قراءات نقدية

خيوطُ الورقي في رواية الحدقي.. بين السرد والتأويل

تقديم: تروم هذه المقالة تأويل مفهوم التخيل داخل منظومة السرد الروائي المتكئ على فكرة التاريخ، من خلال رواية (الحدقي) للمبدع الموريتاني أحمد فال ولد الدين، الصادرة في طبعتها الأولى عام 2018 عن مسكيلياني للنشر والتوزيع بتونس. والصادرة أيضاً هذا العام 2022 عن المجلس الأوروعربي للفكر والدراسات والترجمة ببلجيكا.

نسطرأولاً احترازاً منهجيا ومركزياً يسري على كل خيوط التخيل الآتية في غضون المقاربة مفاده أنّ عملية التحليل هنا لا تهتم بتتبع الأحداث بتاتاً، ومن ثمة فكل قارئ راغب في الاستمتاع بالوقائع لن يجد ضالته هنا. وإنما همّنا الاجتهاد في رصد خيوط المتخيل التي اشتغل عليها لاوعي السارد، واشتغل عليها وعينا لتقريب المتلقي من بنيات التشكل الروائي وهو يراوح بين زمنين مختلفين بل متباعدين في مقولات التحقيب أشد البعد: زمن الجاحظ في العصر العباسي وزمن محمد القروي المعاصر لنستقرئ كيف تمّ هذا التداخل وفي أيّ جمالية سردية.

- في المفاهيم

لا نروم بحثا في إطار المفاهيم ولا في إشكالاتها المتعلقة بالاختلاف أو التعدد أو الخصومة أو حتى الخصوبة في هذا التعدد بقدر ما نهدف إلى طرح المتفق عليه والمتواضَع في المجال. ومن ثمّة فمقالتنا لا ترمي إلى الجدل في هذه المفاهيم لأن غرضنا لصيق أولا بإمكان تأويل بعض مقاطع رواية الحدقي وثانيا بما يخدم الرواية من آليات نشتغل عليها لتقريب التأويل الممكن من متنها واحتمالات فائض سردها.

تقريب السرد:

نعتبر السرد قبل كل شيء فعلا سيميائيا لا يقدم حدثا في الزمن فحسب وإنما يعيد ترتيبه في الزمن. ومن ثمة فالسرد نشاط إنساني غير مشروط بزمن دون آخر. كما أنه يخرج من تحديده المرتبط بفعل الحكي إلى المستوى النظري الذي يجعل منه منتَجا متغيرا في عمليات بناء الأحداث الحقيقية أو المتخيلة، مقدَّمةً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في وسائط مختلفة منها الشفوي ومنها المكتوب وغيرهما...

تقريب المتخيل:

و نعتبر المتخيل الذي أشرنا إليه في عنوان المقالة بمفردة (الورقي) باعتبار الورق مساحة من المخيال الحاضن للكتابة السردية المتخيلة. والتخيّل هو التصور في ظنٍّ وشبَهٍ مصداقا لقوله تعالى (قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيّل إليه من سحرهم أنها تسعى)1.

والمتخيّل في نظري هو ذلكم الموجود الورقي2، الذي ينتجه السارد متخطياً لحظة الواقع متعاليا عليها في وضع إبداعي خاص. وفي هذا الإطار يتجاوزالمتخيّلُ (الموجودَ ويتخطاه ولكنه يتمثل في كل لحظةٍ ذلك المعنى الضمني للواقع)3 انطلاقا من قدرة المبدع على استدعاء ملكاته الذهنية في شرطين اثنين هما إعادة الصور الماضوية من جهة وإبداع صور جديدة من جهة ثانية.

تقريب التأويل:

و أما التأويل فهو في نظري حضور القارئ أو المتلقي الفاعل بمكر فنّيّ في عذرية المتن الروائي. على اعتبار أن التأويل هنا يرتبط بإعادة إنتاج النص من قِبل ذات أخرى خارج الذات المؤلفة، تحمل القيمة المضافة إلى المعنى، وتحوّل هذا القارئ إلى كائن يعقل الخطاب خارج الخطاب ذاته من خلال قدرته على ممارسة عمليتيْ التفكيك والتأويل (إنه كينونة مفكرة خارج الخطاب وعوالمه، وليس في يده الا التفكيك والتأويل والإحالة، قبل أن يقوم بتحويل النص من وهم لمعنى ما إلى وعي بأن المعنى لا حدود له لأنه ينبغي على القارئ أن يشك في أن كل سطر في النص يمكن أن يخفي معنى سرّيا)4   

والتأويل هو نظرٌ عميق في الوحدات الكلامية التي تحمل معرفة قبلية محكومة في سياق معين يضبط عمليات التفسير والتخريجات حتى لا تشط بعيداً خارج الشرط المنهجي.

