قراءات نقدية

الشاعر السوري أديب حسن يراود نفسه عن الحلم في قصيدته: لا أشبه نفسي (4-4)

مفيد خنسةثانياً: الإمكانات الدلاليّة والاحتماليّة:

يمكننا أن نقول: إن معنى الجملة الأولى التي طبقنا عليها، (في الموت يغيب التلفيق) هو كما ورد في فقرة المعنى، أي حين تزول الحياة عن الإنسان يزول التلفيق بكل معانيه التي ذكرت، ولكن مفردة (الموت) تولّد عشرة معاني على الأقل، ومفردة يغيب تولد أحد عشر معنى على الأقل، ومفردة التلفيق تولد ستة معاني على الأقل، وهذا يعني حسب المبدأ الأساسي للعد، فإن المفردات معاً تولد أحد عشر ضرب عشرة ضرب ستة ويساوي (660) معنى على الأقل، ويمكن بسهولة أن نرسم شجرة الإمكانات، أي هناك ستّ مئة وستون معنى ممكناً لهذه الجملة التي تتألف من ثلاث كلمات، ولكننا نكتفي غالباً بالمعنى العام، فنقول: معنى الجملة مثلاً هو كما ذكرنا، وبذلك نكون قد أغفلنا الإمكانات، أي المعاني الممكنة (الواقعية)، واكتفينا بالمعنى العام الأقرب إلى المراد، أي نكون قد اكتفينا بالمعنى (الواقع)، الذي غالباً ما يتوقف العقل العربي على أعتابه جاهلاً أو متجاهلاً الإمكانات، ولذلك يبقى منفعلاً بالواقع غير فاعلٍ فيه، يبقى مستهلكاً لا منتجاً، ولا أضيف جديداً إذا قلت إن النقد العربي لم يستطع منذ العصر العباسي أن يؤسس لنظريات نقديّة عربيّة، وبقي يلهث خلف النقد الغربي خاصة ويجترّ المصطلحات حتى استهلكها كما يستهلك المواطن العربي أيّ منتج مستقدم من الغرب وغيره، وقد ذكرت قبل مرة كيف أن هناك خلطاً بين معنيي المصطلحين الواقع، والواقعيّة في الفكر العربي وغيره، وإنني على ثقة من أن كثيراً من الذين يقعون على هذا الرقم الكبير الذي يمكن أن تولده هذه الجملة القصيرة، قد يتفاجؤون و منهم من قد يرفض الأمر جملة وتفصيلاً، وهذا أمرٌ متوقع، لكن أجد من الواجب أن أوضح هذه الحقيقة العلمية البسيطة، وإذا سأل سائلٌ: هل هذه الحقيقة العلميّة تحدد شرطاً لازماً لفهم معنى هذه الجملة؟ والجواب ببساطة بالطبع لا، لأنه يمكن فهم المعنى العام كما سبق وذكرنا، لكن هذه الحقيقة تعتبر شرطاً لازماً لمعرفة إمكانات معنى الجملة، وإذا قال: كيف لي أن أذكر هذه الإمكانات بشكل تفصيلي؟، نقول: ليس المهم ذكرها بشكل تفصيلي، وإن كانت شجرة الإمكانات في مثل هذه الحالات البسيطة تساعد على فهم الكيفية التي تتشكل عبرها هذه الإمكانات، ولكن المهم كيف نبني تفكيرنا بناءً معرفيّاً يعتمد على العلم والمنطق؟!، وسيكون ضرباً من العبث أن نذكر الحالات الممكنة لكل جملة، وفي الوقت نفسه سيكون ضرباً من التقصير والجهل حين نكتفي بالمعاني القريبة ونتجاهل الإمكانات الأخرى للمعاني. وسأضرب مثالاً بسيطاً جدّاً، وأعتذر سلفاً لبساطته، لو قلنا في صندوق خمس كرات، وكان السؤال كيف يمكن أن نخرج من هذا الصندوق أربع كرات على مرحلتين؟ فلو أجاب أحدنا، في المرة الأولى أخرج كرة، وفي المرة الثانية أخرج ثلاثاً، سيكون الجواب واحداً من الإجابات الصحيحة، أي إحدى الإمكانات المطلوبة، ولكن هل نكون بهذه الإجابة قد أجبنا عن المطلوب؟ بالطبع لا، لماذا؟ لأننا نكون قد أغفلنا ذكر جميع الإمكانات المتاحة، إذن نحن أمام سؤال رياضي بسيط، وكل جواب صحيح لهذا السؤال هو إمكانيّة من مجموعة إمكانات النتائج الصحيحة، وهي مكونات العدد أربعة، وهنا لا بد أن نسأل قبل الإجابة، هل يشترط في كل مرحلة من المرحلتين أن نسحب كرات من الصندوق، فإذا كان الجواب نعم، فذلك يتطلب منا استبعاد حالة (اربع، صفر) وحالة (صفر، أربع) ، وإذا كان الجواب: لا، عندئذ يجب ذكر حالة (أربع، صفر) وحالة (صفر، أربع)، أي في إحدى المرحلتين لا نسحب أي كرة، وفي المرحلة الثانية نسحب أربع كرات.

