قراءة في كتاب

تاريخ مدينة الديوانية بين وداي العطية وسامي ناظم المنصوري

اختلفت آراء الباحثين في تحديد تاريخ نشأة وموقع مدينة الديوانية، فبعضهم أعاد تأريخ نشوئها إلى عام 1671م وحدد موقعها في بلدة لملوم وهي عاصمة إمارة الخزاعل من جنوب الحلة وحتى العرجة في المنتفك، مدللاً على ذلك بأن أمارة الخزاعل كانت هذه حدودها، حيث كانت تختلف في مظهرها العام وتركيبتها السكانية عما هي عليه في الوقت الحاضر قبل أن تصل إلى ما وصلت إليه من التطور النوعي والحياتي. وبعضهم يُرجع نشأتها إلى عام 1688م وهو تاريخ تدفق نهر ذياب (نهر الديوانية حالياً) مستنداً بما موجود من آثار وشواهد تاريخية حية ما تزال شاخصة إلى يومنا هذا، وهناك رأي يؤكد أن تاريخ تأسيس مدينة الديوانية يعود إلى عام 1747م، بدلالة بناء الشيخ حمد آل حمود شيخ الخزاعل ديوانه على الجانب الغربي من نهر الديوانية، وهذا رأي الشيخ والمؤرخ وداي العطية.

وتبدو هذه الروايات الثلاث أكثر وضوحاً، إذ أشارت إلى تاريخ مباشرته في بناء المدينة، ثم بدأ توسع المدينة، إذ تم بناء المساكن والدور وقد قصدها التجَّار فصارت من أفخر بلاد العراق واحسنها في مجال الزراعة والمنتجات الزراعية.

لكن في الوقت الراهن اختلفت الآراء حول تاريخ مدينة الديوانية، فقد ظهرت بعد الاجتماع الذي عقد في مقر أو ديوان الحكومة المحلية في مدينة الحسكة في بداية عهد حاكمها الضابط علي آغا خلال توليه الإدارة فيها للمرة الأولى سنة 1738م أن ديوانية الحسكة كما يؤكد ذلك د. سامي المنصوري في كتابه (21 كانون الأول 1701، من هنا بدأت حكاية مدينة ديوانية الحسكة) في ص64 وما بعدها قائلاً: (وعدَّت مدينة الحسكة من أهم مدن أيالة بغداد، فأزدهرت خلال عهد حاكمها علي آغا الذي كان يمثل أعلى سلطة رسمية، فكان ديواناً حكومياً يساعده في إدارة شؤون تلك المقاطعة الكبيرة التي يحكمها، وكانت حدودها الإدارية تمتد أحياناً حتى مدينة البصرة، فذاع صيت ذلك الديوانية وصار يعرف بديوان الحسكة حتى طغت تسمية الديوان على تسمية الحسكة وصارت تعرف بديوانية الحسكة، أو الديوانية، وكان أول ذكر لتسمية الديوانية وردت في الوثائق العثمانية فكانت في سنة 1760م، وبصيغة (حسكة ديواني سي).

فإن أصل تسمية مدينة الديوانية هو الديوان: أي مقر ضابط البلدة وحاكمها ومكان الموظفين الحكوميين، والمجلس الحكومي. والحسكة والديوانية تسميتان لمدينة واحدة، فالمدينة التي نشأت سنة 1701م في مقاطعة الحسكة سميت باسم المقاطعة أي (الحسكة)، وبمرور الزمن كثر إطلاق اسم الديوانية مجردة عن الإضافة حتى نسي اسم الحسكة وصارت المدينة تعرف باسمها الجديد (الديوانية).

والحسكة: هي عُشبة تضرب إلى الصفرة لها شوك مدحرج، وقد وصفها ابن منظور وصفاً دقيقاً، وجاء في لسان العرب: قوم الحسكة قوم اشداء، ذو مراس وعزة. ويؤكد د. سامي المنصوري في كتابه اعلاه أن (نشأت مدينة الحسكة بدافع عسكري خلال الحملة العسكرية الكبرى بقيادة والي بغداد (دالطبان مصطفى باشا) سنة 1701م، فكانت النواة الأولى للبلدة هي السوق العسكري الذي أقيم على أرضها في 21 كانون الأول سنة 1701م، ثم بناء قلعة عسكرية فيها. والسوق هو النواة الأولى لنشأة مدينة الديوانية، وكان السوق يقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وقد ضم عدداً من الحمامات، والمقاهي، والدكاكين التي كان يعمل فيها عدد من البقالين، والخبازين، والقصابين، والقزازين، والعطارين، وكانت السفن تأتي من بغداد والحلة إلى مقاطعة الحسكة محملة بأنواع مختلفة من المواد الغذائية لقوات الجيش ورجال العشائر المشاركين في هذا العمل، وكان الهدف من انشاء السوق هو تلبية احتياجات أفراد الجيش ضمن تلك الحملة.

أما بناء السور كما يؤكد د. سامي المنصوري في كتابه يرجح بناء سور بلدة الديوانية مع نشأتها في أواخر سنة 1701م، وكانت أول إشارة واضحة لذلك السور خلال عهد والي بغداد حسن باشا الذي قاد حملة عسكرية ضد الخزاعل في سنة 1705م. وقد وصف الرحالة إيفرز سنة 1779م سور الديوانية قائلاً: (بها سور طيني ليس متيناً ولا قوياً جداً، لكنه يكفي لتأدية المهام التي صُمم من أجلها، لمنع أي هجوم مباغت قد يقوم بع العرب "العشائر"، ولصد الفرسان القوة العسكرية المهمة الوحيدة في تلك الأنحاء).

وما ذكره الدكتور سامي المنصوري في كتابه هو بحث جديد في غاية الأهمية لتوثيق تاريخ المدينة، غير ما ذكره الباحث وداي العطية في كتابه (الديوانية قديماً وحديثاً) الذي أكد فيه تاريخ تأسيس المدينة سنة 1747م لنشوء الجانب الغربي من الديوانية، والدكتور المنصوري اعتمد في كتابه على الوثائق العثمانية في التوثيق، بينما العطية اعتمد على كتب الرحالة الأجانب في تاريخ نشأة المدينة.

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

في المثقف اليوم