من هنا فرواية الحدقي نص سردي متخيّل ومتخلّق في رحم مناخ اجتماعي وثقافي خاص يلقي بنا في أتون سياقات متعددة من التشكيل الفني لقضايا عصرين متباعدين في الزمن. إن النص الإبداعي سيرورة فنية تتخلّق في (مناخ سوسيولغوي يتفاعل معه الأديب بوصفه منظومة لغات جماعية إيديولوجية، تتفاعل مع الموروث الحضاري، وتستحدث تقنيات جديدة، تخترق الفضاء، وتختزل الزمن، وتنفتح على طاقات من التخييل يصعب الإمساك بتلابيبها)5.

- في متن الرواية:

في تصور فنّي إبداعي يرسم الكاتب الموريتاني أحمد فال ولد الدين جسوراً سردية بين الراهن والماضي يقلّص فيها المسافات التاريخية بين لحظتين واحدة في قلب التراث وثانية في صميم المعاصرة. وفي هذا المتن يرصد الراوي سيرةَ أبي عثمان محمد بن بحر الجاحظ متتبعاً تفاصيل حياة هذ العلَم التاريخي منذ صباه حتى أفوله تحت أثر داء الفالج. بموازاة لذلك قدّم صورة البصرة في العصر العباسي عبر سيروراتها الثقافية العربية والإسلامية. وقد اختار الراوي تقنية السرد المتخيل بإدماج سيرورة أخرى ترتبط بالمعاصرة في شخص مدينة الدوحة وفي شخص قوة فاعلة هي محمد القروي الشنقيطي الذي يعمل في قناة العروبة مدققًا لغويًا في سياق مهني غارق في كساح اللهجات العربيّة، مما سيدفعه إلى الذود عن حمى اللغة العربية شانّاً حربه الهوجاء على كل من يلحن أو يعبث بقواعدها . والنتيجة ستكون إبعاده من هذا المنبر إلى آخرهو الكتابة الوثائقية لإنتاج شريط وثائقي عن شخصية الجاحظ. ومن ثمة ستنقسم الرواية إلى عالمين روائيين أحدهما في الحاضر والآخر في الماضي في إطارحبكة فنية تتيح لنا الانتقال بين زمن الخلافة العباسية والزمن الحالي. وفيها يكون محمد القروي في الدوحة مرآة للجاحظ في البصرة وبغداد سواء على مستوى شروط الوجود الموضوعية ومثالها الحراك الثقافي والفكري في الزمنين معاً أو الذاتية ومثالها العلاقات العاطفية لدى كل من الجاحظ ومحمد القروي.

- المتخيل السردي في رواية الحدقي:

تضعنا رواية الحدقي للكاتب الموريتاني أحمد فال ولد الدين في صميم العالم وفي التاريخ. وهي عندما تلقي بنا في الذاكرة وفي الشهادة معاً فإنها لا تقحمنا في كون لا نعيش فيه، بقدر ما تورطنا في المعنى المتعلق بتاريخية متعينة في الواقع وفي المتخيل.

و هذا المتخيل هو ما يهمنا تأويله بالدرجة الأولى على اعتبار أن رواية الحدقي هي فضاء مكاني تتداخل فيه الأزمنة وتتقاطع داخل رؤيا خاصة للوجود تتغيّى اللغة لا كشبكة من الترميز الواصل للمعنى فحسب وإنما كتصور يعقل الوجود والعالم والتاريخ.

