قراءات نقدية

العلاقة بين التأويل والمعنى (يحيى السماوي نموذجا)

العلاقة بين التأويل والمعنى (يحيى السماوي نموذجا)

أول ما يمكن أن ننطلق منه هو فهم التأويل كماهية، فهو كما يفهمه صاحب كتاب دلالات الأصوات نزوع الوعي الإنساني إلى التحقق والنمو وتجلّي الوعي الفني لدى المبدع في محاولات الإنجاز الفني وإظهار لمقدرة الإنسان في الأداء والبناء (دلالات الأصوات ص267) .

إلا أن إشكالية التأويل كمصطلح فناتجة عن أن المصطلح منشؤه في العلوم الفقهية الدينية قبل ارتباطه بالنقد لذا قد نجد بعض الترابط والتمازج مع التفسير والتوضيح فهو أحد فروع التفسير إذ إن التأويل أمر يختص بتفسير الأشياء الغيبية مما لا يتعلق بالألفاظ والمفردات اللغوية، فالتأويل هو تفسير إشارات واستلهام معانٍ من مفردات وحوادث ووقائع مما لا يخضع للمعايير التفسيرية المحكمة التي لا يملك المفسر فيها حق الخروج عن مقتضى الدلالات اللغوية. (التفسير والتأويل موقع فوائد) وحتى الفلاسفة حينما تصدوا له لم يخرج عن الفهم الديني للمصطلح فالمعاصرون لا يعتبرون التأويل مفهوما فلسفيا. رغم أنهم مارسوا التأويل لا كأسلوب في التفكير فقط بل كآلية لبناء أنساقهم الفلسفية وعرضها على الناس منذ بداية تاريخ الفلسفة . (حول مفهوم التأويل ص33)

ومع كلٍّ من غدامير وبول ريكور أصبح التأويل الفلسفي تفكيرا نقديا على أكثر تأويلات الوجود الإنساني، بول ريكور، صراع التأويلات 1966(مدخل إلى أسس فن التأويل ص89 مترجم) ويتجلي فهم التأويل بما عرضه صاحب دلالات الأصوات مع ريكور فهو يرى النص من خلال التأويل، عبارة عن رموز، والرمز كما يحدده يحمل معنىً أوليا وآخرَ ثانويا. ومن خلال الأول يمكننا الكشف عن الثاني، ومن ثم بلوغ فائض المعنى فالدلالة الرمزية إذن مشكلة بحيث لا نرى منها إلا الدلالة الثانوية عن طريق الدلالة الأولية، حيث تكون هذه الدلالة الثانوية الوسيلة الوحيدة للدنو من فائض المعنى، والدلالة الأولية هي التي تعطي الدلالة الثانوية بصفتها معنى المعنى (نظرية التأويل، الخطاب وفائض المعنى ص97)

وفي العموم يمكن اعتبار التأويل أداة للمعرفة للمستقبل فالعمل الأدبي هو عمل ماضوي أما القراءة له فعمل مستقبلي، لذا فالبيان هو محور التأويل ويصبح النص الأدبي أو المنجز الفني القائم على المجاز مجالا خصبا للتأويل لكشف المستقبل أو رؤية النص له وبمعنى آخر هو تصالحي مع النص لإدراك فنياته ودلالات المعنى عن طريق بيان المتفق من خلال استعراض المختلف في النص .

والتأويل ذاتي الانطلاق والوصول فهو سعي بوعي فردي وبصفة التفرد يفرق عن الحس الجمعي الذي يتصف بالموضوعية والذي هو حاد جامد فالتأويل كأداة فردية تصب اهتمامها على لغة الخطاب للبحث عن ممكنات هذا الخطاب بإبراز الجانب المعرفي المفتوح للمنجز ويتجلى التأويل في غزارة المعنى في النص وثراء البنية المجازية أو الصياغات المفاجئة، ومناطق العمى في حقيقة الأمر هي الباعث على التأويل والموجه لاستكشاف معانيه الأدبية ولهذا فإن مفهوم التأويل يتحقق في كونه حاضراً يستشرف المستقبل أو غائبا عن التحقق يسعى للظهور أو مختلفا يتوق إلى التوافق مع الآخر (دلالات الأصوات ص273)

