قراءات نقدية

نحن وهايكو اليابانيين

هنالك عبارة متعارف عليها حول قصيدة هايکو تتكرر بين كل حين وهي تعريف هايكو بأنه: ' ألفاظ بسيطة، تعبرعن مشاعر جياشة أو أحاسيس عميقة، تتألف من بيت واحد فقط، مكون من سبعة عشر مقطعا صوتيا، وتكتب عادة في ثلاثة أسطر خمسة، سبعة ثم خمسة'.

وبما ان جذور هذا النوع من الشعر يرجع الی القرن الثامن الميلادي المنحدر من (رنغا) الا اننا بصدد سٶال مهم وهو ما مدی تأثير البنية الفردية والمجتمعية علی الأدب؟ علی سبيل المثال نجد في أسلوبية الهايكو بأنها تحد الشاعر من حرية استعمال عدد الكلمات حيث تخلو من الحشو والتطريز، ومن ثم هل ان الايجاز وعدم الاسراف في استعمال الدوال يذكرنا بطريقة التفكير العلمي والعيش العملي للفرد الياباني المسكون في جزيرة نائية؟ ولم لا؟ فان الادب ليس الا مرآة دقيقة وصافية للطبقات الداخلية داخل  نفوس أفراد المجتمعات، مع معطيات كل المواريث والتراكمات الاجتماعية والتأريخية والجغرافية.

لا ضير فان هذا التعريف ينقسم الهايكو ککل جنس أدبي آخر الی جزءين: الشكل والمضمون، ولو عرفنا مسبقا عدد الاسطر والمقاطع شكلا، الا اننا نلاحظ في كثير من ما يكتب بأسم هايکو في عصرنا هذا لا تمت بصلة الی هايكو الياباني المنشأ، بسبب الاختلاف مع طبيعة المضمون للهايكو.

نعم لقد ازدهر الهايكو بفضل باشو في القرن السابع عشر لكنه مازال هنالك شعراء معاصرين في عصر العولمة والتكنلوجيا الحديثة يتقاسمون ويشاركون في انتاج وتطوير هذا النوع من الشعر والسبب يرجع الی تشابه  الاساليب الحياتية وطريقة التفكير وما يتطلبه منا العصر الرقمي من الاختزال والسرعة والدقة.

أنا متفق مع من يذهبون الی ان أكثر ما يكتب بأسم الهايكو لا ينطبق عليها شروط الهايكو من حيث الشکل أو المضمون، فلو القينا النظرة علی محتوی النصوص نادرا ما نجد   هايكو وفيه عفوية في التفكير، مستلهما من الطبيعة جمالها العابر مع تفاصيل دقيقة ومعبرة. کما جاء في النصف الاول من التعريف (ألفاظ بسيطة ومشاعر جياشة أو أحاسيس عميقة) لكننا لا يسع لنا ان نحذف تلك النصوص من خانة الشعر بل لنا اعذارنا بأننا قد ألبسناها  طابعنا، فقط لا يجوز  تصنيفها تحت اسم هايکو اليابانيين لا غير.

يطرح (شريف الشافعي) في هذا الصدد رأيا صائبا عن الهايكو بأنها تنحو نحو التخلص من الذهنية وترك القصيدة تنساب تلقائياً وفق تدفّقٍ شعوري زاخم، مع طفوليّة في التعبير، وانسجام مع الطبيعة حدّ التماهي معها، مع خصائص التلقائيّة وغياب الطرح الأيديولوجي.

و کما قال الناقد (هربرت ريد) بأن الشکل والمحتوی مندمجان في عملية الخلق الادبي. لذا فان في النهاية سنتعامل مع نصوص هايكو ککتلة واحدة وبنية متکاملة من حيث ايقاعاتها وموسيقاها الی صورها ومقاطعها وايحاءاتها المتفاوتة، ويزداد الامر صعوبة عندما نحاول ترجمة الهايکو ونتمسك بتوفير شروط الشکل للهايکو في آن معا، لأن في الغالب يترجم للشعر المضمون وليس الشکل، الا نادرا ما قام بالترجمة شاعرا وهو ملم بأمر الهايکو ويكتب الهايكو في نفس الحين.

* في الختام أود أن أأتي بأمثلة ونماذج جميلة من الهايکو العربي المترجم  وغير المترجم، ثم نترك التعليق والتقييم والمقارنـة للقاريء الحاذق الشغوف مع نموذج من هايكو الياباني:

١

جبنة وربطة نعناع

فطور الطاووس

في الحقل!

- أكد الجبوري -

٢

أيتها الجرادة

لا تسحـقـيها

لآلىء الندى اللامعة

- ياتارو كوباياشي/ ت: جمال مصطفى

٣

من صخرةِ جبلْ

تَطلعُ بعناد

زهرةٌ عاطرة

 سعد جاسم

٤

منزل مهجور –

يعشعش اللقلق

فوق المدخنة

- سيزار سيوبكا / ت: بنيامين يوخنا دانيال

٥

أسيرة

داخل حبة كهرمان

حشرة

- مريم لطفي-

٦

عباءة الليل

في ستر الظلام تنسدل؛

مواجع الرحيل!

 كريمة علي اللوبلبي

***

سوران محمد

...............................

* مثال علی هايکو الاصل المنشأ لباشو مع المقاطع الصوتية:

古池や                             Fu-ru-i ke ya   

- البركة القديمة

蛙飛び込む     Ka-wa-zu to-bi-ko-mu     

تقفز فيها ضفدعة

水の音                          to Mi-zu -no -o

- صوت الماء

في المثقف اليوم