قراءات نقدية

مسرحية (سردنبال) بين التقنيات الحديثة وعذوبة الالقاء

حبيب ظاهر حبيبتأسس عرض مسرحية (سردنبال) على قراءة (المؤلف خزعل الماجدي) للتاريخ وهي قراءة فنية معاصرة على وفق مقومات تُذكر المتلقي بالتراجيديا الكلاسيكية، من حيث عظامية الشخصيات والبطل الذي يواجه القدر الذي لا فكاك منه، ولغة الصورة الشعرية الفخمة، والاحداث التي لا تحدث إلا في القصور والمعابد لأناس ليسوا من عامة الناس. يبدأ العرض بمشهد (سردنبال) مع كبير الكهنة وتبدأ احداث المؤامرة بلقاءات متتالية مع جميع المتآمرين دون أن يفلح (سردنبال) بإقناعهم بضرورة ايقاف الحرب وإحلال السلام لينتهي العرض بحريق يلتهم الجميع.

يصنع قدر البطل (سرد نبال) متآمرون، وهم أناس يحيطون به وتربطهم به صلات قوية (الام، الزوجة، رجل الدين /كبير الكهنة، قائد الجيش) هم اصحاب سطوة وسلطة يتسلحون بمؤامرة ضد قرار (سردنبال) (كفى حروبا، ليعيش الشعب بسلام) يبدو انه قرار لا يروق لمن يعيشون على استمرار الحرب، نستشف من حوار (سردنبال) انه زاهد بالملك ويميل الى إسعاد شعب آشور، وهنا يبرز تساؤل : هل ان (سردنبال) ضحية ضعفه أم ضحية قوة المتآمرين؟ سقوط (آشور) كمدينة وحضارة كان بسبب المؤامرة الداخلية أم الغزو الخارجي؟ حمل المتلقي هذه التساؤلات وغيرها معه بعد انتهاء العرض بفعل ايحاءات الاخراج واسقاطاتهز

عمد المخرج والسينوغراف (عماد محمد) الى بناء العرض على وفق مقومات المسرح الملحمي /البريختي مثل : الحكاية المستلة من أحداث التاريخ، شخصية البطل التاريخي، الاغنية، لم يتواجد الراوي ولكن الشخصيات تولت مهمة سرد بعض الاحداث عبر مونولوجاتها، العرض عبارة عن مشاهد عديدة ولكل مشهد عنوان مستقل يوحي بمجرياته مع توفر امكانية عمل مونتاج آخر للمشاهد، المؤثرات الصوتية والصورية المسجلة واستخدام الفلم، قطع الاندماج كثيرا - وربما اكثر ما - استفز وعي المتلقي وصدم تفكيره تلك الكلمات التي جاءت بالعراقية الدارجة (يمه) بدلا من (أمي) باللغة العربية الفصحى و (ليش) بدلا من (لماذا) مع الاخذ بالاعتبار ان لغة النص هي لغة الصورة الشعرية التي تم دعم وقعها على مسامع المتلقين خلال العرض بصوت والقاء الممثلون (ميمون الخالدي، فاطمة الربيعي، بتول عزيز، طلال هادي، زمن علي، سعد عزيز، صادق والي) المعروفين بقوة اصواتهم وتمكنهم من الالقاء بما جعل السيادة في العرض لصورة الكلمة والتعبير الصوتي الى جانب صورة المنظر المتحركة باستمرار مع المزج بين المنظر الثابت والمنظر المتحرك، فقد كان للمنظر فعل هام الى جانب فعل الشخصيات في ايصال صورة العرض الكلية وقد تجسد ذلك بتضافر جهود المخرج/السينوغراف مع مجموعة المصممين والتقنيين (تصميم الجرافيك : وسام ثامر وقيس يعقوب وحيدر عبد - المادة الفيلمية علي أكرم) وكان التنفيذ متجانسا متوائما بدقة عالية مع المجريات الحية على خشبة المسرح، كما في مشهد (لعبة البولينغ) إذ تم مزج المادة الفيلمية لسقوط القطع الخشبية مع رمي الكرة الحي من قبل (سردنبال) التي تكررت عدة مرات بتوقيت دال على وحدات تدريبية كثيرة.

وأخذت الاضاءة والموسيقى دورها المنسجم مع مجريات العرض ودعم انفعال الشخصيات وصناعة الجو العام، ومما انمازت به موسيقى العرض هو أنها تأليف خاص بهذا العرض وليس عملية اختيار للموسيقى من موجودات المكتبة الموسيقية، وقد اضطلع بهذه المهمة (الفنان قيس حاضر) التي منحت العرض اجواء انفعالية اتسقت مع تصاعد ردم الاحداث وفعل الشخصيات، هذا بغض النظر عن مسألة التغيير في المؤثرات الصوتية والموسيقى كان حاد، وليس تغييرا انسيابيا، وابسط صور الانسيابية هي : خفوت صوت الموسيقى او المؤثر الصوتي ليعلو صوت آخر وليس قطع الصوت وهو في علوه ثم يبدأ صوت آخر عال ايضا.

اشتغل اخراج هذا العرض على تعشيق المؤثرات الصورية مع المنظر الثابت من جهة ومن جهة اخرى امتلك العرض ميزة المنظر المتحرك وغلبتها على المنظر المسرحي الثابت، وجاء هذا الامتياز بفعل الرؤية البصرية العميقة للمخرج فضلا عن الرؤية السمعية التي جعلت صوت والقاء الممثل متسيداً على حركته وانفعاله … ربما بفعل النهج البريختي للعرض، او تساوقا مع قوة كلمات المؤلف الذي حرص ان يقول كل شيء في نصه ... تحية لكل الجهود الفنية التي اسهمت بإنجاز التكثيف الجمالي لهذا العرض الذي يشكل إضافة مهمة لرصيد المسرح العراقي.

قدم العرض يوم الخميس الموافق ٢٤ / ٣/ ٢٠٢٢.

***

حبيب ظاهر حبيب

 

في المثقف اليوم