قراءات نقدية

الأبعاد السياسية في رواية خيط العنكبوت للكاتب السوداني جعفر همد

تعد السياسية محورا هاما من محاور الأدب العربي لأنها غدت المحرك الأول لمسيرة البشر في أي مجتمع، فهي التي تحدد أصول الحكم وتنظيم شؤون الدولة وعلى أساس من الوعي بهذا الدور فقد اهتمت الرواية العربية المعاصرة بكثير من القضايا السياسية وبيان مدى تأثيرها على الناس فظهر ما يعرف بالرواية السياسية. وليس بالضرورة أن يكون الكاتب منتميا إلى حزب سياسي لكن بالمقابل عليه أن يمتلك أيديولوجيا يقنع بها قارئه.

جعفر همد في روايته خيط العنكبوت من إصدارات الآن ناشرون وموزعون 2021، لم يصرح بزمن أحداث الرواية التي تناولت موضوعا أساسيا هو الثورة على نظام الحاكم المستبد ولأن هناك ثلاث ثورات في تاريخ السودان إلا أن المتلقي يستطيع الاستنتاج من خلال ما جاء من مصطلحات مثل منصة وزوم على أنها الثورة التي اندلعت مع نهاية العام 2018 واستمرت حتى سقوط نظام الرئيس عمر البشير في نيسان 2019 بسبب الفقر وتفشي البطالة وانعدام حرية التعبير وتضييق الخناق على المعارضين لنظام الحكم حيث حقق الشعب إرادته من خلال العصيان المدني والاضرابات والمظاهرات.

يدخلنا جعفر همد منذ العتبة الأولى والموسومة ب خيط العنكبوت في حيرة إذ لمٓ لم يعطها اسم بيت العنكبوت عوضا عن خيط العنكبوت؟ مما دفعنا للبحث عن الخيط المفرد والبيت الذي تشكل من مجموعة من هذه الخيوط ومن خلال بحثنا توصلنا إلى أن الخيط الذي يبنى منه البيت العنكبوتي هو من أقوى الخيوط التي تستطيع مقاومة الرياح العاتية عصية على القطع. وهنا يأتي السؤال الذي يزيدنا حيرة إذ كيف لبيت بني بأقوى أنواع الخيوط أن يوصف بأنه أوهن البيوت؟ وهنا قطعنا هذه الحيرة عندما لجأنا إلى علماء الحشرات حيث وجدوا بأن أنثى العنكبوت تقضي على ذكرها بمجرد إتمام عملية الإخصاب وفي بعض الحالات تلتهم صغارها. وقد يقدم الصغار على التهام أمهم. ويقتتل الأخوة الصغار على الطعام والمكان فيقتل بعضهم البعض. فالوهن هنا معنوي لبيت يخلو من الرحمة ومن هنا فقد جاءت صرخة الكاتب ليضعنا أمام شعب محب قوي يصعب قطعه كخيط العنكبوت لبيت واهن تسكنه حكومات مستبدة تقتتل فيما بينها من أجل السلطة والجاه والمال.4211 خيط العنكبوت

يمهد الكاتب لموضوع روايته من خلال رؤية فنية مثل أية رواية أخرى لكنها تعبر عن وجهة نظره، فيقدم للمتلقي جانبا من الطفولة الأولى لبطل الرواية عمر وتبدأ بنبؤه تدور حول الخلافة التي سيرثها أحد أبناء العائلة لنجدها تتحقق في البطل نفسه.

ومما جاء على لسان السارد نقرأ ص9 ( قبل خمسة وعشرين عاماً مضت، اشتعل صراخ النساء، وعويلهن حول رأسه.. كانت جميلة ابنة خالته في زيارة... وأثناء عودتها هطلت الأمطار... سقط عمر من بين يديها.. اعتقد الناس أن الفتى فارق الحياة.. عاد الفتى مبتسما وأخبر جدته بما رآه.)

وعلى لسان العراف الذي توجهت له الجدة فاطمة ص10 ( إنه الوريث للجد من بين إخوانه والأسرة).

تتصاعد أحداث الرواية حيث يتم الحدث الروائي من ص7 وحتى ص23 على شكل زمن نفسي مستدير ومتقطع وبعد ذلك من ص24 وحتى نهاية الرواية سنجد أن الزمن يسير في خط طولي ممتد. فنجد البطل قد غادر السودان بعد أن تلصق به الشرطة تهمة التخابر لصالح دولة أجنبية لتكون وجهته بعد ذلك دولة الإمارات وهنا يفاجئنا الكاتب بأن عمر ضابط في المخابرات في حين أننا لم نعرف عنه في السودان إلا أنه صاحب نبوءة وزير نساء يجذب إلى فراشه ما هب ودب من الفتيات فنجده ص26 في أحد مكاتب الأمن الداخلي الإماراتي يسأله الصابط عن مكالمة تم رصدها له مع إحدى قيادات المخابرات السودانية فيخبرهم بأنه ضابط مفصول. ثم نجد بأن شخصية عمر تطورت فجأة إلى قائد يمسك بيده مع مجموعة من الضباط السودانيين المفصولين بسبب معارضتهم للنظام خيوط ثورة سوف تندلع قريبا في بلده السودان. فنجد على لسان السارد ص31 (يتجمع ضباط سودانيون مفصولون من المخابرات في مقهى حبش أنس أسعد إبراهيم..)

