قراءة في كتاب

نصير الحسيني في كتاب: سيرة وشواهد في دروب الإبداع

3690 نصير الحسينيعن دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة صدر حديثاً كتاب (نصير الحسيني؛ سيرة وشواهد في دروب الإبداع) لمؤلفه الباحث الدؤوب نبيل عبد الأمير الربيعي في (386) صفحة من القطع المتوسط، وتقدمته كلمة قصيرة للأديب الشاعر شكر حاجم الصالحي حول الكتاب بعنوان (ونعم القول ما قال النبيل).

وزع المؤلف كتابه إلى خمسة فصول، فضلا عن كلمة الإهداء الجميلة ومقدمة أوضح فيها بدايات معرفته بالدكتور نصير الحسيني، وما رأى فيه صفات حميدة وخصائص متجذرة في السعي والجدية تربى عليها، ونمت في داخله (حتى غدا مستثمراً قديراً لساعات حياته في التوثيق والعمل الخير) بالإضافة إلى المهارة والذكاء والسماحة والكرم والسخاء (فهو لا يحرم الفقراء والمعدمين من أمواله).

تناول المؤلف في الفصل الأول مرحلة الطفولة والشباب لدى الدكتور نصير الحسيني المنحدر من عائلة علوية شريفة وحسينية معروفة في مدينة الحلة، وكان والده من الأدباء المرموقين في المدينة وخارجها، وقد رأس اتحاد أدباء بابل عند تأسيسه للأول مرة سنة 1959م، ثم ترأسه ثانية عند إعادته سنة 1984م، وكان لهذا الوالد التربوي والكاتب والناشط السياسي أثراً كبيراً في شخصية ولده الذي تفتحت عينه ونشأ في هذه البيئة الثقافية، وكان يتلقى النصح والتوجيه والإرشاد (إلى التقرب من عالم القراءة).

ونقل المؤلف في هذا الفصل الصور العائلية الجميلة التي بقيت شاخصة في ذاكرة المترجم له عن جده وجدته ووالده ووالدته، ومناظر الحياة الأخرى التي كانت تعج بها مدينته الحلة ومحلاتها القديمة، وما مارسه من ألعاب في طفولته مع أصدقائه يومذاك، ومشاهد من دراسته الأولية في مدرسة صفي الدين الابتدائية التي التحق بها سنة 1965م، وهي ليست مدرسة ابتدائية كما يقول بل (أكاديمية في العلم والأخلاق، وخرجت أجيالاً لازالوا قدوة الزمان والمكان).

وجعل المؤلف فصله الثاني لمرحلة دراسته الجامعية في الاتحاد السوفيتي (سابقا)، إذ التحق بها سنة 1981م، وكان من الطلاب المجدين، بل قرر منذ بداية وصوله الالتزام بجدول للوقت والنشاطات، وقد تضمن قراءة كتاب مع مشاهدة مسرحية أسبوعياً، والذهاب لزيارة المعارض الفنية ومشاهدة الأفلام المهمة في السينما، أما في مجال دراسته فقد دخل كلية الهندسة القسم المعماري، وتخرج فيها سنة 1987م، وأكمل دراسته العليا فيما بعد، ونال شهادة الدكتوراه في أكاديمية البناء في مدينة أوديسا سنة 2016م، وكان متفوقاً في دراسته الجامعية منذ البداية وخاصة في التصميم إذ أشير إلهه مع بضعة طلبة آخرين من قبل أساتذته، وقد صدرت له في العمارة مجموعة من المؤلفات القيمة؛ آخرها كتاب (التطور في الفكر المعماري وأسس التصميم) عن دار الفرات في الحلة سنة 2019م.