إن هذه المحاكمة تمثل فلسفة الحل، وهي الكيفية التي يمكننا فيها تحديد الإمكانات المتاحة كلّها، ومن ثم توظيف هذه الإمكانات المتاحة من أجل الوصول إلى معرفة، وفي تقديري، فإن فلسفة الحل لا تقل أهميّة عن الحل نفسه، لأن فلسفة الحل تقودنا إلى معرفة القوانين العامة الناظمة.

ثالثاً: التعدد الاحتمالي للجملة: (الجملة الممكنة): 

لتوضيح المعنى المقصود، نعود إلى الجملة الأولى نفسها، (في الموت يغيب التلفيق) وهي تتألف كما ذكرنا من: ((1) يغيب، (2) التلفيق، (3) في الموت)، ونلاحظ أنه يمكن إعادة ترتيب الجملة بست طرق، وهي على الشكل، ((1) يغيب، (3) في الموت، (2) التلفيق)، ((2) التلفيق، (1) يغيب، (3) في الموت)، ((2) التلفيق، (3) في الموت، (1) يغيب)، ((3) في الموت، (1) يغيب، (2) التلفيق)، ((3) في الموت، (2) التلفيق، (1) يغيب)، أي يمكن أن نحصل على ست جملٍ، وهكذا يكون الأمر بالنسبة لكل جملة مؤلفة من ثلاث كلمات، وإذا كانت الجملة مؤلفة من أربع كلمات فيمكن الحصول على أريع وعشرين جملةً، وإذا كانت مؤلفة من خمس كلمات فيمكن الحصول على مئة وعشرين جملة، وهكذا نجد كيف تتعدد إمكانات الحصول على جمل افتراضيّة ناتجة عن إعادة ترتيب الكلمات في الجملة الواحدة، وكل جملة من هذه الجمل تعتبر جملة ممكنة، ومعنى هذه الجملة يشكل معنى احتماليّاً، وهذا مؤكّد نظريّاً، لأن الوزن الشعري للجملة هنا أساسي، وقد يكون عائقاً فعليّاً في إمكانية إعادة الترتيب في الجملة، والمهم هنا المبدأ، ومن هذا المنظور فإن الجملة التي أحدثها الشاعر هي واحدة من الإمكانات المتاحة، وهي الحالة الخمسة من بين الحالات الست المرتبة على الشكل المذكور، وهذا المبدأ يطبق على الجمل الشعريّة، وكذلك على التراكيب، فالجمل السبع السابقة يمكن إعادة ترتيبها (5040) طريقة، أي يمكن أن نحصل على العدد نفسه من التراكيب، وكل تركيب من هذه التراكيب يعتبر تركيباً ممكناً، أو تركيباً احتماليّاً.

أهميّة الترتيب: 

