قراءة في كتاب

عبد الرضا حمد جاسم: قراءة في كتاب علي الوردي والمشروع العراقي (4)

عبد الرضا حمد جاسمورد في ص 17: [وللطرفة نقول لو كان قد عاش الوردي حتى أيامنا الحاضرة للقى حتفه على يد احدى الميليشيات او الأحزاب المتناحرة التي تؤل الأمور بحسب اهوائها و مصالحها] انتهى

أقول: الطرفة هنا هي انها صورة من صور عدم القراءة المتأنية لما تركه الراحل الوردي له الرحمة...لو كان اليوم حي بيننا لكان شخصية القرن ال21 عند "أحزاب السلطة" حيث انه الوحيد الذي طلب من أصحاب العمائم  الفتوى بأهمية الانتخابات  حيث سيقول لهم : [لقد تأخرتم في تنفيذ اقتراحي لكن ان تأتي متأخراً افضل من ان لا تأتي .اليوم نفذتم طلبي "فتسَّيدتم" بكل الوان عمائمكم] ولكان اليوم الوردي نجم الفضائيات و التحقيقات الصحفية لأنه تنبأ منذ عام 1954 بفوز أصحاب العمائم أي قبل حوالي نصف قرن... و لِوَجَدَتْ صحف هذه الأيام مثل "المدى و الزمان وغيرها" تَفْرِدْ له صفحات يومية و يخصص له يوم اسبوعي في شارع المتنبي يسمى يوم العالم الجليل علي الوردي ليقرأ للناس الطالع في ايامهم القادمة و لحجزت له القنوات الفضائية حيز يومي خاص لنبُوءات الوردي و لَذَّمَهُ  المدعو""أبو علي الشيباني"" كل يوم.. و لِتَمَ تخصيص فوج حماية  له من كل فصيل مسلح او مليشيا بما فيها فوج من البيشمركَة لتفتخر بحمايته. لو كان الوردي حياً لأصبح بمنزلة كبير وعاظ السلاطين فهو من اوصلهم الى الحكم بدعوته لتطبيق الديمقراطية اللبنانية التي نسخها نسخاً قل نظيره في عدم التفكير و التحليل و التفسير ولم يعتذر عن ذلك الاستنساخ وتلك الدعوة حتى بعد ان حضر الحرب الاهلية اللبنانية ونتائجها في السبعينات و الثمانينات من قرن الوردي... فهو القائل في اخر مقطع له من كتابه المهم : [ دراسة في طبيعة المجتمع العراقي] /1965 أي آخر صفحة وآخر خمسة أسطر من الكتاب أي في ص415 وتحت عنوان: [الخلاصة] التي تعني خلاصة كل جهود الوردي له الرحمة من اول محاضرة له عن شخصية الفرد العراقي عام 1951 الى اخر اصدار وقتها عام 1965 حيث كتب التالي: [إن الشعب العراقي منشق على نفسه وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي أكثر مما في أي شعب عربي اخر باستثناء لبنان وليس هناك من طريقة لعلاج هذا الانشقاق أجدى من تطبيق النظام الديمقراطي فيه حيث يتاح لكل فئة منه ان تشارك في الحكم حسب نسبتها العددية. ينبغي لأهل العراق ان يعتبروا بتجاربهم الماضية وهذا هو أوان الاعتبار فهل من يسمع؟!] انتهى

وكان قد مهد لهذا القول بما كتبه في (وعاظ السلاطين) / 1954 ص 108(لو كنتُ من أرباب العمائم لأفتيت في اعتبار التصويت واجباً دينياً و لجعلت التقاعس عنه ذنباً لا يغتفر...أنني اعرض هذا الرأي على رجال الدين واتحداهم ان يقبلوه او يحققوه) انتهى.