فكيف مارس السارد لعبة التخييل السردي بين زمنين: واحد يتجذر بعيدا في العصر العباسي وثانٍ يتمثل لنا حاضرا معاصرا بكل الثقل الحضاري فيه. وما شكل هذه المراوحة بين فضاءيْن محتلفين في الأبعاد الثقافية وفي التشكيل الفكري لهذه الثقافة وتلك؟

1 – خيوطُ المتخيّل:

الخيط المتخيّل الأول: مساحة في التوتّر السردي

دأب السارد منذ مطلع السرد على ربط المكان بالمكان والزمان بالزمان والقوى الفاعلة بنظيراتها، في وعيٍ فنّي بقدرة المتخيل الورقي على تحويل المعنى من الواقع إلى درجة أعلى من الواقع دون احتمال التعالي الفلسفي على هذا الواقع. ولنستوعب جيدا خيط المتخيل في سرده نطرح السؤال: ما المركبة الفنية التي امتطاها السارد وأردفنا خلفه كي نعبر من الدوحة إلى البصرة ومن العصر الحديث إلى العصر العباسي ومن ظلال محمد القروي إلى ظلال الأديب الجهبذ أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ؟

صنع السارد مساحة من التوتّر بين محمد القروي وبين العاملين في قناة العروبة الذين استاءوا من سلطة القروي المعنوية ورقابته اللغوية على تقاريرهم المكتظة بالخطأ واللحن. مما دفعهم إلى توقيع شجب جماعي كي تنقله الإدارة من هذا المنبر إلى منبر آخر يتعلق بالقسم الوثائقي.

و قد فوجئ القروي بطلبٍ من رئيسه في العمل كي يكتب رواية عن الجاحظ تكون موضوع شريط سينمائي لاحقا، وارتاح إلى هذا القرار وانتقل معه المتلقي بمكر السارد من الدوحة إلى البصرة ومن القروي إلى الجاحظ. (وخلال دقائق، كان في شقته بمنطقة السد. رمى مفتاح سيارته جانبا وتوجه إلى المطبخ. أعدّ كأسا من الشاي الأخضر، ووضعه على مكتبه، ثم فتح حاسوبه وهو يتّقد حماساً مشوباً بخوف وكتب: البصرة 168 – 170 هـ) 7

و فجأة يجد المتلقي ذاته في قلب مدينة البصرة زمن 168 هـ، داخل عوالم سردية أخرى بفضاءات مختلفة تشي بعبق الماضي وأحيانا بلغة أخرى تنضح بالأصالة من مثل (صاح جنديّ أشقر ضخم الكراديس – شاهد كلبا هرِيتَ الشدق...) ويجد مع هذا وذاك شخصية الجاحظِ طفلاً بصحبة أمه، يشاهد مأساة جلدِ الشاعر الشاعر بشار بن برد حتى الموت بحضور الخليفة المهدي وإشرافه بدعوى الزندقة وشق عصا الطاعة.

و المسألة في خيط المتخيل لا ترتبط بجمالية التلقي وبتفاعلاتها عند القارئ فحسب، وإنما وأساساً ترتبط بسؤال فلسفي يطرح في الميزان تلكم العلاقة بين الواقع والخيال والتاريخ. والأجوبة هنا هامشيةٌ إذا رامت المعنى الروائي في تجليه الحدثي القريب، لأنها أجوبة تختمر داخل بؤر التأويل الممكن في احتمال فائض السرد. من هنا عمق التماهي بين الواقع حيث تقبع مقولات الذوات في حضورها المتعدد:

* حضور الذات المؤلفة (الكاتب المنتمي إلى بلاد شنقيط)

* حضور الذات الساردة (الموجود الورقي الممارس للعبة السرد المتخيل)

* حضور الذات المحكي عنها (محمد القروي باعتباره جسراً يمد الأسباب لقراءة الرواية في عمقها التخييلي)

و كذا حضورالزمن الموسوم بالمعاصرة التي تنزل بكل ثقلها الحضاري الموسوم بالتملص من قبضة المكان الأول مقرِّ قناة العروبة.

و بين الخيال حيث اللقاء الورقي بين محمد القروي والجاحظ على مستوى الافتراض الحامل لأكثر من قراءة.

وبين التاريخ حيث يتحول المحكي عنه من قوة فاعلة في سيرورة الحكي إلى مرايا تنقل للقارئ أجواء التاريخ القديم، ومنه مأساة الشاعر العباسي بشار بن برد حتى لكأننا نحن القراءَ واحدٌ من المشاهدين لهذه المأساة والمتتبعين لها لا في فرجة سطحية خاوية أو محايدة وإنما في اندماج يقود إلى الموقف أو ما يشبه الموقف في أضعف صورة من الإيمان والتي نسميها التعاطف السلبي.

