قراءة في كتاب

كارل ساغان يحاور نيتشه على متن مركبة فضائية

علي حسين"كلّ من تحب، وكلّ من تعرف، وكلّ من سمعت به يوماً، كلّ إنسان كان يوماً موجوداً، كلّهم، عاشوا حياتهم هناك.. على ذرّة الغبار المعلّقة في شعاع الشمس"

كارل ساغان

تخيل المشهد التالي.. انها الساعة الواحدة بعد منصف الليل.. انت لا تزال مستيقظا، جالسا امام شاشة الكومبيوتر تُحدق بصور الكون التي نشرتها وكالة ناسا.. وتسأل نفسك: أين نحن من كل هذا؟.. تنظر إلى المكتبة التي تحيط بك جدرانها، وهي تضم الآف النفوس التي عاشت على هذا الكوكب.. تتخيل ان " المرحوم " نيتشه " ينظر اليك بعينين زائغتين وهو يقول: " ألم اخبركم يوما ان " الإله مات ".. تذهب باتجاه الرف الذي يضم كتب الفيلسوف الالماني الذي مات مجنونا، تتطلع في العناوين تسحب كتاب " هذا هو الانسان ".. تعود الى شاشة الكومبيوتر وهي تعرض امامك صور عجيبة..تتذكر ذلك الرجل الذي كان في السابعة والثلاثين من عمره وهو يتجول في الغابات ينظر الى السماء ثم يصرخ: " ايها الجرم السماوي العظيم ! أية سعادات هذه التي ستنالها ان لم تحظ بهؤلاء الذين على عالمهم تشرق ".. تتخيله جالسا قرب صخرة، يردد مع نفسه بصوت خافت: " تتساءل.. أين الله؟ ساخبرك بالإجابة. لقد قتلناه.. انت وأنا جميعا قد قتلنا الله.. ألا تسمعون ضجيج حفاري القبور الذين يدفنون الله " - العلم المرح ترجمة علي مصباح -. يتذكر نيتشه في كتابه " هذا هو الانسان "، ذلك اليوم المصيري عندما خطرت في باله فكرة الانسان الخارق (السوبرمان). ولكن هل كان نيتشه صاحب هذا المصطلح؟.

 في عام 1806 وقبل ثمانية وثلاثون عاما من ولادة نيتشه، وفي منطقة شرق المانيا وبالتحديد في مقاطعة فايمار، كان هناك شاب لم يبلغ الرابعة والعشرين من عمره اسمه يوهان فولفغانغ غوته قد انتهى من كتابه الجزء الاول من مسرحية بعنوان " فاوست "، وهي التراجيديا التي اراد من خلالها فهم وادراك المعنى الحقيقي للكون. يقلق فاوست غوته من ايمان عصره الذي لا يتزعزع، يقلق من حب شعبه لتلقي الاوامر من الإله، ويرغب بالوصول إلى حقيقة لا تُعيقها الخرافات. ويحشر فاوست نفسه بكل اشكال المعرفة –الفلسفة، الطب، اللاهوت – من اجل ان يفهم ويعرف الطبيعة اللامتناهية للعالم، ولكن من دون جدوى، وتسمع روح السماء مناشدات فاوست اليائسة للحصول على لمحة من الابدية، وتسأله: ما الذي يزعجك ايها الانسان الخارق؟.. كان فاوست عالما طبيعيا مصابا بمرارة خيبة الامل، فقد احاط نفسه بالاجهزة في غرفة بحثه ودرسه وهو يخاطبها بقوله: " لا ريب انك تهزئين مني، ايتها الآلات، وقفت بلا حول امام البوابة، وكان عليك ان تكوني المفتاح " – فاوست ترجمة عبد الرحمن بدوي -. هذه الرغبة الملحة في التعمق الدائم نحو المعارف، سوف تنتهي الى احضان الشيطان " مفستوفيليس ".. يكتب توماس مان ان غوته وهو يحذر من الخطر الذي يجابه العالم، كان يؤمن ان العلم وحده القادر على انقاذ الانسانية. في واحدة من رسائله يكتب غوته: " ليس هناك من بين كل المكتشفات والادلة ما هو ابلغ الاثر على النفس البشرية من تعاليم كوبرنيكوس ".

