قراءات نقدية

أدهام نمر حريز: تشكيل الصورة وانزياحها في قصائد الشاعر مؤيد عبد الزهرة

idham nemirصدر عن المتن للطباعة والتصميم  الديوان الاول للشاعر / مؤيد عبد الزهرة، لعام 2016 ( للكراهية جدران .. للغيم أظافر..). وضم بين دفتيه خمس وثمانون قصيدة، تنوعت في مواضيعها واهدافها وصوراها .

الشاعر / مؤيد عبد الزهرة، من مواليد مدينة بغداد/1949، عمل في مجال  الصحافة العراقية، وفي  صحف ومجلات عربية أيضا، تخرج من جامعة بيروت العربيه  1974/1975 قسم الاعلام، ويعمل حالياً سكرتير تحرير جريدة  المستقبل العراقي .

أستفتح ديوانه بأهداء

(لها ولها وحدها 

ونبضها نبضي

اذ جعلت الأخضر

حدائقا لحياتي 

كل شيء يتهاوى

الا حبك ...

يبقى اصلب من مطارقهم ...)

فكانت رسالة الحب والسلام  التي وَسَمَ بها مجموعتة الشعرية .

وبمقدمة  كتبتها الناقدة السورية / مرام عطية، تناولت فيها بعض النصوص، من خلال تقديمها، فكانت كعنوان انطباعي  للنصوص .

ولان الشعر له تركيبته التي تجعل من النفوس تستشعره وتتلمسه كما تستشعر محيطها المادي، وما يملكه من اشعاع يطوف بالوجدان، ويحلق بالخيال في عالم أخر .

فان الجمالية في بناء الصورة الشعرية ستكون حاضرة وبصورة قوية جدا في النصوص الجيدة .

و من جهة أخرى فإن الصورة الشعرية لها قدرة أبداعية  متجددة، بمعنى أنها لا تتشكل بهيئة محددة واضحة المعالم، لكي تتلقفها جاهزة من دون عناء في التفكير والغوص بعمق في النص .

مستخدماً اللغة، فاللغة هي المادة التي يخلق الشاعر منها صوره ومعانيه وموسيقاه في محاولة منه في خلق هذه الحالة الابداعية .

الصورة الشعرية لها القدرة الكبيرة على التاثير الكبير على المتلقي سواء كانت بصورة ايجابية او سلبية .

فلقد أعتبر الفيلسوف اليوناني (ارسطوا) الصورة عبارة عن استعارة قائمة على التماثل والتشابة بين الطرفين المشبة والمشبة به، وكان يسمي التشبية والاستعارة صورة، وتقترن جمالية الصورة  بتشكيلها الواسع .

وعند الخروج عن المالوف في اللغة، فان الانزياح (المروق عن المألوف في نسج الأسلوب بخرق التقاليد المُتواضع عليها بين مستعملي اللغة) عنصر اخر من جمالية النص وقوة تاثيرة في المتلقي.

إن الغاية من الانزياح  هو خلق جمال في الاسلوب، نتيجة العزف بالألفاظ، إذ إن الفن لا يكون فناً حتى  يخرج  من تسلط المعيار،  وتعج بنيته باختلاف وخرق للمعتاد .

 وقد تعددت مسميات مصطلح الانزياح وجميعها تحمل المعنى نفسه، وهي العدول، المجاوزة، وكلها تؤدي الى المعنى واحد، وقد حاز هذا الأسلوب حضوراً كبيراً في شعر .

 وهذا ما يمد نصوص الشعراء بجمال الصورة وانزياحها، كما في نصوص الشاعر/مؤيد عبد الزهرة .

الذي أفتتح ديوانه (للكراهية جدران .. للغيم أظافر..) بقصيدة ( جدران الكراهية)

(للكراهيةِ جدران

للمناطقِ هوياتٍ عرجاء

ترسمُ الخصومةَ

بلا حدودٍ فاصلةٍ

تماماً بينها

وحدها الشوارعِ مختلطةُ

هديرُها

لابد أن تسقطَ الجدرانُ

لابد)

نحن نحلق في عالم الخيال، فالكراهية شعور غير ملموس، وغير مدرك من قبل أبصار الاخرين به، فكيف سيكون له جدران تلقي بظلالها على المحسوسات المادية الاخرى .

