قراءات نقدية

قراءة في رواية (وحدها شجرة الرمان) للكاتب سنان أنطوان

البناء الروائي بين تعليق أفعال الشخوص ومضاعفة المدلول الترميزي

مهاد نظري:

ترتكز وظيفة الارسالية الرمزية تمييزا في حجم ومستوى ذلك الإعداد العلاماتي المتمثل في محددات المعنى غير المباشر ـ سواء من جهة إنتاجه أو من جهة تلقيه ـ . وسنعمد في شروحات ومفاصل قراءتنا هذه إلى تبين كيفية تخصيص طبيعة الأفكار بالاستدلال على جملة تلك الوظائف المعادلة في مسار موضوعة الرواية موضع بحثنا، وكيفية معاينة توطين القابلية الرمزية من حيث: (التأويل ـ الإيحاء ـ المعنى المضمر ـ الواصلة الضمنية ـ التعالق الدلالي ـ التبادلات السردية) وعلى هذا النحو من الكم الهائل من مؤشرات النص، تقودنا مؤولاتنا الخاصة إلى تفكيك الأجزاء الفصولية في الرواية بموجب مباحث فرعية من شأنها دراسة وتحليل استراتيجية محاور الإنتاج في شكله الكلي والنسبي. وقد اخترنا في الشروع لدراسة فصول الرواية منهجي التحليل والتأويل، ولكل منهما له مفاهيمه وضوابطه ومنظوراته في معاينة الأدوات والموضوعة في بناء السياق الروائي.

ـ الفضاء السردي بين شعرية التوصيف وسردنة الأحوال الواصفة.

1ـ تماهي رؤية الأزمنة وثبات عاملية المكان:

يمنحنا الفضاء السردي في مستهل رواية (وحدها شجرة الرمان) ذلك الزمن الإيهامي في حدود من التجسيد الحلمي للواقعة السردية المتداولة في وعي التخييل الموظف في الذاكرة اللاشعورية من دفعات الحس الصوري في الباطن التعددي من شبكة تكافؤ الغايات والإنحاء والاستبدال والمضمر الكامن في دلالة روح التصدير للروائي نفسه إزاء جملة حلمية خالصة من التوهم والإمكان باليقين الملتقط عبر مسرح (الفضاء السردي) لذا وجدنا أنفسنا نغوص في العتبة الاستهلالية من بنية المتن، عبر ذلك الانبعاث في الأزمنة المتماهية التي تنقل لنا خلاصة ملفوظات الفصول وأحوالها داخل رؤية حلمية ـ كابوسية، تجسد لنا مشاهد الشخصية جودي في مرحلة استباقية من السرد يتابع بعينيه ذلك التماثل لشخصية ريم، وهي عارية في وضعها المتأخر من زمن خلاصة تجربتها في حكاية السرد، مثقلة بعريها التنوعي، الذي كان يفسر أحوال موتها بمرض السرطان، كما وبدت من جهة أخرى وكأنها تلتقط تناميها الحلمي في ثوابت من اللايقين في رؤية الشخصية جودي: (كانت تنام عارية على دكة مرمر في مكان مكشوف بلا جدران أو سقف. لم يكن هناك أحد حولنا ولا شيء على مد البصر سوى الرمل الذي ينتهي عند الأفق الذي كانت تسرع نحوه، وتختفي فيه.. كنت عاريا وحافيا ومندهشا من كل شيء.. اقتربت ببطء من الدكة لأتأكد من أنها هي : متى ولماذا عادت من الغربة بعد كل هذه السنين؟. / ص7 الرواية) ينطوي النسيج الحلمي ـ الإيهامي، بعلاقة تبئيرية متشكلة، حملتها دلالات اللاوعي إلى صحوات الشخصية جودي المبعثرة في تداخلات الارتباط بزمن الرؤية الاستباقية في محصلة الأحداث الصاعدة في النص، لذا فالروائي جعل منها حسا متداعيا في بث مقصديات وقائع الغربة والافتراق الحلمي من ذروة ذلك الفعل السردي عبر زمنه المكاني وحبكته المتجلية بالملهاة والمأساة. فالرقعة الزمانية والمكانية ممتدة وواسعة إزاء مسافة تنقلات منوعة ومتشعبة في (حكاية الموت) العديدة والمستمرة بين حوادث شتى من الأفعال الحية والمتخيلة، وعلى هذا النحو توافينا هذه القيمة الاستهلالية من المتن والمبنى، إيعازا بمواقع ومؤشرات الاستباق والتأمل بما تحمله موضوعة الرواية من تشكلات تفاصيلية مأساوية في وقائعها المحفوفة بكوميديا الموت السائل في أساليب وتقنيات النص الروائي: (تفرست في وجهها وهمست بأسمها: ريم. فأبتسمت دون أن تفتح عينيها في البداية، ثم فتحتهما وأبتسم السواد في بؤبؤهما أيضا، لم أفهم ما كان يحدث. سألتها بصوت عال: ـ ريم شتسوين هنا؟كنت على وشك أن احتضنها وأقبلها، لكنها حذرتني: ـ لا تبوسني. غسلني أول حتى نكون سوية بعدين؟. /ص8 الرواية) يتميز هذا الفضاء الحلمي بانسيابيته وقدرته الإيحائية على دفعنا لاستلهام أدوات وتقانة الحلم بما يوفر لنا مزيدا من الدقة في متابعة النمو السردي نحو محاور فصول الرواية، التي تزامن الأفعال والمواقف والاحوال في محاور أوضاعها البنائية من السرد نفسه: ( استيقضت لاهثا ومبللا بالعرق.. مسحت جبهتي ووجهي.. نفس الكابوس يتكرر منذ أسابيع مع بعض التغيرات الطفيفة.. أحيانا أرى رأسها المقطوع على الدكة وأسمع صوتها يقول:غسلني حبيبي. لكن هذه أول مرة يكون فيها مطر.. أعرف مصدره الآن، فقد تسلل من الخارج هذه الليلة.. سمعت صوت تساقطه على زجاج النافذة بجانب سريري / ألا يكفي الموت مني في اليقظة ويصر على أن يلاحقني حتى في منامي . /ص9 . ص10 الرواية) .

