قراءة في كتاب

محمد بوفلاقة: المجاهد عبد القادر نور وجهوده في التأريخ للإعلام الثوري الجزائري

يلاحظ الدارس لتاريخ الإعلام الثوري الجزائري ندرة في الشهادات والمعلومات، وفي ميدان التأريخ للإعلام أثناء ثورة التحرير المجيدة يبرز اسم المناضل والمجاهد الفذ الأستاذ عبد القادر نور؛ أول رئيس تحرير للإذاعة والتلفزيون الجزائري بعد الاستقلال، صاحب كتاب«شاهد على ميلاد صوت الجزائر- ذكريات وحقائق- »، وهو الكتاب الذي ينطبق عليه اسم«شهادة بطل من أبطال الجزائر على ميلاد صوت الجزائر»، حيث يعتبر هذا الكتاب شهادة توثيقية دقيقة وثمينة على ميلاد صوت الجزائر، لا يمكن أن يستغني عنها كل مهتم بتاريخ الإعلام أثناء ثورتنا المجيدة ضد الاستدمار الفرنسي.

وقبل أن أروز بين دفتي هذا الكتاب القيم الذي يعد واحداً من أهم الكتب التي أبرزت الدور الكبير الذي قام به الإعلام في التوعية وبث الروح الحماسية أثناء ثورة التحرير المظفرة، تجدر الإشارة إلى أن المناضل والمجاهد الفذ الأستاذ عبد القادر نور ولد بقرية الشرفة ببلدية أولاد عدي لقبالة بولاية المسيلة، وتعلم اللغة العربية على يد الشيخ محمد الطاهر نور، ثم التحق بمعهد العلاّمة عبد الحميد بن باديس سنة: 1950م، ونال شهادة المعهد بتفوق سنة: 1954م، وقد بدأ في النضال الثوري مع جبهة التحرير الوطني وهو ما يزال طالباً، والتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ونال شهادة الليسانس في العلوم العربية والإسلامية، وهو من أبرز مؤسسي أول رابطة للطلاب الجزائريين بالقاهرة سنة: 1956م، وقد تولى منصب الأمين العام لهذه الرابطة، وشارك في العديد من المؤتمرات الطلابية والدولية باسم جبهة التحرير الوطني، وشارك بشكل فعال في الإعلام المسموع أثناء ثورة التحرير، انطلاقاً من ركن المغرب العربي في سنة: 1956م، وانتهاء ببرنامج صوت الجمهورية الجزائرية بصوت العرب بالقاهرة، وبعد توقف صوت الجزائر بالقاهرة عاد إلى الجزائر والتحق بالإذاعة بدعوة من جبهة التحرير الوطني، وقد شارك في تحريرها من إدارة الاستعمار الفرنسي في: 28أكتوبر1962م، كما ترأس أول لجنة لتقييم البرامج القديمة، إضافة إلى ترؤسه للجنة البرامج لاتحاد إذاعات الدول العربية، وهو عضو مؤسس لإذاعة الدول الإسلامية، وعضو في مجلس إدارتها بجدة بالمملكة العربية السعودية) 1 (.

لقد خاض الأستاذ عبد القادر نور غمار الوقائع والأحداث التي يتحدث عنها، حيث إنه ترعرع في كنف النضال والثورة وعرف مختلف التحولات، عن دخوله للإذاعة أول مرة يقول في حوار مع الأستاذ زبير حجايجي«...بعد دراستي وتخرجي من معهد عبد الحميد بن باديس من قسنطينة سافرت إلى القاهرة أين أكملت الدراسة بإمكانياتي الخاصة، حيث ذهبت مغامراً ومتسللاً قبيل انطلاق الثورة في عام: 1954م، حيث اندلعت الثورة وأنا في الطريق إلى القاهرة، ولم يكن معي زاد أو مال سوى ما يكفيني لمدة أسبوع على أكثر تقدير، وعندما سمعت أن الثورة اندلعت لاح الأمل من جديد واعتقدت أني في الطريق السليم، وعندما وصلت حينها القاهرة، استقبلت من طرف محمد بوخروبة (هواري بومدين فيما بعد) ثم اتصلت بعدها بالأخ أحمد بن بلة وكلفني بإلحاق الطلبة الجزائريين بجبهة التحرير الوطني، وبهذا التكليف لم أتصور وأنا ذاهب في تلك الظروف الصعبة أن أجد نفسي مسؤولاً، وهذه من فضائل المولى عز وجل، فتم في البداية لهذا الغرض تأسيس رابطة الطلبة الجزائريين في1956م، حيث قمنا من خلالها بدور فعال في التحاق الطلبة بالثورة كنشاط ميداني أول، أما النشاط الثاني والمتعلق بالإعلام فقد بدأنا بالاتصال بالجرائد والإذاعات العربية حينها، وكان لي أول حديث إذاعي سنة: 1956م، ومناسبته أن أخي الذي كان في فرنسا أرسل لي رسالة يقول فيها (وقع لنا خلاف بين مصاليين وصل حد الاقتتال، فأرجو أن تقدموا لنا حديثاً يبين من قام بالثورة)، عندئذ أدليت بحديث إذاعي يبرز أن جبهة التحرير هي الوحيدة التي قامت بالثورة وهي التي فصلت في الأمر) .

...كنت طالباً وجاءتني برقية للدخول إلى الجزائر ومنها الانضمام إلى الإذاعة...فكرت في الأمر وسلم لي البرقية للدخول للإذاعة السيد الرئيس علي كافي، وقبلها أوقفت برنامج صوت الجزائر في أوت1956م، وقد تساءلت أيامها ماذا سأجد في الإذاعة بعد دخولها؟وماذا سيكون مصير من يعمل فيها؟وفصلت في الموضوع آنذاك لسببين اثنين: الأول قطع حبل التواصل بين الفرنسيين مع الإذاعة وتحويلها إلى وجهة وطنية، وثانيا تحويل اتجاهها إلى الوطنية الخالصة، على الرغم من أنني نصحت من طرف حربي وزميل آخر بأنني سأتعب، ونصحوني بالبقاء في وزارة الخارجية، وبعد ثمانية أيام التحقت بالإذاعة وأنا أدرك جيداً أني مقدم على عمل خطير وصعب ») 2 (.

في كتاب: «شاهد على ميلاد صوت الجزائر- ذكريات وحقائق- » يقدم الأستاذ عبد القادر نور نظرة شاملة على مختلف المراكز التي استقرت بها الإذاعة الجزائرية، ويسلط الأضواء على الأركان الإذاعية الموزعة على خمسة عشر مركزاً من طنجة إلى بغداد، فالهدف الرئيس الذي يهدف إليه الأستاذ عبد القادر نور من وراء تأليف هذا الكتاب هو التذكير بما قدمه إخواننا العرب من تضحيات جسام في سبيل استقلال الجزائر، ومواقفهم البطولية التي وقفوها في وجه الاستدمار الفرنسي أثناء ثورة التحرير المجيدة، كما يتطرق إلى مسيرة معظم الشخصيات الثورية التي عملت في هذه المراكز وصولاً إلى الإذاعة السرية.

والحق أن من يتابع نشاطات وجهود المجاهد والمناضل الفذ الأستاذ عبد القادر نور يدرك بأن الرجل لم يأل جهداً منذ سنوات في التنويه والإشادة بالدور الكبير الذي أداه الإعلام أثناء ثورة التحرير المظفرة، ففي هذا الكتاب (شاهد على ميلاد صوت الجزائر- ذكريات وحقائق-) يقدم الكثير من الصور المعبرة والصادقة عن بطولات وتضحيات الشعب الجزائري، وعن الجهود الكبيرة التي بذلت من خلال الإذاعة السرية، وعبر الإذاعات الرسمية للدول العربية، فقد كتب الأستاذ عبد القادر نور هذه الصفحات ليبين الكثير من الحقائق المتصلة بالإعلام الثوري، وقد دعم كتابه بمادة تاريخية ثرية بالمعلومات الدقيقة التي لم يسبق أن اطلع عليها الكثير من الباحثين والدارسين كما نلفي مجموعة من الصور والوثائق التي تنير دروب المتابعين لتاريخ الإعلام الثوري.

ومن جانب آخر فالكتاب يقدم نظرة وافية عن الدور الذي أداه أبطال الجزائر في ميدان معركة الإعلام في مواجهة افتراءات الاستدمار الفرنسي، فهو يكتسي أهمية بالغة، ولاسيما إذا أخذنا في الاعتبار أن الاعتناء بالكتابة عن ميلاد صوت الجزائر لم يظهر إلا في السنوات الأخيرة هذا من جانب، ومن جهة أخرى فالوثائق والمراجع التي يتم الاعتماد عليها نادرة، والإعلام الثوري الجزائري ما يزال يستحق الكثير من الأبحاث والدراسات التي تميط اللثام عن دوره ومنجزاته الكبيرة.

وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى بعض الدراسات التي نشرت عن الإذاعة الجزائرية:

1- دراسة ترجمها شيخ المؤرخين الجزائريين الدكتور العلاّمة أبو القاسم سعد الله، موسومة ب«حرب الكلمات الجزائرية- البث الإذاعي أثناء الثورة1954- 1962م»، كتب هذه الدراسة روبرت.ج.بوكملر من جامعة فرجينيا، قسم وودرو ويلسون للدراسات الحكومية والشؤون الخارجية، وقد نشرها الدكتور أبو القاسم سعد الله في كتابه«مجادلة الآخر»، منشورات دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط: 01، 1427ه/2006م، ص: 81- 114.

2- دراسة للإعلامي الكبير أحمد سعيد معنونة ب«عن الجزائر والثورة: موجز في الكتابات المصرية المسموعة والمقروءة- »، منشورة في العدد: 03من مجلة الكتاب؛ مجلة متخصصة تصدر عن المكتبة الوطنية الجزائرية، 2007م، ص: 12- 26.

3- دراسة صدرت تحت عنوان: «دور الإعلام في معركة التحرير»، كتبها الأستاذ الأمين بشيشي؛ المدير العام للإذاعة الوطنية سابقاً، نُشرت هذه الدراسة في العدد: 104 من مجلة الثقافة الجزائرية، مجلة تصدرها وزارة الثقافة، الجزائر، السنة التاسعة عشرة، سبتمبر- أكتوبر1994م، ص: 53- 94.