أن التشبيهات والاستعارة والرموز هي المحرك الاساسي لكل قصيدة أو نص .

وفي قصيدته (سامح)

(ياصاحبي ..

لتعيش زهو الأمانِ

كبرياءُ السلامِ

أزدهارُ الحياةِ

أردمُ مستنقعاتُ الكراهيةِ

أنزعُ ثيابَ الحقدِ

غادرُ عبوسكِ ..

لاتتوكأ على هلوسةِ الثاراتِ

أوحالُ الدمِ بالدمِ

ذلكَ ميراثُنا من العارِ

سامحٌ ما أستطعت

النسيانُ نعمةٌ ..

وأفتحُ ذراعيكِ لنجمةٍ تراقصُ

القمرُ ..

شرعُ نوافذُ القلبِ

لأبتساماتِ فراشة تطاردُ ضوئك

تنامُ في جسدِك

ستَخضرُ حياتكَ وتزهرُ ربيعاً

على مدارِ الزمنِ)

أكد الشاعر / مؤيد عبد الزهرة، على رسالته التي يريد ان يوصلها، لتكون دلالة للحب والسلام ونبذ الكراهية .

فجعل من الكراهية تضاريس  أرضية تستوجب الردم والمحو والمغادرة، لينتقل بعدها بصيغة المخاطب للمتلقي، وهو يرسم له العالم الجميل الذي سيعيشه .

ولكنه لم ينسى ابدا، ان في العالم تناقضات، فعكس الحب هو الكراهية، وعكس السلام هو الحرب، وطبعا عكس البناء الخراب.

في قصيدته (الخراب)  (أطلقيني من حافةِ

الخرابِ

ودعيني أُحلقُ كطيرٍ طليقٍ

يحملُ حلماً

لم يتلوثَ بعد

على أكتافِ الزمنِ

عزاء

لخيباتِ الوطنِ !!

أغتالوا جمالَ المدينةِ

حلتْ لحى

العانساتِ

صُودرتْ أبتسامةَ

الجميلاتِ

فأزدهرَ الخرابُ

 لنقف هنا عند هذه الصورة الشعرية التي  اشتغل عليها الشاعر / مؤيد عبد الزهرة .

لقد جمع صور عديد، صاغها بدقة وهو يتحدث حتى عن الالم الوطن، ورموز  الخراب التي سببت تدميره .

 ان الصورة الشعرية التي صاغها،  يمكن رصدها بالايجاز والمجاز والتكثيف والتشبيه والاستعارة، أي تلك التي تحقق الانزياح اللغوي وكسر المالوف وتحقيق الدهشة وكسر افق التوقع او التلقي  للمتلقي .

وفي قصيدته (للحنينِ أظافرٌ)

  (للحنينِ أظافرٌ تُدمينا

للخيباتِ جيبٌ مثقوبٌ من أعمارِنا

للعمرُ أحلامٌ قابلةٌ للإنكسارٍ

للإنكسارِ ظلٌ يبتسمُ

كصباحٍ يرتدي ثوبِ الأملِ

أثرُ لوعةٌ ..

لوعودٍ تملأُ المكانَ

شظايا

رماد حرائق)

كرس الشاعر /مؤيد عبد الزهرة، هذه الصورة كانه في نزال يثبت فية تفوقة، في بناء للنص مذهل وجميل .

وفي قصيدته (السلطةُ حيوانٌ) 

(السلطةُ حيوانٌ مفترسٌ

تبتلعُ أحلامَنا

لم تكن يوماً ناصحةً

حكيمةٌ

ودودةٌ

مشحونةٌ دوماً بالكراهيةِ

تقيمُ السجونَ

تهدُ المدارسَ

وطنُها أمتيازاتٌ وسلالٌ

أكاذيبٌ)

في نصّ الشاعر صورة استعارية يبدو عليها الانزياح واضحاً وجلياً عن طريق تلاعبه بدلالات الألفاظ، إذ نلمح استعارة فذة أنزاح بها اللفظ من المألوف اللغوي المتعارف عليه، وهو يصف ما يسمى  بفن الممكن .

