قراءات نقدية

نص (حيرة) وحبل الاسئلة

النص الشعري خطاب معرفي يحاكي الوجود والاشياء برؤية حسية تتخذ من اللفظ وسيلة لتحقيق الصورة الشعرية الاداة التي تكشف عن اصالة التجربة وتشكل جوهر المنجز الشعري من جهة و تحقيق ذات المنتج (الشاعر) موضوعيا من جهة اخرى.. كون الشعر (صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير) كما يرى الجاحظ..

وباستحضار وتفكيك النص الشعري (حيرة) الذي انتجته ذاكرة شعرية مكتظة بالمعاني والدلالات المتوهجة توهجا تحريضيا..منتفضا.. داعيا لخلق واقع يستوعب قيمة الانسان  وجودا فاعلا ومتفاعلا كونه (اثمن راسمال) ونسجت عوالمه انامل منتجه الشاعر يحيي السماوي باتخاذه سياقا جماليا في التعبير المتفرد مبنى ومعنى.. بتخطيه الحسيات الى افق الرؤيا من جهة ومخاطبة  الذات التي هي جزء من الذات الجمعي الاخر من جهة اخرى بلغة الفكر المتشظي الذي فقد جزء من وجوده الانساني ..

ساظل مشنوقا بحبل الاسئلة..

الدار ثكلى والمدينة ارملة

وطن تسيده اللصوص

وعاقدو صفقات نصف الليل

والمتجلببون بطيلسان البسملة

فالنص فضاء يركز على الفكرة ببناء مشهدي متكىء على جمل موسومة بالحركة..والفاظ قائمة على الاستعارة والمجاز ضمن بلاغة الانزياح وهو يتخذ مسارا نفسيا واجتماعيا بتوظيف الفاظ يومية بعيدة عن الضبابية والغموض.. والمسايرة لايقاع الحياة ودهاليز الروح الممتدة في اقصى مديات الجغرافية السرية.. بالفاظ مفعمة بالايحاءات المبنية على الاختزال و(تصميم محمل بقدر من الحساسية) على حد تعبير هربرت ريد.. اضافة الى اعتماده بنية شعرية تقوم على(اللغة والصورة والايقاع الذي يكشف عن دلالة نفسية وصورية حسية..)..وهي تتمحور حول الهم الانساني والمجتمعي المتفاوت طبقيا..

فاذا حفاة الامس باتوا اليوم اسيادا

بارفع منزلة

يتحكمون بثوبنا وبكأسنا  والسنبلة

حتى متى يبقى على التل الجياع

محدقين بسارقيهم

مكتفين بشهر سيف الحوقلة4351 السماوي

فالنص بمجمل تحركاته الرامزة ودلالاته اللفظية المعبرة عن الحالة الشعورية والنفسية باسلوب دينامي حالم وعمق دلالي يتداخل والسياق الجمعي بقدرته التعبيرية المختزلة لتراكيبها الجملية والمتجاوزة للقوالب الجاهزة..اضافة الى تميزه بتراكم الصفات التي اسهمت في الكشف عن توتر نفسي..ابتداء من العنوان الذي يشير الى حمولة نفسية مركبة الدلالة المعبرة عن صراع الانسان والزمن.. فضلا عن محاولة المنتج(الشاعر) استنطاق اللحظات الشعورية عبر نسق لغوي قادر على توليد المعاني من اجل توسيع الفضاء الدلالي للجملة الشعرية..مع اعتماد الرمز.. السمة الاسلوبية التي تسهم في الارتقاء بشعريته واتساع مساحة دلالته وهو يتماهى والخيال لخلق صوره بذهنية متفتحة ورؤية باصرة لوعي الفكرة وتحقيق اضاءتها..باعتمادها اللفظة المركزة..المكتنزة بالايحاء والمتميزة بانسيابية بنائية  تؤطرها وحدة موضوعية وفكرية يحلق ويحوم حولها المعنى..

ولم استحلنا لا نميز بين (حلاج ) و(حجاج)

وفلاح وسفاح

ولا بين (الحسين) و(حرملة)

فمتى تفيق من السبات جموعنا المستغفلة

فالنص بمجمل تحركاته الرامزة ودلالاته اللفظية المعبرة عن الحالة الشعورية والنفسية باسلوب دينامي حالم وعمق دلالي يتداخل والسياق الجمعي بقدرته التعبيرية المختزلة لتراكيبها الجملية ..المتجاوزة للقوالب الجاهزة..فكان تشكله وفق تصميم ينم عن اشتغال عميق يعتمد الجزئيات وينسجها منتجه نسجا رؤيويا يرقى من المحسوس الى الذهني.. باعتماده تقنية السرد لبناء نص شعري مؤثث بالتداعيات التي يضخها زمن خارج الذاكرة..وهو يترجم احاسيسه وانفعالاته بنسج شعري يحقق وظيفته من خلال الفكرة والعمل داخل اللغة عن طريق خلق علاقات بين التراكيب الجملية وتعالقها بوحدة عضوية متميزة بعالمها المتناسق جماليا مع دقة تعبيرية بالفاظ موحية ودلالة مكثفة بتوظيف تقانات فنية محركة للنص  بتشابكها مع الواقع الممزوج بالخيال الذي يخلقه المنتج ( الشاعر) القابض على اللحظة المستفزة للذاكرة وتصويرها.. لذا فصوت الذات هو الحاضر/الغائب الذي يمنح النص خطابا يغير الضمائر وينثر رؤاه من خلالها كخلفيات مشهدية للمعنى وتحقيق نص ينسج عواله بخلق شعري مؤثث بالموحيات الحسية والرموز الدالة (الحلاج والحجاج والحسين وحرملة) والمكان بشقيه (المغلق والمفتوح) (الدار والمدينة والتل..) الذي يتخذ حيزا فاعلا كونه يتواشج مع البعد النفسي والذاتي فيشكل المدار والهاجس من خلال الاصطدام بالوقائع اليومية عبر لغة شعرية ترسخ وجودها في الذاكرة كعامل بنائي له دلالته النصية..

وبذلك قدم المنتج (الشاعر) نصا يتسم  بخصوصيته التركيبية ووحدته العضوية مع ايحاء وتفرد في الايقاع والصور واللغة الرامزة والفكرة المنبثقة من بين مقطعياتها الشعرية.. المتسمة بسمتين:اولهما البنية الدرامية ..وثانيهما اللغة المنطلقة من ضمير المتكلم (نا) والمقترن بالضمير المخاطب (نحن).. المستنطق للحظة الشعورية عبر نسق لغوي قادر على توليد حقول تسهم في اتساع الفضاء الدلالي وجمالية الخلق الفني مع تركيز واقتصاد في الالفاظ المكتنزة بالرؤى والمعاني.. فضلا عن اتسامه بالوعي الذي يعني الموقف الفكري الملتصق بالانسان..

***

علوان السلمان

 

في المثقف اليوم