ناهيك عن التاريخ في تجليه الجزئي المرتبط بشخصية الجاحظ، والذي يلقي بالقارئ في سردية مخيالية تتبع الجاحظ صبيا يشاهد مأساة الشاعر بشار بن برد وتؤثر عليه وتقضّ مضاجع نومه وتنتقل به من أثرٍ في اللحظة إلى أثر في الاستقبال (تخيل نفسه ناظما قصائد طوالا في مدح يحيى البرمكي وهارون الرشيد، لكنه ما لبث أن شعر بوخز بين أضلاعه. غاب عنه حديث الوراق وذهب خياله إلى صورة شاعر يئن تحت الجلْد، ونظارةٍ يصفقون، وسيا ط تعلو وتهبط في مقدمة سفينة.)8

يتمثل لنا هذا الثالوث بين الواقع والخيال والتاريخ في أول الأمر تماهيا يتبادل الأدوار بشكل آلي، إلا أن السارد أبى إلا أن يقحمنا في جدل الثالوث. وهو جدل خفيّ يصم الرواية من أولها إلى آخرها بالتوتّر والصراع، داخل عمليات سردية مضفورة بدقة وإتقان. حتى لا إمكان للفصل بين أقانيم هذا الثالوث إلا في حالات التفكيك الإجرائي لفهم العمل الروائي.

الخيط المتخيّل الثاني: في التناسل السردي

من زقاقٍ في البصرة 168 هـ، مزدحمٍ بالمارّة حيث الجاحظُ يتأمله مفكرا في صورة المبدع المفارِقة، إلى فضاء معاصر في الدوحة، في كافتريا مكتظة بروائح البن والطعام والدخان، حيث المحكي عنه محمد القروي يحتسي قهوته مهموماً بشأن إبداعه لسيناريوا رواية الجاحظ.

و المشترك المتخيل هو الإبداع في شرطين هما شرط الخوف من قدر الجلد، وشرط الفشل في الكتابة مع قاسم مشترك هو تمكن الجاحظ قديما من ناصية القول، وتمكن القروي حاضراً من نواصي اللغة.

هذا الخيط المتخيل في عملية السرد يأتي لاحقا في غضون حوار عابر في الكافتريا بين القروي والموظفة السعودية حصّة إبراهيم، والتي أشارت في عبور ماكر أوغير ماكر متسائلة عن منطقة شنقيط ماذا كان يسميها الجاحظ. ويبقى السؤال: لِمَ يُفترضُ أن يكون الجاحظ عارفا بمنطقة شنقيط وهي البعيدة عنه والنائية؟

هنا مكر السارد الذي يُعوّمُ الأحداث تعويما ذكيا حتى يحدث ما أسميه بوحدة السرد. فنظفر بعد ذلك بمؤشرات التخييل المتوارية خلف ثالوث آخر هو:

* الجاحظ في خوفه من الشعر

* المحكي عنه في احتمال الفشل في مشروع الفلم الوثائقي

* المكان أي شنقيط في مفكرة الجاحظ

و نظفر بعد هذا وذاك بشيء من التأويل القاضي باندماغ المكان المرتبط بالمؤلف في ذاكرة الرواية وفي متخيلها، في قصدية تداولية تريد أن تقول بحرية تجول الذوات في تاريخانية المحكي. وكأننا الآن مقحمون بفعل فاعل هو السارد اللبق، داخل ممرات سردية تروم تجميع المتشظيات في بؤرة واحدة قادرة على التناسل السردي. وقادرة على مكافحة التنميط الحكائي عبر الحفر الأدبي في المتعدد:

المكان (البصرة والدوحة وشنقيط)

والإنسان (القروي والجاحظ وبشار بن برد والمهدي وهارون الرشيد والبرامكة و...)

والزمان (الماضي والحاضر والتاريخ).

و كأنني بالسارد يريد القول إننا لا نعيش في العالم الرمزي إلا من خلال عالمنا الموجود حقا وحقيقة، وهذا يسيّج المخيال النوعيّ أن يقارب الرواية خارج الاحتمال المنهجي حتى لا تشط بنا التفسيرات خارج النص باعتباره تبادلاً تأويليا بين المؤلّف وبين المتلقي.