وبناء على ذلك فإن التأويل تتجلى مهامه في إيجاد المسافة التي تبعد المتلقي عن إدراك المعنى الخفي ويكون ذلك بالتحايل عليها عن طريق التأويل والذي يمكن له أن يضيء المناطق العمياء التي لا يصل إلها المتلقي فلا يبصرها أو يبصر خيالها التي تكشف له المراد والمقصود، ولهذا فإن التأويل وسيلة إدراك وأداة معرفة يصل بها الوعي الإنساني الحاضر بالغائب والماضي بالمستقبل والمختلف بالمتفق والمجاز بالحقيقة والسطحي بالعميق والظاهر بالمخفي وهذا كله يتحدد بقدر المسافة بينها والتي تكشفها عمليات التأويل .

فالمسافة بين الثنائيات السابقة هي بالضبط محور ومصب اهتمام التأويل، بناء عليه فإن التأويل كعملية يأتي كنتيجة لفاعلية الوعي داخل الإنسان عقليا وتفاعلات العمليات العقلية بفيوضات الوجدان كحدس فعمليات التأويل تمازج وتماوج للعمليات العقلية والوجدانية متحدة معا لخلق المعنى الفني أو الأدبي أو الإبداعي .

ولهذا أيضا فإن التأويل يرتقي لأن يكون ناتجا بين ثنائية الفهم (عقليا ووجدانيا) والنص وبهذا يكون هناك مثلث التفاعل التالي: النص والفهم والتأويل أو التفاعل العقلي والوجداني وهي مقابلة نتجت عن ثنائيات الذات والموضوع هذه الثنائيات إطار التأويل والمعنى هو المحرك للعملية التفاعلية والتي تصدر بدورها ثنائيات أخرى كالتالي (الذات والوجود) و(الوعي والإيجاد) و(النص والإبداع) و(الفعل أو الممارسة والتعبير) و(والتمظهر والموجودات أو الممكنات) والأولى تنتج فاعلية التأويل والثانية تنتج روح وعقل التأويل والثالثة طريقة التأويل والرابعة تنتج كيفية التأويل والخامسة تنتج إدراك التأويل علما أن شرط هذه الثنائيات التجادلية تكاملية في آن واحد إذ إنها صدى للآخر وصوت له .

والسؤال الذي يمكن أن يلح على المتابع يقول: ما الإبداع في التأويل للخطاب الشعري؟ . وتأويل النص الشعري هو في حقيقة الامر إنجاز للمعنى الفني إذ إن الخطاب الشعري يكتسب طاقته الهائلة بالمجاز وأهم ما في المجاز ليس المصرح به بل المسكوت عنه وما بينهما المسافة والتي هي ملعب التأويل ومحور ثنائياته، ذلك أن المسكوت عنه جزء في بنية الشعر وناطق العمى وسياقات خلق المعنى جزء من عناصر الإبداع (دلالات الأصوات ص283)

وبذلك فإن النص الأدبي أو المنجز الفني ليس هو صياغة لمعنى ما بل هو محاولة لاكتشاف معنى وبهذا فإن الناقد لا يبحث عن ارتباط أجزاء النص أو الصورة كظاهرة بل في كونها معنى عليه أن يكتشفه وبناء عليه تتعدد المناهج للوصول إلى هذا المعنى ويتعدد المتلقون بل ويتعدد النص بالنسبة لهم وعليه تصبح القراءة للنص الشعري أو المنجز الفني في العموم خلقا لمعنى لا إظهاره فالظاهر متاح للجميع وعلى الناقد البحث وتكثيف عملياته ومناهجه للوصول أو باكتشاف المسافة وهو بذلك لا يسعى للموجود بل لإعادة اكتشافه وتقديمه والتركيز على أداوته فالشاعر ومنجزه لا ينكر الوجود بل يعيد صياغته أو اكتشافه والقراءة بناء على ذلك كشف للخفي وإضاءة للعمى لهذه المسافة بين التمظهر والتخفي للوجود .

