قراءة في كتاب

قراءة في كتاب: مكافحة السرطان في العراق

عامر هشام الصفارصدر في بغداد مؤخرا عن المكتبة العصرية الكتاب الجديد لمؤلفه أستاذ جراحة الجملة العصبية الدكتور عبد الهادي الخليلي. وقد جاء كتابه بعنوان "مكافحة السرطان في العراق-توثيق لجهود متواصلة-. وقد أهدى المؤلف كتابه التوثيقي هذا الى أستاذه الجرّاح العراقي المعروف الراحل الدكتور خالد القصاب، وذلك عرفانا بما قدّمه من خدمات في سبيل تطوير المجتمع الطبي وتوعية المجتمع عامة للوقاية من مخاطر السرطان- هذا المرض الوبيل.

يشير المؤلف الخليلي الى أن الأستاذ القصاب كان قد قاد مسيرة مكافحة السرطان في العراق منذ خمسينات القرن الماضي..حيث شاركه فيها أساتذة من رواد الطب العراقي ومنهم د قيس كبه والدكتور حسين طالب والدكتور فائق السامرائي والدكتور خليل الآلوسي والدكتور علي الهنداوي والدكتور الجرّاح زهير البحراني والدكتور محمد أبو طبيخ والدكتور عبد الرحمن الجوربجي وآخرون... حيث بذل الجميع جهودا كبيرة مضنية لوضع خطط تنظيم العمل وتطوير أساليب التشخيص والعلاج..فضلا عن العمل على تثقيف المواطن للوقاية من المرض وأكتشافه مبكرا.

وقد فصّل المؤلف في موضوعه فخصّص جزءا من كتابه للتعريف بالمرض-السرطان – وماهيته ومسبباته وكيفية الكشف المبكر عنه، وفي موضوعة الأسباب المؤدية للأصابة للأصابة بالسرطان كان لابد من البحث في موضوعة تلوث البيئة العراقية..وهو تلوث الهواء والماء والغذاء مما له علاقة في التسبب بمرض السرطان كالتدخين والأفراط في تناول الكحول والسمنة وزيادة التعرض للشمس.

وحول علاقة السرطان بالوراثة والمورثات (الجينات) يشير المؤلف الى أن هناك علاقة لبعض تلك الجينات بعدد من الأمراض وبضمنها بعض أنواع السرطانات، بحيث يمكن التعرّف عليها حتى قبل الأصابة بها..فأشار الى أن "المكتوب على الجين يجب أن تراه العين" أحيانا..

كما فصّل المؤلف في سبل علاج مرض السرطان مع أعطائه نبذة تاريخية بهذا الصدد.. حيث بدأت بواكير العلاج الهرموني للسرطان حينما أكتشف العالم توماس بيتسون في عام 1878 أن ثدي أنثى الأرنب المختبري لا تنتج الحليب حينما يتم أستئصال مبايضها.. وعندها حاول بيتسون علاج أحدى حالات سرطان الثدي بأستئصال مبايض المريضة، فتبين أن هناك تحسنا في حجم الورم في الثدي... وبذلك تم أستخدام هرمونات التاموكسفين مثلا اليوم في علاج سرطان الثدي..أما بخصوص العلاجات المتوفرة الأخرى لأمراض السرطان فقد فصّل الكتاب في سبل العلاج الجراحي، والعلاج بالمواد المشعة والعلاج الأشعاعي والكيمياوي ثم العلاج بالمواد المناعية.

وعودة لخدمات التشخيص والعلاج لمرض السرطان في العراق، أشار المؤلف الخليلي الى ما أفاد به الأستاذ د علي الهنداوي حول معهد النظائر المشعة في العراق، والذي تأسس في أواخر الخمسينات ببغداد.. حيث وصلت أول وجبة من النظائر المشعة في تموز عام 1958 وهي وجبة مكونة من اليود المشع وغرين الذهب حيث تم العمل في المعهد مع الخبير البريطاني نورمان فييل.

