قراءات نقدية

بناء النص وإخراجه عند زهير كاظم.. قراءة في مسرحية: تنهدات طه سالم

يعد المخرج زهير كاظم من الأسماء اللامعة في العمل المسرحي لما يتمتع به من رؤية إخراجية حداثية في إعداد وإخراج النص المسرحي، حيث يضع المتلقي في أغلب الأحيان في مواجهة مع واقعه من خلال إيجاد صيغ ومضامين جديدة تعمل على تحديث البنية المعرفية للعمل المسرحي بصورة عامة. وكما هو معروف أن المسرح وسيلة تفكير ووجهة نظر وأسلوب حياة، لذا يقع على عاتق المخرج مسؤولية أنتاج المعرفة عن طريق إضافة فكرة جديدة للعمل الفني تترك بصمة بإمكانها أن تسهم أو تؤثر في حركة الوجدان والفكر الاجتماعي.

وبما أن المسرح هو (أبو الفنون) وهو الدعامة الرئيسية في بناء الفن، والذي تتشكل به، ومن خلاله، لوحات متعددة في العمل الفني يربطها مضمون واحد، نرى أن المخرج زهير كاظم وفي عمله الأخير (تنهدات طه سالم) وهو العمل المسرحي الذي تناول مراحل حياة الفنان العراقي الراحل طه سالم، والتي عرضت في قسم المسرح في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، قد حاول بث أهدافه من خلال عرض (بايوغرافيا) تجاوزت السرد التقليدي استخدم فيها أبعاداً فنية وفكرية واضحة طالما استخدمها في أعماله السابقة التي أعد نصوصها وأخرجها في آن واحد.

وعلى ضوء عمله الأخير(تنهدات طه سالم) كان لنا معه حوار وضح فيه بعض النقاط التي يود المتلقي أن يعرفها حيث وصف العمل بأنه خلاصة توليف معظم أعمال الراحل طه سالم والتي تنوعت ما بين المكتوبة بالفصحى والعامية وعلى امتداد زمني تجاوز الأربعون عاماً، الأمر الذي تطلب إعداد نص يتوافق ومستجدات المرحلة الآنية ويتناسب مع الذائقة الجمعية للمتلقي.

وفي سؤالنا عن المذهب الذي استند إليه في عملية إخراج النص من الناحية الفكرية واللغوية أجاب قائلاً : قد أعددت النص وفق مذاهب متعددة توزعت ما بين الكلاسيكية والواقعية وحتى العبث واللامعقول، وأضاف: أنه قد وجد ضرورة إعداد النص بطريقة تناسب منهجه الإخراجي ألا وهو الاحتفالية العربية الشعبية، ومن هنا تم إعداد البنية النصية وفق مرتسمات هذا المنهج، فجاء النص على شكل لوحات قصيرة تنوعت ما بين السرديات الكلامية والحركات والإيماءات الجسدية والغناء والرقص .

وفي سؤالنا عن الفراغ الواضح ما بين المشاهد المسرحية والذي يمكن ملاحظته من قبل المتلقي أجاب قائلاً : إن هذا النوع من الفراغ هو المساحة المناسبة التي تمنح المتلقي فرصة التأويل في إيجاد صيغ ومضامين ذهنية تجعل المتلقي في مواجهة مع واقعه.

وفي السؤال عن المشاهد التي عرضت في المسرحية والتي استقل كل مشهد عن الآخر في أحداثه ووقائعه رد قائلاً: انه قد اختار الأحداث وفق رؤيته الخاصة وان بناءها جاء وفق اختيار نص معين استمد شرعيته وأحداثه من نص واحد أو عدة نصوص لطه سالم وان ما جمع بينهما هو المنهج الإخراجي أولاً ثم سمتين أساسيتين حاول التأكيد عليها تميزت بها نصوص الراحل طه سالم أولها الروح الفكهة للكاتب والتي تميزت بشفافية الطرح وجماليات التعبير، وثانياً تلك التنبؤات الغريبة التي أشارت إلى ما يحصل منذ سنوات عديدة وحتى الوقت الراهن.

وعن اللغة المستخدمة في عملية إعداد وصياغة النص والتي وردت في المسرحية أجاب قائلاً: أن لغة بعض النصوص ذات امتداد زمني تأريخي تحتوي على الكثير من المفردات الغير مألوفة في الخطاب اليومي المتداول مما دعته إلى إعادة صياغة بعض الجمل والمقاطع، واستبدال بعض المفردات لما يماثلها الآن في الحياة اليومية.

أما عن النصوص المختارة في مشاهد المسرحية فقد أشار المخرج بأن تلك النصوص قد تم اختيارها على عدة حالات، فمنها ما جاء على شكل جزء من نص لطه سالم، أو جمع أكثر من نص في مشهد مسرحي واحد، وأحيانا جملة واحدة من نص، فجاءت المشاهد لتعبر عن الخيارات الخاصة التي توصل إليها المخرج لإبراز وحدة المضمون في النص المسرحي .

لقد أراد زهير كاظم (وهو أستاذ الأخراج في قسم المسرح) في عمله هذا أن يستخدم إدراكات الراحل طه سالم ووعيه لمجتمعه ليجعل المتلقي في مواجهة واعية مع حاضره من خلال أسلوب غير تقليدي في العرض، فاللوحات الفنية التي عرضها المخرج والتي دمج فيها لغةً جمعت بين العربية والفصحى فضلا عن توظيف الأغاني القديمة والإشارات ورسم الحركات وطبيعة العلاقات بين مشاهد العرض، بالإضافة إلى مشاهد المعاناة التي تعرض لها طه سالم على امتداد حياته الفنية والاجتماعية والسياسية، فضلا عن براعة الممثلين وسينوغرافية العرض الجيدة، كل هذا أنعكس على طبيعة العمل الذي استند على البنية الاحتفالية ليخرج بالتالي وهو يحمل طابعا حداثياً يسهم من جانب في إنعاش بنية النص، ومن جانب آخر يسهم في إثراء العرض المسرحي العراقي وجعله أحد وسائل الثقافة العامة.

 

أسمهان عبد القدوس عبد الرحمن

 

في المثقف اليوم