قراءات نقدية

خطابية النص والعرض قراءة فحصية

سوف أنطلق من تأثيثِ خطابٍ نقدي بخلقٍ بونٍ شاسعٍ مع مفهوم النتائج المعيارية (سيء رديء جيد) وأتحدث من زاوية منظورها العلائقي عن عرض مسرحية (ليلة ال (للمخرج (محسن حيدر) ومن تأليف الفنان (عمار سيف) خارج هيمنة (التقنين وألتسيس) التي انطلقت من عتبةِ عنونة المهرجان. نعم من المحلية نصل إلى العالمية، نعم واحدة من غاياتنا كمسرحيين تصدير ثقافتنا لا سيما الأطرس الدينية، هذه الفوارز الفارقة المحملة بالقيم الفكرية والجمالية لا بد من الالتفات لها لتأكيد الهوية بتعابر الثقافات، وهنا يتبادر في ذهني سؤال هو (كيفية؟) و(ما مدى اتساع الخطاب المسرح الحسيني؟) هذا السؤال لم نجد له اجابة وافية منذ عقوده متنافرة مروا بتمرحلات التاريخ، ربما أجد أن فكرة النص الاصل (ليلة التغسيل) كانت تحاكي القضية الحسينية ولكن بشكل مغاير (التعرية/ كشف المستور) اذ نجد ان هنالك كماً هائلاً من المحاولات التي اهتمت بتأصيل وتطريز شكل الثقافة الدينية والطقوسية لا سيما (القضية الحسينية)، ومحاولة تقنين التاريخ من دون التفكير بمفهومي (الجذر والأصل / الكل الجزء)، إذ هل يمكننا أن نفرق بين (المسرح، والقضية الحسينية)؟ كون المسرح هو (لعب / تمثيل) والدين بشكل عام هو (الامتثال)، وهنا نقع في إشكالية الوصف والتجريب، نعم هنالك مساهمات واضحة تناغمت مع القضية الدينية (الحسينية) لكن لا بد لنا ان لا نترك السمت الجمالي للمسرح، اذ ما هي السبل التي يجب ان نعتمدها في تأكد هذه الهوية (الدينية، الحسينية)؟، من خلال عدم صهر الافاق الثقافية بعيداً عن المنظومات السسيوثقافية الكبرى؟ ام من خلال التعامل مع القضية من جانب انساني عالمي بعيداً عن الكلائشيات؟. اذ ان هنالك فواصل كثيرة انا اجزم بان الاعم الاغلب لم ينظر اليها من زاوية جمالية لطرح الأسئلة المهجورة الساكنة كما طرحها(عمار سيف) بخجل وتحفظ عن الكثير من الامور التي تسمح له بطرحها لما للنص من بعد فكري وفلسفي يتحمل المزيد، وهذا ما جعل (عمار) يخرج عن هيمنة (الكلائشية)، اذ دائما ما نحبو صوب خطابات ذات اجوبة تعطل عقل المتلقي المتعطش للاثنوغرافيا والانثروبولوجيا والايقونولوجيا وتوظيف المحنة الاجتماعية وتحريك الساكن، ومن هذا المنبر الثقافي اوجه سؤالي ولكل القائمين على المهرجانات الحسينية (هل ان العرض  المسرحي الذي يناول القضية الدينية (الحسينة) بشكل واقعي او تجريبي لا يمكن ان يقدم في المهرجانات المسرحية الاخرى ام أنه مقتصر فقط لمثل هكذا مهرجانات تندرج تحت شعارات القضية الحسيني؟)، وهنا ندخل بقوقعة (التقنين، التسيس، البقاء في المحلية).