وفي أشارة الى مستشفى الأشعاع والطب النووي يذكر المؤلف أن أفتتاحها كان في عام 1969 في منطقة العلوية ببغداد.. حيث أختص عمل الأطباء فيها على التشخيص للأمراض السرطانية والمعالجة الأشعاعية.. حيث جهزت المستشفى بأجهزة الكوبلت المشع والمعجلات الخطية والعقاقير الخاصة بعلاج السرطان.. كما تم أنشاء معهد الأشعاع والطب النووي في الموصل عام 1975.. وكان أن أفتتحت مراكز أخرى للطب النووي في محافظات عراقية عديدة بعد ذلك..

وحول جمعية مكافحة السرطان العراقية خصص المؤلف د عبد الهادي الخليلي فصلا خاصا تطرق فيه الى بدايات عمل الجمعية حيث حصلت موافقة وزارة الداخلية عام 1961 على تأسيسها لتكون جمعية غير حكومية وغير ربحية هدفها النفع العام..فكانت بأسم "المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان" حيث أسسّها وقام عليها د خالد القصاب وقيس كبه وخليل الآلوسي وعبد الرحمن الجوربجي ومحمد علي خليل المدامغة وأحسان القيمقجي وآمنة صبري مراد وداود سلمان علي وسالم الدملوجي وحسين طالب... وفي عام 1962 عقدت الجمعية أول مؤتمر لها خاص بالسرطان حيث تبعتها بعد ذلك مؤتمرات سنوية عديدة شارك فيها أستشاريون أطباء من مصر وفرنسا وسويسرا وألمانيا وبريطانيا.. حيث قدّم فيها الأطباء العراقيون خيرة بحوثهم الأصيلة بخصوص مرض السرطان..3989 الخليلي

وقد سعت الجمعية منذ تأسيسها لأصدار المنشور الصحي التثقيفي، فكانت نشرة أقرأ عن ..والتي كان الغرض منها تزويد المواطنين بمعلومات أساسية حول أنواع السرطان الأكثر أنتشارا وهي سرطان الجلد والفم والمجاري البولية والمعدة والأمعاء والثدي وسرطان الرحم... وكل هذه النشرات كانت موجهة لتوعية الجمهور بأعراض السرطان الأولى بغية التشخيص المبكر، فالعلاج مع التركيز على الهدف الوقائي أيمانا بأن "الوقاية خير من العلاج".. وفي عام 1967 أصدرت الجمعية مجلتها العلمية الأخبارية بعنوان مجلة السرطان العراقية حيث كان الدكتور الخليلي سكرتير تحريرها لمدة 3 سنوات.

وتعد ندوة "الخلية السرطانية" والتي عقدت بمبادرة من الدكتور الخليلي وجمعية مكافحة السرطان بالتعاون مع كلية الطب بجامعة بغداد واحدة من أهم الندوات التي شهدها العرق عام 1985 حيث شارك فيها عدد كبير من أساتذة الطب والعلوم. هذا اضافة الى الندوة المهمة الأخرى والتي عقدت عام 1995 في مدينة الطب ببغداد والتي أختصت بجهود أطباء الأشعة بالتعاون مع الجراحين العراقيين في مكافحة مرض السرطان فكان ان تطرقت الندوة الى موضوعات مهمة منها: أورام الثدي وأورام الجهاز الهضمي والكبد وأورام الجملة العصبية.

وقد خصّص المؤلف فصلا كاملا لموضوعة تأسيس مجلس السرطان في العراق والذي تشكل عام 1982 بقانون نص على تشكيل المجلس الأعلى لبحوث ومعالجة الأورام السرطانية في العراق حيث يدير المجلس هيئة أدارية تعنى بتنظيم جهود مكافحة السرطان ويرأسه وزير الصحة شخصيا وله أن يختار أعضاء المجلس.