إذا تأملنا قول الشاعر: (في الموت يغيب التلفيق)، ثم تأملنا الجملة، (في الموت التلفيق يغيب)، والسؤال هل هما متطابقتان في المعنى؟ والجواب بالتأكيد لا، لأن ترتيب مكونات الجملة مختلف فيما بينهما، ولتوضيح أهمية الترتيب في الجملة، يمكننا تأمل التبويب المعجمي للكلمات ومعانيها، فمثلاً ونحن نبحث عن معنى (غاب)، سنجد أن الصدارة للفعل (غاب) في كلّ جملة تصاغ لبيان المعاني المختلفة، ونكرر المثال: نقول: (غاب الأمر عن زيد) أي خفي عنه، ولا يمكن أن نجد في المعجم التعبير(عن زيد غاب الأمر) كما لن نجد التعبير(عن زيد الأمر غاب)، لماذا؟ لأن الصدارة لما نعنيه بالقصد، وهنا نتساءل من جديد، لماذا استخدم الشاعر الجملة (في الموت يغيب التلفيق)؟ نقول: لا يحق لنا أن نسأل الشاعر هنا باستخدام (لماذا؟)!، أو (لمَ؟) لأننا نكون بذلك قد سألنا عن أمر ذاتي لدى الشاعر، والأفضل أن نقول: ما الحكمةُ من استخدام الشاعر للجملة (في الموت يغيب التلفيق)؟، من دون استخدام غيرها من الجمل الاحتماليّة الممكنة؟!، نقول: نهتدي إلى ذلك من بنية الجملة نفسها، فالصدارة للقول: (في الموت) أي ينطلق من المعنى الكلي للموت، ويليه بالأهمية (يغيب) أي الغياب ، ثم ينتهي ب(التلفيق)، أي موت فغياب فتلفيق، وأي اختلاف لهذا الترتيب سيؤثر على المعنى، لنستدل أن الجملة تحمل المعنى الذي أراده الشاعر أن يكون محمولاً على هذه الصيغة دون غيرها من الصيغ، ومن هنا بالتحديد يمكننا أن نستشفّ الحدوس الأولى للشاعر وهو يصطفي المفردات لتشكيل الجملة الشعرية، وكيف يؤالف بين الجمل ويحسن ترتيبها في التراكيب الشعريّة وفق منطق يوحي بنمط تفكير الشاعر، وينبئ بقدرته الفنيّة على حسن الصياغة والرصف، المهم إن بسط القصيدة إلى فروع وشعاب، ومن ثم تفكيك الجملة الشعريّة التي تعتبر اللبنة الأساسية للقصيدة سيساعد على الفهم العميق للقصيدة، ومن ثم سيساعدنا ذلك على سبر الإمكانات المتاحة للمعاني التي يختزنها النص الشعري.    

تنويه هام:

إن ما ذكرناه عن الجملة الأولى يمكن تطبيقه على كل جملة من الجمل السابقة  وتجاوزنا ذكره خشية الإطالة والتكرار.

رابعاً: المنطق الجمالي:

(1) تحديد القضايا

من الواضح أن الجمل التي يتضمنها المقطع هي جملٌ خبريّة، وبالتالي يمكن اعتبار كلّ جملة منها قضيّة، فالقضايا هي:

القضيّة الأولى: (في الموت يغيب التلفيق (1)). هي قضيّة حملية موجبة، الموضوع فيها هو التلفيق، والمحمول هو (يغيب)، والمعنى يمكن أن يكون حقيقيّاً أو مجازيّاً، والقضيّة الثانية: (في الموت/ يموت التصفيق (2))، هي قضيّة حملية موجبة، الموضوع فيها هو (التصفيق)، والمحمول هو (يموت)، والمعنى مجازي والقضيّة الثالثة: (يقدر واحدنا أن يشتم دون الخشية/ من ساطور (3)). ولا بد من ملاحظة هنا أن (أن يشتم) تؤول بمفرد وهو (شتم أو شتيمة) فهي لا تشكل جملة مستقله، والخطأ الشائع أن تعرب إعراب الجملة، لذلك تعتبر الجملة الثالثة كلها قضيّة واحدة، وهي قضيّة حملية موجبة، الموضوع فيها هو (واحدنا)، والمحمول هو (يقدر)، والمعنى حقيقي، والقضيّة الرابعة: (يقدر واحدنا أن يشتم دون الخشية من... / معتقلٍ (4)). وهو تقدير الجملة الرابعة، وهي قضيّة حملية موجبة، الموضوع فيها هو (واحدنا)، والمحمول هو (يقدر)، والمعنى حقيقي، والقضيّة الخامسة: (يقدر واحدنا أن يشتم دون الخشية من..../ تهجير (5)). وهي تقدير الجملة الخامسة، وهي قضيّة حملية موجبة، الموضوع فيها هو (واحدنا)، والمحمول هو (يقدر)، والمعنى حقيقي، والقضيّة السادسة: (ننام على أريح جنبٍ (6)). وهي قضيّة حملية موجبة، الموضوع فيها هو (ضمير المتكلم (نا))، والمحمول هو (ننام)، والمعنى حقيقي، والقضيّة السابعة: (لن يحدث بعد الموت خرابٌ (7))، وهي قضيّة حملية سالبة لأنها مسبوقة بنفي، الموضوع فيها هو (خراب)، والمحمول هو (يحدث)، والمعنى حقيقي، والقضيّة الثامنة: (لن يحدث بعد الموت تعمير (8))، وهي قضيّة حملية سالبة، الموضوع فيها هو (تعمير)، والمحمول هو (يحدث)، والمعنى حقيقي.  

