قراءة في كتاب

أوراق صامتة

3707 اوراق صامتةقبل أكثر من عقدين تعرفت من خلال كتابي (معجم الأديبات والكواتب العراقيات في العصر الحديث) إلى مجموعة من فضليات النساء العراقيات، وكانت الكاتبة ثبات نايف سلطان واحدة منهن، وسبباً في معرفتي بأديبات أخريات من أهلها وصديقاتها، وبقيت صلتنا الثقافية قائمة منذ ذلك الحين وإلى يومنا الحاضر من دون انقطاع.

وقرأت لها العديد من الكتابات، وصدرت لها أول مجموعة قصصية عن دار الشؤن الثقافية ببغداد  بعنوان (القرار – 2002م)، وتلتها مجموعتها الثانية (ناس وحكايات – 2020م)، وصدر حديثاً كتابها الثالث (أوراق صامتة)، وهو كتاب سيرة قصصية مميزة، كتبته ببراعة وأسلوب جميل ومشاعر صادقة، وعبرت فيه عن حبّها للعائلة الكريمة والوطن الحبيب والشعب المظلوم.

بدأ الكتاب بكلمة الإهداء المؤثرة، إذ جاء فيها (إلى أمي وأبي .. إلى أخواتي وأخواني جميعاً الأحياء منهم والأموات، إذ لا أملك شيئاً أرد به أفضالكم عليّ ... سوى هذه الأوراق).

عنونت المؤلفة فصول كتابها باسم (أوراق)، وقد بلغت سبع عشرة ورقة حسب الترتيب الزمني، وأضافت لها صفحات أخريات لصور  أفراد عائلتها الوارد ذكرهم في الكتاب مع سيرة لأهم شقيقاتها في مسار الأحداث (معينة) وقد أطلقت عليها اسم (كفاح) في الكتاب وهي سيرة حافلة بالمعاناة والألم، وسبقت هذه (الأوراق) بكلمة قالت فيها: (يتسع بيت الأسرة الصغيرة شيئاً فشيئاً.. ويكبر ويمتد خارج حيطانه المبنية من الحجارة والجص "بيوت الأجداد" فيأخذ مداه الأوسع ويكون الوطن العظيم ... وتكون أوراق الأسرة أوراقه المتوهجة أبداً في الذاكرة).

ثم جاءت الورقة الأولى لتتحدث عن ولادة أول صبي للأسرة بعد سبع بنات سبقنه في القدوم إلى الحياة، والفرحة العارمة لوالديه وأخواته والجيران بولادته، وفي هذه (الورقة) وما أعقبها في (الأوراق) الأربعة اللاحقة تحدثت المؤلفة عن البيت والبيئة والمدينة (الموصل) مما رسخ في ذاكرتها وعاشته وهي في ذلك العمر الصغير، فأوردت الكثير من تفاصيل الحياة البسيطة والعادات والتقاليد والتراث الشعبي الزاخر في المدينة يومذاك.

وفي (الورقة الخامسة) جاء قرار الأم المؤجل بالرحيل عن مدينة الموصل بعد أن أنهت أخت المؤلفة (كفاح) دراستها الجامعية، وتنسيبها من قبل وزارة المعارف للعمل في إحدى مدارس الحلة، فانتقلت الأسرة إليها، بينما بقيت المؤلفة في الموصل عند بيت قريبة لهم لتكملة ما تبقى من أيام دراستها وأداء امتحان البكالوريا للصف السادس الابتدائي، فنجحت نجاحاً باهراً، وحصلت على المرتبة الأولى على مدارس المنطقة الشمالية كافة.

عاصرت المؤلفة بعد انتقالهم إلى الحلة أحداثاً خطيرة كردة الفعل الشعبية على وقوع العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م، وما سبق ثورة الرابع عشر من تموز سنة 1958م، وما أعقبها من انقسام وتناحر وصراعات سياسية مريرة، وكان لشقيقتها (كفاح) دور بارز في ذلك المعترك السياسي الخطير، وتسبب لها ولأسرتها بالمشاكل، حتى اضطرت للرحيل والانتقال إلى بغداد، فكانت الأعظمية محطتهم الأولى قبل تركها لإشكال طارئ إلى الكرادة وهي (منطقة هادئة وبعيدة عن التناحر السياسي والناس لا شأن لهم بأمور غيرهم ويسود الاحترام والمودة بينهم) كما قالت في ورقتها السابعة.

سجلت المؤلفة في أغلب (أوراق) كتابها وقائع حقبة مهمة من التأريخ السياسي للعراق مثلما رأت ومن وجهة نظرها، وهي حقبة مضطربة ووقعت فيها الكثير من الأخطاء القاتلة وما زالت محل اختلاف، ويحسب للمؤلفة اجتهادها كثيراً في للنقل بصدق وشجاعة وموضوعية، وهي قريبة مما دار وشاهد عيان على الكثير من أحداثها وشخصياتها، ومثل ذلك ليس بالأمر اليسير.

ولا أريد التفصيل في ذلك هنا، وإنما أتركه للقراء الكرام، وفيه الكثير ما هو قريب من الخفايا والأسرار المؤلمة، وقد نتفق أو نختلف معها في بعض تفاصيله ووجهات النظر حوله، ولكن بالتأكيد (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية) على قول الشاعر المصري الشهير أحمد شوقي، تأييد العقلاء له.

ولكني أجد ضرورياً ذكر جانب من السيرة الأدبية والصحفية للمؤلفة، فقد دخلت العمل الصحفي سنة 1963م في جريدة (الجماهير) بعد نجاحها من الدراسة الثانوية، والتقت هناك بالشاعر سامي مهدي، واقترنت به فيما بعد، وعملت موظفة في مجلات وزارة الإعلام، وانتمت إلى نقابة الصحفيين العراقيين، ونشرت مجموعة غير قليلة من كتاباتها وقصصها القصيرة في الصحافة المحلية والعربية، وكانت محل احترام وتقدير زملائها وكل من التقى بها لما اتسمت به من طيبة وصدق في القول وكرم في الأخلاق، وقد شاءت التفرغ لعائلتها وخدمة بيتها على أكمل وجه فتقاعدت عن العمل الوظيفي سنة 1990م، ولكنها لم تتقاعد عن نشاطها الأدبي وكتاباتها المتواصلة ونشرها إلى يومنا الحاضر.

***

جواد عبد الكاظم محسن

 

في المثقف اليوم