ان أرباب العمائم اليوم يقولون للراحل الوردي ومحبيه التالي: [تركنا اقتراحك وتحَّديك نصف قرن ونحن ندرسه ونرتب حالنا عليه وفيه وعندما سنحت الفرصة تقدمنا لتنفيذ اقتراحك وقبلنا تحديك ونشكرك على تنبيهك لنا ونعتذر عن تأخر التنفيذ لأن في التأخير خير لم تفكر به ولم تعتذر عنه ولم تسحب تحديك الذي ينم عن عدم فهم بالمجتمع العراقي من شخص قيل عنه ويُقال وسيُقال انه عالم اجتماع شغل الدنيا ورمى حجراً في بركة العقول والنفوس التي اغلبها كان راكداً رغم الحراك العنيف سياسياً على السطح وفي بعض الأعماق التي كان السابقون منهم ربما يعرفون غاطسها واحتمالات نتائجها. هذا التحدي كان يمكن ان يصدر من شخص ليس من هذا المجتمع بل من عالَمْ/ عالِمْ اخر بعيد عن المجتمع العراقي وعن علم الاجتماع...هذا التحدي الذي يؤكد عدم فهم الراحل الوردي لتجاهلنا له وتحديه لنا وخوفنا من توابع الإفتاء بخصوصه وقتها.. لكن اليوم وبعد الإلحاح "افتينا به" لنبين للدكتور علي الوردي اننا أكثر معرفةً بمجتمعنا منه]. 

واليوم الجميع عتب ويعتب على أرباب العمائم وذَّمهم ويذمهم وكفَّرهم ويكفرهم على تدخلهم في الانتخابات ولا أحد يتطرق الى طرح الوردي الذي تلقفه بريمر الذي سمعه من بعض ممن اُطلق عليهم ""أقطاب المعارضة العراقية"" من الذين قرأوا الوردي دون تدقيق او انتباه او رَويَّة وصفقوا لقوله هذا كما يصفق له البعض ممن يحملون "الألقاب العلمية"" اليوم او من الذين دخلوا خانة: ،،النخبة،، المفكرين،،الأساتذة"" وهي منهم براء.

هذه الانتكاسة العلمية للوردي والتي تُجسد انتكاسته أمام وعاظ السلاطين يجب ان تدفع محبيه  الى مراجعة ما قرأوا للراحل الوردي وترك الرجل يرتاح في عالمه الجديد والكف عن تأليهه وأرجو منهم ان يرحموا الرجل و يعتبرونه فقط انسان مجتهد أصاب و أخطأ تقدم وتراجع مدح وذم وليس متفرد يحتاج ان يحميه العالم بإقامة صومعة له على القمر او المريخ كما كتب احد الأساتذة المؤلفين لهذا الكتاب وهو الأستاذ محمد علي محيي الدين في مساهمته التي كانت بعنوان: [ خواطر مع الدكتور علي الوردي] حيث كتب ما يفوق ما كتبه الأستاذ/ة كاتب/ة التقديم  وفاق كل ما كُتِبَ و من كَتَبَ عن الراحل الوردي له الرحمة و الذكر العطر الدائم حيث ذكر في ص55 من هذا الكتاب التالي الذي يفوق الخيال: [ولو عاش الوردي هذه الأيام و اُفسِحَ له المجال بما تهيأ من وسائل حديثة للنشر لا تحدها رقابة و لا يصدها منع لكان في أفكاره ما يؤدي الى تفجير قنبلة تثير الدنيا ولا تقعدها الى يوم يبعثون، و احتاج العالم في تأمين حمايته لبناء صومعة على سطح القمر او المريخ خشية على حياته من الناقمين والمخالفين لما في أفكاره من التطرف المنهجي الذي يناقض الكثير من المسلمات التي تصالح عليها الآخرين واعتمدوها بديهيات لا تقبل النقض و التأويل] انتهى

انا هنا اسأل الأستاذ محمد علي محيي الدين هل ما يُطرح اليوم في الفضائيات و الصحف و المقالات أقل مما قاله الوردي سابقاً؟ هل يمكن ان يُقارن ما يُطرح اليوم مع ما طرحه الوردي؟

 أتمنى الكف عن تصديع الأجيال بقولكم ان الوردي دعا الى الديمقراطية. ف"الديمقراطية" التي تناسب وقتها وقت طرح الوردي لها كانت قائمة بهذا الشكل او ذاك خلال الحقبة الملكية وكان يمكن ان تتطور ويلف النسيان دعوة الوردي لتموت في وقتها. 

