قراءة في كتاب

محمود محمد علي: غواص في كتاب علم المصطلح لعلي القاسمي (2)

محمود محمد علي3- التعريف بالمؤلف:

في حياة الأمم والشعوب أفراداً يتميزون عن غيرهم بحيوية الفعل، وبالقدرة علي التضحية، وقد عرفت العراق الشقيقة نماذج رائعة من هذا النوع من الرجال الذين شكلوا طلائع الإحساس العميق بضرورة التغيير، وتمتعوا بقدرة كبيرة علي الاستنارة، وكان المفكر والباحث والكاتب الدكتور علي القاسمي، واحداً من كبار اللغويين العراقيين والذي تميز بإنتاجه العلمي الفكري الثري والمتنوع في مختلف أبعاد وجوانب العلم والثقافة .

ولد علي القاسمي في بلدة الحمزة الشرقي في محافظة القادسية في العراق في 31/5/1942، وهو مقيم في المملكة المغربية منذ سنة 1972، تلقى تعليمه العالي في جامعاتٍ في العراق (جامعة بغداد)، ولبنان (الجامعة الأمريكية في بيروت، وجامعة بيروت العربية)، وبريطانيا (جامعة أكسفورد)، وفرنسا (جامعة السوربون)، والولايات المتحدة الأمريكية (جامعة تكساس في أوستن). وحصل على بكالوريوس (مرتبة الشرف) في الآداب، وليسانس في الحقوق، وماجستير في التربية، ودكتوراه الفلسفة في علم اللغة التطبيقي . مارس التعليم العالي وعمل مديراً في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالرباط؛ ومديراً للأمانة العامة لاتحاد جامعات العالم الإسلامي. يعمل حالياً مستشاراً لمكتب تنسيق التعريب بالرباط، وهو عضو مراسل عن العراق في مجمع اللغة العربية بالقاهرة وفي مجمع اللغة العربية بدمشق، وعضو الهيئة الاستشارية للمركز الكوري للغة العربية والثقافة الإسلامية في سيول. يجيد الإنكليزية والفرنسية، ويلم بالإسبانية والألمانية.

وعلي القاسمي باحث جامعي وكاتب ومثقف متعدد الاهتمامات، له أكثر من أربعين كتاباً نُشِرت في مختلف الأقطار العربية تتناول حقوق الإنسان، والتنمية، والتعليم العالي،. كما أنه مبدع نشر عدداً من الأعمال السردية، لقيت اهتمام النقاد في المشرق والمغرب. ولعل أهم مؤلفاته هي: العراق في القلب: دراسات في حضارة العراق، والنور والعتمة: إشكالية الحرية في الأدب العربي، ومعجم الاستشهادات الموسّع، وعلم المصطلح: أسسه النظرية وتطبيقاته العملية، والمعجمية العربية بين النظرية والتطبيق، والحب والإبداع والجنون: دراسات في طبيعة الكتابة الأدبية، ودوائر الأحزان، ومفاهيم العقل العربي، ومرافئ على الشاطئ الآخر: روائع القصص الأمريكية المعاصرة، والجامعة والتنمية، والتقنيات التربوية في تعليم العربية لغير الناطقين بها، والمعجم العربي الأساسي، وعلم اللغة وصناعة المعجم، ومختبر اللغة .. وهلم جرا.

