قراءة في كتاب

عبد الفتاح ابراهيم والحركة الديمقراطية في العراق

في كتابه الجديد، (عبد الفتاح ابراهيم ودوره الريادي في الحركة الديمقراطية في العراق)، عاد الكاتب والباحث السياسي فياض موزان الى جذور الحركة الديمقراطية في العراق والاضاءة على ابرز روادها ورموزها، من الرعيل الاول، كما سماه. وقد تكون المحاولة هذه محفزا لفتح الباب امام البحث والباحثين الاكاديميين خصوصا للتفكير والبحث في تاريخ الحركة الديمقراطية والاشتراكية واعادة الاعتبار لرموزها الثوريين الذين زرعوا بذورها وارسوا جذورها، في زمن البدايات الاولى، مع التذكير بعدد قليل من المحاولات التي سبقت دراسة المرحلة والرموز، والتي تؤكد بمجموعها الاهمية التي يتوجب النظر اليها اليوم. وتلك مسؤولية تاريخية واخلاقية ووطنية في قراءة صفحات التاريخ وصانعيها، ولعلها انتباهة من بين غيرها او معها للبحث والدرس والاعتبار. وهذا ينطلق من عنوان الكتاب، ويتطلب التفكير به وتقدير او تقييم موضوعه وما يدور حوله وفيه، ولكن قراءة الكتاب تتوسع لما يتطرق المؤلف الى ما يصبو اليه من ثمرات تاليفه لشخصية متميزة في الحركة الديمقراطية في زمانها، وليتواصل مع التطورات والتحولات في التاريخ السياسي العراقي ويطرح اراء وافكارا له فيها، رافدا كتابه بما يغني من قراءات للماضي والحاضر.

الكتاب من295 صفحة، وتركب من عناوين فرعية عديدة بدل الابواب والفصول. وكل عنوان اخذ مساحته ومضمونه الذي قد يتوافق مع غيره فيكرر بعض التفاصيل ويعيد نشرها وتختلف احيانا في بعض مصادرها وتواريخها او اسنادها التاريخي والواقعي، (تاريخ جريدة الاهالي وجماعتها مثلا)! مما يتطلب الانتباه لها. ويمكن اعتبار ان180  صفحة الاولى منه بحثت واختصت في العنوان ومضمونه، وما تبقى من الكتاب طرح اراء المؤلف في التحول الديمقراطي واشكالياته في العراق، او امتدادا فكريا للباحث والبحث قد يحتاج قراءة مستقلة عن الكتاب، كما قد توضع اعادة بعض النصوص الكاملة المنشورة، كالمقابلة المنشورة مع حسين جميل، مثلا، ملحقا للكتاب.

