قراءة في كتاب

الأورغانون الجديد لفرنسيس بيكون.. لا شيء صحيح في أفكارنا علي حسين

علي حسينكتب فولتير في الخامس من كانون الأول عام 1726 رسالة إلى المركيزة دو بومبادور يقول فيها: "في هذه البلاد – يقصد انكلترا- هناك نور قوي من المعرفة "، كان فولتير في الثانية والثلاثين من عمره، خارج قبل أشهر من سجن الباستيل وينفذ عقوبة الأمر الملكي الذي صدر في الأول من أيار والذي ينص: "على فولتير أن يتعهد بمغادرة فرنسا من دون استمهال، وأن يبحر في اليوم نفسه من مرفأكاليهالى لندن " .

في تلك السنوات يعثر على كتب فرنسيس بيكون.. كان الفيلسوف الإنكليزي قد توفي قبل مئة عام من وصول فولتير الى انكلترا، فقد سقط فريسة المرض بعد أن حاول في يوم شديد البرودة أن يتأكد من فعالية الثلج في حماية اللحوم من التفسخ، فأصيب بالتهاب حاد أدى الى وفاته، وتسحر فولتير كتب بيكون فيقرر أن يكرس سنوات المنفى لدراسته ونراه يصف شعوره في رساله يبعثها الى شقيقه الأكبر: "وضعت كتبه الى جانب السرير، لأنني أشعر إنها تبوح لي بالكثير من الأعاجيب".

وجد نفسه وجهاً لوجه أمام فيلسوف التجريبية،، حيث أصبح بيكون يمثل حداً فاصلاً في حياة فولتير، لقد وصف لنا شعوره وهو ينتهي من مؤلفات بيكون: " لقد كان بيكون بالنسبة لي أشبه بمرآة أتطلع من خلالها الى خفايا الفكر، بعد ذلك سيكتب في يومياته: "لم يكن قاضي القضاة بيكون يعرف الطبيعة، بيد إه عرف وحدّد جميع الدروب التي تقود إليها. لقد احتقر في سن مبكرة ما كان المجانين المعتمرون القبعات المربعة ما يعلمونه باسم الفلسفة في البيوت الصغيرة المسماة معاهد، وقد بذل كل ما في وسعه كيلا تستمر تلك الجماعات، التي نصبت نفسها مدافعة عن كمال العقل البشري، في إفساد هذا العقل بماهياتها وبهلعها من الفراغ واسقباحها له، وبصورها الجوهرية، أي بكل تلك الكلمات التي اكتسبت هالة من الوقار بفعل الجهل، والتي أصبحت شبه مقدسة من جراء مزجها على نحو مثير للسخرية بالدين".

أحس فولتير أن كتابات بيكون تنبئ بولادة عصر جديد فجعل من نفسه مبشراً لها وبعد سبع سنوات ومن منفاه سيكتب أطروحته في الدفاع عن مذهب إرادة الحرية عند الإنسان وإثباته في وجه جميع الصعوبات: "إن شعور الحرية الحي في كل واحد منا حاضر على نحو مباشر، ولايمكن أن يكون محض خداع، لأن وجود ظاهرة الإرادة في ذاته كاف كي بيرهن على حريتها"ثم يطلق فولتير مقولته العظيمة: "أن تريد وأن تفعل هذا هو تماماً ما يعني أن تكون حراً".

بعد وفاة فولتير بمئتي عام، ساجد نفسي في مواجهة بيكون، مستلقيا على اريكة خشبية ومعي نسخة من كتاب سلامة موسى " هؤلاء علموني "، كنت استكشف من خلاله عددا من الاسماء ساهمت في تغيير الدنيا كما يقول سلامة موسى في مقدمته ..

