قراءة في كتاب

نبيل الربيعي: أحمد الناجي وبواكير النهضة النسوية في العراق

3362 احمد الناجيكانت أول بواكير للنهضة النسوية العربية قد بدأت في خضم بعض البوادر الفردية التي ظهرت في مصر مطلع القرن العشرين وبشكل تلقائي، من خلال المفكر ونصير المرأة قاسم أمين، ومن ثم بعض النساء العربيات المتعلمات التي كان نضالهن أول الأمر اجتماعياً يتعلق بالتعليم والعمل، وكانت هناك صور داعمة لرجال امتلكوا التفكير الواعي بالمرأة ونصرتها، واعين بأهميتها ومكانتها في المجتمع وبروح تنويرية وإصلاحية، ومن هؤلاء الرجال وقاسم أمين والشيخ محمد عبدة ومرقص فهمي والزهاوي وحسين الرحال ومصطفى علي ومعروف الرصافي، وهكذا بزغ التفكير النسوي العربي وصار الوعي به مسلكاً مهماً لارتياد مزيد من مظاهر التقدم الفعلية وبخطوات عملية وواقعية وفي مختلف مجالات الحياة العربية.

صدر عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق كتاب للباحث والكاتب أحمد الناجي تحت عنوان (بواكير النهضة الفكرية في العراق)، الكتاب بواقع (319) صفحة من الحجم المتوسط، ذات الطباعة الراقية دون أخطاء إملائية أو طباعية وبغلاف جميل، حيث سلط الناجي من خلال الكتاب الضوء على بواكير النهضة النسوية في مصر والعراق. كُسِرَ الكتاب بمقدمة وخاتمة وسيرة ذاتية وثمان فصول، حيث سلط الناجي في الفصل الأول من الكتاب على أهمية دور المرأة في فكر رواد النهضة العربية، وفي الفصل الثاني مكانة المرأة العراقية في العهد العثماني، والفصل الثالث خصصه الناجي لدور المرأة العراقية في عهدي الاحتلال والانتداب البريطاني، وفي الفصل الرابع سلط الضوء على جدلية السفور والحجاب، أما في الفصل الخامس فأخذ الناجي نهوض المرأة العراقية في عقد الثلاثينيات في العراق، وفي الفصل السادس مكانة المرأة العراقية بعد الحرب العالمية الثانية، وخصص الفصل السابع لنضال المرأة العراقية في عقد الخمسينيات، أما الفصل الثامن فسلط الضوء على تطورات حقوق المرأة السياسية.

يذكر الكاتب أحمد الناجي في كتابه  عن دور المفكر قاسم أمين الذي كان يدعو في مطلع القرن التاسع عشر إلى نهضة المرأة وتحررها حيث قال: (نحن لا نكتب طمعاً في أن ننال تصفيق الجهال وعامة الناس... وإنما نكتب لأهل العلم، وعلى الخصوص للناشئة الحديثة، التي هي مستودع أمانينا في المستقبل، فهي التي بما اكتسبته من التربية الصحيحة، يمكن أن تحل مسألة المرأة المكان الذي تحله من العناية والبحث). فالصراع حول تعلم المرأة في مصر بين قاسم أمين ورجال الدين قد أثار حفيظة رجال الدين في العراق وصراعهم حول تحرر المرأة ومناداة كل من الرصافي والزهاوي ودعوتهما من خلال الشعر والمقالات إلى منح المرأة حقوقها.

فيذكر الكاتب أحمد الناجي في كتابه ص52 حول أول مدرسة افتتحت رسمياً في العراق قائلاً: (حينما جرى سنة 1896م افتتاح أول مدرسة رسمية للبنات في ولاية الموصل في محلة (جامع خزام) وهي مدرسة رشدية تدرس فيها بالإضافة إلى المواد الدراسية بعض الدروس التي تخص البنات).

ويؤكد الكاتب أن لدور جريدة (صدى بابل) التي صدرت في آب 1921م حسب كان الدور في نشر ابيات لشاعر لم يذكر اسمه، كما ذكر في ص64 مساهمة الشاعر جميل صدقي الزهاوي بمقال حول الرجل وما باله بأنه ناقص بدون المرأة، ويقول الناجي في ص115 "أن منتدى التهذيب الذي أسس عام 1922م ومن خلال انشطته في تلك الأثناء كانت بمثابة إلقاء حجر في بحيرة الثقافة الراكدة، التي وجهت الأنظار صوب عددٍ من قضايا المرأة العراقية كان يصعب تداولها في امكنة أخرى". لا شك أن منتدى التهذيب كان له الدور في تأسيس الفكر النسوي الذي أخترق ترسانة الفكر الذكوري والنظرة الموضوعية للمرأة وهي تواجه التحديات محاولة اجتياز القلاع متحصنة.

