الطائفة في فارس سنة 1256م بعد مذبحة كبيرة وإحراق للقلاع والمكاتب الإسماعيلية، وسرعان ما تهاوت الحركة في الشام أيضاً على يد الظاهر بيبرس سنة 1273م (34).

وفي النهاية لا أملك إلا أن أقول بأن كتاب لويس وكتاب الخشت، كشفا لنا بأنني إزاء نموذجان نادران يصعب أن يتكرر، لمثقفان واسعا الثقافة، وكذلك لمفكران ليبراليان - نزيهان لا يقيمان وزناً ولا يحسبان حساباً إلا للحقيقة العلمية وحدها، وفوق ذلك وأهم من ذلك بالنسبة لنا، أنهما كانا يقدمان مادتهما العلمية في أسلوب بالغ الجاذبية والتشويق وهو أشبه ما يكون بالعمل الفني الممتع دون أن تفقد مع ذلك شيئا من الدقة الأكاديمية .

 

الأستاذ الدكتور / محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط .

..................

الهوامش

3- محمد عثمان الخشت: حركة الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي، نفس المصدر، ص 5.

4- برنارد لويس: الحشاشون، نفس المصدر، ص 8.

6- نفس المصدر، ص 11-38.

7- نفس المصدر، ص 39-64.

8- نفس المصدر، ص  65-100.

9- نفس المصدر، ص 101-142.

10- نفس المصدر، ص 143-181.

11- نفس المصدر، ص 13-17.

12- نفس المصدر، ص 44-49.

13- نفس المصدر، ص 70-77.

14- نفس المصدر، ص122-129.

15- نفس المصدر، ص 156-166.

16- نفس المصدر، ص 171.

17- محمد عثمان الخشت: نفس المصدر، ص 178.

18- نفس المصدر، ص 11-26.

19- نفس المصدر، ص 33-42.

20- نفس المصدر، ص44-103.

21- نفس المصدر، ص 104 -126

22- نفس المصدر، ص 132 -146.

23- نفس المصدر، ص 149-154.

24- نفس المصدر، ص 158-161.

25- نفس المصدر، ص  164.

26- نفس المصدر، ص 165-177.

27- نفس المصدر، ص 179-202

 

في المثقف اليوم