قراءات نقدية

دراسة في رواية (ليون الإفريقي) للكاتب أمين معلوف (1)

وقفة مع (كتاب غرناطة) انموذجا، مرجعية المروى إليه راوياً

الفصل الأول ـ المبحث (1)

مهاد نظري: ان ماهية العتبة العنوانية الأولى للنص، تتجلى امتداداتها وإشاراتها أحيانا من خلال سيميولوجية الأفعال السردية في النص نفسه، وغالبا ما تكون عبارة عن مرموزات وعلامات ضمنية تستشفها علاقات وأبنية الأحوال الخاصة من العمل الروائي، وليس بالضرورة أن تكون العتبة العنوانية، ذلك القدح الجوهري المقرون بقصدية ظاهرة في دلالات الوظيفة الأفعالية في مرسلات حالات النص.ومن هذا المضمار يحق لنا القول أن وظائف العنوان تنطوي على بعض من الوسائل الأدائية (الظاهرة ـ الضمنية) فهناك ثمة وظائف عامة تشترك فيها جملة العناوين إجمالا، وهناك بالمقابل وظائف خاصة بكل نص على حدة من وحدته الإحالية المتصلة بموارد مظاهر الإسناد والوصل والدلالة المزدوجة.

بناء النص بين استراتيجية التصدير والأوجه الشخوصية

من الابعاد العتباتية في مستوى رواية (يون الأفريقي) للروائي والمفكر الكبير الدكتور أمين معلوف ـ ترجمة عفيف دمشقية، ذلك الحاصل في مستوى التوطئة النواتية الأولى من زمن الرواية، وعلى ما يظهر لنا منها، العثور على تلك المساحة التمهيدية التي غدت نقلا عن خروج المرسل بذاته من خلال اداة اتخذت شكل وصوت السارد المشارك على ما يبدو من العتبة، دخولا بالعلاقة الدالة كمحور عاملي إلى فسحة قيمة تعريفية مفادها بأنه: (ختنت، أنا حسن بن محمد الوزان، يوحناـ ليون دومديتشي، بيد مزين وعمدت بيد أحد البابوات، وأدعي اليوم الأفريقي ـ ولكنني لست من أفريقيا ولا أوربا ولا من بلاد العرب.وأعرف أيضا بالغرناطي والفاسي والزياتي، ولكنني لم أصدر عن أي بلد، و لا عن أي مدينة، ولا عن أي قبيلة.فأنا أبن السبيل، وطني هو القافلة وحياتي هي أقل الرحلات توقعا./ص9 الرواية) من خلال هذه الوحدات يمكننا تشكيل تصورا ما عن أصول هذه الشخصية الرحالة على مستوى البناء الخارجي.

1ـ السارد المشارك وتعدد المروى إليه في المحكي:

إن العلاقة القائمة بين (المرسل ـ المرسل إليه) ليست هنا علاقة اتصال وواصلة سمة إنتاجية محدودة الأبعاد في التفاعل والانفتاح حول خلفيات الماقبل حكائية، بل إنها ملامسة في نقطة (المروى إليه) من جهة البعد السردي المتشارك والمتحقق من نقطة السارد المشارك نفسه.وقد نلاحظ جملة المرسلات الناتجة من جهات البناء (الداخلي ـ الخارجي) مبعوثة من خلال تشاركية الضمائر في المرسل الواحد إليه، ولكن هذا لا يعني بدوره سوى أن السارد المشارك، هو القيمة الضمائرية الجامعة في الإتيان بشتى الأصوات الشخوصية المصحوبة بالضمير الأنا الساردي الناظم والذي هو (حسن بن محمد الوزان) الملقب بـ (ليون الأفريقي) .تصادفنا في القسم الأول من (عام سلمى الحرة) المثبتة بتقاويم وتواريخ تتأرجح ما بين الوثيقة والمرجع والمتخيل معا، لغرض تدوين شواهد ولادة حسن بن محمد الوزان وكيفية إقامة المؤشرات الزمنية والمكانية والأحوالية على القيمة السيرورية لهذه الشخصية المروى عنها وإليها: (وافق وقوع شهر رمضان المبارك ذلك العام في أبان الصيف، وكان أبي نادرا ما يخرج من البيت قبل المساء لأن الناس في غرناطة كانوا في أثناء النهار ثائري الأعصاب كثيرة مشاجراتهم، وكان مزاجهم المعكر أية على التقى، لأن غير الصائم وحده كان قادرا على الاحتفاظ بابتسامة تحت الشمس المحرقة/ وقد ولدت بفضل الله تعالى ومنه في أواخر شهر شعبان قبيل بداية الشهر المبارك، فأعفيت أمي سلمى من الصيام بانتظار النفاس، وأعفي أبي محمد من التذمر، حتى ساعات الجوع والحر لأن ولادة أبن سوف يحمل أسمه./ص13، عام سلمى الحرة: الرواية) أن لهذه الموحدات من المسرود عنه ثمة إشارات ودلالات تأسيسية عميقة في إطار الموضوعة الفصلية الخاصة من بناء النص العام، وقد نستعيد في هذا الإطار الفصلي ما كنا قد أشرنا إليه في عتبة مبحثنا الأولى حول أن التعيين الضمائري في المرسل قائما على (مرسل إليه ـ منه وإليه) لكونه يتم ضمن وحدات الحكي على ضمائر متعددة، ولكنها تجري ضمن صوت وعلامة وموقع الشخصية ذاتها في مرسل الحكي.

2ـ خطاب الشخصية بين المنقول واللامنقول المباشر:

يكرس هذا النوع من الخطاب لذاته كونه خطابا اتسعت فيه وإليه المسافة بينه وبين منشئه اتساعا يمكن أدراك مواقع شخوصية ثانية، ولكنها في صوتها لا تفارق (صوت الراوي) من التركيز والتكثيف والمستوى من وظيفة الإيصال: (ينفخ صدره بشكل خفي لجرد سماعهم ينادونه أبا حسن، ويمسد شاربيه ويخلل لحيته بإبهامه على مهل وهو ينظر بطرف عينه نحو مخدع الطبقة العليا حيث كنت مقمطا في مهدي./ص13 الرواية) يتبين من هنا أصوات الشخوص وهي تتقاطع في موصوف أحوالها على لسان حال السارد المشارك الذي هو ذلك الطفل المقمط في المهد. ولا يقتصر أمر صوت السارد المشارك هنا على نقل الأحداث المروية، بل أنه يستحدث تشكلات فضاءات الأحداث وعلاقاته بها، كونه هو ذاته المركز في السيرة الذاتية لمستوى الوقائع.

3ـ الخطاب المروي بين الإيجاز الظرفي والمشاهدة الداخلية:

يبقى هذا النمط من الخطاب، ما يشكل بذاته استدلالا على إن حدثا ما قد كان متعلقا بهوية السارد المشارك نفسه، وقد قامت بإنجازه شخصية أخرى في موضع المسرود، ولكن عندما نعاين في محددات هذا المروي عنه، نتنبه إلى أن صوت السارد المشارك قد أخذ يعاين الخطاب (من الداخل المروي) خلافا لطبيعة الخطابات الأخرى، نادرا ما يكون هذا النوع من الخطاب خارجيا، ليكون بؤرة الحدث الملامسة للسارد من خارج زمن حضوره الإحصائي والنواتي في زمن الحكاية: (وقد قالت لي أمي: كنت حرة وكانت جارية، ولم يكن الصراع بيننا متكافئا .. كان بوسعها أن تستخدم على هواها جميع أسلحة الغواية، أن تخرج من دون حجاب، وأن تغني وترقص وتصب الخمر وتغمز بعينيها وتتعرى./ص14 الرواية) على ما يبدو من خلال مؤشرات السارد والمسرود، بأن هناك شخصية منازعة لسلمى، وهي وردة تلك الفتاة الأنصارية التي حملها معه والد حسن إلى البيت وكان قد اشتراها من جندي حيث كانت أسيرة لديه في غزاة بجوار مرسية، تخبرنا بهذا وذاك أخبار الرواية، وقد أطلق عليها والد حسن أسم (وردة) فيما شغلت لذاتها أحدى غرف البيت الكبير المطلة على باحة الدار: (وألا أظهر كذلك أي اهتمام بملذات أبيك .وكان يدعوني ـ بنت عمي ـ وإذا تحدث عني قال بإجلال ـ الحرة ـ أو العربية، وكانت وردة نفسها تبدي لي الاحترام الواجب على خادم حيال سيدتها..وأما في الليل فكانت هي السيدة./ص14 الرواية) من خلال البنية النصية ذاتها تتمحور حركات وأدوار شخوصية عديدة، ولعل أكثرها بروزا كسارة القرمشية تلك النجمة الفاسدة التي تحسن الظهور بهيأت من يعرف كشف الطالع، وقد قامت بأدوار من يحسن فك الطلاسم عن عقدة المسحور من قبل الجان، وقد انتهى الأمر بحمل سلمى بجنينها الذي هو حسن بن محمد، ليس إلا بعد أن حملت وردة هي الأخرى: (كانت الأثنان تحملان ذكرين، فمن التي ستلد قبل الأخرى، وكانت سلمى وحدها القلقة إلى حد الأرق، لأنه يكفي وردة أن تضع ثاني الصبيين، أو حتى بنتا، إذ إن الإنجاب يكفل لها في شرعنا وضع المرأة الحرة من غير أن تفقد مع ذلك الدلال الذي يسمح به أصلها كجارية ./ص15 الرواية) .

حركية الزمن المنقول وديمومة حال الناقل المتماثل

وفي مستويات خاصة من سياق الروي والمسرود، نلاحظ مراحل إمكانية منقول الأحداث والأفعال من خلال وعي السارد المشارك، وقد شارف على كشف المسكوت عنه في جملة متعلقات المواضع الأكثر اندراجا في إعطاء الملامح الأكثر دلالة ودليلا.ولكن تبقى هناك حالات من الدلالة المعزولة ومواقعها الموغلة في تعاقب دورات الزمن ـ إذا صح القول ـ فهناك طابع المقابل الزمني للسارد الشخوصي نفسه، فمهما كان قريبا من زمن مسروده عبر أفعاله وأحداثه، لا يمكننا تجاهل دوره بحكم كونه شاهدا على ما كان منقولا لديه من خلال مرويات أمه ووالده معا، ولكن هل إلى هنا ويتلخص دوره بمحض كونه كسارد؟ لابد أن من صيغة ما تحدد دوره كشخصية في النص، صحيح أن ما قام بكشفه لحد الآن ما يفسر بأن زمنه يقع ما بين الطفولة أو الصبا، ولكن يفترض أن يكون لحضوره من تماثلات وتمثيلات أدائية مرجحة بالأفعال لا المنقولات والمرسلات التي تحدد صوته كساردا؟ .

1ـ ختان المولود والمأدبة وانطفاء الشمس:

بموازاة تتابع المرويات في رحلة أحداث الرواية المسرودة، نقف على حدث الختان للمولود حسن بن محمد كوحدة مسرودة في وظيفة السارد نقلا عن استذكارات والدته سلمى: (لطالما أتاح الختان في بلاد الأندلس فرصة الاحتفالات التي تنس فيها تماما المناسبة الدينية التي يحتفل بها..أقسمت لي والدتي في ورع أن الضيوف لم يشربوا في تلك المأدبة غير شراب اللوز..ولقد امتنعت أن تضيف أنه إذا لم تكن قطرة خمر واحدة قد صبت فإنما كان ذلك احتراما للشهر الفضيل./ص20 الرواية) ولأجل توسيع أفق المسرود الآتي من على لسان السارد نقلا عن والدته، يمكننا أن نلاحظ حالة التمهيد إلى الحديث حول طبيعة الطقوس والشعائر في ممارسة الختان لدى العوائل في الأندلس، ولأننا لا نعلم جيدا ما طبيعة التخلق في ممارسة الشعائر في هذه المأدبة، سعى السارد المشارك إلى ذكرها كصفة تفاعل وانسجام عبر فرضية كون لولادة الأولاد رمزية خاصة متباينة في تحصيل الإحالة المقرة إلى أن الرجل هو الفارس في زمن مشروع الحكي في مادة الرواية.وفي هذا السياق نتعرف من الأخبار والإضاءة المسرودة في أحداث المروي، حول ذلك العرض العسكري الذي كان يقيمه السلطان أبو الحسن علي، فقد قرر هذا السلطان أن تقيم ممارسات عسكرية كبيرة لغرض الاستعراض بمهارات الجيش: (وكان هذا السلطان قد أقام على التلة الحمراء في قصر ـ الحمراء ـ قرب ـ باب الخيانة ـ مدرجات كان يجلس عليها مع حاشيته كل صباح ويستقبل عماله ويصرف شؤون الدولة ./ص22 الرواية) وما يجذب الانتباه في وحدات المروي للأحداث المستذكرة، تلك العلاقة المرجعية التي تستحضر كمقاربة في ذاكرة الشخصية المشاركة ، يضاف إليها إفساح المجال نحو قصديات اكساب وعي التلقي ذلك الضرب من معرفة زمن الأفعال الواقعة في حيوات الأزمنة الماضية من حياة محكي الأم إلى ولدها، الذي هو بحد ذاته يشكل مرحلة وقائعية محورية في قلب الرواية: (واخذت أمي تستعرض ذكرياتها عن ذلك اليوم فقالت: لقد صحنا وصفقنا طوال تلك الصبيحة على ضربات الطبلة التي كان يحاول في أثنائها الفرسان البربر الزناتيون الواحد بعد الآخر أن يصيبوا هدفا خشبيا بعصيهم / وفجأة ظهرت غمامة سوداء فوق رؤوسنا ..وقد كانت من السرعة بحيث شعرنا بأن الشمس انطفأت وكأنها مصباح نفخ عليه جني ./ ص23 الرواية) في الحقيقة تبنت الرواية في موضوعاتها شطرا مرجعيا خاصا، فمنه ما يخص ذاكرة الأم وحادثة هولها من ذلك الطوفان الذي قارب في ابعاده مرجعية طوفان نوح، كذلك تسعى الرواية في مكوناتها إلى مقاربة عناصر الفئة الحاكمة في غرناطة وكيفية مشخصاتها الجارية على توسيع المتخيل الميتا تاريخي في عوالم خصبة من الإيحاءات في الخطاب المروي إليه عبر محاور الذاكرة والإنصات إلى أسرار النص الروائي ذا الترسيمات المتشعبة في التركيب والاستشهاد والتأويل: (أن أمي لن تنسى أبدا الصورة التي كانت تتمثل لعينيها طفلة مذعورة، كما لن ينساها جميع من كانوا في غرناطة في يوم العرض المشؤوم ذاك./ص25 الرواية)

كابوس الطوفان وضحايا سلطان غرناطة.

1ـ تحولات الأحداث في دوائر مأهولة:

لعل الروائي أمين معلوف أراد من وراء الأبنية الأولى من زمن المروى إليه راويا، الإقرار بأن الوقائع المرجعية في مسار حياة المادة التأريخية المتخيلة، يعوزها الكثير من (شواهد الوثيقة ـ التدوين ـ الرواة) لذا كان عليه أنشاء القيمة في مساحة الاتفاق المروي عن رواة الإرشاد أو الحكي بما يناسب حقائق الأوضاع المشهودة في سياق المادة المرجعية المفترضة نصا روائيا، فضلا عن هذا هناك علاقات مفرطة في نقل حرفية الأخبار والشواهد عن طريق جهات الرواة ومتوالياتهم المتتالية.توفر هذه التوصيفات في محتوى المتن المرجعي للنص، جملة كبيرة من صراع الشعب الغرناطي إزاء حكومة السلطان المفسد أبا الحسن عليا بن سعد النصري، سلطان غرناطة الحادي والعشرين، فكان هذا السلطان قد خلع السلطة عن أباه وأودعه السجن، ليتربع على عرشه، وقد قام هذا السلطان بقطع رؤوس أبناء أشرف عائلات المملكة.ومن حهة أخرى نستشف من المروى إليه راويا عن أمه: (كانت جريمة السلطان التي لا تغتفر في نظر أمي هي هجرة زوجته الحرة، أبنة عمه فاطمة بنت محمد الأيسر، من أجل سبية مسيحية أسمها إيزابيل دو سوليس وقد سماها هو ثريا./ص27 الرواية) لعل هناك بعض من أوجه التقارب في مسار التحولات بين مصير والدة السارد المشارك وتلك الزوجة للسلطان خصوصا وإنها تشاطرها ذات الدور والوضع من زواج زوجها عليها تلك المظية وردة، ولأنها أيضا أبنة العم لزوجها فقد حزت في قلبها هواجس الكره والبغض لذلك السلطان .. وقد تجاهل السلطان كل محاذير بعض الوعاظ والناصحين له من هول الحرب مع المسيحيين وذلك يعود بسبب التهمة الموجهة إليه بتفضيل رومية المسيحية على أبنة عمه، و إهمال الجيش، وسلخهم كل أعوامه في حياة لا مجد فيها ولا أدنى درجة من درجات الفروسية والعزة: (لفتوا نظرة إلى أن أراغون كانت قد ربطت مصيرها بمصير قشتالة بزواج فرديناند وإيزابيلا، وأن عليه أن يتحاشى أدنى ذريعة قد يتخذانها للهجوم على مملكة المسلمين./ص30 الرواية) وسرعان ما دارت عجلة الحرب الطاحنة ولم يكن في إمكانية المسلمين أن ينتصروا فيها، وبالقدر نفسه من الأمر رافقت هذه الحرب حربا أهلية ماحقة، وقد كانت النتائج الأخيرة هي حاصل إقصاء أبا حسن من الحكم بعد انتصاره في معركة الزهرة: (وعلقت سلمى على الخبر بقولها:لقد شاء الله أن يخلع أبو الحسن في يوم نصره، مثلما أرسل عليه الطوفان يوم ـ العرض ـ ليكرهه على إحناء ظهره أمام خالقه ./ص31 الرواية).

2 ـ الحرب الأهلية: بين الانتقام وتصفيات الحساب:

كما تبين لنا من خلال شواهد التشكيل المسرودي أو المحكي إليه راويا، بذلك الشكل المتبع في متواليات المتن النصي، حيث الزمان والمكان في نظام من حالات مروية إلى خلوصية تفاعلات الراوي المشارك نفسه، إذ تبدو لنا المساحات الفضائية من تحولات المروى إليه وكأنها (خطاطة رواة) على نحو من الموضوعية النقلية ذات الهيئة المحكية، لذا بقيت (عين السارد) تنقلان إلى ذهن التلقي جملة علاقات الصيغة والمسافة والتأشير في متواترات فضاء المحكي عن الأحداث المروية.تتبين لنا مظاهر اندلاع الحرب الأهلية في مدينة غرناطة، بعد أن لم يكتف السلطان العجوز بهزيمته من جيوش أبنه، فراح يجمع من هنا وهناك كتائب من الأنصار لغرض الانتقام من أبنه، وقد تحولت المملكة على حس أخبار الرواة إلى إمارتين عدوتين: (وتتذكر أمي وتقول: ها قد مرت سبع سنوات من الحرب الأهلية ..سبع سنوات من حرب يقتل فيها الأبن أباه، ويخنق الأخ أخاه، ويرتاب الجار في جاره، سبع سنوات لا يقدر فيها الناس في ضاحيتنا ـ ألبيسان ـ أن يذهبوا ناحية جامع قرطبة من غير أن يستهزأ بهم أو أن تساء معاملتهم أو يضربوا أو حتى أن يذبحوا في بعض الأحيان ./ص31 . ص32 الرواية) .