وفي ص140 من الكتاب يؤكد الكاتب أحمد الناجي على "أن البرقع والنقاب ليسا من الإسلام" معتمداً على ما ورد في مجلة المنار، فقد ذهبوا إلى أن الوجه والكفين ليسا بعورة، ويجوز للمرأة كشفهما؛ لأن الوجه واليدين يحتاج إلى كشفهما عند المعاملة فكان في كشفهما ضرورة لا تتفق لغيرهما من البدن فأبيح كشفهما، وبقي ما عداهما على المنع إلا القدم ففيه روايتان؛ فقيل هما ليسا من العورة أيضاً كالوجه واليدين لضرورة الخدمة والحاجة إلى كشفهما في الخدمة، وكان الحجاب لسنوات عديدة مشهداً نادراً في المناطق الحضرية في معظم أنحاء المنطقة.

ويذكر الناجي في ص186 أن "في بواكير السفور أول سيدة خلعت الحجاب السيدة ماجدة الحيدري عام 1933م زوجة الأستاذ رؤوف الجادرجي، فيما أشار آخر إلى ذلك السيدة عقيلة السياسي المعروف حكمت سليمان، ولكن حنا بطاطو ذكر بأن السيدة أمينة الرحال هي أول مرأة عراقية تخلت عن الحجاب". إلا أن الناجي أكد في ص188 على الصحف المعارضة في تلك الحقبة لظاهرة السفور. وقد شاركت أمينة الرحال في أول مؤتمر نسائي منعقد في دمشق للفترة من 3 إلى 6 تموز 1930.

كما سلط الناجي في ص127 الدور الريادي للصحافة فالدعوة للتحرر وخاصة (مجلة ليلى) الرائدة في العراق، وهي أول مجلة نسائية تنشر في العراق في عام 1923، وكانت تتناول مسائل جديدة آنذاك ومفيدة ذات صلة بالعلوم، والفن، والأدب، وعلم الاجتماع، وخاصة بتربية الأطفال وتعليم الفتيات، وصحة الأسرة، وغيرها من المسائل المتعلقة بالاقتصاد المنزلي، كما أوردت أخبارا عن الثقافة، والتعليم، وشؤون الأسرة، واهتمت المجلة أيضا بالبحوث الطبية، والشعر، ونشرت أعمال الشعراء العراقيين المعروفين كالرصافي والزهاوي. سجل إصدار ليلى بدايات الصحافة النسائية في العراق ويُعزى إليها الفضل لكونها من العوامل المهمة في ظهور الحركة النسائية العربية. نُشرت المجلة تحت شعار "على طريق نهضة المرأة العراقية"، وقادت حملة من أجل تحرير المرأة. واشتملت افتتاحيتها على مقالات مثل "بوتقة الحق" و"أخبار الضرائب" و"ركن ربات البيوت" و"الأخبار الغريبة"، و"حلقات من أوتار سحرية" وسِواها. ومن أهم المقالات التي نشرتها المجلة كانت افتتاحية العدد 6 الصادر في 15 أيار 1924، والموجهة إلى الجمعية التأسيسية في العراق، تطالبها بمنح المرأة حقوقها. وقد نُشرت ليلى في 20 عددا فقط. وتضمنت في عددها الأخير، بتاريخ 15 آب 1925، مقالة حزينة شرحت للقراء الوضع المالي الصعب للمجلة. وبعد ذلك بوقت قصير، غادرت صاحبة المجلة بولينا حسون العراق وتوقفت المجلة عن الصدور.