ومن بين الكتب التي رصدت هذا الموضوع كتاب«الإعلام ومهامه أثناء الثورة»الذي يضم الدراسات والأبحاث التي قدمت في الملتقى الوطني الأول عن الإعلام والإعلام المضاد المنظم من قبل المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر: 1954م، وقد شارك الأستاذ عبد القادر نور في هذا الملتقى ببحث موسوم ب«الإعلام عبر الوسائل السمعية للثورة الجزائرية الإعلام حينما كان نضالاً».3185 عبد القادر نور

محتوى الكتاب:

يتربع كتاب الأستاذ عبد القادر نور على مساحة تتكون من: 217صفحة من الحجم المتوسط، ويتوزع على تسعة أقسام رئيسة في كل قسم نلفي مجموعة من الحقائق والمعلومات الثمينة التي تتصل بجملة من وقائع الإعلام الثوري.

نلفي في الكتاب ثلاث مقدمات:

1- المقدمة الأولى كتبها الدكتور أبو القاسم سعد الله، وقد ذكر في مستهلها أنه حدث عظيم أن يعود المرء إلى ذكريات خمسين سنة مضت من حياته، والأعظم منه أن تكون الذكريات هي ذكريات الثورة الجزائرية عندما كان صوتها يخترق الأثير ليصل إلى أسماع الدنيا، فقد كان (صوت الجزائر) يزلزل الأرض من تحت أقدام المستعمرين، كما كان الرصاص يزلزل السماء من فوق رؤوسهم، والفضل في فتح هذه الذكريات يرجع إلى أحد شهود ذلك الزلزال وهو الأستاذ عبد القادر نور.

يقول شيخ المؤرخين الجزائريين عن المعلومات التي قدمها الأستاذ عبد القادر نور من خلال هذا الكتاب: «يقدم لنا الأستاذ عبد القادر نور عينة من ذلك الإعلام الثوري المسموع عبر الإذاعة الوطنية السرية ثم عبر الإذاعات الرسمية للبلاد العربية الشقيقة، وهو إذ يفعل ذلك إنما يقدم لنا أيضاً تجربة شخصية عايشها بكل جوارحه وليس بحثاً محايداً استنطق من خلاله التقارير والشهادات.

ولا نريد هنا أن نفصل القول في المنهج الذي لملم به الأستاذ نور هذه المعلومات عن إذاعة الجزائر أيام الثورة، ولكننا ننبه إلى أن العمل الذي بين أيدينا ينطلق- فيما يبدو- من نقطتين أساسيتين الأولى هي المعلومات والأسماء والتواريخ المتعلقة بإنشاء أول محطة إذاعة للثورة الجزائرية، والثانية تسليط الأضواء على مساهمة الإذاعات العربية في التعريف بالثورة الجزائرية، وإذا شئت دور الإعلام العربي في خدمة الثورة») 3 (.

ويعتقد العلاّمة أبو القاسم سعد الله أن الأستاذ عبد القادر نور أسهم بعمله هذا في تصحيح الصورة عن تطور الإذاعة الوطنية الثورية بالكشف عن معلومات إضافية تتعلق بإنشاء المحطات الإذاعية وتواريخها وأسماء الذين شاركوا في تغذيتها عبر السنوات الصعبة، كما أنه قام بتصحيح الحكم عن دور الإعلام العربي خلال الثورة الجزائرية.

2- المقدمة الثانية كتبها المفكر والمناضل الكبير الأستاذ عبد الحميد مهري- عليه رحمة الله-

يرى الأستاذ المفكر الراحل عبد الحميد مهري في المقدمة التي كتبها أن في الجهد الذي يبذله الأستاذ عبد القادر نور بهذه السلسة الهامة من المقالات محاولة لرسم صورة المعركة التي خاضها المناضلون الجزائريون في ميدان الإعلام وتذكير بالمساعدة الكبيرة التي وجدوها لدى إخواننا العرب على اختلاف أقطارهم.

بني الأستاذ عبد الحميد مهري منظوره لكتاب الأستاذ عبد القادر نور على أن مقالاته تحمل الكثير من معاني الوفاء لرفقاء الدرب من الذين قضوا نحبهم، وأصبحوا قدوة للأجيال بعدهم، ومن الذين ما زالوا يحتلون مواقع العمل لتحقيق طموحات الشعب في مختلف المجالات، وفي مقالات الأستاذ عبد القادر نور معنى العرفان بما قدمه إخواننا العرب من عون ومساندة لكفاح مرير خاضه الشعب الجزائري أكثر من سبع سنوات.

ووفق وصف الأستاذ مهري لمنجزات الأستاذ عبد القادر نور فمقالاته«تبرز الخريطة التي ترسم التضامن العربي مع جهاد الجزائر، واسعاً شاملاً، وغير محسوب بحسابات ضيقة، إلا في النادر القليل من الحالات وترسم من جهة أخرى الأهمية التي كانت توليها قيادة الثورة لمعركة الإعلام بجانب معارك السياسة والدبلوماسية والكفاح المسلح.وقد كان إعلام الثورة يصدر عن تصور متكامل بين أبعاد المعركة جميعها، وكان ملتزماً، رغم ضراوة المعركة مع الاستعمار، بقدر كبير من الموضوعية والصدق امتثالاً لتوجيهات مؤتمر الصومام في هذا الموضوع، كما أنه كان ملتزماً بالحياد في القضايا الخلافية التي كانت تفرق بين الأقطار العربية حرصاً على الدعم الجامع التي كانت تحظى به القضية الجزائرية، ولا شك أن جماهير الشعب الجزائري كانت تجد في صوت الثورة المنبعث من مختلف العواصم العربية دليلاً على وحدة الصف العربي في معركة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، وكان لهذا الصوت الذي لم ينقطع طيلة سنوات الثورة الطويلة، خير ما يشحذ العزائم في مواقع المعركة، ويأخذ بيد المضطهدين و المقهورين في السجون والمحتشدات الفرنسية») 4 (.

3- المقدمة الثالثة كتبها الأستاذ الأديب عز الدين ميهوبي، وقد وصفت بأنها كلمة المدير العام للإذاعة الجزائرية سابقاً، وقد ذكر الأستاذ عز الدين ميهوبي ما وقع له مع الأستاذ عبد القادر نور حينما جاء لتهنئته بالمنصب الذي تولاه في الإذاعة، حيث يقول: «جاء لتهنئتي بالمنصب الذي تبوأه قبلي منذ عشرين عاماً...وراح يكلمني عن الإذاعة الجزائرية، ويستعيد تفاصيل ذكريات من رحلة طويلة مع الأثير...وكنت أقول بيني وبين نفسي لماذا يقول لي الأستاذ عبد القادر نور هذا الكلام وهو القادر على توثيقه وتدوينه؟فبادرته بسؤال (لماذا لا تكتب هذا الكلام؟) فرد على الفور (أنا بصدد إنجاز كتاب يتناول رحلتي مع الإذاعة الجزائرية منذ ميلادها إلى يوم أحلت على التقاعد...) فلم أتردد في عرض إمكانية نشره باسم الإذاعة...فوافق على الفور، وشرعنا في إنجاز هذا المشروع التوثيقي الهام الذي يأتي في وقت شرعت فيه الجزائر في استعادة حضورها في التاريخ بالتصالح مع ذاتها والانسجام مع شخصيتها وتاريخها، وإعادة ترميم ذاكرتها الممتدة في أعماق الزمن») 5 (.

وقد أشار الأستاذ الأديب عز الدين ميهوبي إلى أن المؤلف والكتاب كلاهما يحتاجان إلى وقفة تأمل، وقد وصف الأستاذ عبد القادر نور«بالرجل المناضل الذي يبدي ارتباطاً عميقاً بكل ما له صلة بالوطن والتاريخ والثوابت والعمل الإعلامي الجاد والنزيه...ويسعى إلى تصويب ما يراه غير قويم، وينبه إلى الأخطاء والاختلالات...حتى لكأنه يقضي يومه ينتقل من موجة إلى أخرى ليطمئن على أن الإذاعة بخير...لغة وأفكاراً وبرامج.

والأستاذ نور الطالع من بيئة ثقافية أصيلة، استطاع خلال مسار نضالي ومهني طويل أن يكون واحداً من الكتيبة الطيبة المنبت، التي عملت على إنتاج سلاح الثورة السري والسحري، ألا وهو الإذاعة التي كانت تبث من عواصم عربية ومناطق مخبوءة داخل الجزائر...حيث لا يغمض للمستعمر جفن، ولا يهدأ للجبناء بال ولا يقر للخونة والمرتزقة والأذناب قرار...».

كما أشاد الأستاذ الأديب عز الدين ميهوبي بالجهود الكبيرة التي بذلها الأستاذ عبد القادر نور للنهوض بتأليف هذا الكتاب، حيث يقول في هذا الصدد: «وهو يروي تلك المسيرة الشاقة لتبليغ أخبار الثورة والمعارك التي كان يخوضها جيش التحرير ضد جحافل الاحتلال يقدم الأستاذ نور معلومات هامة ومفيدة وتميط اللثام عن كثير من مساحات الظل التي كانت مثار جدل ونقاش بين المهتمين والمؤرخين لتلك الفترة الحافلة بتفاعلات الثورة مع الداخل والخارج...وقد سعى المؤلف بجهد صادق واستفزاز دائم لذاكرته في استعادة تلك الأسماء التي كانت وراء نشوء هذه الإذاعة وانتشارها، بل إنه كان يجتهد في ألا ينسى اسماً أو واقعة، أو تاريخاً ذا دلالة، وذهب إلى أنه وهو يجاوز السبعين، يعيد اتصاله برواد الإعلام الجزائري الذين اختار كثير منهم الصمت والابتعاد عن الأضواء...فكان يحصل على معلومة أو صورة أو يعيد ترتيب موقف...وهكذا، الأمر الذي جعل صفحات الكتاب تختزن مادة علمية وتاريخية مفيدة للباحثين، وتفتح عيون أجيال الجزائر الجديدة على حجم النضالات الكبيرة التي خاضها رجال ونساء هذا الوطن من أجل عزته ورفعته....

إن الثناء على هذا العمل المحمود للأستاذ عبد القادر نور يمليه علينا واجب الاعتراف لذوي الفضل من أبناء الجزائر المخلصين، بما قدموه وإبداء عرفان متواضع بما أسهموا فيه لصالح الأمة والوفاء لشهدائها....

إن الإذاعة الجزائرية تسعد بإصدار هذا الكتاب الهام في تاريخها، وتاريخ الجزائر المعاصر، وتعتبره مساهمة صادقة في سبيل كتابة جزائرية نزيهة لتاريخ شعب مناضل وأصيل، وتتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان للأستاذ عبد القادر نور المدير الأسبق للإذاعة الجزائرية آملة أن يكون خطوة ثابتة على طريق استعادة الوعي بأهمية كتابة التاريخ، بعد استعادة السيادة على مؤسسة صنعت التاريخ...وتعده أجمل هدية تقدم للرجال الذين صنعوا مجد الجزائر من خلال (صوت الجزائر) ...») 6 (.