عام 1540 أدرك عالم الفلك والرياضيات البولوني نيكولاس كوبرنيكوس إن الحركات المعقدة الظاهرية للكواكب، يمكن تعليلها بأن الشمس ثابتة في حين أن الأرض والكواكب الأخرى تدور في مدارات حول هذا النجم الباهر

ولد نيقولا كوبرنيكوس يوم التاسع عشر من شهر شباط عام 1473 في مدينة بولونية تدعى تورون، ومات عام 1543 في مدينة تدعى فرومبورك. وكانت ولادته في عائلة من التجار والموظفين الكبار، فقد كان والده قاضياً، لكنه توفي مبكراً عندما كان عمره ابنه عشرة أعوام، فتبناه خاله القس واخذه ليعيش معه في مدينة كراكوفيا حيث حرص على إدخاله إلى أفضل المدارس. وفي عام 1491م دخل إلى جامعة كراكوفيا، حيث درس الصناعات والحِرف، ولكن من دون أن ينال أي شهادة. وقبل أن يترك مدينة تورون عينه خاله كاهناً قانونياً في مدينة فرومبورك، حيث أشرف على الشؤون المالية للكنيسة،. ثم سافر بعد ذالك إلى إيطاليا، حيث درس القانون الشرعي المسيحي والطب في جامعة بولونيا الإيطالية. كما درس بعد ذلك علم الفلك. بعدها اقنع خاله أن دراسة الطب أمر له أهميته لخدمة الكنيسة، كانت دراسة الطب في تلك السنوات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بدراسة علم النجوم، فقد كانت الفكرة السائدة أن هنالك روابط غامضة بين أعضاء الجسم وحركة النجوم، أتمّ كوبرنيكوس دراسة الطب بعدها عاد الى بلدته لرعاية خاله المسن وأثناء عمله مستشاراً قانونياً للكنيسة أخذ يقرأ كل ما يتعلق بعلم الكواكب، وقد استقر في أحد أبراج سور الكاتدرائية منشغلاً بدراسة مقاسات الأفلاك من خلال استخدام أجهزة بسيطة صنعها بنفسه ليصدر في يوم 24 آيار من عام 1543 كتابه "دورات الأجرام السماوية"

كان قد بلغ السبعين من عمره ويقال إن نسخة من الكتاب وضعت بين يديه اثناء احتضاره حيث كان في غيبوبة المرض يعاني من نزيف في المخ، ليتوفى بعدها بساعات، أهدى كتابه الى البابا بولص الثالث، حيث كان يحاول أن يتجنب الصعاب والملاحقة وجاء في الاهداء: "نصحني أصدقاء بانه يجب عليّ أن أنشر كتابي القابع في حوزتي مختفياً، وأخبروني بأنه ينبغي لي أن لا أهتم بقلقي، ولا أمنع مؤلفي عن الظهور أكثر من ذلك".

يكتب غوته: "لم يُحدث أي اكتشاف أو رأي، أو كتاب -من جميع الاكتشافات والكتب - أثراً على الروح البشرية أعظم مما أحدثه كتاب كوبرنيكوس"دورات الاجرام السماوية". لأنه بهذا الكتاب إختفت أمور كثيرة في الضباب والدخان، ولا عجب إن معاصريه لم يرغبوا في أن يتركوا كل هذا يمر بسهولة، وقاموا بكل مقاومة ممكنة لكتاب حوّل كل المهتدين به حرية الرأي وعظمة التفكير اللتين لم تعرفا حتى ذلك الوقت، والحقيقة إنه لم يحلم بها أحد قط".4059 كارل ساغان

اذهب ثانية باتجاه رفوف المكتبة التي صففت عليها ما جمعته خلال اكثر من 40 عاما من كتب تتعلق بالعلم والعلماء، اطيل النظر الى كتاب " دورات الاجرام السماوية " فاجده يبدو مطمئنا الى جوار مجلدات غاليلو غاليلي الاربعة، والمح المسرحية التي كتبها برتولد بريشت بعنوان " حياة غاليليه " بعد صعود هتلر الى كرسي الحكم..في زاوية سأجد كتب الفيزيائي الأمريكي كارل ساغان الذي توفي عام 1996. وكان مشهورا بأنه يرسم معادلاته الرياضية على المناديل الخاصة بالمطاعم..كان ساغان قارئا للفلسفة،وقال ذات يوم ان والده ظل مولعا بكتابات نيتشه، وان هذا الاب كان يتباهى من ان عائلته لأمه ترتبط بقرابة مع عائلة الفيلسوف الروسي الشهير نيكولاي برديائيف. كان صموئيل ساغان، عامل في متجر للملابس هاجر من اوكرانيا التي كانت ضمن الامبراطورية الروسية، ليستقر في احدى احياء بروكلين الفقيرة، عاشت الأسرة في شقة متواضعة وفي التاسع من تشرين الثاني عام 1934 رحب بولادة ابنه البكر " كارل " الذي سيصبح بعد نصف قرن واحدا من اشهر علماء امريكا، وصاحب برنامج تلفزيوني يتابعه اكثر من 500 مليون انسان.. يقول في رد على سؤال حول توجهاته العلمية ان والده اشار اليه وهو صغير وقال لوالدته " هذا الصبي سيكون متمردا ".