وخصص المؤلف الفصل الثالث من كتابه للحديث عن عودة المترجم له إلى مدينته الحلة سنة 1987م بعد إكمال دراسته الجامعية، ثم أداء الخدمة العسكرية الإلزامية سنة 1991م، وافتتاح (مكتب مقاولات) مباشرة والدخول إلى ميدان العمل الحر، ووفقه الله سنة 2004م فأسس (شركة أميم للمقاولات الإنشائية)، وبرز على كافة الأصعدة العلمية والعملية والاجتماعية والثقافية، إذ كانت له منجزات عديدة في مضمار التأليف والتحقيق، وقد حظيت مؤلفاته بالإعجاب وتناولها عدد من النقاد، ولعل أقدم من كتب عنها الشهيد المفكر قاسم عبد الأمير عجام في جريدة الجنائن (العدد 131 يوم 23 كانون الثاني 2002م) في مقالته حملت عنوان (معالجات وأحلام معمارية في كتب مقالات للعمارة).

ومما يذكر للدكتور نصير الحسيني يده البيضاء في النشاطات والأعمال الثقافية عامة، ومنها وهي كثيرة مبادرته ببناء أول مقر لائق لاتحاد أدباء بابل سنة 1998م، وعندما فقدت هذه البناية بعد الفوضى التي أعقبت السقوط سنة 2003م؛ تبرع بشقة في عمارة تعود ملكيتها له لكي تكون مقراً دائماً للاتحاد، وله دعم دائم ومساندة للنشاطات الإبداعية والثقافية في مدينته الحلة مثلما له مشاركات وحضور واضح في المشهد الإبداعي فيها، وله مؤلفات مطبوعة، فقد صدر له خمسة عشر كتاباً متنوعاً لحد الآن، ونال الكثير من الدروع وشهادات التكريم وكتب التقدير من مختلف المؤسسات العلمية والاتحادات الأدبية.

أما الفصل الرابع فقد خصصه المؤلف للبحث في جدلية العمارة، وهي الاختصاص العلمي للمترجم له، فالعمارة علم تصميم وتخطيط وتشييد المبني والمنشآت ليغطي بها الإنسان احتياجاته المادية أو المعنوية باستخدام مواد وأساليب إنشائية مختلفة، ويتسع مجال العمارة ليشمل مجالات عديدة من نواحي المعرفة والعلوم الإنسانية ؛ مثل الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا والتاريخ وعلم النفس والسياسة والفلسفة والعلوم الاجتماعية والثقافة والفن بصيغته الشاملة.

ويختم المؤلف فصول كتابه بالفصل الخامس لدراسة مجموعة من مؤلفات المترجم له الدكتور الحسيني، فيتوقف عند كتابه (مقالات في العمارة) الصادر بثلاث طبعات، و(العمارة في مدينة الحلة) الصادر في طبعتين، و(العمارة ما بعد العولمة وتداعيات الخطاب المعماري في المدينة العراقية المعاصرة) الصادر سنة 2017م، و(التطور في الفكر المعماري وأسس التصميم) الصادر سنة 2019م، و(الفنادق وأسس تصميمها) الصادر سنة 2020م، و(المعبد في وادي الرافدين)، و(بوابات بابل)، و(علي الحسيني أديباً وباحثاً) سنة 2021م، و(صور ناطقة)، و(سلسال الكلام)، ورواية (الشاعر المفقود).

ويختم المؤلف كتابه بقوله (لا يثمن جهد المعماري والباحث والروائي الدكتور نصير الحسيني إلا من قبل الباحثين والمؤرخين، فقد بذل جهدا لإنصاف تاريخ العمارة في رسم الحقيقة بمسارات الواقع والمعرفة، وأضاف قيمة أرشيفية للمكتبة العراقية والعربية)، ويذكر علاقتها الأدبية، فيقول (وقد جمعتني به أواصر الصداقة والثقافة ومتابعة الإصدارات الجديدة في العراق والدول المجاورة بعد أن أمسى من الفاعلين والمساهمين في الثقافة والمهتمين بحركة الفكر والنخب الثقافية والأكاديمية وجدلية فن العمارة).

وملحق للصور التذكارية

***

جواد عبد الكاظم محسن

في المثقف اليوم