تطرق الأستاذ عبد القادر نور في الجزء الأول من الكتاب الذي يحوي أربعة أقسام إلى الإعلام المسموع، وافتتح القسم الأول بتسليط الضوء على صوت الجزائر أثناء ثورة التحرير، وقد ذكر في مستهل هذا القسم أن الجزائر العربية المسلمة كانت مجهولة لدى كافة المستويات في الوطن العربي، وهذا ما جعل المهمة في غاية الصعوبة، إذ يقتضي الأمر إجراء دراسة واسعة عن كيفية تناول المواضيع والوسائل المطلوبة في التعبير عن متطلبات المرحلة الجديدة، وقد استشهد الأستاذ نور في هذا الصدد بقول الأستاذ أحمد سعيد مدير صوت العرب الأسبق بالقاهرة«...بدأنا الكلام عن الجزائر بداية من سنة: 1953م بصوت العرب، إذاعة صوت العرب لم تكن إذاعة عادية بل كانت لها خصوصياتها...قارنا في ذلك الوقت بين الاستماع إلى أجهزة الراديو وقراء الجرائد فوجدنا قارئاً واحداً لجريدة يقابله1900مستمع لصوت العرب، كما أعددنا الخطاب الإعلامي لشمال إفريقيا وخاصة الجزائر، وخصصنا28دقيقة يومياً لشمال إفريقيا عام: 1953م هي بداية ركن المغرب العربي، ولم تكن لنا أية معلومات عن شمال إفريقيا ككل عدا17كتاباً لذلك كونا لجاناً لدراسة الموضوع، والدكتور طه حسين أحد أعضاء هذه اللجان فجمع لنا ما كتبه المستشرقون عن شمال إفريقيا، لقد طلب منا زعماء الثورة الجزائرية الحديث عن الجزائر، ولكن ليست لنا معلومات دقيقة عن الجزائر حتى نستطيع توجيه الخطاب إلى شعبها...لم تكن لنا رؤيا واضحة، هل نوجه الخطاب إسلامياً أم قومياً؟...الكلمة المسموعة تجعل الشعب في استعداد دائم، وإذا كنت تدعو إلى الشهادة فلابد أن تكون دقيقاً في كلامك، وحينما بدأنا التوجه إلى الجزائر كونا جهازاً خاصاً تدرب عليه المرحوم عيسى مسعودي...») 7 (.

تحدث الأستاذ عبد القادر نور عن ركن المغرب العربي بصوت العرب، وذكر أنه كان نافذة واسعة مفتوحة أمام شباب الجزائر للتعريف ببلادهم وثورتها، فبعد إذاعة بيان أول نوفمبر من صوت العرب بالقاهرة تحرك الجزائريون بكل حماس وقوة، فقد أحدث البيان هزة في نفوسهم، وتطلع جميعهم إلى معرفة الحقيقة، ومن الشخصيات البارزة في ذلك الوقت العلاّمة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي بادر إلى تأييد ثورة التحرير المظفرة وصب جام غضبه على المستعمرين، وينبه الأستاذ عبد القادر نور إلى أنه لم يعثر على تصريحات مذاعة باستثناء تصريحات الشيخ محمد البشير الإبراهيمي.

وقد كشفت رسالة باريس عن شعبية صوت العرب في فرنسا، فقد غزت جميع البيوت ولاسيما الجزائرية منها، واستحوذت على العقول والقلوب، وهذا ما تأكد منه الأستاذ عبد القادر نور- كما يذكر- من خلال رسالة باريس التي حملت مشاعر المغتربين الجزائريين في فرنسا، ويصف الأستاذ عبد القادر نور أول حديث له في قوله: «أول حديث إذاعي لي شكل خطورة على أسرتي، أول مرة في حياتي أواجه فيها الميكروفون، بعد ستة شهور تدريب على يد كبير المذيعين الأستاذ جمال السنهوري بإذاعة القاهرة في بداية1956م كان الحديث موجهاً إلى مغتربينا في فرنسا، وذلك لما تفاقم الوضع واشتد الخلاف، وتطور إلى اغتيالات في وضح النهار ما بين أنصار الحاج مصالي وأنصار جبهة التحرير الوطني، تطلع أحد شباب جبهة التحرير الوطني أخي البشير نور إلى صوت العرب للتخفيف من حدة الصراع بين الإخوة، وقد كان آنذاك بفرنسا، خرج إلى الحدود السويسرية وبعث لي رسالة يقول فيها: أن المصاليين قد جاروا علينا، وأننا في صراع بيننا، أرجوكم وجهوا كلمة عن طريق صوت العرب إلى هؤلاء علهم يرجعون لأن صوت العرب هنا يتمتع بسمعة كبيرة بين الجزائريين.

وعلى الفور حررت الموضوع، وقصدت الأستاذ محمد أبو الفتوح مدير ركن المغرب العربي بصوت العرب وأذعته بصوتي، شرحت فيه رسالة جبهة التحرير الوطني وأنها هي التي وحدت الشعب الجزائري لخوض غمار الكفاح المسلح وأن كل من يريد الخير للجزائر عليه أن يعزز صفوف جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير وليس شخصاً أو هيئة أخرى غيرهما.

ولكن الأستاذ محمد أبو الفتوح ذكر اسمي ولقبي كاملين، والخطأ كان مني لأني لم أنبهه قبل بداية الحديث إلى عدم ذكر الاسم، لأننا تعودنا على عدم ذكر الأسماء، وبعد انتصار الثورة ورجوعي إلى أرض الوطن، وجدت أن منزل صهري الشيخ محمد زلاقي الذي كانت فيه مخطوطات والدي قد هدم نتيجة للقصف الجوي كان ذلك سنة: 1958م، فاحترقت خزانة الكتب بما فيها مخطوط كنت أنوي طبعه بعد رجوعي وهو لوالدي الشيخ عمار بعنوان (الرسالة السنية في الرد على أتباع ابن تيمية)، كان هذا الأمل قبل اندلاع ثورة نوفمبر، لأني غادرت الجزائر في: 29أكتوبر1954م، وقد عرفت من وشي بي أثناء عملي بالإذاعة الوطنية بعد الاستقلال وكان يعمل في قسم الاستماع ببن عكنون قسم التنصت لتتبع أخبار الثورة الجزائرية وتقديم التقارير إلى سادته من المستعمرين») 8 (.

يوضح الأستاذ عبد القادر نور أن الانطلاقة الأولى للأجهزة الإعلامية المسموعة الناطقة باسم جبهة التحرير الوطني كانت في أواخر سنة: 1956م ففي هذه السنة أنشأ قادة جبهة التحرير الوطني أركاناً إذاعية في معظم الأقطار العربية، وكانت الإذاعة هي الوسيلة الأكثر قوة وفعالية، وقد كانت السلطات الاستعمارية ترغب في التأثير على الرأي العام الجزائري في مواجهة المعركة الإعلامية الجديدة التي فتحتها جبهة التحرير الوطني، وقد تميزت التغطية الإعلامية أثناء ثورة التحرير في الوطن العربي بالشمولية، وقد شهد عام: 1956م انطلاق ست إذاعات ناطقة بالعربية مع واحدة بالفرنسية:

1- إذاعة جبهة التحرير وجيش التحرير الوطني من غرب الجزائر بالحدود المغربية الجزائرية.

2- إذاعة تيطوان بالمغرب الأقصى.

3- صوت الجزائر من تونس الشقيقة.

4- صوت الجمهورية الجزائرية من صوت العرب بالقاهرة.

5- صوت الجزائر من الرباط.

6- صوت الجزائر بالفرنسية من البرنامج الدولي بإذاعة القاهرة.

وشهدت سنة: 1958م انطلاق تسع إذاعات:

7- صوت الجزائر من إذاعة طرابلس بليبيا.

8- صوت الجزائر من إذاعة بنغازي.

9- صوت الجزائر من إذاعة سوريا.

10- صوت الجزائر من إذاعة العراق.

11- صوت الجزائر من إذاعة الكويت.

12- الجزائر اليوم: إذاعة خاصة موجهة إلى الجزائر باللهجة الجزائرية تم إنشاؤها ما بين سنتي: 1961 و1962م بإذاعة القاهرة.

13- إذاعة الجزائر من الأردن: فيها الشاعر عبد الرحمن بن العقون.

14- في المملكة العربية السعودية كان الأستاذ عبد الرزاق بن يحيى زلاقي.

15- صوت الجزائر من طنجة سنة: 1961م.

أما الإذاعة الجزائرية السرية فيشير الأستاذ عبد القادر نور إلى أنها أول إذاعة في تاريخ الجزائر، وقد كانت متنقلة في الريف المغربي، وتحتمي بكثافة الأشجار الغابية، وقد استغرق الإعداد لها ستة أشهر قبل بداية البث يوم: 16/12/1956م، وقبل أن تستقر بالحدود الجزائرية المغربية بمدينة الناظور.

بدأت المرحلة الأولى لهذه الإذاعة بجهاز إرسال محمول فوق شاحنة من نوعG.M.C أخرجت من القاعدة الأمريكية بالقنيطرة عام: 1956م، وقد كانت تتكون من أجهزة بسيطة وبتقنيات وإمكانيات جد محدودة، وقد كانت تبث ساعة باللغة العربية وتشتمل على:

1- أخبار عسكرية.

2- أخبار سياسية.

3- تعليق بالفصحى.

4- تعليق بالدارجة.

- نصف ساعة بالقبائلية، ونصف ساعة بالفرنسية.

وقد كان يتم الإعلان عنها بالشكل التالي: هنا الجزائر الحرة المكافحة، صوت جبهة التحرير وجيش التحرير يخاطبكم من قلب الجزائر.

في عام: 1959م وابتداءً من يوم: 12/01/1959م استقرت الإذاعة السرية بالناظور، وافتتحت من قبل سعد دحلب وبوعلام بسايح، ويشير الأستاذ عبد القادر نور إلى أسماء من تولوا تحريرها والبث الإذاعي فيها:

1- محمد السوفي: مدير الإذاعة الجزائرية السرية بالحدود الجزائرية المغربية.

2- عيسى مسعودي

3- مدني حواس المدعو عبد اللطيف.

4- محمد بوزيدي.

5- محمد بومديني.

6- عبد العزيز شكيري.

7- محمد السعودي.

8- مصطفى التومي.

9- خالد سافر.

10- خالد التيجاني.

11- دحو ولد قابلية.

12- عمر مرزوق.

13- مولاي خروبي.

14- كمال داودي.

15- حمة ميسوم.

16- قدور عاشور.

17- طارق صباغ.

18- عبد المجيد حومة.

19- محمد كسوري.

20- محفوظ مغربي.

21- عمار معمري.

22- قدور ريان.