في الفصل الخاص بفولتير يشير سلامة موسى ان الفيلسوف الفرنسي كان يشيد بدور" بيكون داعية التجربة " . من هو بيكون الذي اغرم به فولتير ؟ نجحت بصعوبة في الحصول على كتاب بعنوان " فرنسيس باكون .. مجرب العلم والحياة " كتبه عباس محمود العقاد، تلقفته بفرح على امل اكتشاف السر وراء اعجاب فولتير بصاحب القبعة الكبيرة الذي وضع العقاد صورته في الصفحة الاولى من الكتاب ..نجحت في قراءة المقدمة رغم انها تتحدث عن اوضاع انكلترا في زمن بيكون ويتطرف فيها العقاد الى شكسبير وكريستوف مارلو، ويتحدث عن فاوست الانكليزي، دون ان يكشف لي سر هذا الفيلسوف الفرنسي ؟ .. بعد اكثر من عشرين صفحة وجدت نفسي في مواجهة شخص يصفه العقاد بانه لم يكن " من اصحاب الخلق الوثيق والبنيان الركين " .. في تلك الايام كنت معجبا بقدرة العقاد على الكتابة في كل الفنون، الادب، الفلسفة، الدين، علم النفس، واسأل نفسي كيف له القدرة على جمع كل هذه المعلومات وصياغتها في كتب كانت تنفذ ما ان تصل الى المكتبة ؟ .. وفي مثل سني آنذاك كان العقاد مرشدا عقليا لي، وبرغم ان بعض صفحات كتبه تبدو غامضة لصبي في عمري، إلا انه كان اشبه بضوء ساطع يكشف امامي طرقا جديدة للمعرفة .كنت قد قرأت ان العقاد كان يمتلك مكتبة صخمة جدا، بل يقال ان شقة العقاد كانت عبارة عن مكتبة، الكتب في كل مكان، في حجرة الاستقبال، وفي المطبخ، وعلى السرير وفي الممرات، كانت مكتبته تبهر كل من يراها حيث تتزاحم الكتب على رفوفها، وبسبب كثرة الكتب سيضطر العقاد الى استئجار الشقة المقابلة لشقته ليملأها هي الاخرى بالكتب . وتمنيت ان تكون لي مكتبة مثل مكتبة العقاد، الكتب فيها تتكدس على الارفف، وتتراكم قرب السرير، وتكاد تختنق بها الجدران .. كتب تؤثث غرفتي وامتلك من خلالها كل شيء، الم يقل شوبنهاور: " اختلطت فكرة شراء الكتب بامتلاك محتواها " .

كانت الرحلة مع كتاب العقاد عن فرنسيس بيكون رحلة ممتعة وغنية، ملهمة، وباعثة على الحياة، وعندما انتهيت منها، قررت أن اجرب رحلة اخرى مع هذا المواطن الانكليزي، وهذه المرة مع كتاب بعنوان " فلسفة فرنسيس بيكون " تاليف حبيب الشاروني . بعد ان انتهيت منه شعرت بانني قد قمت بانجاز يستحق التقدير . فاذا كان كتاب العقاد اشبه بجولة في حياة وفلسفة بيكون، فقد كان كتاب حبيب الشاروني يشبه الذهاب في رحلة فكرية في عالم العقل والمعرفة .