فما طرحه (عمار) في بنية النص الادبي اكد مفهوم الابسملوجي الفيلسوف (بشلار) في أن الموت ليس نهاية المطاف في حياة الفرد بل هو مرتبط بالوجود الزمني للانسان . فنحن نموت ونحيا في الزمن لان الزمن لحظات معلقة بين عدمين (الماضي والمستقبل) فتحديد الزمن يفترض الموت لان الزمن لا يستطيع ان ينقل كينونته من لحظة الى اخرى لكي يكون في ذلك ديمومة. فالموت ليس الطريقة الى التحرير من الزمن  بل هو عنصر محايث للزمن ذاته، وهذا ما خلدته القضية الحسينية وبنيت ثيمة النص عليه، الا أن المخرج (محسن علي) قد خانت التعبير في التعامل وبإسراف مع (سر الحياة / الماء) اذ ناغا (محسن) بلغة بصرية مفهوم اقصاء القضية الحسينية لكنه اخفق في هذه الصورة فكريا من خلال اشراك (الشمر) في هذا الاقصاء وكأنه امتزج فكريا مع المجسدين الاخرين (حيدر عنوز وعلي الجشعمي) واستخدامهم للماء في الاقصاء.

وبهذا ندخل الى نص العرض، ونحن والجميع يعلم أن (بوبوف) اكد على مفهوم التكاملية، وهذا ما لم اجده في هذا العرض، فما للمشهد الاستهلالي الا كم هائل من التنميط وعدم الدراية بتكاملية الموسيقى مع المؤدين وباقي عناصر العرض الاخرى، مشهد متشابك بين موسيقى واخرى بلا مبرر وبلا دراية واحساس من قبل الممثلين في التعامل حتى معا لغة الجسد، حسنن عمل المخرج الشاب في توظيفه للقطعة الديكورية كاهم علامة في هذا العرض لتعدد استخداماتها (مسطبة/ دكة تغسيل الموتى/ منبر ديني/ نافورة ماء) لكنها بقت ساكنة من دون روح او مهيمنة على جميع عناصر العرض الاخرى حتى على الممثلين، التكاملية التي وردت في سياق الورقة تشمل الممثل وتكاملية ادائه، اذ لا يمكن للمثل ان يصل ذروة الجمال ما لم ينسجم مع فضاء العرض يتحسس هواء القاعة ويتنفس ظلمت المكان ويبصر ذاته وذات الشخصية، فما الجسد الا لعنة ما لم تعي تفاصيله وتدرك تعويذته لا تقنع الاخر وهنا وقع المخرج في شباك هذه اللغة ودخل في عتمت القبح وسذاجة الطرح لا سيما مشهد الاستهلال ومشهد تغسيل الرجل، فما طرحه العرض المسرحي من شخصيات ابتعدت فكريا مع ما يطرحه النص الادبي، شخصيتين متناقضتين قدمها لنا العرض ليس بظاهرهما بل بالمحمول الفكري الباطن، فما الرجل السكير الا محب لآل البيت عكس رجل الدين المرابي الذي استلهم من الرجل السكير قيمة القضية الحسينية، هاتين الشخصيتين الغت فكرة الخطابات المحايدة المهيمنة في العروض الحسينية، لكن رغم هذه الحسنة الا ان العرض افتقد الى الحيوية على الرغم مغادرة مركزية الواقعة وهذا الاهم لكن المخرج ادخلنا في قعرها اذ كان بالإمكان خلق بؤر اخرى للصراع واستحداث مساحة انشائية للممثلين للخروج من شباك السطحية وهيمنت التشتت على الرؤية الجمالية.

على سبيل الاقتراح بعيدا عن التنظير كان من الافضل أن يعمد المخرج إلى تغييب القصائد والردات رغم ما تم تناوله من موضوعة تحسب للمخرج باختياره هكذا نص يحاول إيصال القضية عالميا بعيدا عن اللغة الجامدة، نعم هنالك انفتاح إلى اللغة الصورية هنالك همساً إخراجي

امامنا تجربة شبابية لا يمكن نكرانها او محوها

الملاحظات لا تثقل من جودة العرض المسرحي الا اني حاولت أن أمنح العرض المسرحي قراءة نقدية عن عرض قدمه لنا مخرج واعد عرفته ممثلا بصوته الراكز.

***

يوسف السياف

في المثقف اليوم