23- محمد مكيرش.

24- السعيد غماري.

25- يوسف مصطفى دالي.

26- عبد الله دردك.

27- كمال بلحبيب.

28- لوصيف بوغرارة المدعو محمد القوردو.

29- علي جبار.

30- فريد دبورة.

31- محمد عدنان.

يلفت الأستاذ عبد القادر نور الانتباه إلى أن صوت الجزائر من تونس كانت تكتسي أهمية خاصة وأهميتها تتجلى في صوت عيسى مسعودي رحمه الله، الذي يعد أبرز الأصوات الإذاعية عبر أمواج الإذاعات الجزائرية في معركة التحرير، وهذا ما جعل الرئيس هواري بومدين- رحمه الله- يقول عنه (صوت عيسى مسعودي شق وجيش التحرير شق آخر) .، وقد استطاع هذا الصوت الذي كان من ورائه أيضاً الدكتور عبد الله شريط- رحمه الله- أيضاً، أن يجند آلاف الشبان الجزائريين في صفوف الثورة، كما أثر تأثيراً كبيراً على الجماهير الجزائرية على الرغم من أن مدة البث لم تزد عن ثلاثين دقيقة كانت غنية بالمعلومات العسكرية عن المعارك الطاحنة التي تدور رحاها بأرض الثورة الجزائرية، ومن بين الذين تولوا مهمة إعداد وتقديم برامج الإذاعة: عيسى مسعودي وعبدالله شريط ومحمد بوزيدي والأمين بشيشي والعربي سعدوني وسيرج ميشال.

يذكر الأستاذ عبد القادر نور أن صوت الجمهورية الجزائرية من القاهرة الذي انطلق سنة: 1956م استطاع أن يعطي نفساً جديداً لثورة التحرير من الناحية الإعلامية، كما عمق وجودها في نفوس الجماهير العربية، والطبقات المثقفة، وقد أصبح كل عربي يحس أن الثورة الجزائرية هي ثورته، وقد تولى التعاليق السياسية بالقاهرة وإذاعتها كل من: الأستاذ توفيق المدني الذي افتتح صوت الجزائر بصوت العرب، والأستاذ عثمان سعدي، ومحمد كسوري، وعلي مفتاحي، ورابح التركي، وعبد القادر بن قاسي، وعبد القادر نور، ومن بين الطلبة الجزائريين الذين توجهوا للتعبير عن متطلبات الثورة الجزائرية: الدكتور أبو القاسم سعد الله، العلاّمة الجليل، وشيخ المؤرخين الجزائريين، والباحث المعروف بمنجزاته العلمية الكبيرة التي من أبرزها: تاريخ الجزائر الثقافي.

والشاعر الراحل صالح خرفي- رحمه الله-، والأستاذ مفدي زكرياء، والدكتور عبد الله ركيبي الذي قدم الكثير عن الجزائر لصوت العرب.

وفي سنة: 1958م انطلق صوت الجزائر من إذاعة طرابلس، بغرض تزويد الشعب الليبي الشقيق بأخبار الثورة الجزائرية، ويؤكد الأستاذ عبد القادر نور في هذا الصدد على أن الشعب الليبي منح الثورة الجزائرية تشجيعات كبيرة مادية ومعنوية، كما ينوه بجهود المجاهد الليبي الكبير الهادي إبراهيم المشيرقي، حيث يقول: «أكبر دور إعلامي للثورة الجزائرية، قام به المجاهد الليبي الكبير المرحوم الهادي المشيرقي الذي قام باتصالات واسعة ليست في الأوساط العربية فحسب، ولكن في جميع أنحاء العالم، وأكبر تضحية قام بها أيضاً هي: رهن مزرعته وأملاكه لشراء الأسلحة للثورة الجزائرية، والشيء الذي يؤثر في النفس أكثر هو أنه لما أدركته الوفاة، بعد العمر الطويل الذي قضاه في العمل الإنساني من أجل الجزائر، أوصى بدفنه في مقبرة الشهداء بالجزائر، وأن ما أثلج صدري أيضاً أكثر أن الرئيس بوتفليقة نفذ وصية هذا الغائب الكبير وأرسل له طائرة خاصة لنقله إلى بلده الثاني الجزائر ليوارى جثمانه الطاهر بها، وهو موقف مشرف وعربون وفاء من الجزائر») 9 (.

وقد تولى التحرير والتعاليق السياسية في صوت الجزائر بإذاعة طرابلس الأستاذ العلاّمة الشيخ محمد الصالح الصديق، وكان يساعده حسن يامي، وكان المسؤول العام بشير قاضي، وقد تولى مكانه بعد أن سافر للعلاج الأستاذ أحمد بودا، وعبد الحفيظ أمقران الذي كان مكلفاً بالأنباء العسكرية ابتداءً من سنة: 1960 ولمدة تزيد عن ستة أشهر.

وفي سنة: 1959م تم إنشاء فرع إذاعي في بنغازي لتعميم أخبار ثورة التحرير، وقد تكون طاقم الإذاعة من: محمد الأخضر عبد القادر السائحي، وعبد الرحمن الشريف وعبد الحق وعبد القادر غوقة وهو مذيع ليبي.

تحدث الأستاذ عبد القادر نور عن انطلاقة إذاعة صوت الجزائر من دمشق سنة: 1958م وظروف توقيفها فذكر أنها انطلقت مع قيام الوحدة بين مصر وسوريا، وانتهت وتوقفت بالانفصال بينهما، كونها كانت تابعة إلى مكتب جبهة التحرير الوطني، وليس للإذاعة السورية، و يشير الأستاذ عبد القادر نور إلى أن جبهة التحرير الوطني وضعت نفسها فوق كل النزاعات والخلافات العربية وحازت على احترام وحب الجميع، لأنها استطاعت رسم سياسة حيادية واعية وحافظت على استقلاليتها، وقد استشهد الأستاذ عبد القادر نور بقول المحامي الأستاذ محمد مهري في كتابه«ومضات من دروب الحياة»: «...وبعد أن قام النظام الانفصالي في سوريا طلب المسئولون الجدد في الإذاعة أن يخضعوا هذه الحصة لرقابتهم فطلبوا من مذيعها محمد مهري أن يقدم تعليقه المكتوب في وقت سابق قبل تسجيله للمراقبة فرفض وأعلمهم أن هذه الحصة تذاع فعلاً من دمشق ولكنها تحت إشراف ورقابة جبهة التحرير الوطني وإن الجبهة لا تقبل أية وصاية في توجيه وتسيير شؤونها، فإن أردتم التعامل معنا على هذه القاعدة التي سيرنا بها مصالح ثورتنا وتعاملنا بها مع أشقائنا وأصدقائنا فإننا سنستمر في إذاعتنا من دمشق شاكرين لكم وللشعب السوري الشقيق تفهم أسلوبنا في المحافظة على استقلال قراراتنا، فإن أبيتم وانتهى رأيكم على فرض الرقابة من طرفكم على حصتنا فإننا نكون ملزمين بتوقيفها». (انتهى كلام الأستاذ محمد مهري)) 10 (.

وقد توقفت هذه الإذاعة بعد إصرار السلطات السورية على موقفها، وتوقفت بعد مشاورات أعضاء فريق الإذاعة مع الشيخ محمد الغسيري- رحمه الله- رئيس البعثة.

كان فريق الإذاعة يتكون من:

- الشيخ محمد الغسيري؛ رئيس البعثة الجزائرية بسوريا، الذي تحاور مع السوريين لفتح باب الإذاعة للثورة الجزائرية، وهو الذي افتتح الإذاعة كما يذكر الأستاذ عبد القادر نور.إضافة إلى: محمد أبو القاسم خمار، ومحمد مهري، ومحمد بوعروج، والهاشمي قدوري، ومنور الصم، وأبو عبد الله غلام الله.

تطرق الأستاذ عبد القادر نور إلى خلفيات انطلاق صوت الجزائر من الكويت سنة: 1958م، حيث جاء في حديثه عن بداياتها في الكويت«...نظراً لوقوع الكويت تحت الاستعمار البريطاني، وعدم سماح المستعمر بفتح مكتب لجبهة التحرير الوطني، فقد كان الأستاذ عثمان سعدي يقوم بدور المستشار للجنة جمع التبرعات للثورة الجزائرية بالكويت، وبدور الرابط بين وزارة المالية الكويتية ووزارة المالية للحكومة الجزائرية المؤقتة، وعندما زار فرحات عباس؛ رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة الكويت سنة: 1959م انضم السيد عثمان سعدي إلى الوفد الذي كان برئاسة السيد أحمد فرنسيس؛ وزير المالية بالحكومة المؤقتة الذي قام بجولة في إمارات الخليج العربي في نفس السنة، وكان ضمن الوفد العقيد علي كافي والرائد إبراهيم مزهودي.

وفي: 1958م طلب السيد عثمان سعدي من وزارة الإعلام الكويتية أن تسمح بفتح مركز للجزائر بإذاعة الكويت موجه للخليج العربي فوافقت على ذلك، وكان الأستاذ عثمان سعدي مع المذيع الأستاذ موسى الدجاني يشرفان على هذا الركن، وكان الأستاذ سعدي يقدم كلمة الجزائر، ويحرر برامج وتمثيليات عن الثورة.

كان لهذا الركن صدى كبير بالخليج العربي، فقد كانت تصله عشرات الرسائل أسبوعياً من المستمعين بالخليج، وكان يردان عليها، كما ساهم هذا الركن مساهمة فعالة في دفع الناس للتبرع للثورة الجزائرية.

واستمر هذا الركن قائماً إلى أن استقلت الجزائر، وفتحت السفارة الجزائرية سنة: 1963م، وترأس الأستاذ عثمان سعدي البعثة الدبلوماسية للجزائر المستقلة.

لقد لعب هذا الركن دوراً عظيماً في التعريف بالثورة الجزائرية في دول المنطقة كلها، وقد كان موجهاً إلى دول الخليج العربي ويذاع على الساعة الخامسة مساءً ولمدة ثلاث ساعات في الأسبوع، وقد خلق هذا البرنامج جواً من الحماس في الأوساط الكويتية والخليجية لمد الثورة بالعون المادي والمعنوي») 11 (.

أما إذاعة الجزائر في العراق فقد افتتحت في فترة رئاسة الأستاذ أحمد بودا للبعثة الجزائرية في العراق سنة: 1958م، وقد افتتحت بناءً على الطلب الذي قدمه إلى السلطات العراقية سنة: 1958م، وقد تولى التحرير و التعليقات السياسية بها: محمد الربعي وعلي الرياحي وعبد الحميد قرميط، وحينما ترأس الأستاذ حامد روابحية البعثة الجزائرية تولى التحرير والتعليق على الأنباء فيها.