 (2) القضايا المركبة وأدوات الربط:

القضيّة المركبة هي كل قضية ناتجة عن قضيتين أو أكثر باستخدام أدوات الربط (تقاطعٌ، اجتماعٌ، فرقٌ، إتمام)، وإذا اعتبرنا أن مجموعة جميع الإمكانات للقصيدة الواحدة هي فضاء العينة، أمكننا الاستفادة من جبر القضايا، مستفيدين من جبر المجموعات، وعلى اعتبار أن الحدث هو مجموعة جزئيّة من الفضاء الاحتمالي، فيمكن الربط بين المفاهيم الأساسيّة التالية التي يعتمدها النقد الاحتمالي، الجملة الخبرية مرشحة كي تكون قضيّة، القضية يمكن النظر إليها كمجوعة جزئيّة في فضاء العينة التي تمثل مجموعة جميع القضايا التي يمكن أن تتضمنها القصيدة الشعريّة، كما يمكن اعتبار كل قضيّة من القضايا حدثاً، وهكذا ستتوفر لدينا إمكانيَة علمية منطقية احتمالية لدراسة القصيدة. وسنوضح ذلك من خلال التطبيق.

بالعودة إلى القضايا التي حددناها نجدها مرتّبة على النحو، وسأستخدم الرموز للاختصار،

[ (1)، (2)، (3)، (4)، (5)، (6)، (7)، (8) ]، وبالطريقة التي ذكرنا فيها عدد إمكانات إعادة ترتيب الجمل، يمكن أن نجد أن عدد إمكانات إعادة ترتيب هذه القضايا هو: (40320) أي يمكننا أن نحصل على أربعين ألفاً وثلاثمئة وعشرين قضيةً، وإذا أخذنا بعين الاعتبار، إمكانات إعادة الترتيب في كل جملة كما فعلنا في الجملة الأولى، سنجد عدداً كبيراً جدّاً من الجمل والقضايا أو المجموعات أو الأحداث، ولنا أن نقدر كم سيكون عدد القضايا كبيراً في القصيدة الواحدة، فإذا كان هذا المقطع الصغير من القصيدة قد ولّد ما يزيد عن الأربعين ألفاً من القضايا، وبالتالي أربعين ألفاً من الأحداث أو المجموعات، أي أربعين ألفاً من المعاني، فإن القصيدة الواحدة يمكنها أن تولد عدداً كبيراً جداً جدّاً جدّاً من المعاني، ولنا أن نقدر كيف أن اللغة العربيّة توفر إمكانات غير منتهية من إحداث المعاني، كما يمكننا أن نلاحظ أن لكل مبدعٍ أسلوبه الخاص في التعبير عن المعاني، بحيث يتعذّر أن يتطابق تركيبان بين مبدعين على مر التاريخ، لأن احتمال تطابق تركيبين بين كاتبين يكون قريباً من الصفر جداً جدّاً، وبما أن ترتيب القضايا في المنطق على درجة بالغة من الأهميّة فلا يمكننا النظر إلى أي ترتيب آخر على أنه مكافئ للترتيب الذي وردت به القضايا في التركيب السابق. وهكذا سنجد أن المقطع الشعري مرتب على النحو التالي: وسأستخدم الرموز للاختصار. 