وفي تلك الكتابات والأبحاث كان "علي القاسمي" رائداً في منهجه وبحثه، في درسه ومحاضراته، فلم يقنع في بحوثه الأدبية بما درج عليه أصحاب التراجم في التعريف بالكتاب والشعراء من الوقوف عند حياتهم وذكر بعض مؤلفاتهم. وحرص الأستاذ الأديب الكبير " علي القاسمي" علي أن يربط هؤلاء الكتاب والشعراء ببيئتهم والظروف المحيطة بهم، وهذا ربط طبيعي ومنطقي، لأن الحياة الأدبية في مجتمع ما وثيقة الصلة بالبيئة الطبيعة، والحياة السياسية والفكرية في هذا المجتمع بوجه عام. وقد توسع في هذا الربط والتحليل توسعاً كبيراً. ولاحظ بحق أن بعض التراجم قد لا يتحرون الدقة فيما ينقلون، وكثيراً ما يأخذ لاحقهم من سابقهم في غير تحقيق ولا تدقيق، وأخذ نفسه بمبدأ الشك الديكارتي؛ مثل عميد الأدب العربي الدكتور "طه حسين" الذي كان معجباً به، وحاول ما وسعه أن يطبقه في كتاباته وبحوثه، فكان يري " علي القاسمي" أن الآراء والأحكام قابلة للأخذ والرد، والتحليل والمناقشة إلي أن يقوم الدليل علي صحتها . وكم فتح شكه هذا أفقاً كانت مغمرة وأذهانا كانت مغلقة.

وعلي القاسمي كما قلت جامعي أصيل، بدأ حياته الجامعية في العراق، ثم تابع السير في لبنان ومصر وإنجلترا، وفي جامعات فرنسا؛ وبخاصة السوربون ؛ حيث تتلمذ لكبار أساتذتها المعاصرين، وأفاد من درسهم وبحثهم، وعول علي طرقهم ومناهجهم . وكان يؤمن إيماناً جازماً بالتقاليد الجامعية، وحاول ما وسعه أن يثبت أقدامها في جامعة محمد الخامس بالمغرب الناشئة في عهده واستقلال الجامعة في رأيه مبدأ أساسي، ولا حياة لجامعة ولا لتعليم جامعي بدونه.

4- أقسام الكتاب :

قبل أن أتطرق للحديث عن أقسام الكتاب، أود أن أسأل الدكتور علي القاسمي:  لماذا اختار لكتابه عنوان "" علم المصطلح أسسه النظرية وتطبيقاته العملية "، ولم يختار له اسم "علم المصطلح والمصطلحية "، أو " علم المصطلح مبادئ وتقنيات " أو ” نظريات علم المصطلح " أو " تاريخ علم المصطلح أو " مدخل أو مقدمة إلى علم المصطلح " أو " علم المصطلح بين أسسه النظرية والعملية"، أو " النظرية العامة والنظرية الخاصة في علم المصطلح"، أو " محاضرات في علم المصطلح"، أو إشكالية علم المصطلح"، أو " قضايا في علم  المصطلح."، أو " علم المصطلح واللسانيات"، " البنية المفهومية والعملية لعلم المصطلح"، " رؤية جديدة في علم المصطلح "، أو " المرجع في علم المصطلح" ... الخ؟.

وهنا يجيبنا الدكتور القاسمي من خلال تعريفه لعلم المصطلح كما يراه ويؤمن به فيقول بأنه : الدراسة العلمية للمفاهيم وللمصطلحات التي تعبر في اللغات الخاصة، الذي سعى من خلاله الدكتور القاسمي إلى بسط تعريف دقيق للمصطلح مركّزًا على الجانب المفهوم له، ومحاولًا إبراز الفرق بين علم المصطلح وصناعة المصطلح واختار لفظ المصطلحية الذي يجمعُ علم المصطلح وصناعة المصطلح، حيث يقول :" غرض علم المصطلح هو إنتاج معاجم مختصة، وهدفه توفير المصطلحات العلمية والتقنية الدقيقة التي تيسر تبادل المعلومات، وغايته نشر المعرفة العلمية لإيجاد مجتمع المعرفة القادر على تحقيق التنمية الإنسانية الشاملة من أجل ترقية حياة الإنسان ورفاهيته، ولهذا فإنه يعد عنصرا أساسيا من عناصر التخطيط اللغوي التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية للأمة" (5) ؛ فالقاسمي هنا  يجعل اسم علم المصطلح الذي يُعنى بالجانب النّظري وصناعة المصُطلح التي تُعنى بالجانب التّطبيق مُرادفًا للمُصطلحية كاسمٍ جامعٍ، ويجعلُ المصُطلحيّة وعلم المصطلح مُترادفين.