سلط الأستاذ عبد القادر نور الضوء على مختلف المبادئ الأساسية للسياسة الإعلامية التي كانت تسير عليها كل الإذاعات الناطقة بالعربية التابعة لجبهة التحرير الوطني، ومن أبرزها:

1- عدم التدخل في السياسة الداخلية لأي بلد عربي.

2- الدعوة إلى وحدة الشعب الجزائري وسيره صفاً واحداً وراء جيش وجبهة التحرير الوطني لإعطاء المثل لبقية الشعوب التي تناضل من أجل حريتها واستقلالها وخاصة الإخوة الفلسطينيين.

3- الدعوة إلى وحدة شعوب المغرب العربي في كفاحها ضد الغاصب المحتل بعدم تجزئة الكفاح المسلح.

4- التركيز على المجازر الوحشية التي يرتكبها الاستعمار الفرنسي بالجزائر.

5- التنديد بتصرفات الانهزاميين من الخونة وأذناب الاستعمار الذين باعوا ضمائرهم للشيطان بأبخس الأثمان.

6- التعاليق الضافية على انتصارات جيش وجبهة التحرير الوطني في معارك التحرير التي يخوضها ضد الاستعمار والقومية والحركى وإلحاق الهزائم العديدة بعساكر العدو في حربهم القذرة ضد الشعب الجزائري الأعزل.

7- الرد على الدعايات المغرضة التي يبثها العدو قصد تشويه سمعة الثورة الجزائرية ونزع ثقة الشعب الجزائري والشعوب العربية منها.

8- اعتبار المجاهدين الذين يحملون السلاح هم أمل الشعب الجزائري في التحرر والوحدة العربية.

في الجزء الثاني من الكتاب ألقى الأستاذ عبد القادر نور نظرة سريعة على وضعية جبهة التحرير الوطني في الأوساط الجزائرية بالقاهرة، وأورد بيان التأييد والمساندة للحكومة المؤقتة الذي ألقاه في ركن المغرب العربي بصوت العرب يوم: 19/09/1958م، وقد وسم الجزء الثالث من الكتاب ب«منظمات جبهة التحرير الوطني»، وذكر في هذا الجزء أن فريق جبهة التحرير الوطني كون حدثاً مهماً في الوطن العربي، وأعطى نفساً جديداً للثورة الجزائرية من نوع آخر، كما تكونت أول فرقة شعبية للتمثيل تابعة إلى جبهة التحرير الوطني وزارت عدة عواصم عربية وأجنبية منها: الاتحاد السوفياتي، ومصر والصين، و قدمت تمثيليات فيها.

في الجزء الرابع من الكتاب تحدث الأستاذ عبد القادر نور عن مجموعة من الرجال الأفذاذ الذين تعزز بهم إعلام الثورة، وذكر من بين الذين ساهموا بقصائد شعرية، أو مقالات صحفية، أو ندوات ونشر كتب عن الثورة الجزائرية بالقاهرة:

1- الأستاذ عبد الحميد مهري.

2- الأستاذ العربي دماغ العتروس.

3- الأستاذ مالك بن نبي: الذي نشر النجدة للجزائر وشعب الجزائر يباد ورسالة الاغتيال بوسائل العلم، إلى جانب عدة ندوات ومحاضرات.

4- الدكتور أبو القاسم سعد الله: نشر مجموعة شعرية بعنوان«النصر للجزائر»سنة: 1957م.

5- الأستاذ الأخضر الإبراهيمي.

6- الدكتور يحيى بوعزيز.

7- الأستاذ محمد حربي.

8- الأستاذ حسن الصائم.

9- الدكتور صالح خرفي.

10- الأستاذ مفدي زكرياء شاعر الثورة الجزائرية الكبير.

11- الأستاذ مالك حداد.

12- الدكتور منور مروش.

13- الدكتور عبد الله ركيبي.

في الجزء الخامس والسادس روى الأستاذ عبد القادر نور الكثير من الحقائق التي تتصل بمرحلة ما بعد الثورة، وفرحة الاستقلال والعودة إلى أرض الوطن، وفي الجزء الأخير ذكر عناوين بعض البرامج التي كان ينتجها إبان فترة رئاسته لتحريرها عام: 1962م، ومن بين البرامج التي ذكرها: «من المحيط إلى الخليج»، «مع رجال الفكر والأدب»، «مجلة الآداب»، «المقاومة في مواجهة الاحتلال»، «حوار حول الثورة».

في ختام هذا الجزء تطرق الأستاذ عبد القادر نور إلى ذكرياته مع شاعر الثورة الجزائرية الكبير مفدي زكرياء، ونظراً لأهمية الذكريات التي جاءت في هذا الجزء، فإننا نورد أغلب ما جاء فيها كما رواها الأستاذالمجاهد عبد القادر نور«تشرفت بمعرفة شاعر الثورة الجزائرية الكبير عن قرب في أوائل سنة: 1964م على ما أذكر بمعية نجله الدكتور سليمان الشيخ وقد كان هذا هو اللقاء الأول الذي تناولنا فيه إنتاج مجموعة من البرامج الأدبية للإذاعة، ومنذ ذلك الحين وأنا أتابع باهتمام كبير الإشراف المباشر على تنفيذ تلك البرامج حتى توقفت دون معرفة السبب، وإن كنت أعتقد أن كثرة انشغالاته كانت السبب الرئيسي في هذا التوقف.

ورغم أن السنوات القليلة التي حظيت فيها بتوطيد العلاقة بيننا، فإني قد عرفت فيها الشاعر الإنسان الذي كنت أسمع عنه وعن كفاحه في غياهب السجون الاستعمارية، وخارج أسوارها، ولم أتصور مطلقاً أن يتصف هذا العملاق بصفة التواضع الذي جعله إنساناً عادياً.

صرت أنتظر زيارته بفارغ الصبر لأنه كان كلما التقينا يسمعني بعضاً من أشعاره بصوته الجوهري المليء بالحيوية وبإلقائه المتميز يجعلني أعيش في جو آخر وفي عالم آخر، تسمو فيه الروح وتتجرد من صفتها الأرضية، كان ينقلني في بضع دقائق إلى عوالم وآفاق واسعة، وقد كنت أصغي إليه في وقار وكأنني في محراب أتعبد لقد أنعش روحي بسحر بيانه، وبناءً عليه تكونت عندي قناعة راسخة بأن من واجبي كإعلامي أن أعتني عناية فائقة بتبليغ رسالة هذا المفكر ونشر أشعاره على نطاق واسع، وأن أسخر ما استطعت من إمكانيات لتعميم فكر هذا العبقري الفذ، وهذا الشاعر الفحل بكل الوسائل الممكنة، فشعره ينفذ إلى القلوب ويستولي على المشاعر، لينقل سامعه أحياناً ليدق أبواب التاريخ، وأحياناً أخرى ليقتحم حصون الاستعمار لافتكاك هذه الأرض الطيبة من براثن الاستعمار.

وشاءت الأقدار أن أشرف على تسجيل جزء مهم من رائعته الخالدة: (610) أبيات من إلياذة الجزائر التي ألقاها بصوته في الملتقى السادس للفكر الإسلامي في صائفة: 1972م بنادي الصنوبر.

وكم كنت سعيداً غاية السعادة لأن الجزائر قد حصلت على كنز لا يفنى من أحد أبنائها البررة، سيكون هذا الكنز (الإلياذة) ذخراً للأجيال القادمة على مر العصور.هذا الكنز اختفى عن أنظارنا وأسماعنا لمدة ليست بالقصيرة، ولكن بطول البحث وبصبر كبير توصلت إلى وجود الجزء الذي سجله شاعر الثورة الجزائرية بصوته، وفي أحد الأدراج، وبعد ذلك مباشرة قررت تقسيم الإلياذة إلى عدة حلقات لتذاع أثناء فترة الاحتفال بالذكرى الثانية والعشرين للاستقلال سنة: 1984م، و عندئذ تحركت عدة جهات لإقامة الاحتفالات والندوات...

كانت سنة: 1984م بداية لكسر جدار الصمت الذي كاد أن يبعد هذا الرمز من الساحة الوطنية، وبعد ذلك زارني الدكتور سليمان الشيخ وبصحبته نسخة من الإلياذة مطبوعة طبعة أنيقة والهدية الثمينة: الصورة التي أخذت عن غفلة، دون أن أعرف مكانها، واتفقنا على إكمال الباقي من الإلياذة بصوت مناسب، ولكن لم أعثر في ذلك الوقت على الصوت المطلوب.فاجتهدت وسجلت ما بقي منها بصوت لم أرض عنه كل الرضا، وقررنا بعد ذلك أنا والدكتور سليمان نجل المرحوم تسجيل نسخة كاملة لترسل إلى ودادية الجزائريين بأوروبا بواسطة السيد أحمد حشلاف، وفعلاً تم ذلك بنجاح كبير، وقد ظهرت في ألبوم رائع.

وبعد أن غادرت الدار التي ساهمت في تحريرها ثم في بنائها سمعت صوتاً في تسجيل لبقية الإلياذة نال مني كل الرضا، تمنيت إعادة تسجيلها بنفس الصوت، غير أني كنت راضياً في المقابل على تسجيل الإلياذة كاملة بالفرنسية بحضور مترجم الإلياذة الأستاذ المرحوم الطاهر بوشوشي، بعد أن استشرت الأستاذ مولود قاسم رحمه الله وطيب ثراه فقال لي كان المرحوم راضياً على هذه الترجمة، وكان الصوت من تسجيل شاب وشابة هما: سمير بن شريفة ومليكة بوصوف.وقد سلمت نسخة للقناة الثالثة تعميماً للفائدة، استمعت إليها مرتين ثم اختفت.

والآن قد تغير الوضع أيها الغائب الكبير عن الأرض التي دفعت من أجلها زهرة شبابك، فأنت الآن إذن حي بيننا فكلما اشتقنا إليك سيكون قبلتنا هذا المعلم الذي يدشن اليوم لمؤسسة تحمل اسمك تكريماً لك وتخليداً لذكراك فلن يغيب ذكرك عنا بعد اليوم») 12 (.

كما تحدث الأستاذ عبد القادر نور عن زيارة الشاعر محمد الفيتوري إلى الجزائر ووصفها بالزيارة التي أزاحت عنه هموم الإذاعة، فقد كان العمل في الإذاعة في سنواتها الأولى مرهقاً ومتعباً إلى أقصى الحدود، نظراً إلى نقص الإمكانيات المادية والبشرية، والعزم على محو آثار الاستدمار الفرنسي، وقد تفرغ الأستاذ عبد القادر نور رفقة الأديب عبد الحميد بن هدوقة لمرافقة الشاعر في حله وترحاله بمناسبة مشاركته في المهرجان الثقافي الإفريقي الأول.