[ (1) وَ (2) وَ (3) وَ (4) وَ (5) وَ (6) و (7) أو (8) ] وإذا طبقنا الخاصة التجميعيّة للتقاطع (وَ)، مع خاصة توزيع الاجتماع (أو) على التقاطع (وَ) نجد أن ترتيب القضايا يكافئ هذا الترتيب، [ (1) أو(8) ] وَ [(2) أوَ (8) ] وَ [(3) أوَ (8) ] وَ [(4) أوَ (8) ] وَ [(5) أوَ (8)] وَ [(6) أو (8) ] وَ [(7) أو (8) ]، ويمكننا تجميع القضايا على النحو التالي بحيث نحصل في كل حالة على قضيّة مركبة مكافئة للقضيّة التي أوردها الشاعر وفق ترتيبه الخاص وسأبين ذلك بالتفصيل وإن كان يحتاج إلى الدقة والصبر،

(1): ([ (1) أو(8) ]) وَ ([(2) أوَ (8) ] وَ [(3) أوَ (8) ] وَ [(4) أوَ (8) ] وَ [(5) أوَ (8)] وَ [(6) أو (8) ] وَ [(7) أو (8) ]).

(2): ، ([ (1) أو(8) ] وَ [(2) أوَ (8) ]) وَ ([(3) أوَ (8) ] وَ [(4) أوَ (8) ] وَ [(5) أوَ (8)] وَ [(6) أو (8) ] وَ [(7) أو (8) ]).

(3): ، ([ (1) أو(8) ] وَ [(2) أوَ (8) ] وَ [(3) أوَ (8) ]) وَ ([(4) أوَ (8) ] وَ [(5) أوَ (8)] وَ [(6) أو (8) ] وَ [(7) أو (8) ]).

 (4): ، ([ (1) أو(8) ] وَ [(2) أوَ (8) ] وَ [(3) أوَ (8) ] وَ [(4) أوَ (8) ]) وَ ([(5) أوَ (8)] وَ [(6) أو (8) ] وَ [(7) أو (8) ]).

(5): ، ([ (1) أو(8) ] وَ [(2) أوَ (8) ] وَ [(3) أوَ (8) ] وَ [(4) أوَ (8) ] وَ [(5) أوَ (8)]) وَ ([(6) أو (8) ] وَ [(7) أو (8) ]).

(6): ، ([ (1) أو(8) ] وَ [(2) أوَ (8) ] وَ [(3) أوَ (8) ] وَ [(4) أوَ (8) ] وَ [(5) أوَ (8)] وَ [(6) أو (8) ]) وَ ([(7) أو (8) ]).

أي هناك ست قضايا مركبة مكافئة للقضيّة المركبة حسب الترتيب الذي اعتمده الشاعر، وما من شك أن المعالجة على هذه الصورة تبدو جافّة قليلاً، بسبب المفاهيم النظريّة التي استخدمتها في هذا التطبيق، لكنني فضّلت التوضيح والتفصيل لأنه من الممكن أن نطبق هذا الأسلوب على كل مقطعٍ من مقاطع هذه القصيدة.

التوازن وتمثيل القصيدة: 

يمكن اعتبار (الموت) مركز توازن القصيدة، لأنه يمثل مركز انطلاقها، ونقطة انبثاقها، كما يمكن اعتبار كل عقدة من عقد فروعها نقطة توازن بالإضافة إلى النقاط التالية:

(1): النفس: هي نقطة تقاطع بين الفرعين الأول والرابع فهي تمثل نقطة توازن.

(2): الحلم: هي نقطة تقاطع بين الفرعين الأول والثاني فهي تمثل نقطة توازن.

(3): السكر: هي نقطة تقاطع بين الفرعين الثاني والرابع فهي تمثل نقطة توازن.

(4): الذاكرة: هي نقطة تقاطع بين الفروع الأول والثاني والرابع فهي تمثل نقطة توازن.

فإذا مثلنا مركز توازن القصيدة بدائرة صغيرة، ومثلنا عقد الفروع على محيط دائرة مركزها مركز توازن القصيدة، ومن ثم مثلنا نقاط توازن القصيدة على محيط دائرة أخرى بحيث تتوزع وفق درجات ارتباطها بالفروع، ومن ثم مثلنا فروع القصيدة على شكل أشعة منطلقة من مركز توازن القصيدة، ومثلنا الشعاب الرئيسة والشعاب الثانوية كأشعة منطلقة من العقد للفروع، عندئذ نكون قد حصلنا على تمثيل دائري للقصيدة. وهذا التمثيل سيبين كيف أن القصيدة في بنيتها تميل إلى التوازن ، وهذا ما يفترضه منهج النقد الاحتمالي، وهو أن القصيدة الشعرية تميل في تركيبها إلى التوازن.