ثم ماذا كان ينتظر الراحل الوردي من تدخل أصحاب العمائم في الانتخابات غير تهييج الطائفية التي كانت ساكنة و شق المدن و البلدات التي كانت متصالحة نوعما، بين هذا المعمم وذاك المعمم كما حصل ويحصل اليوم. 

التركيز في نقد النموذج الديمقراطي الذي طرحه الوردي ضروري لأنه اول من نادى به بوضوح ولأنه المُطَّبَقْ اليوم ولأنه جاء وفق دس السم بالعسل

 اليوم في العراق ولأنه تسبب بما تسبب به للعراق ولأن نغمته تطرب الأغلبية وفق "على دكَ الطبل خُفَنْ يرجلية"...و لخطورته وقت طرحه وهو الوقت الذي يصفه او يعبر عنه كاتب/ة التقديم/ المقدمة بالتالي: [واتذكر بان الشباب اليافع في الستينات (16 ـ 20) عام وكنت صغيرا استمع لاحاديثهم منبهرا وانصب في جوهره على سجالات تلك الفترة المحتدمة بالانتقالات من الوداعة للجذرية (الراديكالية) والدعة الى (العنتريات) بما يعني اثره العميق في حركة الوعي للعقود التي تلت الحرب العالمية الثانية........] ويُكمل في ص16: [واقر هنا باني لم التقي مثل هذا الارتقاء الحواري في كل الأجيال التي تبعتها ولا سيما في سنوات المسخ والهدم...ألخ].

فبدل ان يقترح الوردي نظام ديمقراطي من تجربته الامريكية مع مكارثيتها أو من الديمقراطية البريطانية التي عاش فيها اشْهُرْ يتعلم اللغة الانكَليزية والتي تبين انه لا يحتاج الى تعلمها لإلمامه التام بها كما بين أحد الأساتذة الكرام مشكوراً في تعليق له بتفسيرات وتوضيحات مقنعة جداً...عاد الراحل الوردي ليؤكد على التجربة اللبنانية الشاذة بعد سنوات من مغادرته بيروت.

لو قُرئ الوردي بتأني وعمق ودقة وبالذات من بعض المساهمين في هذا الكتاب من الأساتذة لتعثروا بعيوب ما كتب و لوقفوا يمدحون ويشكرون وينتقدون ولا يصفقون ويرددون فقط.

العيوب ليست غريبة عن كل مكتوب حتى مكتوبكم هذا لكن عدم السؤال عنها و الإشارة اليها من قبل من قرأ أو يقرأ هو الغريب و الأغرب انكم لليوم لا تسألون انفسكم عنها فهناك من العيوب في هذا الكتاب يعجز الانسان عن تبريرها.

هل قرأ احدنا ان الوردي سؤل يوماً عن موضوع (المهنة من المهانة) او موضوع (المطر من البخار) او موضوع (العار و لا النار) أو (النار و لا العار) أو موضوع (الديمقراطية في العراق) او موقفه مِن ( مَن جد وجد...) أو (محاربته العقل) في وسط الكثير من المتعلمين فيه وقتها لا يميزون بين العقل و العلم واغلبهم يطرحون: (ان الله شافوه بالعين لو بالعقل)؟ او (قوله المشين عن العائلة الهاشمية) رغم الخلاف حول دورها و ما جرى حيث كتب التالي: في ص9من كتاب الاحلام الذي صدر عام 1959 أي بعد ثورة/انقلاب 14تموز1958 المباركة/ المبارك وما حصل للعائلة المالكة والنظام الملكي في العراق...كتبَ:[فقد كان ابن حجر حين ألف كتابه يعيش في الحجاز تحت وطأة الاسرة الهاشمية التي وقعنا نحن أيضا تحت وطأتها في المدة الأخيرة وعانينا من ظلمها و تسفلها ما عانينا] انتهى