عبد القادر نُور

هو المجاهد (عبد القادر بن عمّار نور) ؛ وُلد يوم: (12جمادى الىخر1350ه)، المُوافق ل (23أكتوبر1931م) بقرية (الشرفة)، ببلدية (أولاد عدي لقبالة) التابعة لدائرة (أولاد دراج) في ولاية (المسيلة) بمنطقة القبائل الكبرى، نشأ في أسرة بسيطة، ومتواضعة، و ترعرع في كُتاب قريته؛ بدأ حفظه للقرآن الكريم على يد والده الشيخ الإمام (عمّار) المعروف بالشرفي، وتعلم مبادئ اللُّغة العربية على يد الشيخ (محمد الطاهر نور)، وأكمل حفظ القرآن الكريم في قرية (شلاطة) ببلاد (ازواوة)، ثم انتقل إلى مدينة (قسنطينة) لإتمام تعليمه، والتحق بمعهد العلاّمة (عبد الحميد بن باديس)، سنة: (1369ه/1950م)، ونال شهادة المعهد بتفوق سنة: (1373ه/1954م)، وفي يوم: (3ربيع الأول1374ه)، المُوافق ل (29أكتوبر1954م) انتقل إلى (القاهرة) بجمهورية مصر العربية، وكان غرضه مواصلة التحصيل العلمي، وبسبب اندلاع الثورة الجزائرية يوم: (4ربيع الأول1374ه)، المُوافق ل (1نوفمبر1954م)، انضم بعد وصوله إلى (مصر) إلى جبهة التحرير الوطني بتشجيع من المناضلين (محمد خيضر)، و (أحمد بن بلة)، وكان دوره ونشاطه يتركز على إلحاق الطلبة بالنضال الثوري، وبجبهة التحرير الوطني، وقد بدأ في النضال الثوري مع جبهة التحرير الوطني وهو ما يزال طالباً، وذلك منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة الجزائرية المظفرة، وقد التحق بكلية دار العلوم بجامعة (القاهرة) في (مصر) باقتراح من المجاهد (محمد بوخروبة) المعروف باسم (هواري بومدين)، والذي أصبح فيما بعد رئيساً للجمهورية الجزائرية، ونال شهادة الإجازة في العلوم العربية والإسلامية، وهو من أبرز مؤسسي أول رابطة للطلاب الجزائريين بالقاهرة سنة: (1376ه/1956م)، وقد تولى منصب الأمين العام لهذه الرابطة، وشارك في العديد من المؤتمرات الطلابية والدولية باسم جبهة التحرير الوطني، وأسهم بشكل فعال في الإعلام المسموع أثناء ثورة التحرير، وذلك انطلاقاً من ركن المغرب العربي في سنة: (1376ه/1956م)، وانتهاء ببرنامج صوت الجمهورية الجزائرية بصوت العرب في (القاهرة)، وبعد توقف صوت الجزائر بالقاهرة عاد إلى الجزائر، والتحق بالإذاعة بدعوة من جبهة التحرير الوطني، وذلك بعد التحاقه بوزارة الخارجية يوم: (11ذو الحجة1381ه)، المُوافق ل (15ماي1962م)، وقد شارك في تحرير الإذاعة الجزائرية من إدارة الاستعمار الفرنسي في: (30جمادى الأولى1382ه)، المُوافق ل (28أكتوبر1962م)، وقد عُيّن الأستاذ (عبد القادر نور) أول رئيس لإدارة وتحرير الإذاعة الجزائرية، كما رأس أول لجنة لتقييم البرامج القديمة، إضافة إلى رئاسة لجنة البرامج لاتحاد إذاعات الدول العربية، وهو عضو مؤسس لإذاعة الدول الإسلامية، و كان عضواً في مجلس إدارتها بجدة في المملكة العربية السعودية، وقد توفي في (شهر شعبان1439ه)، المُوافق ل (شهر ماي2018م) .

من أبرز الشيوخ الذي تتلمذ على أيديهم الأستاذ (عبد القادر نور)، الشيخ (عبد المجيد زلاقي)، والشيخ (الحاج بن عبد العزيز نور)، والشيخ (محمد الطاهر نور) .

من أهم مؤلفاته: كتاب: «شاهد على ميلاد صوت الجزائر- ذكريات وحقائق- »؛ فقد قدم فيه الأستاذ (عبد القادر نور) نظرة شاملة على مختلف المراكز التي استقرت بها الإذاعة الجزائرية، و سلط الأضواء على الأركان الإذاعية الموزعة على خمسة عشر مركزاً من طنجة إلى بغداد، فالهدف الرئيس الذي يهدف إليه من وراء تأليف هذا الكتاب هو التذكير بما قدمه إخواننا العرب من تضحيات جسام في سبيل استقلال الجزائر، ومواقفهم البطولية التي وقفوها في وجه الاستدمار الفرنسي أثناء ثورة التحرير المجيدة، كما يتطرق إلى مسيرة مُعظم الشخصيات الثورية التي عملت في هذه المراكز وصولاً إلى الإذاعة السرية.

والحق أن من يتابع نشاطات وجهود المجاهد والمناضل الفذ الأستاذ (عبد القادر نور) يُدرك بأن الرجل لم يأل جهداً منذ سنوات في التنويه، والإشادة بالدور الكبير الذي أداه الإعلام أثناء ثورة التحرير المظفرة، ففي هذا الكتاب : «شاهد على ميلاد صوت الجزائر- ذكريات وحقائق- »، يُقدم الكثير من الصور المعبرة، والصادقة عن بطولات وتضحيات الشعب الجزائري، وعن الجهود الكبيرة التي بذلت من خلال الإذاعة السرية، وعبر الإذاعات الرسمية للدول العربية، فقد كتب هذه الصفحات ليُبين الكثير من الحقائق المتصلة بالإعلام الثوري، وقد دعم كتابه بمادة تاريخية ثرية بالمعلومات الدقيقة التي لم يسبق أن اطلع عليها الكثير من الباحثين والدارسين، كما نلفي مجموعة من الصور والوثائق التي تنير دروب المتابعين لتاريخ الإعلام الثوري.

ومن جانب آخر فالكتاب يُقدم نظرة وافية عن الدور الذي أداه أبطال الجزائر في ميدان معركة الإعلام في مواجهة افتراءات الاستدمار الفرنسي، فهو يكتسي أهمية بالغة، ولاسيما إذا أخذنا في الاعتبار أن الاعتناء بالكتابة عن ميلاد صوت الجزائر لم يظهر إلا في السنوات الأخيرة هذا من جانب، ومن جهة أخرى فالوثائق والمراجع التي يتم الاعتماد عليها نادرة، والإعلام الثوري الجزائري ما يزال يستحق الكثير من الأبحاث والدراسات التي تميط اللثام عن دوره، ومنجزاته الكبيرة.

يرى الدكتور (أبو القاسم سعد الله)، في كلمة كتبها عن هذا الكتاب النفيس أنه حدث عظيم أن يعود المرء إلى ذكريات خمسين سنة مضت من حياته، والأعظم منه أن تكون الذكريات هي ذكريات الثورة الجزائرية عندما كان صوتها يخترق الأثير ليصل إلى أسماع الدنيا، فقد كان (صوت الجزائر) يُزلزل الأرض من تحت أقدام المستعمرين، كما كان الرصاص يُزلزل السماء من فوق رؤوسهم، والفضل في فتح هذه الذكريات يرجع إلى أحد شهود ذلك الزلزال وهو الأستاذ (عبد القادر نور) .

يقول شيخ المؤرخين الجزائريين عن المعلومات التي قدمها الأستاذ (عبد القادر نور) من خلال هذا الكتاب: «يُقدم لنا الأستاذ (عبد القادر نور) عينة من ذلك الإعلام الثوري المسموع عبر الإذاعة الوطنية السرية، ثم عبر الإذاعات الرسمية للبلاد العربية الشقيقة، وهو إذ يفعل ذلك إنما يقدم لنا أيضاً تجربة شخصية عايشها بكل جوارحه، وليس بحثاً محايداً استنطق من خلاله التقارير والشهادات، ولا نريد هنا أن نفصل القول في المنهج الذي لملم به الأستاذ نور هذه المعلومات عن إذاعة الجزائر أيام الثورة، ولكننا ننبه إلى أن العمل الذي بين أيدينا ينطلق- فيما يبدو- من نقطتين أساسيتين الأولى هي المعلومات، والأسماء، والتواريخ المتعلقة بإنشاء أول محطة إذاعة للثورة الجزائرية، والثانية تسليط الأضواء على مساهمة الإذاعات العربية في التعريف بالثورة الجزائرية، وإذا شئت دور الإعلام العربي في خدمة الثورة» . ويعتقد العلاّمة (أبو القاسم سعد الله) أن الأستاذ (عبد القادر نور) أسهم بعمله هذا في تصحيح الصورة عن تطور الإذاعة الوطنية الثورية بالكشف عن معلومات إضافية تتعلق بإنشاء المحطات الإذاعية وتواريخها، وأسماء الذين شاركوا في تغذيتها عبر السنوات الصعبة، كما أنه قام بتصحيح الحكم عن دور الإعلام العربي خلال الثورة الجزائرية.

أما الأستاذ المجاهد والمفكر الراحل (عبد الحميد مهري) فيرى أن في الجهد الذي يبذله الأستاذ (عبد القادر نور) بهذه السلسة الهامة من المقالات محاولة لرسم صورة المعركة التي خاضها المناضلون الجزائريون في ميدان الإعلام، وتذكير بالمساعدة الكبيرة التي وجدوها لدى إخواننا العرب على اختلاف أقطارهم.

وقد بنى الأستاذ (عبد الحميد مهري) منظوره لكتاب الأستاذ (عبد القادر نور) على أن مقالاته تحمل الكثير من معاني الوفاء لرفقاء الدرب من الذين قضوا نحبهم، وأصبحوا قدوة للأجيال بعدهم، ومن الذين ما زالوا يحتلون مواقع العمل لتحقيق طموحات الشعب في مختلف المجالات، وفي مقالات الأستاذ (عبد القادر نور) معنى العرفان بما قدمه إخواننا العرب من عون، ومساندة لكفاح مرير خاضه الشعب الجزائري أكثر من سبع سنوات.

ومن بين الكتب التي أعدها وجمع أعمالها الأستاذ (عبد القادر نور)، كتاب: «حديث الاثنين»للشيخ محمد الغزالي، وقد صدر هذا الكتاب عن منشورات دار الوعي بالجزائر، عام: (1432ه/2011م) . 