يقول كارل ساغان ان والده لم يكن متدينا، ولم يذهب للصلاة يوما على عكس والدته " راشيل " التي كانت تؤمن بالله، وتتردد دائما الى المعبد، وتمنع وجود اللحوم في البيت ايام السبت .. يعترف ان والديه كانا مثل الاجرام المختلفة، والدته من عائلة فقيرة، في شبابها كانت طموحة وتمنت ان تدخل الجامعة إلا ان الفقر والقيود الاجتماعية اصابتها بالاحباط، بعد ذلك ستجد في ابنها " كارل " معبودها الوحيد الذي سيحقق احلامها. يقول كارل ساغان ان احساسه الدائم بالدهشة ومتابعة الاشياء جاءه من والده، وفي كتابه " ظلال الأجداد المنسيين " ترجمت فصول منه في مجلة عالم الفكر – يرى ان الفضول نشأ عنده من مراقبة والده الذي كان مغرما بالمسرح حتى ان عمل في ادارة احد المسارح: " لم يكن والداي عالما. لم يعرف شيئا تقريبًا عن العلم. لكنه استطاع ان يزرع في نفسي الشك والتساؤل ".

يتذكر ساغان أن إحدى اللحظات الأكثر اهمية في حياته عندما اصطحبه والده إلى معرض نيويورك العالمي عام 1939 كان في الخامسة من عمره. أصبحت المعرض نقطة تحول في حياته. يتذكر فيما بعد الخريطة المتحركة لمعرض أمريكا الغد: "لقد أظهرت طرقًا سريعة جميلة وأوراق البرسيم وسيارات جنرال موتورز الصغيرة جميعها تحمل الناس إلى ناطحات السحاب والمباني ذات الأبراج الجميلة والدعامات الطائرة "، تذكر كيف أن المصباح الكهربائي الذي أضاء على خلية كهروضوئية أحدث صوته طقطقة، كتب ساغان: " من الواضح أن العالم يحمل عجائب من النوع الذي لم أكن أتخيله من قبل".

بعد وقت قصير من دخوله المدرسة الابتدائية، بدأ في التعبير عن فضول قوي بشأن الطبيعة. يتذكر أنه قام برحلاته الأولى إلى المكتبة العامة بمفرده حصلت له والدته على بطاقة مكتبة. أراد أن يعرف ما هي النجوم، حيث لم يتمكن أي من أصدقائه أو والديهم من إعطائه إجابة واضحة: " ذهبت إلى أمين المكتبة وطلبت كتابًا عن النجوم، والإجابة كانت مذهلة. أن الشمس كانت نجمًا ولكنها قريبة جدا. كانت النجوم شموسا، لكنها كانت بعيدة جدا فقط نقاط ضوئية صغيرة... فجأة انفتح الكون لي "، ظل الفضاء يشغل اهتمامه الرئيسي، خاصة بعد قراءة قصص الخيال العلمي لكتاب مثل ه.ج ويلز وجول فيرن، والتي حركت خياله حول الحياة على كواكب أخرى.

 التحق ساعات بجامعة شيكاغو، خلال الفترة التي قضاها كطالب جامعي، عمل في مختبر الوراثة وكتب أطروحة حول أصول الحياة. انضم إلى جمعية رايرسون الفلكية، حصل على البكالوريوس في الفيزياء عام 1955. ثم حصل على الماجستير. عام 1960 حصل على الدكتوراه بأطروحة بعنوان " الدراسات الفيزيائية للكواكب "، عمل استاذا مساعد في هارفارد، بعدها انتقل للتدريس في جامعة كورنيل وبقي ما يقرب من 30 عامًا حتى وفاته في عام 1996.

ارتبط كارل ساغان ببرنامج الفضاء الأمريكي منذ بدايته. عمل مستشارا لوكالة ناسا. ساهم في العديد من مهام المركبات الفضائية التي استكشفت النظام الشمسي، وقام بترتيب التجارب في العديد من الرحلات الاستكشافية. قام بكتابة أول رسالة تم إرسالها إلى الفضاء وكانت على لوحة مطلية بالذهب متصلة بمسبار الفضاء بايونير 10، الذي تم إطلاقه عام 1972. عام 1988 كتب مقدمة للطبعة الاولى لكتاب ستيفن هوكينغ الشهير " تاريخ موجز للزمان ".حصل عام 1994 على ميدالية الرفاهية العامة، وهي أعلى جائزة تمنحها الأكاديمية الوطنية للعلوم "للمساهمات المتميزة في تطبيق العلم على الصالح العام..فاز كتبه بجائزة بوليتزر. حصل برنامجه الشهير عن الفضاء على جائزة إيمي، وتحول ساغان من عالم فلك غامض إلى رمز للثقافة الشعبية.

