قراءات نقدية

قراءة في نص ولوحة

للشاعر اليوناني سيمونيدس (إن الرسم شعر صامت.. والشعر تصوير ناطق)

وللشاعر نزار قباني: كل الدروب امامنا مسدودة

وخلاصنا

في الرسم بالكلمات

..الشعر نشاط إبداعي جمالي قائمً على التخيل الخالق لصوره التي تحقهها المخيلة المنتجة..وتجسدها الالفاظ الشفيفة..فضلا عن عناصره المتمثلة بالفكرة والشكل والموسيقى والتخييل والالفاظ الموحية.. وهذا يجرنا لعوالم اللوحة التشكيلية التي تعد شكلاً من أشكال التعبير ورؤية فنية تقوم على اللون والصورة والخيال

ومهارة  التفكير.. هذا يعني انهما  يلتقيان في مصب واحد هو وجدان المستهلك (المتلقي) فيستفزان ذاكرته لاستنطاق عوالمهما وما خلف صورهما..كونهما يعبران عن (نشاط بشري يتمثل في قيام الانسان الفنان بإيصال عواطفه الى الآخرين بطريقة شعورية ارادية وبعلامات خارجية..) على حد تعبير  شارل لالو.

والخطاب الشعري الذي نسج عوالمه الشاعر(يحيى السماوي) متناغما واللوحة التشكيلية للفنان ستار كاووش ببنيته اللغوية والفنية المنفتحة على امكانيات التأويل..كون الشعر والتشكيل من التجارب الروحية والرومانسية التي ترتبط واعماق الذات الانسانية..فاللوحة كون تعبيري اسلوبا ومنهجا تقوم على (دراما تشكيلية) مشحونة بالمشاعر الداخلية التي تصور الانفعال..مع اعتماد عناصر تشكل نظرية (الجمال الفني) تتجلى في (الموضوع والشكل والتعبير والتوتر...)..

وجعي لذيذ فيكِ فابتدعـي

جرحا يزيد حلاوة الوجــعِ

*

لي فيك اطـــــــماع وأوّلها

ان تمنعي عيني من الطمعِ

فالنص يعانق اللوحة بعوالمها التي تكشف عن الأنثى..الحياة النابضة بالوانها وخطوطها المتناغمة كأوتار (الكمان) الندية التي تتمحور حول الحب والعشق بصوفية شفيفة من خلال توظيف مساحات لونية وخطية ذات منظور باصر وبصيرة طرية ثاقبة.. فضلا عن توثيقه بعض الرموزالمتمثلة بـ (طاقية الرأس والعيون المتقابلة وهي تعيش لحظتها العاطفية بدفء..وقد انتشرت بين عوالمها الانسانية  الوان  الطيف الشمسي  فكانت عنصر جذب مضاف.. كونها تنسجم ومناخاته الفنية والاسلوبية الحالمة.. وكل هذا اقترن بفضاء النص الذي يخاطب انثاه برؤية مشهدية تنتزع اللحظة وتسجلها بعناية ودقة مبتدءا بضمير المتكلم من خلال حوار ذاتي وحركة الزمن الخفي..اضافة الى اعتماد المنتج (الشاعر) خطابا يتسم بالواقعية التعبيرية المتميزة بالحركة مع اشتغال على سايكولوجية الشخصية انطلاقا من معطياتها وسلوكها وتحولاتها..

فأنا وانت لنـــهر عاطــــــفةٍ

ضفتان من طيشٍ ومن ورعِ

*

معك اختتمت العـقل ملهمتي

وبدأت انت لظى الجنون معي

فالنص يمتاز بنزعته السردية الموسومة بالحركية والتوتر مع مقصدية  رامزة.. فضلا عن تتابع الصور المازجة بين الحسي والذهني بتشكيل بصري يتحرك وحركة الذات وهو ينطوي على افقين مترابطين..اولهما افق التجربة الذي يقوم على صياغةٍ متابعةٍ للحدث وثانيهما افق التوقع المستقبلي(الجنون معا).. باعتماد لغة يومية شكلت المصدر الاساس في بناء النص وانجاز اللوحة بمفرداتها اللونية والحركية(خصلات الشعر والاقدام ونوافذ نصف عارية والعيون المتقابلة).. كل هذا يعني ان النص بكل تشكلاته واللوحة بكل مكوناتها يتخذان من الواقع منجمهما الذي يتكئان عليه لخلق ابداع متسائل..مزاوج ما بين الحياة واللغة الحرفية واللونية الاشارية.. مزاوجة المبنى في المعنى التي يلعب فيهما كل من التنقيح والطبع دورهما..

***

علوان السلمان

في المثقف اليوم