منذ لحظة ولادته في الثاني والعشرين من كانون الأول عام 1561 حدد له والده السير نيكولاس بيكون حامل أختام الملكة اليزابيث الأولى مستقبله: العمل في السياسة، يكتب فرنسيس بيكون: "إن مولدي ونشأتي وثقافتي كانت كلها تشير الى الطريق الذي ينبغي أن أسلكه، السياسة، فكنت وكأنني رضعت السياسة في طفولتي" إلا أن هذا الشاب المغرم بحياة البلاط والمحب للمغامرات وحياة الترف كانت تنتزعه رغبة أخرى هي الاشتغال بالفلسفة..وكان في كثير من الأحيان يبدو متردداً أيهما يؤثر السياسة بكل منافعها أم الفلسفة بكل متاعبها: "كنت أعتقد إنني ولِدت للقيام بخدمة البشرية..ولذلك أخذت أسأل نفسي: كيف يمكنني أن أُفيد البشرية أكثر مما يمكن، فوجدت أن لدي استعدادا خاصاً بطبيعتي لتأمل الحقيقة" ..لكنه وبسبب الظروف التي مرّ بها بعد وفاة والده عام 1579 يقرر العمل في السياسة فيضطر الى ترك كليته للقبول بمنصب دبلوماسي في السفارة الانكليزية في باريس، ولم تجلب له السياسة سوى الخصوم والمتاعب والتي أدت واحدة منها الى اعدام أقرب اصدقائه " الايرل اسكس " الذي اتهم بالخيانة العظمى، وقد اختارت الملكة اليزابيث، فرنسيس بيكون بمنصب المدعي العام الذي قدم الادلة على خيانة صديقه، الأمر الذي جعل بيكون يشعر بتانيب الضمير والخزي فيكتب: "إن طموحي أشبه ما يكون بالشمس التي تنفذ من خلالها النجاسة والدنس، وبالرغم من ذلك تظل نقية كما كانت من قبل"..وبسبب مواقفه السياسية وعمله في القضاء حيث أكمل دراسة القانون في كمبريدج أصبح بيكون شخصية شهيرة وغنية وحصد المناصب الكبيرة، مدعي عام المملكة، النائب العام، وأخيراً جلس على كرسي رئيس القضاة. إلا أن الأمور لم تجرِ بما يشتهي، فالخصوم كانوا يتحينون الفرص للايقاع به، وفي احتفال أقامه بمناسبة بلوغه الستين عاماً وهو يشرب نخب"شرف رعايا الملك وأسعدهم حظاً"وصلت الى قصره كتيبة من الجنود ومعها أمر بإلقاء القبض عليه بتهمة تقاضيه الرشوة.. حيث أودع في سجن برج لندن ولم تنفع رسائل الشكوى التي قدمها للملك جيميس بالعفو عنه، حيث أصدر القضاة قراراً بأن يدفع غرامة قدرها أربعون ألف جنيه لتنتهي مرحلة سجنه، ويقرر أن يعتزل الناس ليعيش في الريف آخر سني حياته متفرغاً لمعشوقته الفلسفة التي سرقتها منه السياسة وألاعيبها..كان بيكون قد نشر عام 1605 أول مؤلفاته وهو كتاب"المقالات" متاثرا بكتاب الفيلسوف الفرنسي ميشال دو مونتاني. بعدها بعام نشر كتاب عن حكمة القدماء إلا أن عمله في السياسة لم يمنحه الفرصة لإكمال مشروعه الفلسفي فجاءت مرحلة العزلة ليكتب خلالها مؤلفاته الرئيسة كتاب"الاصلاح العظيم"الذي صدر الجزء الأول منه عام 1615، أما الجزء الثاني فقد ظهر بعنوان مختلف"الارغانون الجديد" .بعدها نشر أجزاء من مؤلفه التاريخ الطبيعي والتجريبي لتأسيس الفلسفة"وكتاب غاية الغابات"وأخيراً كتابه"أطلانطا الجديدة " وهو محاكاة ليوتيبيا توماس مور.3995 بيكون

في معظم مؤلفاته حاول بيكون أن يعيد تقويم الفلسفة اليونانية، حيث وجد إن العيب الاساس في طريقة تفكير فلاسفة اليونان والعصور الوسطى هو الاعتقاد بان العقل النظري وحده كفيل بالوصول الى العلم، وأصرّ على الوقوف بوجه الفكرة التي تحتقر التجربة، ويشبه مؤرخو الفلسفة الدور الذي لعبه فرنسيس بيكون في الفلسفة بالدور الفعال الذي قدمه مارتن لوثر في حركة الاصلاح الديني فمثلما كان لوثر ومعه أصحاب الدعوة الإصلاحية يؤمنون أن غاية الدين أن يكون الفرد إنساناً صالح النوايا، وهو ليس بحاجة إلى سلطة يأخذ بتفسيراتها للدين، فإن بيكون كان يرى أن تحقيق غاية العلم هو أن يبدً الإنسان وكانه طفل بريء ن وأن يتحرر من كل سلطة مفروضة على ذهنه، وأن يستخدم عقله ويضع لنفسه منهجاً صحيحاً، وبذلك يصل الى الحقيقة دون معونة من آراء القدماء. وكما نادى لوثر بأن لاجدوى منها في الوصول الى الخلاص، فكذلك حاول بيكون أن يثبت في فلسفته التنويرية، أن حكمة القدماء وفلسفتهم اللفظية لا جدوى منها في الوصول الى الحقيقة وإنما هي عقبات تجعلنا نكتفي بمواجهة الالفاظ بدلاً من أن نواجه الطبيعة والأشياء بشكل مباشر.فمزيداً من نور المعرفة يهدينا إلى عقيدة فلسفية.. ولهذا يعلن بيكون من مكان عزلته: "فلتعقل حتى يمكنك أن تعتقد"ونجده يستهدف في فلسفته تضييق مجال الظن ليتسع مجال اليقين: "إن المعرفة وحدها هي التي تطهّر العقل من كل الشوائب"، ويكرس سنواته الأخيرة لفكرة واحدة وهي إن المعرفة ينبغي أن تثمر، وإن العلم ينبغي أن يكون قابلاً للتطبيق في كل مجالات الحياة، وإن على الإنسان أن يضع أمامه هدفاً واحداً وهو أن يجعل من تغيير ظروف الحياة وتحسينها وتغييرها واجباً مقدساً..ولهذا نجد صرخته العظيمة من أن العلم الذي يذهب ويختفي دون أن تتغير معه حياة الناس ليس علماً، والعلم الذي هو مجرد تكديس أفكار ونظريات مجردة دون أن ينعكس تاثيرها على أحوال الإنسان ليس علماً.. فقد وجد إن العلم الذي يدرس في الجامعات ليس علماً، ولا بد من ثورة شاملة تحدد وظيفة هذا العلم وعلاقته بما حوله.ووجد بيكون إن الطريق الى العلم الصحيح يكمن في التجربة العلمية ولهذا أخذ بنفسه يقوم ببعض التجارب كالتبريد الصناعي وتلقيح النباتات لإنتاج أنواع مختلفة جديدة، ورسم خرائط لاختراع سفن تسير تحت الماء، وأخرى لمركبة تطير في الهواء.