والله لو كانت العائلة المالكة كما وصفها الوردي لما استطاع ان يخرج كراسة واحدة وليس كتاب...هل هذا قول انسان يمكن ان نقول عنه انه عالم اجتماع حيث شمل عائلة عربية عريقة عميقة في التاريخ بأنها سافلة لا لسبب إلا لأنه أراد التملق للوضع السياسي الذي كان بعد 1958 وبالذات عام 1959 عام صدور كتاب الاحلام...ثم تقوم تلك العائلة بتطبيبه في آخر أيامه على حسابها الخاص او بأمر من كبيرها وقتها!!!!...هل تَذَّكر الوردي قوله عن تسفلها وقت ذاك؟ انا أقول كلا وهذا ديدنه كما أتصور.

...نترك مناقشة البعض له عن اللغة العربية و الشعر""... هل ناقشه أحد عن التزييف و التحريف و الأخطاء و التناقضات التي تغص بها كتبه التي أصدرها قبل و بعد انقلاب/ثورة 14تموز1958 المبارك/ة.

الراحل الوردي تكلم عن مجتمع لا يعرفه ولم يعش فيه معايشة قريبة لأنه كما قيل عنه انه غير اجتماعي وكتب في علم لم يبرع به و الدليل انه اتهم مجتمع متنوع لا رابط بين تنوعاته بانه مزدوج و اعتمد في ذلك على اقوال السقطة و السفلة و الشقاوات.

من قرأ الوردي قرأه لبراعة الوردي في اختيار عناوين الكتب التي نشرها و إلا محتواها واحد لا يتعدى كراسة (شخصية الفرد العراقي)/1951 وكراسة (الاخلاق)/1967 وقرأه البعض منبهراً بالاصطلاحات والعبارات التي لم تُطرح قبل الوردي بهذه الكثافة وقرأه البعض الآخر للحكايات التي أّلفها ولحنها مع تحريفاتها.

اليكم نموذج عن تأثر الوردي بأقوال العامة و الشقاوات نقلها لنا محب للورد هو السيد محمد عيسى الخاقاني في كتابه: [مئة عام مع الوردي] حيث ذكر في ص147 التالي: [قال العمري "ويقصد موفق العمري" ان الوردي تناول والدي في احد كتبه في العهد الملكي مما حز في نفسي فقال الوردي نعم واني نقلت ما يقوله الناس عنه ووالد الأستاذ موفق هو رئيس وزراء العراق في العهد الملكي مصطفى محمود العمري مواليد 1894 ـ 1960....ثم أضاف الخاقاني: [يبدو ان الوردي كان قد كتب نقلا عن بعض الأشخاص ان وزير الداخلية كان مرتشياً وقد حملها العمري في قلبه على الوردي وحاول لسنين ان يجد مستمسك ضد الوردي في اتهامه له الا ان الوردي خذله في كل اتهاماته....الخ] انتهى

يعني اصبح السيد مصطفى العمري مرتشي عند عالم الاجتماع الدكتور علي الوردي لأن أحدهم قال للوردي انه مرتشي والغريب انه جهر بها ونشرها في كتبه دون وازع من ضمير او دون ان يتحقق منها. هذا نموذج لبعض كتابات الوردي و كانت ولا تزال فضيحة كتاب المطر من البخار لا يمكن سترها وهي ايضاً مصدرها انه سمع ان هناك كتاب بهذا العنوان!!!

المشكلة الكبرى ان شريحة واسعة من مثقفي هذا الزمان ساروا ويسيرون على خطى الراحل الوردي في هذا الجانب  وجانب عدم الدقة وعدم الاهتمام وعدم الحرص ومنهم بعض الأساتذة من الذين ساهموا في تأليف هذا الكتاب.

 

عبد الرضا حمد جاسم

 

في المثقف اليوم