2ـ مكونات الموت : محور جمالية الأداء:

يومىء السارد المشارك في علامات المرسل السردي إلى حجم العلاقة المتداولة بينه وبين ذلك الخاطر الأليم لدال الموت، قد تتكاثر الأسئلة وتتنوع الإيماءات بطبيعة تلك المهنة التي كان يعتمدها والد الشخصية في غسل أجساد الموتى كوسيلة معايشة من جهة وكطريقة تعبدية تقرب ذلك الأب من الله على حسب لسان الرواية، ولكن هل المعنى هذا أنها مهنة خالية من الأحداث بترويع الموت في نفوس أصحابها؟ذلك ما واجهتنا به حقيقة الشخصية جودي عندما كان يصاحب والده إلى ذلك المكان الذي تغسل فيه أجساد الموتى، طبعا في البدء لم يكن ذلك الأب كاشفا للطفل ولده عن طبيعة عمله في ذلك المكان تحديدا، كلما كان يعرفه جودي بأن والده يعمل في هذا المكان دون اطلاعه على كامل مهمات وحقيقة وهوية هذا المكان.

3ـ المغتسل: ملحمة المكان وغرائبية المعمار:

إن ما يتوجب علينا قوله في خصوص المراحل القادمة من النص دون ما اطلعنا عليه في مستهل تصدير الرواية، ما يدلنا استدلالا على أن مرحلة المستهل كانت بمثابة الواصلة الإيهامية أو الاستباقية ـ تجوزا ـ بما تحمله عناصر ومكونات الفصول من تأثيرات وملامح خاصة من انطباعات السارد المشارك ـ جودي ـ وكيفية سخاء الكوابيس على مناماته توافدا لا ينضب معينها أبدا.. توضح المراحل القادمة من الرواية بإرجاع الزمن إلى نقطة (الصفر التبئيري) أي أولى نواة العلاقة التي تربط طفولة السارد المشارك بذلك المكان الذي يعمل فيه والده في غسل أجساد الموتى، طبعا الطفل أو الصبي جودي ـ السارد المشارك ـ في كل الأوقات التي يذهب بها إلى ذلك المكان بصحبة والدته لغرض تزويد ذلك الأب بوجبة طعام الغداء، حيث الطفل جودي غدا منقادا باليد الأخرى من أمه إلى ذلك المكان، دون أن يعلم بطبيعة ما يجرى فيه من هوية الفعل لحقيقية مهنة ذلك الأب الغاطس ببحور الإيمان والاحتراف المفرط في مهنته تلك، خاصة وإنها مهنة موروثة عن أجداد أبيه. إذن نعلم حينئذ بأن هذا الأب سليلا لعائلة كبيرة متخصصة في مهنة غسل الأموات، في ذلك المغتسل الغارق بظلال الدكة المرمرية والجدران المقشرة بفعل الرطوبة الصفراء: (كانت تلك أول مرة تصطحبني فيها أمي إلى محل عمل أبي الذي كان عادة يأخذ ـ الصفر طاس ـ معه في الصباح، لكنه نسيه ذلك اليوم عند خروجه.. كان الممر الضيق يفضي إلى غرفة واسعة بسقف عال وقد وقف ثلاثة أو أربعة رجال عند مدخلها، كانت ظهورهم تحجب المشهد: هل كانوا يراقبون أبي وهو يعمل؟كان الشارع هادئا، وبالرغم من طول الممر خيل لي أنني سمعت صوت مياه تنزلق باستمرار يرافقها صوت أبي وهو يتمتم عبارات لم أفهمها يتخللها أسم الله. /ص13 الرواية) .