في تقديمه كتب المؤلف عن عبد الفتاح ابراهيم (1904-2003) بانه.." يأتي في طليعة رواد الفكر الديمقراطي في تأريخ العراق المعاصر منذ مطلع عشرينات القرن الماضي حتى يوم رحيله. لم يحد عبد الفتاح ابراهيم عن القيم التي آمن بها سوى باتجاه التطوير والتعميق والبحث العلمي في المتابعة والتحليل، جامعا بين التنظير والتطبيق في معالجة أهم مشكلات المجتمع العراقي الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية". وبهذه المفردات بحث واجتهد في تاليفه، تقديرا واجلالا لشخصية تاريخية لعبت دورا بارزا في البناء الفكري والسياسي في تاريخ العراق الحديث. وحاول ان يقدم من خلال مؤلفه صورة عن رمز ودور وتاريخ له اسبابه ودوافعه ومبرراته الثقافية والتاريخية، منطلقة من اعجاب وتقدير واضحين. واضاف في المقدمة "من الاسباب التي دفعتني للكتابة عن المفكر الاستاذ عبد الفتاح ابراهيم: جحود المثقفين والمتخصصين العراقيين وبخلهم في الكتابة عنه بإعتباره أحد المفكرين العراقيين الاوائل. وندرة ماكتب عنه والتي لا تتعدى أن تكون غير شذرات معدودات، والكتابات التي تناولته كانت في معظمها مقتضبة تحدثت عن دوره في معترك الحياة السياسية العراقية، وتناولت سيرته ومسيرته النضالية من دون الخوض بتفاصيل أوسع وأشمل وأغزر تدعو الى مناقشة فكره وتميزه المبكر، وتستطلع وتستشرف رؤيته المتقدمة في تلك المرحلة، وثباته على المباديء التي يحملها، وسيره الحثيث على المحددات الوطنية التقدمية وتثبيت وترسيخ الثوابت في النهج الديمقراطي الذي آمن به." وفي هذا التقديم واحكام المؤلف بعد جهده وبحثه ينتظر ان يقدم اجوبة كافية عن موضوعه، ومثل هكذا اسئلة وظروف البحث تتحول الكتابة الى مسائل اوسع من مفرداتها وقراءات تطور من المطلوب منها. ويثبت المؤلف فياض موزان ان موضوعه واسع وان عبد الفتاح ابراهيم  "وما طرحه من أفكار متجددة في هذا الشأن في مرحلة العشرينات من القرن المنصرم، تلك المرحلة التي سادها التخلف وشحة المصادر الثقافية، وقد وجدت أن ما كتب عن الاستاذ عبد الفتاح ابراهيم، ليس سوى هامش على تأريخ هذا المفكر الديمقراطي، وقد نحى الذين كتبوا عنه منحى استعراضيا أقرب الى اسلوب سرد السيرة، والابتعاد عن منهج الدراسة والتحليل، الامر الذي أفقده ميزة العطاء الثر، ووجدته غير كاف، أو لم يكن قد غاص في عمق فكره، أو أعطى أثرا بالغا يرتجى منه".

واصل المؤلف سرد الاسباب والبواعث مع ملاحظات النقد المعرفي والاشارات الاستفهامية، داعيا الى القراءة وثقل المسؤولية في البحث والتحليل واعطاء الموضوع حقه في الجواب عن الاسئلة التي قدمها في عرض اسباب ودوافع تاليفه. وهو ما ينتظر من جدية المؤلف وشعوره بمسؤولية الضوء الذي يسلطه على شخصية متميزة وفترات زمنية عاشها وترك بصماته فيها، وقد عاش كما سجل المؤلف فترات العهد الاستعماري واحتلال البريطانيين لبلده والفترة الملكية والفترة الجمهورية ومن ثم الغزو والاحتلال الاخير، الصهيو غربي.

وعبد الفتاح ابراهيم من عائلة دينية معروفة أصلها من منطقة عانة، (غرب العراق)، ولد في مدينة الناصرية (جنوب العراق) سنة 1904 (ويقال سنة 1907) حيث كان والده يشغل وظيفة واعظ ديني هناك في جامع فالح باشا السعدون، وانتقلت العائلة إلى البصرة قبيل الحرب العالمية الاولى سنة 1914 وفيها نشأ عبدالفتاح وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة أما دراسته الاعدادية فأكملها في بغداد، سافر بعدها إلى بيروت للدراسة في الجامعة الامريكية وبعد إكمال دراسته فيها سنة 1928 عاد إلى بغداد ثم التحق بجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الامريكية لاكمال دراسته العليا لكنه وبعد ستة أشهر اضطر للعودة إلى العراق لاسباب عائلية قبل أن يكمل دراسته وفي سنة 1932 عمل في ميناء البصرة، حسب وجود عائلته ووظيفة والده ومكانها، فكان عبدالفتاح كلما يذكر الناصرية يزداد به الحنين والشوق لهذه المدينة حتى قال عنها «أن الناصرية تبقى ما حييت نابضة في ذاكرتي».