لقد تحولت هذه السلطة الى حيوان مفترس، يكذب، ولم يكن ودودا في يوما ما .

وفي قصيدته  (عشاقٍ) 

(من يندبُ أحلاماً تناثرتْ

في الطرقاتِ؟!

من يلملمُ شظايا

الروحِ؟!

من يسألني عن حبٍ

موجعٍ حدَ الأحتراقِ؟!

وحدكم أيُّها العشاقُ

تجيبون!!

كلّ الحبِ لمنْ يقفون

تحتَ الشّمسِ

وعيونهم على المدى

يحرسون ضحكاتِ الأطفالِ)

من يحرس ضحكات الاطفال، كرة رماها الشاعر في ذهن المتلقي، ليجعله يعيش كمن يبحث عن امان مفقود، لمن يخاف هجوم الحقد .

وفي قصيدته الاخرى (للحنينِ موجةٍ)

(أثملها الحبَ فبكتْ سماء

حبستْ مطرَها طويلاً

للحنينِ موجةٍ تسافرُ بنا

لدروبٍ غادرتنا

للدروبِ ذكرياتٍ مقيمةٍ

لاتنسى الذين مروا بها

سكارى أو عاشقين

للعاشقين أحلامٌ تسكنُ القلبِ

وتطوقُ الخاصرةِ

للخاصرةِ غنى الياسمين

لحناً راقصَ به كحلُ العيونِ

للعيونِ شوقٌ

أشعلنا حدَ الجنونِ

للجنونِ تقاليدُ لايجيدُها

سوى المحبين)

انبثقت الرؤية الجمالية في نصّ الشاعر بوساطة هذه الصورة الأستعارية، فكانت صورة جميلة في ذهن المتلقي، إذ انزاحت العبارات ممّا منح قيمة دلالية جملت بنية النص .

قصيدته (يوماً ما)

(يوماً ما ..

يوماً ما سأتقيأ ظلي

أصافحُ خسارتي

أضحكُ من حروبٍ مزقتْ ضحكاتنا

أورثتنا الخرابَ الجميلَ !!

سئمتُ زحامَ التهم على ابوابِ الثكالى

سأبقى جالساً على سريرِ الغروبِ

أحلم بشمسٍ

لم تولدَ بعد

ياعراق

ليهرب من يهرب من المركب

لن اغضب ..

لن اعتب ..

له ان يسبح او يغرق !!

لاني ساواصل التجديف

اغازل الموج مرة

مرة انتظر..

لكن لن ايئس من الوصول اليك

نبضا يعانق نبضك)

  بجدارة فائقة وسبك نصّي متماسك استطاع الشاعر/ مؤيد عبد الزهرة،  أن يبحر في لفظه في عالم الخيال وبأسلوب دلالي جمالي مذهل وهو يخاطب الوطن .

وفي قصيدته  (رائحة الذكريات)

(للذكريات رائحة أشمها في ابتسامة

صافحتني ذات صباح ضاحك

لسماءاهدتني نجمة بلون الحب

تتلألأ بعيون العشاق

لجبال لامست سقف السماء

مزروعة بنادق ..

بأحلام كبيرة

لغابات نخيل بحملها الجميل

لطيور تبني أعشاشها

غصنا ..غصنا

لاصدقاءيجيدون السباحة

وسط الحرائق..

لأرصفة مازال نقش أقدامنا

ظل يلازمها

لابواب أناشيدنا كسرت

أقفالها)

النص الرصين يعلن عن نفسه، لقد تحقق الان مسار الصورة  الشعرية وسياقها .

الفكرة والصورة من ناحية والموازنة بين اللغة المجازية المطلوبة ترتفع بالنص  الى مقام عالي .

 

أدهام نمر حريز - بغداد

 

في المثقف اليوم