لهذا فإن من أكبر الخطايا اعتبار الشاعر في نظمه أو بناء منجزه الفني على وجه العموم يعبر عن فكرة وأن ما يطرحه على سبيل التكوين والتجسيد للفكرة وإنما هو في حقيقة الامر يحاول من خلال منجزه أن يكتشف من خلال لاوعيه والذي يتمظهر من خلال وعيه في البناء الأسلوبي للمنجز لرؤيته للموجودات والعالم وصلاته بهم ليكتشف لا ليجسد هذه العلاقات وعلى الناقد أن يوظف أدواته ومناهجه لإعادة صياغة المنجز واكتشاف اللاوعي من خلال التأويل والبحث في مناطق العمى والمسافة في المجاز، وإذا كان الشاعر يحاول من خلال منجزه اكتشاف ذاته وعلاقاتها بما حوله فإن المتلقي من خلال التأويل يعيد اكتشاف الشاعر واللاوعي فيه حسب ما ينتجه من معنى فني، وحينئذ فإن المتلقي يمارس خلق المعنى من خلال التأويل ما يعني إبداعا آخر ومبدعا ثانيا للمنجز، فإذا ما تعدى ذلك إلى تحديد معطياته الفنية داخل المنجز كان ذلك وعيا بخصوصية الإبداع .

فالشاعر طرفة بن العبد يقول:

  لِخَـوْلَةَ أطْـلالٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَـدِ     تلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ

  وُقُـوْفاً بِهَا صَحْبِي عَليَّ مَطِيَّهُـمْ   يَقُـوْلُوْنَ لا تَهْلِكْ أسىً وتَجَلَّـدِ

فالبناء قائم على جملة أساسية (لخولة أطلال) اسمية ثابتة أي حقيقة لا يمكن إنكارها هذا من جهة والتقديم والتأخير يقدم التخصيص لهذه الحقيقة وهذا هو المعنى الظاهر فما يمكن أن نقدمه أولا لنعيد اكتشاف علاقة الشاعر بهذه الحقيقة، وعليه يجب أن نسأل ما دلالة خولة (حبيبة كمعنى ظاهر / حياة كمعنى خفي / لذة كمعنى متعدد يحوي الحياة) يقابل ذلك أطلال (ما تبقى من الحبيبة / ما تبقى من الحياة / ما تبقى من اللذة) هذه الثنائية للجملة والدلالات التي يمكن أن تنتجها تجعل الحقيقة الثابتة لدى لا وعي الشاعر تمظهر حقيقة أخرى للحياة التي تؤول إلى الفناء فالشاعر ناء على ذلك لا يقف أمام حقيقة العلاقة بالحبيبة بل بالحياة التي تمثلها الحبيبة كدال على مدلول لمعنى خفي ولهذا أيضا ربط هذه الحقيقة لترسيخها بالتشبيه بالشاعر لا يقف أمام الطلل فقط بل كتمظهر لدى اللاوعي لديه ويمكن اعتبار فعل (تلوح) كدال على رؤيته لا كتمظهر للطلل وعليه يتوازى فهم البقية ولماذا كان ذلك في اليد وهل كان يقصد البقية لليد أم للقدرة فالوعي يمكن أن يعيد إظهار الدقة وتفاعل الوعي وفيوض الوجدان يمكن أن تعيد اكتشاف التفاعل لإظهار المخفي وإضاءة العمى .

كذلك لدى يحيى السماوي فالسماوي يقول:

لي ما يُبَرِّرُ وحشتي هذا الصباحَ

كأنْ أَغضُّ الطَرْفَ عن وردِ الحديقةِ

وابتهاجِ ابني بأفْراخِ الحَمامِ

فالنص أيضا يقوم على جملة أساسية (لي ما) وتلعب جملة صلة الموصول التي لا محل لها أو تدخل في السياق إلى توضيح ما الموصولة ترتكز على المعنى الخفي فالجملة تقوم على التقديم والتأخير أيضا ما يعني التخصيص بمحتوى جملة صلة الموصول (يبرر وحشتي هذا الصباح) فالشاعر هنا استبدل الأطلال بالصباح واستبدل الحالة بالوحشة وهنا التقابل بين الشاعرين فالأول يكون حقيقته في العلاقة بين محسوسين يدلان على معنويين والأول منهما خولة / الحياة / اللذة والثاني الأول الوحشة / الابتعاد / الإشكالية والطرف الثاني لدى الشاعرين الأول (الأطلال / النهاية / الفناء) والثاني (الصباح / الحياة / الانبثاق والتجدد) فالإشكالية لدى الشاعرين عكسية تبع العصر الذي أنتج والفهم الذي بنى والرؤية التي اكتسبها فطرفة يرى الحياة واللذة هي توازي الفناء أو المصير المحتوم لهما والسماوي يرى الحياة والتجدد في الحياة توازي الوحشة والاغتراب والإشكالية وكلا الشاعرين يعبران عن اللاوعي لعلاقة الذات بالوجود والعالم والموجودات والنص معا وعليه يتدخل التشبيه في صلب تمظهر الوحشة بالغض عن الجمال فالأول يقف على الأطلال التي يراها المصير والثاني يقف على الإشكالية التي يراها تكون الحياة