ولا أعرف لمَ لم يمهد الكاتب من خلال إعطاء المتلقي ولو إشارات بسيطة على ذلك التطور في الصفحات الثلاثة والعشرين الأولى من الرواية التي لم يتجاوز عدد صفحاتها الثمانون؟

ومن حيث الزمكانية فنحن نعلم بأن الرواية الحديثة تدور أحداثها في واقع بشري محدد مكانيا وزمانيا لذلك فلا شك بأن ثمة رابطة قوية بين القضية السياسة وهي الثورة في رواية همد وبين الرحم الذي تنمو فيه الشخصية وبين الزمان الذي يردها إلى إطار مرجعي معروف.ويبدو هنا بأن الشخصية البطلة قد نمت بعيدا عن معرفة المتلقي فانفرد السارد بمعرفتها وفاجأنا بها عندما أصبح بعيدا عن السودان وقد تكون للكاتب أسبابه الخاصة في ذلك.أما بالنسبة للشخصية الروائية ومن خلال تأملنا لها من حيث أنها يجب أن تكون صاحبة موقف من القضية التي يتحرك في إطارها الحدث الروائي على أساس أن النص الذي يحمل بعدا سياسيا هو نص إشكالي يقدم أزمة تختلف وتتعدد إزاءها مواقف الشخصيات الروائية تأييدا ومعارضة فتحتم علينا أن نفرق بين نوعين من الشخصيات (الأبطال).

 البطل (الخير) والبطل الضد (الشرير) ومن هنا نستطيع أن نطلق البطل الخير عن ذلك الذي يبحث عن الحق والعدل وينشد الديمقراطية والمساواة وتمثل منظومة الشخصيات الرئيسية التي تحرك مسيرة الحدث الروائي وقد تمثلت في عدة شخصيات مثل عمر وعثمان الصحفي وأسعد وغيرهم فنجد عمر ص33 يتحدث حديث القائد لمجموعة الضباط ويخبرهم (هناك تغيير بالسلطة في الوطن ،هل تشاهدون ما يحدث؟ الساحة هذه الأيام حبلى بالمفاجآت) ونجده ص33 يتحدث بلغة السياسي المحنك فينظر نحو إبراهيم في المقهى ويقول (أخاف من التدخلات الخارجية ،علينا أن نفعل شيئاً حتى لا تستباح الأرض، الأطماع كبيرة جدا، جمعتكم من أجل هذا...هناك اجتماع سنتناقش في ما يمكن فعله وكيفية تنفيذه). وفي ص 39 (التغيير هو ما يشغل الناس في دولة عانت من حكم دكتاتوري)

 أما البطل الشرير الذي يفتقر إلى النبل والسمو وهو فاسد وخادع أحيانا وهي الشخصيات القليلة العدد ولكن مع أن عددها قليل مقارنة بالشخصيات الخيرة إلا أن هذا لم يحل دون قيام الصراع واستمراره بين المقموع والقامع.

وقد تمثلت هذه الشخصية في الرواية التي بين أيدينا بشخصية الوزير الفاسد وابنه ونجد هنا بأن الكاتب لم يمنحهما اسما صريحا إنما أطلق عليهما الوزير الفاسد وابنه. فنجد ص74 ما جاء على لسان السارد (التحرش الأولي أثبت أن الشركة قامت بنشر الصور على أنها صور إعلانية دون إذن الفتاة مملوكة لابن أحد الوزراء). ومن هنا نجد أن مضمون الرواية يشي بأن الشرفاء لم يعودوا قادرين على أن يعيشوا آمنين في عصر اضطربت به القيم والأخلاق والفاسدين الأقوياء حيتان تأكل الضعفاء فابن الوزير الفاسد أقدم على نشر صور الفتاة سعاد طالبة الطب التي دخلت الكلية بمساعدة القائد عمر الذي يظل متخفيا بعد محاولة اعتياله في الخارج ليعود ويقيم في قرية في السودان يدرس كبار السن محو الأمية بعد رحلة اغتراب وظنا من الجميع بأنه قد مات ليظهر أخيرا ص77( كان كل هم الرجل وبعض أبناء الشعب من خلفه الوصول إلى حيث يجلس مدير الجامعة وذلك الوزير الفاسد....لم يكن ثأرا شخصيا قدر ما هو حماية للثورة ومحاربة للفساد واستغلال النفوذ).

ولأن الأدب حين يعكس رؤية تقدمية للواقع فإنه يعد ممارسة سياسية بمعنى من المعاني وبما أن الأدب الجيد ملتزم فهو بالتالي سيكون إلى صف المعارضة فهو بالتالي سيحمل قضايا تحرير الإنسان من الضغوطات التي يرزح بسبب استبداد الحكومات وهيمنتها وعلى قراراته لذلك فإن بطل الرواية في الغالب ينتصر لتلك القضايا وهذا ما سعى إليه جعفر همد.

***

قراءة بديعة النعيمي

في المثقف اليوم