كان ساغرم من دعاة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض. وحث المجتمع العلمي على استخدام التلسكوبات الراديوية للحصول على إشارات من أشكال الحياة الذكية المحتملة خارج كوكب الأرض. في ذروة الحرب الباردة، انخرط في جهود نزع السلاح النووي من خلال الترويج لفرضيات حول آثار الحرب النووية على البشرية .

تزوج ثلاث مرات. وانجب خمسة ابناء، اصبيب بالتهاب في الرئة وتوفي في 20 كانون الثاني عام 1996، بعد شهر من احتفاله بعيد ميلادهه الـ " 62 ".

من بين جميع القيم العلمية، عرف كل عن ساغان تقديره لحرية الشك: " على النقطة الزرقاء الباهتة (الارض) التي هي الموطن الوحيد الذي عرفته البشرية على الإطلاق، هناك الكثير من المعضلات التي لم يتم حلها، والعديد من الأسئلة ذات الإجابات غير المؤكدة فقط. أولئك الذين يطالبون بمراقبة الأفكار غير التقليدية - أو الرقابة الذاتية - يلعبون بالنار. لأنه عندما لا يكون المشككون آمنين، فإننا جميعًا في خطر."

في كتابه " عالم تسكنه الشياطين " – ترجمة ابراهيم محمد ابراهيم - يبيّن ساغان كيف أن العلم هو طريقة للتحرر الإنساني، وخصوصاً التحرر من الأساطير والمعتقدات القديمة والخرافات والتنجيم، التي لا تزال تسيطر على العقل الإنساني حتى في أكثر الدول المتقدمة علمياً، مثل الولايات المتحدة الأميركية. ويتساءل عن التباعد بين التقدم التقني في العلوم والتكنولوجيا، وبين بقاء عقل الإنسان خاضعاً للمفاهيم التي لا تخضع للعلم أو تنتمي الى عالم الغيب والأساطير والمؤامرات.

في كتابه "اصل الاخلاق " – ترجمة حسن قبيسي يشجب نيتشه، الدعوة التقليل من شأن الإنسان" الذي أحدثته الثورة العلمية. يبدو نيتشه حزينا على فقدان "إيمان الإنسان بكرامته، وتفرده، وعدم الاستغناء عنه في مخطط الوجود". يكتب كارل ساغان بالنسبة لي، من الأفضل بكثير أن أفهم الكون كما هو في الحقيقة بدلاً من الاستمرار في الوهم، مهما كان ذلك مُرضيًا ومطمئنًا. ما هو الموقف الأفضل للبقاء على المدى الطويل؟ ما الذي يعطينا المزيد من النفوذ على مستقبلنا؟ وإذا تم تقويض ثقتنا الساذجة بأنفسنا قليلاً في هذه العملية، فهل هذه تمامًا مثل هذه الخسارة؟ ألا يوجد سبب للترحيب بها كتجربة ناضجة وبناء شخصية؟

رغم ان نيتشه مات مريضا، مهملا قبل اكثر من مئة عام، الا ان تاثيره لايزال اثيراً لدى الكتاب والقراء في ان واحد، ولا يزال الناس منقسمين على الحكم عليه انقساماً لا يشبه أنقسامهم في الحكم على احد، ونجد الجميع يستشهد بعبارات هذا الفيلسوف العبقري الذي عاش وحيدا ومات وحيدا. لم يكن احد قبله بمقدوره ان يقلب التفكير الغربي رأساً على عقب، ولم يات أحد بتاريخ متناقض وخطير النتائج كما فعل نيتشه : " كم من الناس سيستند يوما من الايام الى سلطتي من غير وجه حق "، وكانت مخاوفه معقولة، الم يقل يوما وهو منبهر: " اضع يدي على الألف القادمة "، واليوم في عصر الانترنيت والالكترونيات لايزال الحديث عن نيتشه يشغلنا، ففي كل يوم يولد قارئ جديد سيقرأ فيما بعد سطراً من " العالم المرح " فيدهشه، أو كلمات من هكذا تكلم زرادشت فتسحره.. ويظل هذا الفيلسوف الذي مات مجنونا لغز عالمي، فنيتشه كما كتب يوما الفيلسوف الألماني الوجودوي كارل ياسبرز: " لايمكن استنفاذه، وقد غرف كل جيل من نبع رؤاه، وسعى الى استنفاذه، وقد بليت كل الانية وتكسرت، غير انه في العمق، ما يزال النبع نضاحاً لاينضب ".