ذكر المؤلف مؤلفات عبد الفتاح ابراهيم، والتي كما اشار اليها تعطي من عناوينها ما يعرّف باهتمامات ابراهيم ودوره. ويعتبره رائد الفكر الاجتماعي، وصاحب اول مؤلف عن علم الاجتماع في العراق. فكتب من مؤلفاته: 1(مقدمة في الاجتماع، مطبعة الهلال يبغداد 1939. 2(دراسات في علم الاجتماع). 3(الاجتماع والماركسية). 4(على طريق الهند). 5(الشعبية). 6(حقيقةالفاشية). 7(قصة النفط العراقي). 8(معنى الثورة). ومقالات عديدة متنوعة. وترجم إلى العربية كتاب عن (التربية والتعليم في الاتحاد السوفياتي) وآخر عن الزعيم الوطني الهندي (المهاتما غاندي ) لاعجابه به.

 واستمر المؤلف في توصيف وتقدير  موضوعه، فكتب في ص 118: "أن أهمية عبد الفتاح إبراهيم تكمن في كونه من أوائل الذين أهتموا بالبحث عن أهمية الديمقراطية ليس فقط على المستويين الاجتماعي أو السياسي بل على المستوى الثقافي أيضا وهنا تكمن أهمية طروحات عبد الفتاح إبراهيم في الديمقراطية الشعبية وقد وصف الديمقراطية بأنها «نظام للحياة ولتعني بذلك نظام سياسي فقط أو أنها نظام إقتصادي فحسب أو انها نظام للتربية والتعليم أو طريقة في التفكير أو أسلوب في العمل او هي سلوك في الخلق، أو سجايا نفسية أو ميولأ ونزعات فنية.» «إن الديمقراطية تشمل كل هذه الامور لانها تجمع بين عناصر الحياة الاجتماعية ومظاهرها. « أنها ثقافة على كل المستويات يتكامل فيها المجتمع حينما يتحصن بهذه الثقافة كونها تفسح المجال للفرد والمجتمع معا للتكامل وتحقيق النمو والتقدم الثقافي والفني والاجتماعي ولا يتحقق ذلك إلا من خلال الديمقراطية التي يؤمن بها عبد الفتاح إبراهيم وهي الديمقراطية الشعبية"..

اضافة الى التاليف والاسهام الفكري كان عبد الفتاح رجل تنظيم وتاطير، حيث اسهم في تاسيس العديد من الجمعيات والمنظمات والاحزاب،  من ابرزها: جمعية النشيء الجديد، جماعة الاهالي، جمعية الاصلاح الشعبي، جمعية السعي لمكافحة الامية، الرابطة الديمقراطية، نادي بغداد، حزب الاتحاد الوطني والحزب الجمهوري. وشارك في ادارة غيرها ايضا. ولكنه توقف عن هذه النشاطات لفترة طويلة، لما يقارب اربعة عقود من الزمان، وله اسبابه طبعا، حتى وفاته في تموز/ يوليو عام 2003  عن عمر ناهز 99 عاما.

في عناوين مؤلفات عبد الفتاح ابراهيم ونشاطاته السياسية والفكرية والعملية ودوره في الحركة الوطنية عموما مواضيع لها اهميتها وضرورة اعادة قراءتها، والجواب على اسئلة المؤلف عنها ولها. فعبد الفتاح ابراهيم مثقف عضوي يستحق الكثير من القراءات واعادة الاعتبار. وقد قدم الباحث في كتابه قراءة واسعة لمفههوم الديمقراطية الشعبية عند عبد الفتاح ابراهيم ودوره في التنظيم السياسي للحركة الوطنية، وعرّج على تحديد هويته الفكرية وكذلك اشار الى الخلافات والاختلافات التي عمت قيادات الحركة وانقساماتها التي لعبت دورها منذ تلك الفترة المتقدمة في مسارها ومصيرها. وتبقى الخلاصة منها في الدروس والعبر وهو ما توسع المؤلف فيه في الصفحات الاخيرة من الكتاب.

 الكتاب جهد ثقافي، و"دفعة من دفعات رد الدين والعرفان بالجميل، كما قدمه أ. د عامر حسن فياض، انتجه الصديق (فياض موزان) تقديرا للعطاء الفكري السياسي لرمز من رموز مدرسة العراق الوطنية الفكرية السياسية العاقلة وهو عرفان لصاحب مشروع إنقاذ دائم للعراق كان وسيبقى"...

***

كاظم الموسوي

في المثقف اليوم