ولا ننسى دور المرأة ومشاركتها في اغلب التظاهرات المطالبة بتحسين الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمطالبة بحقوقها، فساهمت المرأة العراقية في تظاهرات عام 1946 وعام 1948 ضد معاهدة بورتسموث، وتظاهرات عام 1952م وتظاهرات عام 1956م، ويؤكد الناجي في كتابه ما للمرأة من دور في تأسيس رابطة المرأة العراقية يوم 10-3-1952 في بغداد وتحت اسم رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية وحددت اهدافها: النضال من اجل السلم والتحرر الوطني والديمقراطية. النضال من اجل حقوق المرأة ومساواتها. النضال من اجل حماية الطفولة وسعادتها.

كما سلط الناجي الضوء في ص250 من كتابه على نضال المرأة العراقية في عقد الخمسينيات "في ظل الزخم المتصاعد للحركة الوطنية، شكلت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (اللجنة النسائية) حيث ضمن في عضويتها كل من: نزيهة الدليمي، ثمينة ناجي يوسف، بشرى عبد الجليل برتو، مادلين مائير عزره، زكية شاكر الحسني، ناهدة العبايجي. وعلى أثر تطور عمل هذه اللجنة جرى تكليف نزيهة الدليمي للتداول مع عفيفة رؤوف رئيسة جمعية الرابطة النسائية لإعادة نشاطها. ويختتم الناجي كتابه بدور ثورة 14 تموز 1958 في منح المرأة حقوقها. وقد أثار نشر خبر مشروعي القانونين موجة واسعة من الآراء ووجهات النظر المتناقضة حول قوانين الأحوال الشخصية، حيث لا تزال الذاكرة العراقية، وخصوصا القانونية والسياسية، طريّة وتحتفظ بسجالات وصراعات حادّة، لا سيّما ما تركه القانون رقم 188 لعام 1959 من إشكالات، لا تزال ذيولها مستمرة حتى الآن، وهي تنام وتستيقظ بين الحين والآخر.

كما ذكر في نهاية الكتاب المعارك الفكرية والفقهية والسياسية التي دارت حول مضمون القانون رقم 188، حيث اعتبره البعض خطوة متقدمة في حينها بشأن مقاربة حقوق المرأة، أما الفريق الآخر فقد اعتبره خروجا على الشريعة الإسلامية، حتى يمكن القول إنه واحد من أسباب الإطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم عام 1963.

وظلّت قضية حقوق المرأة والموقف من القانون رقم 188 لعام 1959 نقطة خلاف جوهرية وإشكالية تكاد تكون مستعصية بين الفاعليات والأنشطة السياسية والثقافية منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، وبعد انقلاب فشباط 1963 صدر القانون رقم 11 الذي ألغى الفقرة الخاصة بسريان أحكام القانون بخصوص المواريث، وأجريت عليه تعديلات لاحقة.

وأخيراً اعتبر كتاب الناجي (بواكير النهضة النسوية في العراق) هو دراسة وافية لنهضة المرأة العربية والعراقية والظروف السياسية والصحفية التي ساهمت في نهضتها، واليوم قد تراجع دور ومكانة المرأة العراقية بسبب الظروف السياسية التي تمر بها. أشد على يد الكاتب والباحث لهذه الدراسة المهمة التي ظهرت في وقت نحن بأمسّ الحاجة لها بسبب تردي الأوضاع على جميع المجالات بعد عام 2003م. لذلك يؤكد الناجي قائلاً: "يؤسفنا أن نقف اليوم، والدهشة تعلو وجوهنا، ونحن نهجس مواضع أقدامنا، وهي تقطع العتبات الأولى من العقد الثالث في الألفية الثالثة، أمام التحديات نفسها التي كانت تشغل فكر رواد النهضة العربية، وعيوننا المملوءة بالأمل والثقة، تلتفت مضطرة، تعود بنا إلى الوراء نحو أواخر القرن التاسع عشر، لأجل عرض أفكار أحمد فارس الشدياق وبطرس البستاني ورفاعة الطهطاوي، واستدعاء كتابات المفكر قاسم أمين، وتنظر نحو مطالع القرن العشرين".

والكاتب أحمد الناجي من مواليد مدينة الحلة 1955م، وعضو الاتحاد العام لأدباء وكتاب العراق، وعضو اتحاد المؤرخين العرب، نشر العديد من البحوث والدراسات والمقالات في الصحف والمجلات العراقية والعربية، وصدر له أكثر من (11) مؤلف في مجال الاجتماع والتاريخ والسيرة والدراسة.

 

نبيل عبد الأمير الربيعي

الحلة – 21/2/2022

 

 

في المثقف اليوم