المصادر و المراجع المُعتمدة :

1- عبد القادر نور: شاهد على ميلاد صوت الجزائر، ذكريات وحقائق، منشورات دار هومة، الجزائر، الطبعة الثانية، أكتوبر2008م.

2- حوار مع أول رئيس تحرير للإذاعة والتلفزيون الجزائري عبد القادر نور، منشور في مجلة الفرسان في قسم (ضيف العدد)، حاوره: زبير حجايجي، العدد الأول، 01/15نوفمبر2010م، ص: 22.

3- حديث الاثنين للشيخ محمد الغزالي، جمع وإعداد: الأستاذ عبد القادر نور، منشورات دار الوعي للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 1432ه/2011م.

خاتمة:

قام الإعلام الجزائري بدور مهم أثناء الثورة الجزائرية، وأسهم إسهاماً كبيراً في انتشارها، وتغلغلها على الصعيد الوطني، والدولي.

و لا جدال في أن كتاب الدكتور أحمد حمدي الموسوم ب: «الثورة الجزائرية والإعلام»، يعد أحد أهم الكتب التي تعرضت بالدراسة والتحليل للإعلام الثوري إبان الثورة الجزائرية، وسلطت الأضواء على الدور الذي نهض به الإعلام في تلك المرحلة، و«أبرزت إنجازاته الكبيرة، ومكابداته الضخمة، وتضحياته الجسام».

يتألف الكتاب من ثلاثة أبواب، وأحد عشر فصلاً، مع مقدمة، وتوطئة، وخاتمة.

في مقدمة الكتاب يشير الدكتور أحمد حمدي إلى أن الدراسات الإعلامية مازالت في حاجة إلى المزيد من العمل الدؤوب من أجل دراسة إعلام حركات التحرير في العالم الثالث بصفة عامة، وفي الجزائر بصفة خاصة، ذلك أن الثورة الجزائرية هي إحدى الثورات التحريرية التي أثرت بطابعها على الكثير من حركات التحرير الأخرى ابتداءً من خمسينيات هذا القرن، إضافة إلى ذلك فالمكتبة الإعلامية العربية لم تعرف إلا دراسة واحدة عن إعلام الثورة التحريرية الجزائرية قامت بها الدكتورة عواطف عبد الرحمن جاءت تحت عنوان«الصحافة العربية في الجزائر- دراسة تحليلية لصحافة الثورة الجزائرية- ».

وقد كان هدف المؤلف من هذا البحث- كما جاء في المقدمة- إبراز المبادئ التي سار عليها إعلام الثورة الجزائرية، ومقارنتها مع الإعلام الاشتراكي، والإعلام البورجوازي، ومتابعة تطبيقها عبر صحيفة«المجاهد»، اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني من سنة: 1956م إلى 1962م.

في توطئة الكتاب يسلط المؤلف الضوء على مجموعة من العوامل التي مهدت لانذلاع ثورة أول نوفمبر1954م، وكانت المخاض الأخير لميلاد صحافة ثورية في الجزائر، كما قدم عرضاً موجزاً عن الأحزاب السياسية، وتطورها السياسي، فتحدث عن حركة انتصار الحريات الديمقراطية التي ظهرت في أكتوبر1946م كامتداد طبيعي لحزب الشعب الجزائري الذي كان كذلك امتداداً لحزب نجم شمال إفريقيا التي يعتبر أول حزب مغاربي كبير قدم برنامجاً سياسياً سنة: 1927م، وقد كان يُطالب بالاستقلال التام للجزائر.

و يتحدث المؤلف عن الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، والحزب الشيوعي الجزائري، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وبعد عرضه لواقع الأحزاب، والتنظيمات السياسية الوطنية، يتطرق إلى الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والإعلامي الذي عاشته الجزائر في الفترة الممهدة لاندلاع ثورة نوفمبر1954م.

وبالنسبة للواقع الإعلامي الذي عرفته الجزائر في تلك الفترة يشير إلى أنه ظل«منقسماً على نفسه تجاه مسألة تصفية الاستعمار الفرنسي، فهناك الانتصاريون (نسبة لحركة انتصار الحريات الديمقراطية)، وهناك البيانيون (نسبة للاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري)، وغير ذلك، وكل متعصب لآرائه وأفكاره، دون أن يكون هناك أي حوار حقيقي رغم تعرضهم لقمع مشترك، ولم تسفر محاولة إنشاء (الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها) سنة: 1951م عن نتائج تذكر في هذا المجال» (ص: 41) .

ويذكر الدكتور أحمد حمدي أن تعدد الصحف الوطنية، واختلاف الأفكار السياسية بين القوى الموجهة لها أدى إلى بروز الصراعات الهامشية، وهذا ما منح الاستعمار فرصة ثمينة لتمرير مخططاته الرامية إلى القضاء على الحركة الوطنية الجزائرية، وشل حركة التعبئة الجماهيرية للنهوض بالوطن، والتخلص من الاستعمار قبل اندلاع ثورة نوفمبر.

الحاجة إلى إعلام ثوري

جاء الباب الأول من الكتاب تحت عنوان«الحاجة إلى إعلام ثوري»، وقد ضم ثلاثة فصول، ويسعى فيه المؤلف- كما يذكر- إلى تعريف القارئ على حاجة جبهة التحرير الوطني إلى إعلام ثوري يكمل أعمالها السياسية، والعسكرية، ويشرح أفكارها، ويرد على دعايات العدو.

في الفصل الأول يتطرق إلى بوادر الإعلام الثوري، ويذكر أن التنظيمات السياسية في الجزائر كانت تولي أهمية بالغة للإعلام، وقد كانت جريدة«الأمة»هي لسان حال«نجم شمال إفريقيا»المحل، في حين أن الحزب الجديد حاول خلق إعلام ثوري، غير أن ترصد قوى الاستعمار له شلّ خطواته، و حال دون ذلك، وتعد نشرة«الوطني» التي صدرت عن«اللجنة الثورية للوحدة والعمل»سنة: 1954م هي آخر الحلقات في البحث عن إعلام ثوري قبل الثورة، وقد اندلعت الثورة التحريرية، ووجدت نفسها في حاجة ماسة إلى قيام إعلام ثوري يؤدي جملة من المهام السياسية لتعبئة الجماهير الشعبية لتلتف حول الثورة، وذلك في ظل وجود دعاية استعمارية مظللة بلغت ذروتها القصوى ضد الوعي الثوري لجماهير الشعب الجزائري، ومن أبرز هذه المهام :

«أ- اتصال الثورة بالشعب، وإبلاغ المواطنين حقيقة ما يجري من صراع مسلح مع العدو.

ب- تعبئة الجماهير الشعبية لتلتف حول الثورة بغاية التحرر والاستقلال.

ج- تحصين المواطنين الجزائريين من الإعلام الاستعماري، وحربه النفسية والإيديولوجية.

د- نقل وإبلاغ رأي الثورة، وحقيقتها إلى العالم الخارجي.

ه- مواجهة إعلام العدو، والرد عليه، ودحض دعاياته» (ص: 52) .

في الفصل الثاني من الكتاب يرصد الدكتور أحمد حمدي الهجمة الإعلامية الفرنسية الشرسة، ويتعرض لردود فعل وسائل الإعلام الاستعمارية على انطلاق الثورة، ويشير إلى أن الدعاية الاستعمارية التي تعتبر جزءاً من السياسة الداخلية، والخارجية للسلطة الاستعمارية«تكون خفية ومتسترة، عندما تكون الأوضاع أكثر هدوءاً، وتكون مباشرة ومكشوفة عندما يحدث التحرك الجماهيري، وطبيعة الظروف هي التي تحدد طبيعة العنف، والإرهاب الذي تمارسه السلطة ضد هذا التحرك، كما تحدد درجات تطور الإرهاب تبعاً لقوة المقاومة، وصمود الجماهير، كذلك تكشف الدعاية الاستعمارية في الوقت ذاته عن حقيقة بالغة الأهمية، وهي أن السلطة والقوى الاستعمارية تجنح إلى ممارسة مختلف الأساليب من أجل تحقيق مصالحها الاستعمارية، والإبقاء على هيمنتها الاستيطانية، وذلك باتباع طرق التعذيب، والتصفية الجسدية للقوى الثائرة، وفي آن واحد تمارس عمليات الإرهاب الفكري للوصول إلى الأهداف المرسومة، والاستمرار في الهيمنة، وقمع الجماهير المضطهدة، لهذا فإن الإعلام والدعاية، هنا كأداة في يد المستعمرين ضد مصالح الشعب المستعمر- بفتح الميم- تتحول إلى شكل من أشكال القمع، والإرهاب، عاكسة بذلك الإيديولوجية الاستعمارية كقاعدة تسري على المجتمع كله» (ص: 62) .

وفي الفصل الثالث الموسوم ب«جبهة التحرير الوطني وسلاح الإعلام»يسعى إلى إيضاح كيفية اكتشاف جبهة التحرير الوطني لسلاح الإعلام، وكيف تمكنت من تحويل النظرة المعادية للصحافة لدى الإنسان الجزائري إلى اقتناع بالدور الكبير الذي تنهض به الصحافة لتجميع المعلومات، وشحذ الهمم، وتحميس الجماهير.

وقد كان الإعلام الثقافي أول إعلام تحصن به المواطن الجزائري إزاء الهجمة الإعلامية الاستعمارية، ويرى المؤلف أن الفترة الممتدة من سنة: 1954م إلى غاية: 1956م من حياة الثورة الجزائرية كشفت الحاجات الملحة لتأسيس وإنشاء إعلام ثوري، يكون ناطقاً رسمياً باسم جبهة التحرير الوطني، والثورة الجزائرية للتمكن من مواجهة الحملات الإعلامية الفرنسية المعادية، وفي الآن ذاته تتمكن من مخاطبة الرأي العام الجزائري، وكذلك الرأي العام الدولي.

خصائص مبادئ الإعلام والدعاية لجبهة التحرير الوطني

يحمل الباب الثاني من الكتاب عنوان: «خصائص مبادئ الإعلام والدعاية لدى جبهة التحرير الوطني»، ونلفي فيه أربعة فصول.

في الفصل الأول منه يتطرق الدكتور أحمد حمدي إلى المنهج الفكري لجبهة التحرير الوطني، وتطوره، ويذكر أن مؤتمر الصومام المنعقد في: 20أوت1956م كان نقطة الانطلاق لمبادئ جبهة التحرير الوطني السياسية، والإيديولوجية، والإعلامية، وأوصى بتأليف مجموعة من اللجان المحلية من أهمها: لجنة الأخبار، والدعاية، واللجنة الاقتصادية، واللجنة النقابية، واللجنة السياسية، وذكر أن المحتوى الفكري لمنهج الصومام يعكس نفس الفكر الذي صاغ بيان أول نوفمبر، ولكن بصورة موسعة مع تحديد مواقف أشمل للقضايا المطروحة كما أن عدم اكتمال إيديولوجية جبهة التحرير الوطني- كما يذهب إلى ذلك المؤلف- في منظومة من الآراء السياسية، والحقوقية، والفلسفية، والأخلاقية، جعل المبادئ الإعلامية التي حددها بيان الصومام محصورة هي الأخرى في الركن السياسي فقط.

