قراءات نقدية

محمد المحسن: قراءة متعجلة في نص: بين مفاصل الوجع.. تكمن الشظايا

محمد المحسنقصة قصيرة جداً للكاتب والشاعر التونسي د. طاهر مشي
رأيت بالتجربة الحياتية والفنية يمكن أن أقدّم ما بوسعي للتعبير عن خلجات النفس الإنسانية، وأسقط دمعاتي وآهاتي وأجعلها تمشي على تلك السكك لتدخل القلب، ومفردة سكك تعني الأساليب المتبعة بالكتابة، وتعني عندي انه يقدم سيرة ذاتية للموقف الحياتي، قد تكون دقائق من الزمن الخارجي.
أولًا الأساليب المتنوعة، وهي في قضية التجنيس تنوع ابداعي في تجربة الشاعر التونسي السامق د-طاهر مشي، هناك تقنيات القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا، والومضات المتنوعة، وهناك الهايكو.
الكتابة بوعي تجعلنا أمام مسؤولية البحث في الاحتراف المتمرس، وبعث الاثارة
الشعرية الشعورية في عملية السرد..
جمالية الرؤية الإخراجية تجعله كقاصّ يتحرك في بنى جوهرية متنوعة مرتكزة على بنية السؤال الاستفهامي، الاستفهام يبرز البلاغة ليعمق المشهد الفكري داخل محور الاستفهام وفلسفة الانتظار تعمد مسارها الاستفهامي بوصول الى بداية الرؤيا، نهاية الجولة الاستفهامية
بين مفاصل الوجع.. تكمن الشظايا
"ستمر كل الحيثيات وننتصر كلما هبت الريح إلا وترعرعت الأشجار لكنها تضل ثابتة مثل الرواسي تربطها جذورها في أعماق الأرض لا تقتلعها بل تزعزعها فقط. هزات ريح تقلب الاتجاهات أنّى عبرنا.
وبين مفاصل الوجع تكمن الشظايا تعانق نبض مسلوب الإرادة. فتمضي بنا اللحظات وثقل الوجع المدفون بين الضلوع يعافر البقاء لنمضي سويا حيث المشتهى دون صمودا..فتأخذنا ثنايا الضياع، والبؤس ينخر الروح، فيمحو من الذاكرة كل العناوين، بدون بوصلة، نسافر مع الريح من جديد"
(د. طاهر مشي)
هذا الكاتب/ الشاعر السامق (د. طاهر مشي) يسافر مع الريح.. وبحط أحيانا كطير غريب على غير سربه..
إن أغلب أشكال هذه الإبداعات لـ(شاعرنا د-طاعر مشب) ومحتوياتها، تلتقي فيها المتناقضات و الأضداد، لتخلق صراعا مشوِّقا يتطور فيه الحدث تطورا متناميا كما يحدث في الحياة الواقعية التي لا تعرف الفصل المتعسف بين المضحك و المبكي .
وهذا لا يعني أن الأحداث لا تربطها خيوط محورية، إذ نراها تؤكد عنصر الحكاية التي هي بالأساس أحداث محورية يجسدها الراوي أو المكان الذي يستوعبها .
ومثل هذه -الخواطر-تعتمد على أحداث متوازية، الشكل فيها مركّب تركيبا ذهنيا، و الرؤية الصورية لا تتدفق على سجيّتها، و إنما تترك إلى حين خلق الألفة، وليس في معظمها زمان ومكان تقليديين، فقد أُدمجتْ أزمنة و أمكنة متعددة في حدث واحد .
وقد استخدم هذا اللون بشكل واسع في عموم المناحي الحياتية، وجميع ما يتمتع ويشعر به الإنسان من علاقات اجتماعية أو عاطفية أو مكابدات منوعة سواء كان مصدرها الذات أو المحيط .
وقد استخدم هذا اللون بشكل واسع في عموم المناحي الحياتية، وجميع ما يتمتع ويشعر به الإنسان من علاقات اجتماعية أو عاطفية أو مكابدات منوعة سواء كان مصدرها الذات أو المحيط .
إن ما يميز القصة القصيرة جدا، ويعد من أهم قواعد كتابتها هو القصر والسرعة في التعبير، وهذا ما جعلها تتناغم مع الحياة العصرية التي تقتضي السرعة والاختصار في كل شيء، وقد أجاد فيها وأبدع عدد غير قليل من الأدباء على غرار د-طاهر مشي، لاسيما في السنوات القليلة المنصرمة، حيث كانت هناك قصص غاية في الروعة نشر اغلبها في الصحف والمجلات، وعبر مواقع (الانترنيت)
نص بداية من العنوان توافر على شروط القصة القصيرة جداً، العنوان أضفى مشهداً حدثياً، كان منفصلاً عن النص.. الحدثية والفاعلية مع الإيحاء والحوارية والحركية والبعد الزماني والمكاني أضفت على النص جمالية لابأس بها، كذلك الإيحاء والتكثيف والاختزال ثم الإنزياح السردي عوامل مساعدة على نجــاح النص، مع مفــارقة لا بأس بهـــا وقفلة كمعالجة كان فيها نوع من الإدهاش.
نص باذخ يمكن أن يُقرأ قراءات عديدة، ويتحصل منه على أفكار مضمرة، من خلال المتلقي وبأداة فاعلة ووعي محبذ.
عنوان جيد، واختزال وتكثيف عال، مع تواءم وتلاحق وتوحد عوالم السرد الانزياحي في مختصر مفيد، وهو من أبرز سمات القصة القصيرة
ويبقى النص مفتوحاً أمام تأويلاتٍ أخرى، وربما غابت عني جوانب كثيرة في محاورةِ النصّ وهذا مدعاةٌ لتقديم قراءات مغايرة.

 

محمد المحسن - ناقد تونسي

 

 

 

 

في المثقف اليوم