وفي تقريره لوزارة الصحة أشار د خالد القصّاب حينذاك -أي عام 1982- الى أن السرطان يعتبر مشكلة صحية في العراق، فقد أظهرت الدراسات الوبائية أن 47% من أصابات الرجال بالسرطان و 30% من أصابات النساء بالمرض أنما ترتبط بعوامل بيئية مما يتعلق بالصحة والسلامة الشخصية للأفراد.  ومن هذه العوامل: التدخين.. الأصابة بمرض البلهارزيا (المتوطن في العراق)..وجود المواد الحافظة في الأغذية .. التعرض لضوء الشمس الساطع.. وغيرها..

وحول تأثير الحروب والحصار في التسعينات على أمراض السرطان في العراق يشير المؤلف الخليلي الى ان التدمير الهائل الذي حصل أثناء الهجوم العسكري..والحصار الذي فرضته الأمم المتحدة على جميع مرافق الحياة تقريبا في العراق قد سبّب تدميرا بعيد المدى في البنى التحتية للوطن.. حيث تأثرت سبل تشخيص وعلاج الأمراض السرطانية كثيرا.. وكمثل على ذلك أشار الخليلي الى عدم توفر النظائر المشعة لأغراض التشخيص والعلاج الطبي، مما أدى الى عدم أمكانية تشخيص الأورام السرطانية وغيرها من الأمراض التي تستخدم فيها النظائر المشعة.

وقد فصّل المؤلف في هيكيلية مجلس السرطان في العراق ومن ذلك تأسيس مركز التسجيل السرطاني عام 1974 والذي بدأ فيه العمل الفعلي عام 1975 حيث كان مقره في مستشفى الأشعاع والطب النووي وبأدارة كفؤة من قبل د منى الحسني وبدعم من د تحسين السليم. وقد أقتصر المركز في بداية سنوات أستحداثه على جمع المعلومات عن الحالات السرطانية لدى المرضى الذين يعالجون في مستشفيات بغداد.. حيث كانت هذه المعلومات تغطي مساحة كبيرة من مرضى المحافظات العراقية الأخرى، والذين كانوا يطلبون العلاج في بغداد. وفي عام 1999 تم أدخال التقنيات الحديثة في عمل مركز التسجيل السرطاني وتطبيق أسلوب الأدخال الحاسوبي والأبتعاد عن الأسلوب الورقي.

وفي عام 2000 أصدر مركز التسجيل السرطاني تقريره عن واقع السرطان حينذاك في العراق حيث أشار الى أن عدد المصابين بالسرطان قد أزداد وبصورة كبيرة في السنوات الأخيرة فقد تم تسجيل حوالي 150 ألف حالة سرطانية خلال السنوات 1991-1999 أي ما بعد سنوات الحرب والحصار على العراق. كما تم تسجيل ما يقرب من 4500 حالة لسرطانات الأطفال (بعمر اقل من 15 عاما) خلال السنوات 1991-1999 مقارنة ب 1500 حالة فقط خلال الثمانينات اي بمعدل 3 اضعاف زيادة في عدد الحالات السرطانية بين الأطفال في تسعينات القرن الماضي عنها في الثمانينات. كما لوحظ التغير في النمو الوبائي لبعض أنواع السرطانات في سنوات ما بعد عام 1991.. مما فصلّه الكتاب بخصوص سرطان الثدي والدماغ والرئة والقصبات الهوائية والقولون والمستقيم (الأمعاء الغليظة) وسرطان الدم وسرطان الغدد اللمفاوية.

وفي عام 2000 عقد في بغداد وبمبادرة من الدكتور الخليلي وزملائه من أعضاء مجلس السرطان المؤتمر العلمي حول السرطان حيث تحدث فيه الخليلي قائلا: لقد تعرض العراق في التسعينات نتيجة العدوان العسكري عليه الى التلوث بمختلف أنواع المسرطنات وخصوصا اليورانيوم مما سبب كارثة صحية على المدى الطويل.