3ـ المروى التخاطري بين دخول الأصوات وتناوب ضمائرية المروي:

ومن المرويات وأشكالها في متواليات المتن الروائي، ما يتعلق بدخول صوت ماذا دلالة خارج النسق المروى، ليتوقع فعلا داخل دائرة المسرود في الحكاية، كما جرى الحال ها هنا قاب قوسين: (مازالت سلمى أختي غارقة في أحلامها؟ لقد حول صوت خالي الأجش أمي إلى صبية صغيرة .. ووثبت على عنق أخيها الأكبر وغطت جبينه وكتفيه، ثم ذراعيه ويديه، بقبلات حارة وكتومة..ورق لها .ولكنه، وقد شعر ببعض الحرج إزاء هذا الدفق من العواطف الذي زعزع وقاره./ص32 الرواية) ودون اللجوء إلى خطاطة ضبط الشكل وف زمن ظهور هذا الخال، يمكننا أن نكتشف إمكانية التوافق بين زمن تداخل المروي إلى زمن الخطاب المسرود، كما وأن هذا التأن تشييع دخول شخصية الخال من قبل إشارة السارد، ماهو إلا خطوة غير مثبتة في حوادث التدرج في أحداث النص.ولكن يمكننا عدها حركة ضمنية ما تتجلى في نقطة تمهيدية خاصة من ظهورات التكوين المخاتل للمنظومة المروية في شعاب الحكي المروي إليه راويا.

ـ تعليق القراءة:

لا يمكننا القول في ختام دراسة مبحثنا الأولي من الفصل الأول هذا الجزم بـأن الباحث في معاينته للنموذج أو الأثر المرجعي في معالجات أو إعادة إنتاج المادة التأريخية في حاضنة ما من النوع السردي، التصرف الكامل بمدركاته النقدية التي يقارب فيها ذلك النص المدروس.فرواية معلوف (ليون الأفريقي) من النصوص الروائية التي اعتمدت آليات المرجع المتخيل الموظف في علاقة مبنية ومتكونة من (المروى إليه راويا؟) وهذا الفاعل المروي إليه هو أيضا الراوي العليم والمشارك في النص تمثيلا، ولكن كا قام به أمين معلوف في متواليات سارد المشارك، أن جعل منه من يتلقى الأخبار والشواهد من خلال بؤرة عين الرواة، وهذه العلاقة الواردة بين المروى إليه والراوي معا، هي بحد ذاتها عملية استنطاق إلى الزمان والمكان والشواهد والأحوال، ثم إلى حقيقة موقع محور السارد ذاته وبذاته كعلامة خاصة من الإحاطة بالمادة المرجعية، ولكن هل لنا أن نتساءل قليلا؟ حول مدى صدقية الذات الفاعلة في بث مسرودها نحو جهة ذلك السارد المستقبل والبات معا.؟ أيمكن لنا القول مثلا بأن لا وجود للسارد كوظيفة في المتن وإنما هو (المؤلف الضمني) على نحو ما من الإنحاء؟ في الواقع أن طبيعة التوطئة في العتبة الاستهلالية من الرواية توعز لنا على وجود دال السارد المشارك بدءا ولكننا بعد دخولنا متن المستوى المحكي إليه روائيا، لاحظنا بأن أمين معلوف أراد أن يباشر حدود مرجعيات المادة التاريخية من خلال شواهد إحالية من ضمن نطاق الزمن والهيئة الوجودية للحقبة المتعينة في حروب غرناطة، لذا وجدنا في ذلك الحال الأسلوب غدا معتمدا على حكاية المروى إليه روائيا، استشهادا ومؤشرا على حقيقة الصحة المرجعية، وعلى أحوال دلالات التخييل اللاموقعية من خلال مشخصات ومنقولات السارد المستقبل ليكون باثا للمسرود في النص كما إمكانيات خاصة في فعل الروي المنفتح نحو تعدد التأويلات والمعالجات المتخيلة في صناعة المروي الروائي.

***

حيدر عبد الرضا

في المثقف اليوم