و هنا يصبح القارئ منتجاً حتميا لمقولات المعنى الذي نعيش فيه لا بأمر السارد وإنما بأمر مقتضيات التأويل الممكن. ومنه تصور الجاحظ أديبا يهتم بمنطقة شنقيط كما جاء على لسان حصة إبراهيم. وبالاستدعاء التبادلي يمكن القول إن متخيل السارد يذهب إلى تمجيد البلاد الولّادة لرمزين من رموز الإبداع، واحد متخيل بامتياز هو محمد القروي وثانٍ واقعي بامتياز هو المؤلّف، على اعتبار أن هذا الأخير جزء من المنظومة الجاحظية مادام قد تخصص في دراستها وتعمق في البحث عنها حتى النخاع مما جعل الكتابة عن هذه العلامة الفكرية العباسية أمرا مستساغا بمنسوب نجاح أكبر في الإنجاز. وفي تماهٍ سابقٍ لاحتمال التأويل نقول إن الجاحظ المتلبس في لازمنية السرد هو العارف ببلاد شنقيط لا الجاحظ القابع في تمثلاتنا الأدبية التي رسمها لنا وفينا الوجدان العربي في قراءاتنا الذاتية لتاريخ الأدب العربي. ومن ثمة فوعي السارد بالأحداث والقضايا الماثلة في سياق الرواية هو وعيٌ متعدٍّ إلى الموضوع بوساطة اللغة الماكرة بالمعنى المطروح في الطريق إلى المعنى الثاوي في سديم التماس بين النص وصاحبه والمتلقي أولاً بأول. هكذا يكون وعي السارد فعلاً ثقافيا يفهم العلامات فهماً خاصّاً، وبالمقابل يكون وعيُ المتلقي فعلاً ثقافيا شخصياً يخترق صميم العمل الروائي بوساطة التأويل مدمّراً كل إمكانات المسافة التي تحول دون استقراء الدلالة داخل ما يسميه بورل ريكور بالتأمل الهيرمنيوطيقي.

الخيط المتخيّل الثالث: تبئير السرد الواصف

(جلس وفتح حاسوبه، محاولاً طرَد صورتها من ذهنه)9 ويتعلق الأمر بالمحكي عنه محمد القروي وهو يودع جليسته في الكافتريا حصة إبراهيم، يروم طرد صورتها العالقة بذهنه فيما ينفتح المشهد في زمن استرجاعي في البصرة 175 هـ، على شخصية الجاحظ (مستلقيا على بطنه واضعا مرفقيه على الأرض ويديه تحت ذقنه وهو يتأمل مدينة البصرة من ربوة عالية) 10

لا يهمنا التناسب والاختلاف بين فضاء البيت وفضاء الربوة، كما لا يهمنا وجود الجاحظ في هذه الوضعية المنسجمة مع عمره الشبابي، ويهمنا من ذلك وجود موضوع التأمل أي تلكم الشاشة المفتوحة على زاويتين متداخلتين هما:

- تأمل محمد القروي لشاشة حاسوبه كي ينظر ما يكتب عن الجاحظ في مشروع الفلم الوثائقي

- تأمل الجاحظ نفسه لفضاء البصرة من على الربوة.

والدلالة في التخييل واضحة تنفتح على المتأمَّل يصبح متأمِّلا. الجاحظ المفعول به في عالم القروي الحاضر يصبح فاعلا في عالمه الماضوي. إن تبادل الأدوار بهذه الطريقة السردية المختلفة ليس لعبة تغري بالقراءة والتتبع لمسار الأحداث في الرواية، وإنما هو نسغٌ فنّي يتجذّر عميقاً في التجربة الروائية للكاتب أحمد فال ولد الدين. ويملي عليه اختيار النقطة المضيئة في عمليات التبئير السردي الذي لا ينطلق من الصفر بقدر ما يسافر بنا في تجربة الجاحظ سفرا عارفاً يضعنا في تفاصيل المحكي عنه وهو يبحث عن وجوده الفكري في أول خطوات بحثه حيث صاحبته أمه كي يلتقيا بالعالم الكبير الخليل بن أحمد الفراهيدي قصد التعلم بين يديه.