وقد كانت خاتمة حياته مرتبطة بشغفه بالتجارب العلمية، ففي أحد أيام شهر آذار من عام 1626 وبينما كان مسافراً في الريف الانكليزي أخذ يفكر في طريقة جديدة يمكن بها حفظ اللحوم من التعفن، فنزل من عربته واشترى دجاجة ذبحها ثم ملأها بحشوة من الثلج، وما إن فرغ من التجربة حتى أصيب بنزلة برد حادة تطوّرت الى التهاب بالرئتين لم يمهله طويلاً..وكانت وصيته أن يدفن في نوع من الكتمان: "إنني مودع روحي بين يدي الله، أما اسمي فإنني باعث به الى سائر الأمم والعصور"ويقول فولتير إن بيكون كان بإمكانه أن يكتب على شاهدة قبره"لتكن أفكاري حجر الزاوية في بناء عالم جديد مليء بالنور" .

صدر كتاب " الارغانون الجديد " عام ١٦٢٠، وهو الجزء الثاني من كتابه " الإحياء العظيم"، وكان قد كتب من قبل كتاب " النهوض بالعلم" فجعله الجزء الاول من كتابه . كان بيكون ينوي ان يتألف كتاب " الاحياء العظيم من ستة اجزاء، لكن ظروفه لم تتح له سوى نشر الجزء المعنون " الارغانون الجديد " .وهو يكتب في مقدمته للكتاب: " السبب وراء قيامنا بنشر كتابنا على عدة اجزاء يعود الى أن بعضه يمكن ان يوضع خارج دائرة الخطر، ونفس السبب يجعلنا نلحق قسما صغيرا من هذا العمل في هذه المرحلة ..هذا هو مخطط لتاريخ طبيعي وتجريبي مناسب للتاسيس لأرضية فلسفة من نوع جديد " – الاورغانون الجديد ترجمة منذر محمود وهناك ترجمة قام بها عادل مصطفى - . والكتاب يعد تمردا على منهج ارسطو . فكتب ارسطو في المنطق جمعها تلامذته واطلقوا عليها " الأورغانون " والتي تعني " الآلة"، وسميت بهذا الاسم لأن المنطق عند أرسطو هو " آلة العلم" او وسيلة الفيلسوف للوصول إلى الصواب . وقد اراد بيكون بتسمية " الاورغانون الجديد " معارضة منطق ارسطو ولم يفعل ذلك لصالح الافلاطونية او النزعة الصوفية المسيحية، وانما من اجل التقدم العلمي الذي يسعى لخدمة الانسان .إن قيمة المعرفة وتبريرها، كما يرى بيكون، تكمن في تطبيقها العملي وفائدتها، فوظيفتها الحقيفية ان توسع سيادة الجنس البشري وسيطرة الانسان على الطبيعة، فنجده في الكتاب يلفت الانتباه الى الاثار العملية لاختراع الطباعة والبارود التي غيرت مظهر الاشياء . وكان بيكون يرى ان العلم الذي يذهب ويختفي دون أن تتغير معه حياة الإنسان في شيء ليس علما، فهو مجرد تكديس للأفكار والآراء دون أن ينعكس تأثيره على أحوال الناس، فالعلم كما يوضحه في " الاورغانون الجديد "، هو ذلك يؤدي إلى تغيير حقيقي في حياة البشرية . وقد اتجهت دعوة بيكون إلى القيام بأنواع جديدة من الدراسات العلمية التي ترتبط بحياة الإنسان ارتباطا وثيقا، بحيث يكون هذا العلم أساسا متينا تُبْنى عليه الفلسفة الجديدة، بدلا من ذلك الأساس الارسطي الواهي الذي يصفه بانه مجرد تجريدات لفظية .