قبل اكثر من عامين صدر كتاب يطرح فيه مؤلفه الكاتب الانكليزي باتريك ويست فكرة تخيل عودة نيتشه الى حياتنا هذه الايام، ويناقش تاثير نيتشه على عصرنا الحاضر، فهذا لفيلسوف الذي اخترع كلمة السوبرمان، لاتزال افكاره حول طبيعة الخير والشر، وارادة القوى، تردد صداها في جميع أنحاء العالم، وفي وسائل الاعلام، ونجده يظهر في سلسلة هاري بوتر كانسان خارق، يطرح الكاتب سؤالا: هل نحن مدينون لنيتشه، الذي اكد ان " ما هو عظيم في الإنسان، أنه جسر وليس هدفًا ".

يقول الكاتب أن نيتشه يحب أن يطرح أسئلة. وقد كان يعتقد أنه كلما زادت عدد الأسئلة التي نطرحها كلما زادت الحكمة التي نكتسبها ونطورها في حيانتا بشكل أفضل، وان الانسان عندما يعاني للوصول الى هدفه فان ذلك افضل له، فالشجاعة هي في مواجهة الصعوبة، والسماح لنفسك بالعيش بشكل تجريبي، واستكشاف خبرات الحياة بجرأة: " كن ممتنًا لأنك لم تأخذ الطريق السهل وتستمر في ذلك مثل "متعرج ممل".

يؤيد كارل ساغان افكار نيتشه حول الدعوة الى قيم تؤدي الى ثقافة قوية وجديدة، وقوة الحياة هذه سيطلق عليها نيتشه اسم " ارادة القوة".

انظر وقد اخذني النعاس الى كتاب " هذا هو الانسان "، والى صورة نيتشه يبدو غاضبا، واتصفح ماكتبه كارل ساغان عن عالمنا الذي تسكنه الشياطين، واتخيل نيتشه على متن مركبة فضاء يجلس الى جواره كارل ساغان وصديقه ريتشارد فاينمن عالم الفيزياء الذي حصل على نوبل عام 1965، ينظرون جميعا الى الكون الذي وصفه كارل ساغان بانه " كل ما موجود، وما وجد، وما سيوجد ". يبدو نيتشه متعبا لكنه لا يزال يؤمن بفكرة العود الأبدي، فكل ما يحدث الآن سوف يحدث مرّةً أخرى أيضًا، بالطريقة نفسها في كل مرةٍ وإلى الأبد، أي يوجد دورات من الحياة حيث الكون والإنسان يُعاد خلقهم من جديد ليحدث مثلما حدث تمامًا، وهذه الدورات تستمر في التكرار إلى الأبد. ينتبه كارل ساغان الى ان ستيفن هوكينغ كان مغرما بهذه الفكرة وهو يشرح نظرية الانحسار العظيم للكون والتي تقول أن الكون سيفنى ثم ينبثق مرة أخرى بنفس الشكل وسوف يحدث ذلك مراتٍ لا متناهية. يقول نيتشه: " إن كل اتجاه على خط مستقيم إنما هو اتجاه مكذوب، فالحقيقة منحرفة، لأن الزمان نفسه خط مستدير أوله وآخره”.

ولكن ماذا عن الله؟، ينظر ساغان باتجاه نيتشه ويقول: " مثل هذه الموضوعات تتطلب الشك والخيال معا، فالخيال يحملنا الى عوالم لم تكن موجودة من قط. اما الشك فيمكننا من التمييز بين الزائف والحقيقي ومن اختبار افكارنا.. والكون غني دون حدود بالحقائق الرائعة والوسائل الذكية لاكتشاف الاشياء التي تمتنفها الاسرار ".. يبتسم فاينما وهو يقول: " على الرغم من حقيقة أنني قلت أكثر من نصف العلماء لا يؤمنون بالله، فإن العديد منهم يؤمنون بكل من العلم والله بطريقة متناغمة تماما، لكن رغم أن هذا التناغم ممكن ليس من السهل تحقيقه. "

هنا ينظر ريتشارد فاينمن وكارل ساغان بمحبة وشفقة الى العجوز نيتشه وهما يرددان: " حيثما لا توجد أدلة، لا يمكن الحصول على دليل ملموس، لا يمكننا أن نستنتج أن الله موجود، ولا نستطيع أن نستنتج أنه غير موجود".

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

في المثقف اليوم