وهذا الكتاب ليس رواية من نسيج الخيال، ولا سرد لأحداث تاريخية عن علم المصطلح من خلال أسسه النظرية وتطبيقاته العملية، بقدر ما هي مكاشفات نقدية من قبل المؤلف في الجوانب الخفية في علم المصطلح، وكذلك يعد الكتاب مراجعة لمئات المصادر والمراجع.

ولهذا كتاب" علم المصطلح أسسه النظرية وتطبيقاته العملية" عصارة  تفكير الدكتور القاسمي في علم المصطلح، ولذلك لم أهدر الفرصة وحاولت أن أغتنمها لقراءة هذا الكتاب الرائع، وذلك لما فيه خير للإنسانية في الاستفادة من بعضها بعضا. فكانت هذه القراءة التي نتناولها في أربعة أقسام : مدار القسم الأول على التقديم المادي للكتاب من خلال ثنائية البنية، والقسمين : الثاني والثالث ينصبان على أهم القضايا التي بسطها الكتاب للدرس والتأمل والحوار من خلال البنية الثنائية التحليلية والبنية الثنائية التركيبية، وفي القسم الرابع، وهو عبارة عن الانتقادات التي وجهتها للمؤلف من خلال رؤيتي الخاصة.

وفي الجانب التأسيسي النظري من هذا الكتاب تناول الكاتب منظومة من الرؤى والتصوّرات الفكرية حول  علم المصطلح، حيث يقول بأن :" دراسة المصطلحات من اختصاصات علم اللغة، إذ يتطلب توليدها معرفة بطرائق المجاز والاشتقاق والنحت والتركيب . أما نقل المصطلحات العلمية والتقنية علي شكل مختصرات ومختزلات ورموز، فإنه لا بد للباحث في علم المصطلح من التعمق في السيميائيات (علم العلامات)، ونظرا لأن عدد المصطلحات يبلغ الملايين في كل فرع من فروع المعرفة، أصبح من الضروري استخدام الحاسوب في إنشاء المدونات الحاسوبية التي تُستخلص منها المصطلحات، وفي إقامة بنوك المصطلحات لخزن المصطلحات ومعالجتها واسترجاعها، وتبادلها مع المؤسسات المصطلحية الأخرى . وهذا يتطلب إلماما لعلم الحاسوب وبعلم لسانيات المدونة الحاسوبية، وبنوك المصطلحات، وعلم التوثيق والتصنيف، وأخيرا، فإن هذه المصطلحات وتعريفاتها ومقابلاتها توضع في شكل معاجم، ورقية أو إلكترونية، أحادية اللغة أو ثنائية اللغة أو متعددة اللغة، مع تعريفاتها أو مقابلاتها أو كليهما، ومن هنا أصبحت صناعة المعجم من أدوات المصطلحي (6).

وهنا المؤلف أراد أن يطبع كتابه بخصائص جعلته يرقي إلي مستوي علمي رفيع، ومكنته من الوصول وبذلك يمكن قراءة أهداف المؤلف في هدفين أساسيين، أو جعلهما في دافعين :

الدافع الأول : نظري معرفي، يقوم علي ضم الفروع والجزئيات بعضها إلي بعض، والتماس الروابط بينها، وصياغتها في صفة نظرية، وهو ما لا يعلم المؤلف أن أحدا قام به من قبل، لا في شئ محرر، ولا في كتاب مصنف، بل لم ير أحدا حام حوله طائر فكره، أو جعله غاية بحثه ونظره، فرسخ في ذهنه أن هذا أمر مستحسن إظهاره، وإبراز تعم فائدته، وبيان خفيت معالمه، وهذا الدافع قد نصفه بالهدف الأول لتأليف الكتاب، أو الدافع الظاهري أيضا.