وفي هذه الرؤية ركز السارد على مشاهد ماضوية من عمق تاريخ الجاحظ، تتسم بالمشهدية الإخراجية القريبة من الصناعة السينمائية والمغترفة مادتها المتحركة من الوصف الدقيق والبعيد والوظيفي (أحكمت المرأ ة لفّ خمارها على جانب طرزته الغضون رغم ميعة الشباب الباقية. أمسكت بطرف خمارها وأمرّتْ طرفه لتمسح به حبّات العرق المتجمعة تحت حدقتي عينيها وشفتها السفلى، ودخلت مرتبكة) 11 وفي مثالٍ آخرأكثر تعبيراً عن هذه المشهدية نذكر (دلف إلى الخص، كانت أرضيته مفروشة بحُصُرٍ من جريد النخل، والكتب والوسائد متناثرة في أطرافه. ارتبك قليلا غير أن النظّام دعاه للجلوس في الركن المرتب من الخص، حيث يجلس شاب ذو ذؤابتيْن تتدليان على كتفيه...) 12

يقدم هذان النموذجان في غيرحصر ما يسمى بالتشكيل الوصفي القائم على رصد الأشياء من زاوية عدسة لا تكتفي ببناء ديكور الصورة بقدر ما تهتم مركزيا بدينامية الصورة معدّةً في طبق (تشكيلي يمكن تصوره دلالياً يسم الموصوف أو الموجود بطابع التميز والفرادة ويجعل من الصورة الروائية إمكانا قادرا على صوغ المعمار السردي) 13

خيط المتخيل الرابع: سردية المناخ الثقافي

نسجل في هذا التقاطع حركية عادية في زمن الجاحظ حيت ترصده عين السارد خارجا في اتجاه مدرسة الخليل يتضور جوعا ويفكر فيما سيسد به رمقه، فيما المشهد الآخر في الزمن المعاصر يتتبع السارد المحكي عنه محمد القروي في الدوحة عام 1439 هـ، موَرّطاً بعد بضعة اشهر في علاقة عاطفية مع السعودية التي سماها بريدة مطوعة.

يعود بنا السارد إلى جوع الجاحظ في حواري البصرة عبر عين محمد القروي الراصدة عبر الكتابة حركيةَ الجاحظ (ركض إلى مكتبه وخياله يبتعد شيئا فشيئا عن عالمها (الضمير يعود على بريدة مطوعة) وعن عالم الإعلام والصور المعاصرة ليغرق بعيداً في حواري البصرة. التفت الجاحظ بعد أن غزت منخريه رائحة شهية، فرأى الدجاج المشوي الشهي يسيل سمنا أمام دكان فرّان. فازدادت سخونة البخار الحار الذي يكاد يفتت أمعاءه. تخيّل موائد الأثرياء...)14 وهو الوضع البيولوجي الذي لم يمنع الجاحظ من تتبع حركية مجتمع البصرة في تلكم اللحظة حيث سجلت عينه الحدقية اكتظاظ الجامع بالحضور ترقبا لحدث ثقافي وازن ويتعلق الأمر بالمناظرة بين شيخين كبيرين في مقامات العلم، هما صالح الخوزي المنتصر للثنوية وأبو هذيل العلاف الذائد عن التوحيد.

هذا وجه من أوجه المناخ الثقافي الذي ساد العصر العباسي الموسوم في بعض أدبيات البحث التاريخي بالذهبي. يلتقط السارد بعض المشاهد من ذلكم التراكم المعرفي ويقدمه لنا في سردية تحاول أن تشيد جسرا فنياً يلتقي فيه أفق القارئ مع أفق النص، حتى لا يسقط الخطاب الروائي في ثقافة المؤانسة والإمتاع فحسب ويقبع عندها مكتفيا بوظيفتها الأحادية. من هنا تمازج تاريخية القارئ بتاريخية النص، وتصبح الإشارة إلى مناظرة الخوزي للعلاف مجرد مثالٍ لإمكان تكراره في زمن محمد القروي، إذ ليس هناك معنىً دائم ومثالي وبالتالي فالتأويل الممكن هو المعنى المشيّد والذي يفتح أمامنا احتمالات واسعة لقراءة الراهن داخل رحم الاختلاف الثقافي في العصر العباسي أو العكس، أي قراءة الماضي في رحم المعاصرة.