ـ المؤولات الوظيفية التحيينية وتماثلات الأدلة الإظهارية

إنطلاقا من محاور السرد في رواية أنطوان محل دراستنا، واجهتنا جملة أشكال وصياغات من الحكي السردي، تتطلب منا دراستها بموجب فرائض سيميائية أكثر دقة وتركيزا. أقول أننا إزاء حالات من (الحجب) والأجراء التوصيفي البالغ لماهية ذلك المكان المحجوب عن وعي ومدارك الوظيفة الاستيعابية للطفل جودي الذي هو ذاته السارد المشارك في محكي النص. بإمكاننا بادىء ذي بدء إسباغ الممارسة المهنية لدى والد الطفل بما يقارب مفهوم (التحيينية) لأن هذا المفهوم يقربنا من فرصة تعرف الشخصية على أدلة طبيعة المرحلة الموضوعية والفعلية في ذروة الإنتاج الإظهاري في محاور النص شكلا سرديا مدعوما بالمؤول التعرفي,وبما إن وظائف (المؤولات) هي من سنن المؤشرات المنظورية، كما الحال عليه في وظائف (التعرفية التحيينية) غير أننا سوف نتداول تمثيلاتها من جهات بلاغية مفترضة بالذات الناظمة والذوات الشخوصية القائمة في أيقونات الفعل السردي.

1ـ المؤولات التعرفية بالموضوعة السردية:

من يقدم المحكي إذن في رواية (وحدها شجرة الرمان) هو الشخصية الساردة المتمثلة بجودي، هذا الطفل الذي يود خوص الحضور في كل مجالات المعارف والمهن وممارسة التخييل ضمن مؤول شخصاني فطري، لذا يحلو له الرسم تارة لوجه والده أو منافسة زملاء له في المدرسة على قيمة شخصانية متفردة عن باقي أقرانه في الصف. وهكذا يتطاول المحكي في الفصول إلى اختيار الشخصية لمادة الرسم حلما وهدفا وطموحا لوجوده المستقبلي، على العكس تماما مما كان يصبو إليه طموح الأب في تعليم ولده أصول وطرائق مهنة غسل وتكفين الموتى، امتثالا لتابعية الأجداد في صقل موروثية ذات المهنة. غير أن الشخصية جودي يخالف شقيقه أموري الذي كان طبيبا ثم جنديا في الحرب، فهذا الشقيق ـ أموري ـ كان بمثابة اليد اليمنى لوالده في هذه المهنة، ولكنه عندما التحق في الحرب أسقطته نيران العدو في الخطوط الأمامية، فأوردته قتيلا داخل تابوت مغطى بالعلم العراقي، بصحبة جندي زميلا له أخذ يحمل جثمان الشقيق أموري نحو باب البيت لذويه : (كنت في غرفتي في الطابق الثاني اقرأ عندما سمعت صوت سيارة تقف أمام البيت، وأبواب تغلق ثم بعد ثوان من ذلك، رنين الجرس الجديد الذي كان أمير قد أشتراه وركبه بنفسه عندما خرب الجرس القديم. أزحت الستارة فرأيت سيارة وفوقها تابوت لف بعلم.. سقط قلبي في هاوية سحيقة.. ثم أخترقه كرمح.. وهو يسقط، عويل أمي وأنا أسرع نحو الدرج حافيا.. كنت أرى في كثير من الأحيان تابوتا ملفوفا بالعلم فوق سيارة أجرة تسير في الشارع وأفكر لثوان باحتمال ألا يعود أموري إلى البيت على قدميه بل جثمانا فوق سيارة. /ص16ص17 الرواية) لو تعاملنا مع دلالة المشهد في علاقته بمؤولات الشخصية، لوجدناها ضمن سيرورة تحيينية حلمية تقارب وقوعات الواقع إظهارا، إذن يمكننا القول بأن تعرفية الشخصية حول مصير واقعة كون شقيقه مرجحا في مؤولاته أن يكون يوما جثمانا في تابوت ملفوفا بالعلم ، هي من السيرورات القائمة على تعرفية مترابطة ومتراكبة من الحيز التحييني المفترض، لذا يمكننا القول سواء تعلق الأمر بحقيقة كون موت الأخ كان محض صورة معرفة فيما مضى عن الطابع التحييني من المؤول الذي هو الشقيق الناظم ذاته، فهذا الأمر بذاته ما يلخص لنا مفعولية الوظيفة الحلمية لدى إظهاريات الشخصية الناظمة، وأيضا ما يجعلها في الآن نفسه تبدو في مستوى التمثيل في موضوع التحيين في التعرف على وحدات ضمنية من التعرفات المابعدية من قيمة الإظهار المؤول من الشخصية ذاتها، كحال هذا الاقتباس: (المرة الوحيدة التي بكى فيها أبي كانت عندما سمع بخبر موت أخي أمير، الذي كان يكبرني بخمس سنوات، والذي تحول من يومها من دكتور إلى شهيد.. احتلت صورته ـ بالأبيض والأسود ـ المؤطرة قلب الجدار في غرفة المعيشة فوق التلفزيون، ومساحة أكبر من قلب أبي. /ص16 الرواية) هكذا تتم بلوغات الإظهارية في مدار التحيين، أي قلب طاقة الخبر المباشر، إلى وضعية خاصة من أدلة الأحوال المؤولة بدليل مؤشر متشارك في محكومية مسافة تبئيرية مضاعفة. وهذه الحالات من السرد هي من الشيوع في الرواية، وبالأخص فيما يتعلق ومواضع ذلك الدليل التحييني الحاصل في دلالات ذلك الملمح المكاني من المغتسل: (كنت ككل الأطفال، شديد الفضول وألح على أبي بالسؤال عن تفاصيل عمله، لكنه كان يكتفي بالقول إنه سيقول لي كل شيء وإني سأرافقه إلى عمله عندما أكبر/ كان أموري قد بدأ بالذهاب إلى المغتسل عندما كان في الخامسة عشرة ليعاونه وبدأ بالغسل في الثامنة عشرة.. عندما كنت أسأل أموري عن تفاصيل العمل، لم يكن يستفيض في إجاباته وكان يقول لي إنها ليست لعبة وإن هذه أمور تخص الكبار وأنا ما زلت طفلا. /ص23 الرواية) .

2 ـ الشكل السردي في علاقات المحكي وارتدادات الزمن المنظور:

الملحوظ في الشكل السردي في رواية (وحدها شجرة الرمان) اعتمادها على جملة محكيات تتبع حافزية الحركة السردية عبر ثلاث مستويات: ـ المستوى الأول: يتلخص فيه المسرود الذي يتشاكل أغلبه عن طريق الفاعل الذاتي ـ السارد، إذ نلاحظ ثمة حركة ارتدادية في سير هذا المستوى، ولو دققنا في مساره، لوجدنا ثمة مساحات خاصة بـ (الاسترجاع ـ الغلو في الوصف) أما المستوى الثاني: فيتمثل في تعليق أفعال الشخوص في أماكن تشكل غيابا لحضورهم، كما لو أنهم لم يعودوا في النص، ثم الرجوع إليهم في مرحلة من الاشارة أو الأخبار، امتثالا إلى لحظة خاصة من متطلبات التوظيف السردي لبعض من أدوارهم، وغالبا ما يتم خروجهم ودخولهم إلى ساحة الفعل النصي، من خلال حالات استرجاعية مختلفة قربا وبعدا، عن قاعدة الوجهة التي يراد بها إظهارهم بطريقة برانية أو خارجية. أما المستوى الثالث: فهو فيما يخص الزمن، إذ أننا نعاين بأن وحدات الزمن في محاور النص، بدت وكأنها السير على أرض متعرجة، فتارة تحضر الشخوص بعد موتها في سياق زمني متأخر، ثم غيابها ذاتا دون فعلها الذي ظل كيانا موضوعيا في النص. وفي إطار الحديث عن الرؤية السردية في مسار الرواية، إذ تبدو لنا بعض أزمنة المشاهد، أما استرجاعا، أو وصفا يتمازج فيه المبئر مع الفاعل. الذاتي ليغدوا الأمر تشكيلا في ملامح الأحداث والأماكن والأسماء في مكونات النص الروائي.