الدافع الثاني : واقعي دعوي، يقوم كما يقول المؤلف :" ولما لم يعد كتابي " مقدمة في علم المصطلح "، مواكبا للتطور الذي حصل في الميدان، فقد أعددت الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم، لفائدة الطلاب الجامعيين الذين يرومون التخصص في هذا المجال أو الإلمام به، ولهذا يتسم أسلوبه بالبساطة والوضوح . وغذا شابه بعض الغموض فمرده توخي الإيجاز . ويضم الكتاب بعض الدراسات التي نشرتها سابقا، ودراسات أخرى استغرق إعدادها منس خمس سنوات . ولذلك حصل بعض التكرار نتيجة استقلال كل فصل من فصول الكتاب بنفسه . ولهذا التكرار فائدتان : الأولي، أن الطالب قد يحتاج في دراسته إلى فصل من فصول الكتاب فقط، فيجده متكاملا متضمنا جميع المعلومات الأساسية . والثانية، مساعدة الطالب في استيعاب المعلومات الأساسية وتذكيره بها في المكان المناسب  (7).

ولهذا انطلق المؤلف ليقسم كتابه إلى ثمانية أبواب، فجاء الباب الأول بعنوان اللغة، وهو ينقسم إلى سبعة فصول، فجاء الباب الأول منه بعنوان " طبيعة اللغة"، حيث تحدث الدكتور القاسمي عن أهمية طبيعة اللغة (8)، وأهم تلك الافتراضات الخاطئة عن تلك الطبيعة مثل : الكتابة هي الأصل، ووجود رابطة طبيعية بين الأسماء والمسميات، والاختلاف بين اللغات ينحصر في الألفاظ،، ولغات متطورة وأخرى بدائية، ولغات منطقية وأخري منطقية، ولغات جميلة وأخري قبيحة، ولغات صعبة وأخرى سهلة، واللغة غريزية (9). كذلك في هذا الفصل تحدث الدكتور القاسمي عن خصائص اللغة، وأبرزها في كونها : صوتية، واعتباطية، ونظامية، ورمزية، وكاملة (10)، ثم ألحق تلك الخصائص بسؤال مهم : هل اللغات متساوية؟ .. وهنا يجيبنا فيبين أنها ليست كذلك لكونها تتفاوت في العمر (11)، وتتفاوت من حيث تعرضها  للانقراض والموت (12)، وتتفاوت من حيث دقتها في التعبير عن المفاهيم (13)، وتتفاوت من حيث صعوبتها وسهولتها (14)، وتتفاوت من حيث جمال النطق (15)، وتتفاوت من حيث دقة كتابتها وجمالها (16)، وتتفاوت من حيث قدرتها التوليدية (17)، ثم ينهي الدكتور القاسمي هذا الفصل بالحديث عن قوة اللغة ومكانتها في العالم، وهنا نراه يدحض بالإحصائيات فكرة أن قوة اللغة ومكانتها في عالمنا اليوم تعتمدان على عدد السكان الناطقين بها (18) ... وللحديث بقية..

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

أستاذ فلسفة المنطق واللغة بكلية الآداب - جامعة أسيوط.

...........................

الهوامش:

5- القاسمي: علم المصطلح، ص 9.

6- المصدر نفسه، ص 10-11.

7- المصدر نفسه، ص 13.

8- المصدر نفسه، ص 17.

9- المصدر نفسه، ص 18-25.

10- المصدر نفسه، ص 26-28.

11- المصدر نفسه، ص 32.

12- المصدر نفسه، ص33.

13- المصدر نفسه، ص 34.

14- المصدر نفسه، ص 35.

15- المصدر نفسه، ص 36.

16- المصدر نفسه، ص 38.

17- المصدر نفسه، ص 39.

18- المصدر نفسه، ص 43.

 

 

في المثقف اليوم