وفي الفصل الثاني يركز المؤلف على مبادئ الإعلام والدعاية في منهج الصومام، ويشير إلى أنه يمكن تقسيم المبادئ الإعلامية لجبهة التحرير الوطني إلى قسمين: قسم يندرج في إطار المبادئ الثابتة، وقسم يتعلق بالمبادئ المرحلية، فالمبادئ الثابتة تتصل بالصدق، والتعبير عن رشد الشعب، والهرج والمرج، وعنف القول، أما المبادئ المرحلية فهي الحزم والاتزان، والحماس.

و يخلص الدكتور أحمد حمدي إلى أن«مفهوم الإعلام عند جبهة التحرير الوطني إنما هو وطني ثوري ملتزم ومسؤول، وعليه أن يرتكز على مبادئ أساسية كالصدق، والموضوعية، والحقيقة والشمولية، كما أنه يؤدي مهام الإعلام، والتوجيه، والتكوين، والتنظيم، والتجنيد، والرقابة، والنقد» (ص: 124) .

من خلال الفصل الثالث يجري المؤلف مقارنة ما بين إعلام جبهة التحرير الوطني، والمبادئ الإعلامية البورجوازية، والمبادئ الإعلامية الاشتراكية في مرحلة اشتداد الحرب الباردة بين المعسكرين، و يتوصل بعد المقارنة إلى أن مبادئ الإعلام، والدعاية لجبهة التحرير الوطني تتشابه مع المحور الثالث لمبادئ الماركسية اللينينية، وأوجه التشابه تكمن في الصدق والجماهيرية، والممارسة العملية، وأوجه الخلاف تكمن في الإيديولوجية، والحزبية، والطبقية، ورأى الدكتور أحمد حمدي أن مبادئ إعلام، ودعاية جبهة التحرير الوطني إنما هي قومية وطنية، ولم تكن أبداً ماركسية- لينينية، كما أنها متناقضة مع مبادئ الإعلام والدعاية البورجوازية.

وفي الفصل الأخير من هذا الباب يلقي الضوء على طبيعة ومهام الإعلام و الدعاية عند جبهة التحرير الوطني، ويذهب إلى أن إعلام ودعاية جبهة التحرير الوطني لا تعكس مصالح دولة، ولا مصالح حزب، وإنما «تعكس مصالح مشتركة لجماهير ثائرة تقاتل من أجل الوصول إلى الاستقلال الوطني، وطرد المستعمر، وبناء الدولة الجديدة، أي أن هذه المبادئ جاءت مع الكفاح المسلح، لذلك فإن حركتها، وتوجيهاتها تميزها الظروف التاريخية التي تمر بها الثورة، لهذا، فإن جبهة التحرير الوطني حددت أهدافها بالقضاء على نوعين من الاضطهاد هما: الاضطهاد العنصري الاستعماري، والاضطهاد الاجتماعي» (ص: 133) .

ويرى المؤلف أن مبادئ الإعلام، والدعاية عند جبهة التحرير الوطني قد عكست مصالح الجماهير المقاتلة التقدمية، والثورية، فهي تعبر عن مرحلة تاريخية معينة استطاعت خلالها أن تجمع الصفوف نحو أهداف محددة، ووفق رؤيته فالحديث عن طبيعة، ومهام مبادئ الإعلام والدعاية عند جبهة التحرير الوطني يستوجب مراعاة الدقة، وبالنسبة للمهام الإعلامية لجبهة التحرير الوطني فقد كانت مهام مرحلية أنتجتها الثورة فطبيعة المعركة القاسية ضد الاستعمار الفرنسي الذي كان مجهزاً بأخطر الوسائل الحربية، والإعلامية فرضت نفسها على مهام الإعلام الجزائري، ولذلك فلابد من توحيد كافة وسائل الإعلام، وتوجيهها للعمل على عدة جبهات، الجبهة الداخلية للتعبئة، والمناعة، والحصانة، وشد الجماهير للقتال، وفي فرنسا بغرض كسب الرأي العام الديمقراطي الفرنسي، وعلى صعيد الجبهة العالمية لكسب الرأي العام الدولي، والعالمي، وقد كانت هناك مهمتان أساسيتان على صعيد الجبهة الداخلية ذكرهما بيان الصومام هما: نشر الوعي السياسي في مراكز الثورة، والرد بسرعة، وبوضوح على جميع الأكاذيب، واستنكار أعمال الاستفزاز، والتعريف بأوامر جبهة التحرير الوطني، وتوزيع المزيد من المنشورات، والمطبوعات المتنوعة، وإيصالها حتى عمق المناطق المحاصرة، وذلك بالإكثار من مراكز الدعاية، وتأمين المواد اللازمة لها، والهدف من هاتين المهمتين التعبئة الروحية للجماهير، وتوحيد حقوقها، وإلهاب حماسها الوطني للاستمرار في مسيرة الكفاح، والتحدي للعدو، والوقوف في وجه الدعاية الاستعمارية لمنع تأثيرها على الشعب الجزائري، وذلك بإيصال المعلومات الدقيقة المدعمة بالحقائق العملية من جبهات القتال في أقرب مدة ممكنة، والتأكيد على قدرة الثورة في قيادة الجماهير حتى النصر.

الممارسة العملية لمبادئ الإعلام والدعاية عبر صحيفة «المجاهد»1956/1962م

يخصص المؤلف الباب الثالث من الكتاب للتركيز على تجربة صحيفة«المجاهد»، ويقسمه إلى أربعة فصول في الفصل الأول يتطرق إلى صحيفة«المجاهد»كناطق رسمي باسم الجبهة، وفي الفصل الثاني يستعرض نظرتها للمجتمع الجزائري، وتصورها لمستقبله، ويذكر في البدء أن صحيفة«المجاهد»باعتبارها صحيفة رأي ذات اتجاه ثوري اهتمت بتطوير نظرتها حول المجتمع الجزائري، وهي تعبر بذلك عن الاتجاه السائد في جبهة التحرير الوطني، وتنطلق من مبدأ أن جبهة التحرير الوطني هي المعبر الحقيقي عن إرادة الشعب الجزائري، كما أنها المعبرة عن إرادته الثورية المتطلعة إلى استرجاع سيادته الوطنية مهما كلف من ثمن، وبالنسبة لنظرتها للمجتمع الجزائري يرى المؤلف أنها نابعة من قناعات تمتد إلى الماضي البعيد الذي يعود إلى أعماق التاريخ داحضة بذلك رأي المستعمرين بأن الأمة الجزائرية هي في طور التكوين، وهي تنظر إلى الواقع باعتباره الركيزة التي ينبني عليها المستقبل، ثم تستشرف آفاق المستقبل للجزائر المستقلة، ومهام البناء والتشييد في ظل السيادة الوطنية، ومن أبرز القضايا التي تعرضت لها«المجاهد»في مجال حديثها عن المجتمع الجزائري- وفق ما يذكر الدكتور أحمد حمدي- :

«- المجتمع الجزائري يمتد إلى أعماق التاريخ، وليس في طور التكوين كما يدعي المستعمرون.

- الأمير عبد القادر وضع أسس الدولة الجزائرية وهي دولة شعبية.

- ثورة نوفمبر امتداد للثورات السابقة.

- ثورة التحرير تحولت إلى ثورة اجتماعية.

- المجتمع الجزائري تغير بفضل الثورة.

- وحدة الشعب الجزائري لا يمكن المساس بها.

- الدولة الجزائرية المستقلة يجب أن تؤسس على مبادئ الديمقراطية الاجتماعية.

- بناء المجتمع الجزائري واجب على كل جزائري.

- الإصلاح الزراعي واجب، وكذلك تحديث الثقافة والصناعة.

- روح الثورة يجب أن تستمر حتى في ظل الاستقلال» (ص: 168- 169) .

وفي الفصلين الأخيرين من هذا الباب يتطرق لصحيفة«المجاهد»، والعمل الديبلوماسي، ويعرض لكيفية طرح القضية الجزائرية على الرأي العالمي، كما يرصد الأساليب التي اعتمدتها في الرد على دعاية العدو، ويؤكد على أن«المجاهد»كانت الناطق الرسمي الحقيقي، والفعال لجبهة التحرير الوطني، كما أنها الأمينة على مبادئ الجبهة، والمطبقة لها عبر مختلف الأنواع الإعلامية.

***

بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة

كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنابة، الجزائر

........................

الهوامش:

(1) استقينا المعلومات المتعلقة بمسيرة حياة الأستاذ عبد القادر نور من غلاف كتاب: شاهد على ميلاد صوت الجزائر، ذكريات وحقائق، منشورات دار هومة، الجزائر، الطبعة الثانية، أكتوبر2008م.

(2) ينظر: حوار مع أول رئيس تحرير للإذاعة والتلفزيون الجزائري عبد القادر نور، منشور في مجلة الفرسان في قسم (ضيف العدد)، حاوره: زبير حجايجي، العدد الأول، 01/15نوفمبر2010م، ص: 22.

(3) عبد القادر نور: شاهد على ميلاد صوت الجزائر، ذكريات وحقائق، منشورات دار هومة، الجزائر، الطبعة الثانية، أكتوبر2008م، ينظر تقديم الدكتور سعد الله، ص: 7- 8.

(4) عبد القادر نور: شاهد على ميلاد صوت الجزائر، ذكريات وحقائق، ينظر تقديم الأستاذ المفكر المجاهد عبد الحميد مهري، ص: 11- 12.

(5) عبد القادر نور: شاهد على ميلاد صوت الجزائر، ذكريات وحقائق، ينظر كلمة الأستاذ الأديب عز الدين ميهوبي، ص: 11- 12.

(6) كلمة الأستاذ الأديب عز الدين ميهوبي، المرجع نفسه، ص: 14 وما بعدها.

(7) عبد القادر نور: شاهد على ميلاد صوت الجزائر، ذكريات وحقائق، ص: 26.

(8) المرجع نفسه، ص: 28 وما بعدها.

(9) المرجع نفسه، ص: 45 .

(10) المرجع نفسه، ص: 48، وقد أورد الأستاذ عبد القادر نور كلام الأستاذ محمد مهري نقلاً عن كتابه المعنون ب«ومضات من دروب الحياة»، ص: 86.

(11) المرجع نفسه، ص: 50 .

في المثقف اليوم