كان هدف فرنسيس ييكون الذي يطرحه في " الاورغانون الجديد " هو ان يكون العلم، القوة التي يملكها الإنسان في مواجهة ظروفه، ولكي يصل الانسان إلى رأي صحيح في طبيعة الأشياء عليه ان يتحرر اولا من كل الاحكام المسبقة، التي تقف عائقا دون تقدمه. ان المعرفة هي بالحقيقة صورة عن الطبيعة دون تصورات تحمل على الخطأ، الاحكام المسبقة هي ما يسميه بيكون بالأوهام. وربما كان أشهر أجزاء كتاب " الأورغانون الجديد وهو لجزء الذي يتحدث فيه بيكون عن الأوهام الأربعة التي تحيط بحياة الانسان وهي:

1- أوهام القبيلة: وهي ناشئة عن طبيعة الجنس البشري، ذلك أن العقل ومعنى الطبيعة عندنا لايمكن أن ينشا إلا تبعا لمقاييسنا الانسانية، والعقل بمثابة مرآة غير مستوية إذ هو يجنح إلى مزج ذاته بالاشياء وهو بذلك يقوم بمسخ الاشياء.

2- اوهام الكهف: وهي اوهام قائمة في الفرد وهي تنشأ عن استعداداته، عن تربيته، عن عاداته وميوله.

3- اوهام السوق: وفيها يعتقد بيكون ان اللغة تقود أيضا إلى الخطأ من خلال تقديم دلالات خاطئة، عدا ان العبارات تقدم نفسها على الاشياء.من هنا تنشأ الخلافات حول الكلمات والاسماء والالفاظ.

4- اوهام المسرح: وهي اوهام متوارثة مع تعاليم المدارس الفلسفية. وقوامها استخدام اساليب برهانية معكوسة واختراع النظريات المبسطة. وهو يرى ان معظم الاراء الفلسفية السابقة، اشبه بمسرحيات غرضها التلاعب بعقولنا التي كثيرا ما تتقبل تلك الاراء دون مناقشة او نقد .

وبعد ان ينتهي بيكون من عرض الاوهام الاربعة، يؤكد على ضرورة التخلص منها جميعا حتى يكون دخولنا مملكة الانسانية بلا أفكار أو اوهام مسبقة ..لكن ما هو الطريق لدخول مملكة العقل والعلم .. يؤكد بيكون ان بداية الطريق هي الشك الذي هو طريق التجربة والخطأ.فالشك يدفعنا الى التجربة التي على ضوئها يتضح الطريق .

حظيت افكار فرنسيس بيكون باهتمام الفلاسفة، وكتب عنه الفيلسوف الالماني ليبنتز: "إنه حتى عبقرية عظيمة مثل ديكارت لتخر زاحفة على الأرض إذا قورنت ببيكون من حيث اتساع النطاق الفلسفي والرؤية الرفيعة "، وقد اعتبره فلاسفة التنوير مؤسسا للعهد الفلسفي الحديث واهدوا اليه موسوعتهم الفلسفية وقال ديدرو: " إننا إذا انتهينا من وضعها بنجاح نكون مدينين بالكثير لبيكون الذي وضع خطة معجم عالمي عن العلوم والفنون في وقتٍ خلا من الفنون والعلوم " .فيما اهدى ايمانويل كانط كتابه " نقد العقل المحض ": إلى بيكون معتبرا اياه المؤسس الاول للحداثة .

يكتب فريدريك كوبلستون في موسوعته الفلسفية: " ان مؤلف الاورغانون الجديد يحتل مكانة من اكثر الأماكن أهمية في تاريخ فلسفة العلم " .

***

علي حسين - كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

في المثقف اليوم