ولعل ما سبق يكون ترجمة لعمليات التأويل والبحث في المسافة والعمى للمعنى الفني وأدواته .

والنص الذي يمكن أن يكون قابلا للتأويل هو ذلك الذي يقاوم الخطاب المباشر والمتلقي معا وهو ذلك المتمرد على سطحية الفهم والقائم على الانفتاح والقابل للتحريك والتجدد . فهو أي النص القابل للتأويل يضيف للمتلقي أبعادا جديدة لا من خلال ما يصرح به وإنما من خلال المسكوت عنه وما لم يقله المبدع وإنما ما أشار إليه فالبنية المجازية تستدعي آلياتها لتضيء العمى في مساحة التأويل وقد يبدو النص في الوهلة الأولى مضطربا مفككا إلا أن التأويل يقوم بدور الربط وإنشاء العلاقات بين الوحدات الفكرية ليعيد صياغة المعنى .

وأما بواعث التأويل فهي تختلف بالنسبة لعلاقة النص بأطرافه فبواعثه للنص يعني أدواته من مجازات ورموز وأقنعة بلاغية وأخرى للأساطير وأساليب متنوعة بلاغية بأنواعها من فروع البلاغة وعلومها وبالنسبة للمبدع فهي المحرض الجمالي له وموقفه منها والأيدلوجية التي بني عليها رؤية لا نصه وبالنسبة للمعنى فإن بواعثه تبني حسب المعنى ذاته فهي معيارية للمعنى الفني أي حسب معايير الفنية في النص وفلسفية للموقف والمحرض الجمالي ويجب أن تتعانق هذه الاتجاهات وتتكاتف وأما لدى الناقد فإن بواعث التأويل تتمحور في خلفيته وثقافته من حيث الفنية والجمالية والأيدلوجية والنفعية أو الوظيفية والتي تفرض نفسها عند التأويل .

ولا يجب ان يكون التأويل محاولة قصدية للكشف عن مقصود المبدع إذ إن هذا الاتجاه يذهب بالمعنى الفني إلى معنى نفعي تعليمي، فما بين النص ولحظة إبداعه يكشف المبدع فيها معنى نفسي أولا قبل أن يهم بالتعبير عنه ولحظة الاختيار لأسلوب ما للتعبير عن هذه اللحظة هي لاوعي لدى المبدع تعكس كيفيته في الرغبة عن كشف لمكنونه أما لدى المتلقي والناقد فهو معايير، لذا حينما تسيطر الأيدلوجية فإن نزعة الالتزام تهدم هذه المساحة التي بين تمظهر الكشف واختيار الأسلوب وأصبح الفهم الوظيفي هو السائد والمعنى تعليمي بامتياز وحينئذ يكون المعنى مغلقا غير قابل للتأويل

لهذا فإن أهم سمة للنص الرفيع هي مقدار المساحة المسكوت عنها والذي أتاح للتأويل أن يكشف توهج لحظة الإبداع للاوعي لدى المبدع، فالنص الرفيع لا يقول ما لديه تماما ومن ثم يأتي التأويل ليكمل ويتمم . يقول يحيى السماوي:

في الوطن المحكوم ِ

بالإعدامْ !

*

يحدثُ أن يُـقـتَلَ عصفورٌ

لأنَ ريشـَـهُ

ليس بلون ِ جُـبَّـةِ الإمامْ

*

يحدثُ أنْ يُـصْـفـَعَ ظبيٌ

في الطريق العامْ

*

لأنه لم يُطِـل ِ اللحية َ..