وفي كلمة الأستاذ الجرّاح د زهير البحراني في المؤتمر أشار أيضا الى العدوان على العراق عام 1991 وما أستخدم فيه من أسلحة محرمة أدت الى تلوث بيئي واسع شملت أضراره جميع الأحياء.

وقد أشار الكتاب في جزئه العربي والأنكليزي الى مشروع بحث علمي عراقي مقدم الى المنظمة الدولية حول علاقة السرطان باليورانيوم المنضب..حيث تمت الموافقة عليه من قبل المنظمة الدولية لبحوث السرطان في فرنسا في شهر شباط 2003 ولكن ظروف الأحتلال وما بعده لم تسمح بتنفيذه وبدء العمل عليه. وتشمل الدراسة المقترحة ثلاثة جوانب:

* الكشف عن اليورانيوم في عينات التحليل النسيجي، وفي دم وأدرار مرضى السرطان.

* الكشف عن اليورانيوم في دم وأدرار عائلات مرضى السرطان.

* الكشف عن اليورانيوم في دم وأدرار الأشخاص غير المصابين بالسرطان في المناطق التي تعرضت للقصف باليورانيوم ومقارنتها بالأشخاص الذين يسكنون في المناطق التي لم تتعرض لليورانيوم.

وأستمرارا مع نهج المؤلف في التركيز على التعريف بالبحوث العلمية التي أجريت في العراق بخصوص الوقاية من السرطان تم نشر خلاصة بحث د آسيا الفؤادي بخصوص علاقة الغذاء بالسرطان، كما تم نشر البحث الخاص بدرجة الماجستير للباحثة هديل الكتبي والذي يدور حول تأثير الحصار على السرطان في العراق.

وفي الفترة التي تلت أحتلال العراق عام 2003 تسلم الدكتور سعيد اسماعيل حقي مع فريق من المستشارين الأميركان مسؤولية أدارة الصحة حيث أرسل د الخليلي مذكرة للمسؤولين حول السرطان في العراق بغية أعطاء صورة عن واقع المرض الخبيث في البلاد، والتعريف بدور مجلس السرطان بأعتباره الجهة المركزية المعنية بشأن السرطان من ناحية التسجيل والدراسة والتخطيط والتنفيذ للخطط الخاصة بالبرنامج الوطني للسيطرة على المرض الخبيث. وفي خطة عمل مجلس السرطان تم التركيز على حقل التسجيل السرطاني وتنشيط هذا التسجيل ليعتمد الأسلوب الفعال في جمع المعلومات وملأ الأستمارات وبيانات وفيات المرضى بالسرطان وذلك في بغداد وبقية المحافظات. كما تم التطرق تفصيلا لموضوعة التشخيص المبكر للسرطان والوقاية منه مع التركيز على أستمرار وتعزيز التعاون بين مجلس السرطان واللجنة المركزية لآثر التلوث نتيجة الحرب في مناطق معينة من العراق.. أضافة لأعداد دراسة دقيقة للبحث في أسباب أرتفاع معدلات الأصابة بسرطان الغدد اللمفاوية

(Non-Hodgkins Lymphoma) وتطوير قاعدة المعلومات في المجلس وذلك برفدها بأحدث المستجدات والبحوث والمراجع العلمية.

وقد فصّل الكتاب في قانون مجلس السرطان في العراق والصادر عام 1985 وتعديله الأول الصادر عام 1990 والتعديل الثاني الصادر عام 1997 والثالث الصادر عام 2001.

كما نشر المؤلف دليل ملأ أستمارة التسجيل السرطاني الصادرة عن وزارة الصحة ومجلس السرطان في العراق وذلك عام 2002،أضافة الى نشر خطة الطواريء لتأهيل المعالجة الشعاعية للأورام السرطانية والصادرة عن وزارة الصحة العراقية عام 2004.

***

د. عامر هشام الصفّار

 

في المثقف اليوم