3ـ تقنية الوصف في مساحة الغرائبية المكانية:

بعيدا عن أي تأويل إسقاطي، أقول إن الامتدادات التحفيزية للواصف السردي، في أغلب جملة الملامح المكانية أخذت لذاتها زمنا يتجاوز الفعل الحدوثي لأي طاقة فعلية سردية في منظومة أفعال الشخوص والحوارات ومجال التأمل، فعلي سبيل المثال، نلاحظ الفاعل الذاتي ـ السارد المتكلم، يتجاوز سياقات من المكون الفعلي للنص، لأجل إتمام عملية الوصف إلى مؤثثات(المكان = المغتسل) فهذا الزمن المبذول في الوصف بدقة متناهية، قد لا يناسب مجال خطاب زمن النص الروائي، خصوصا وإن فن الرواية يعتمد على التفاعل الزمني المتسارع في مساحات دينامية خاصة من أفعال الشخوص والفضاءات المفتوحةنحو حبكة متشعبة، لا أن يبقى السارد المشارك (مطنبا؟!) في مدار حالة وصفية تستغرق لوصف المغتسل عدة صفحات فصولية تمتد من وإلى: (ص24 .. ص25 .. ص26 الرواية) أنا شخصيا لا أنكر مدى الجمالية والدقة الي بذلها (سنان أنطوان) في مساحة لغته الوصفية الجميلة حقا، ولكن لا أنكر أيضا بأنه بالغ جدا في بعض وحداته الوصفية، كما بالغ أيضا في صياغة بعض من المحاور الأيروسية التي جعلت من شخصية جودي وكأنها حالة شبقية بمغالاة لا تتوافق وأجواء ومهنة غاسل لأجساد الموتى .

ـ تعليق القراءة:

في الحقيقة أن بناء مجرى دلالات رواية (وحدها شجرة الرمان) وبرغم بعض المغالاة في مستوى موضوعاتها، تبقى رواية جادة وناضجة عبر ذاكرة التلقي الأهم الروايات العراقية الصاعدة على مسرح الدينامية الفنية والجمالية الواثقة، وقد طبعت هذه الرواية دليلا نحو كفة التوازن الوظائفي والدلالي في مستوى اشتغالات ذواتها الشخوصية ومدى صراعها مع تجليات هموم وغموم الآمال المفقودة في هذا الوطن البائر.. فيما تبقى شجرة الرمان في باحة المغتسل تتغذى من مياه أغتسال الأجساد الميتة، فيما تتدلى أغصانها بأجود ثمار فاكهة الرمان: (أنا مثل شجرة الرمان.. لكن كل أغصاني قطعت وكسرت ودفنت مع جثث الموتى. /ص255 الرواية) وعلى هذا النحو تتلاحم مضاعفة المعادل الموضوعي بين رمزية شجرة الرمان وشخصية غاسل الموتى، الذي أفنى حياته مع أجساد الموتى، بعيدا.. بعيدا عن زمنه المشدود في مدارات الهجرة نحو مخيلة الآمال والطموحات الفنية كونه ذلك الفنان والنحات الذي ظل أسيرا لعوالم أجساد الموتى ومكان أستقبالهم بروائح الكافور والسدر وصراعاته الباطنية والحسية التي لا يفارقها ذلك الأحساس بذلك الموت العابر والقادم الذي سوف يقوده يوما وشيكا إلى قرار حتفه. لقد أجاد الروائي سنان أنطوان في روايته موضع بحثنا، كل الجدة والتأثير الفني الذي خلقه فينا أثرا مؤثرا في ذاكرتنا القرائية والنقدية.

***

حيدر عبد الرضا

في المثقف اليوم