خيط المتخيل الخامس: سردية الهوى

ينتهي بنا السياق في مشهد مغادرة الجاحظ للنظام والأصمعي ممتطيا بغلا بذهن يتنصل من أجواء السوق ليتفرغ إلى التفكير في فتاته، تماضر ابنة الخليل. ليبدأ مشهد القروي جالسا على مكتبه منشغلا باختبار قدرة المحرك غوغل على الترجمة.

يحدث هذا في اطّراد عكسي حيث سبقت الإشارة إلى القروي بمعية بريدة المطوعة موازاة لمشهد جوع الجاحظ. والعكس يحصل في سياقنا الحالي حيث القروي يبدو مهتما بقضية الترجمة فيما الجاحظ يفكر في تماضر. بمعنى أن كل ترتيبات السرد في الرواية مدروسة بدقة تتجه نحو خلق مساحات من التشعب الموضوعاتي المنتهي إلى حالات من الانسجام المركب والذكي والموسوم بالتناسل الغزير.

و يحدث الانسجام في سياق هذه السردية انطلاقا من تساؤل القروي وهو يفتح ملف الجاحظ على حاسوبه (فتح ملف وورد، وهو يبتسم مستغربا أنه يتطلع إلى معرفة مصير حب الجاحظ لتماضر بنت الخليل) 15 فينتقل الحكي إلى حجرة الجاحظ واضعا عشقه لتماضر في الميزان.

و يستمر الحكي في زمن الجاحظ حيث يزوره النظام الذي أدرك عشق صديقه وتيتّمه. وينفتح الفصل في جله وكله على حكاية تماضر بنت الخليل. وتتأخر حكاية القروي مع بريدة المطوعة عن التجلي في هذا الفصل. ولا تطلع علينا إلا في الفصل اللاحق، حيث يعيش المحكي عنه تجربة متوترة في أمر زواجه من حصة إبراهيم الموسومة في ذوقه ببريدة المطوعة، بحكم سلطة الأعراف والتقاليد المتحكمة في مصائر الناس (إن الرجل إذا سافر خارج البلاد وتزوج من غريبة فكأنه مات، بل إن موته أرحم لأهله لأنه يولّد اليأس الحاسم، أما الزواج خارج البلاد فيجعل قلب أهله معلقا بحياة متوهّمة) 16

لا نهتم بمضامين هذه المقاطع لأن قراءة الرواية كافية لسد هذه الحاجة. ونهتم أساسا بعناصر التخييل فيها كجسور تمد الحكي من زمن إلى زمن، ومن فضاء إلى فضاء ومن ثقافة إلى ثقافة، ومن حالات نفسية إلى أخرى... ذلك أن القارئ يشعر بمسافة التوتر والفجوة في كلٍّ من الحكيين سواء تعلق الأمر بقصة الجاحظ وتماضر، أو تعلق الأمر بقصة القروي بحصّة.

من هنا سيمياء التخييل الارتدادية على مستوى الأهواء حيث تتوارى اللغة الواصفة في انسيابها الخطّي لتحلّ محلها اللغة الواصفة لاشتعال الذوات في حالات نفسية متغيّرة تضع القوى الفاعلة تحت المجهر السردي في عراء تام لكل القوى الفاعلة والمنفعلة في سياق الهوى . وهو العراء الذي سينتهي بفشل البرنامج السردي لكل من الجاحظ والقروي لاحقا في علاقتهما بمشروعهما العاطفي. وقبل ذلك كان المسار الهووي شكلا آخر من التركيب العاطفي عبّرت عنه هذه القوى تعبيرا تلقائيا يكاد ينفلت من قبضة المتلقي لولا رقابة اللغة السردية الواصفة... فقد (تبيّن أن الهوى ذاته يتكوّن، لحظة التحليل من سلسلة من الأفعال: تحريك، إغراء، تعذيب، تَحرّ... ومن زاوية هذا التحليل فإن التركيب الهووي لا يتصرف بشكل مختلف عن التركيب التداولي أو المعرفي. إنه يتخذ شكل برامج سردية) 17

الخيط المتخيل السادس: سرد المتخيّل داخل التراكم

يطرح السارد القوى الفاعلة في شرطين وجوديين يتعلقان باستئذان القروي أمه في شأن زواجه فيما يستحضر الجاحظ يقوم من نومه فزعا بعد أن رأى أمه في المنام بعد وفاتها.