أنْ تـُطـْـرَدَ من ملعبها غزالة ٌ

لأنها

لا ترتدي عباءة ً طويلة َ الأكمامْ

*

يحدثُ أنْ يُـدَكَّ حيٌّ كاملٌ

وربما

مدينة ٌ كاملة ٌ

بزعم ِ أنَّ ما رقا ً

أقامَ في بيت ٍ من البيوت ِ

قبل عامْ !

فالشاعر حينما يتناول الوطن إنما يتناوله بزاوية المفردات لا المعنى الكامل هذا الموقف في اختياره يعكس فهما للوطن حيث لا مساحة ولا نظام ولا مفهوم اعتيادي للوطن فالوطن هو ما يحتويه لا بما يفهمه المعنى السطحي من مساحة جغرافية وأيدلوجية لذا فإن اختياره للرموز (عصفور / ظبي / غزالة / مارقا) هم محتوى الوطن وفهمه لدى الشاعر الوطن هو ذلك الإنسان لا الجمادات والموجودات ما يجعل التأويل هو السبيل للكشف عن مساحة العمى ويتمم ما لم يقله النص وإنما أشار إليه وهنا على التأويل أن يبنى أو يعيد بناء العلاقات بين الدال والمدلول فالعصفور / الحرية وعلاقتها بفهم الوطن لدى الحاكم . هذه التجادلية تنشئ فهم الإعدام وتعطي مساحة المعاناة لا في الإعدام وإنما بواعثه ومسبباته ويمكن للتأويل أن يرسم فهم الحاكم للمواطن وللوطن داخليا وخارجيا لدلالات (تشابه اللون / طول الحية / طول الأكمام) ويمكن للتأويل فتح مساحة للمعنى أيضا لمدلولات هذه المواصفات لشخصية الوطن ويصبح الفهم لسمات الوطن ليس في الرموز فحسب أو مدلولاتها وإنما يمكن للتأويل أن يضيف مساحة ثالثة هي دلالات الفعل وماهيته للرموز (ليس بلون / لم يطل / لا ترتدي) والمدهش أن الأسلوب قائم على النفي فالمعنى لا يكون في فهم النفي وإنما في وضع الإثبات له الاختيار ليكون التركيز على حالة التقييد وعدم الاختيار كمسبب للإعدام ناهيك عن فهم الإعدام كحالة تقييد لا إنهاء الحياة ومن ثم لا يكون غريبا أن تكون الحالة الأخير قائمة على الإثبات (يدك) لانسحاب الدلالة على الكل لوجود الفرد وهو يعكس أولا باعث السعي للحرية وباعث الحذر من التقييد خوفا من موت الوطن قهرا لا اختيارا .

فالنص يمكن أن يعطي كما سبق لمساحة التأويل على مستوى الجمالي ويمكن أن أيضا على المستوى بنى الأسلوب فالمسند شبه الجملة الخبر المركب يسند إلى المبتدأ المركب أيضا فالعلاقة تعني مركبة وليست مباشرة محددة ما يجعل الأسلوب مبعثا للتأويل كذلك ويمكن فهم مدلول الإسناد ويتم التوسع في فهم التخصيص المقصود وتراتبيته من حكاية العصفور والظبي والغزالة والمارق ومن ثم يمكن التوسع وتفهم لم اختار أن يكون مارقا نكرة ليس لقصدية المعنى السطحي للمارق وإنما يدخل فهم المارق للحاكم وليس للمحكوم هذا على مستوى الإسناد وأما على مستوى دلالات الأفعال المختارة لكل رمز فالقتل للمغايرة المعنوية والصفع للمغايرة الشكلية والطرد للمغايرة الدينية والطائفية وكذلك في اختيار الفعل يحدث وهو لا يتوقف على الفعل والوقوع المستمر وإنما للإحالة إلى الحكايات الأسطورية لواقع حقيقي وكذلك على مستوى جملة المسبب فكلها جمل اسمية ذات دلالات ثبوت وخبريتها فعلية للدلالة على ثبوتية الحدوث فالثابت كجملة يكون فيها اسم لأن المعللة ضمير الغائب والخبر جملة أكثرها جملة فعلية .

***

هشام مصطفى

 

 

في المثقف اليوم