المفردة المنواليةّ:

هي المفردة الأكثر تكراراً في القصيدة، وهي هنا في هذه القصيدة (الموت)، حيث لم يخلُ فرعٌ من فروع القصيدة من تكرارها، ويمكن اعتبار كل نقطة من نقاط التوازن هي مفردة منوالية، لأنه يمكن أن يكون في القصيدة الواحدة أكثر من  مفردة منوالية، فتكرار المفردة الواحدة لا يعني بالضرورة تكرار المعنى لهذه المفردة إنما يمكن أن تتعدد المعاني للمفردة بحسب السياق الذي وردت فيه، ولكن نلاحظ في هذه القصيدة أن الشاعر كان حريصاً حرصاً شديداً على تكرار المفردات المرتبطة ارتباطاً عميقاً بقضيّة الموت الذي أصبح طقساً يوميّاً للمواطن السوري في زمن الحرب.

ثالثاً – القيمة المعيارية

لا يخلو استخدام هذا المصطلح من مغامرة بسبب غرابته في ميدان النقد للشعر، وبسبب أنه مفهوم رياضي إحصائيّ بحت، ويعني معدل انحراف المفردة في العينة عن متوسطها الحسابي، ولكن لو نظرنا إلى أن (المعيارية) في مختلف سياقات استخداماتها تعني حكم القيمة، أو ما يتعلق بالتقييم، وقد انتشر هذا المصطلح في الفلسفة مع تطور الفلسفة التحليلية، والعلوم المعيارية على اختلاف أنماطها فهي تدور في البنى التي تتضمن القواعد والقيم، وإذا كانت النظرية المعيارية في الفلسفة تهدف إلى إصدار أحكام أخلاقية، فإننا هنا لا نهدف إلى تصنيف القصيدة والحكم على مستواها بين قصائد أخرى، لأن النقد الاحتمالي لا يهدف إلى التصنيف الشكلي الإنشائي بقدر ما يهدف إلى تحليل القصيدة وفق منهجية علمية منطقية لفهم العلاقات بين الجمل والتراكيب في الفرع الواحد منها، ومن ثم فهم العلاقات بين الفروع في سياق البناء العام لها، والكشف عن المعاني التي تتضمنها، وملاحظة الإمكانات التي يمكن أن تختزنها هذه القصيدة، أما الحكم فيترك لمن يهتم في إنشاء الحكم، وليس لمن يهتم في إصداره فقط، وهنا نبدو وكأننا قد وصلنا إلى تناقض مادامت المعيارية تُعنى بالحكم، ولإزالة هذا التناقض لا بد من توضيح المقصود بالمعيارية هنا.

إذا نظرنا إلى مركز توازن القصيدة وهو هنا الموت على أنه مركز انطلاقها، ومركز انبثاقها، ونظرنا إلى فروع القصيدة على أنها تمثل خطوطاً رئيسة فيها، ونظرنا إلى الشعاب الرئيسة والثانوية في كل فرع من فروعها على أنها تمثل قضايا، عندئذ يمكن اعتبار تمحور القضايا في الشعاب حول الفرع معياراً جيداً لقوة الترابط فيما بينها، أما تشتت القضايا في الشعاب يضعف الترابط ويضعف بنية القصيدة، والمقصود بالقيمة المعيارية هنا هو درجة الترابط بين القضايا في الفروع من جهة، وبين عقد الفروع من جهة أخرى، ومن دون شك فإن القيمة المعيارية ترتبط بمبدأ التوازن في القصيدة، ومن حيث التطبيق هنا نستفيد من الفقرة السابقة التي حافظ فيها التركيب الشعري على الترتيب المنطقي في إنتاج المعنى، أما خاتمة القصيدة، (قربَ الموتِ/ ولا أحدٌ يشبهني/ وأنا../ لا أشبه نفسي.) فتشير إلى أن الشاعر قد أحكم إغلاق دائرة طقس التوحد التي ينفرد فيها في اللحظات الفاصلة بين الحياة وزوالها بالموت، أي الصورة الذهنيّة لذات الشاعر لا تشبه مصداقها الخارجي.

***

 مفيد خنسه

 

في المثقف اليوم