هذا التداعي المرتبط بشخصية الأم كقوة فاعلة في التشكيل الروائي يعطينا انطباعا أوليا عن فكرة التشابة إن لم نقل التماهي بين الزمنيْن. من هنا حضور المتلقي مستعينا بافتراض السيناريوهات المشتركة للحدث أو للأحداث التي سرعان ما يكسر السارد توقعاتها بتحويل مجرى الحكي إلى الموضوع بدل الذات. وهكذا ينبري السرد إلى تتبع حركة الجاحظ خارج سيمياء الهوى ليشركنا في همّه الثقافي وهو انشغاله بمناظرة الحبرالنصراني للعلاف بالبصرة.

لا نشتغل في هذا الإطار على تتبع الأحداث بقدر ما نشتغل على رصد خيوط المتخيل الممكنة والتي تمد جسور الحكي بين مقطع وآخر. أو تدلنا على علامات لسنية قابلة للتأويل في اتجاه معين من الاتجاهات التفسيرية المحتملة والمتعددة من متلقٍّ إلى آخر.

إن الجاحظ في غمرة انتصاره في المجالس وإعجاب الحضور برسالته حول السواد البِشْرِي، يتذكر لون محبوبته تماضر المتردد بين البياض والسواد.

كل هذه الفسيفساء من التداعي السردي تفيدنا في ثلاثة أوجه: الأول هو زخم المحكي، والثاني هو توريط المتلقي في تراكمات الوقائع حتى ليبدو لنا القارئ المسكين في لهاث خلف وفرة المادة الحكائية. والثالث هو قدرة السارد على صناعة مادة التخييل داخل المتعدد لا داخل الأحادي، لأن التجربة الأخيرة توفر للسارد إمكانيات هائلة لممارسة التعالي على الواقع بحكم تركيزة على واقعة واحدة أو حدث واحد. لكن المسألة تتعقد أكثر في مجال التراكمات الوقائعية مثل الذي نجده في رواية الحدقي المركّبة. ومنه تراكم الوقائع بين المناظرة وحديث سهل بن هارون ووصف أبي نواس لمويس ومجالسة هذا الأخير، وجماعة المشيخة في حضرة العلاف، واعتزال ماسرجويه وغير ذلك من التفاصيل التي لا يتسع مقام المقاربة لاحتضانها تبعا لطبيعة البحث المنهجية.

الخيط المتخيل السابع: فشل البرنامج السردي

ينفتح المقطع على محمد القروي في مكتبة بقناة العروبة حيث سجلت عينه استياء رئيس التحرير من مراسل يغطي حدث حريق بلباس أبيض. (والله أيش؟ هذا لا ينبغي، وهو يجرح عين المشاهد، وإذا كان العرب قديما قالوا: إن البلاغة مطابقُة المقال لمقتضى الحال،فإن الأمر كذلك في البلاغة البصرية. هناك بلاغة بصرية وبلاغة لسانية.) 18

كان هذا الحدث كفيلا بخلق لحظة انتشاء وانتصار عند القروي، فيما الهلع كاد أن يستولي على غيره من العاملين في القناة.

ثم تذكّر وجه حصة وتذكر تعليقها له وهي تصفه بالعيش داخل قوقعته اللغوية، فيما هو يصفها بالعيش داخل العنكبوت الإلكتروني.

مفارقة بين حدثين وبين زمنين وبين قناعتين. وهو بيت القصيد في عالمنا المعاصر الذي استسلم لسلطان التكنولوجيا ووسائط التواصل الاجتماعي الذي قلص منسوب الكتاب بشكل خاص والثقافة والفكر بشكل عام.

انقطع حبل الذكرى في سياق القروي على إشعار برسالة في هاتفه من حصة محبوبته قائلة (كلّمتُ أهلي... الأمر معقد جدا. ولابد من اللقيا لنتحدث. ضروري) 19

ثم ينفتح المشهد السردي على الجاحظ وهو يقطع الطريق دون أن يشعر بها منشغلا ومنهمكا جدا في حوار داخلي حول توتر العلاقة بين العقل والقلب. لكن ذهنه شرد في قرار مس كيانه ويتعلق الأمر بتماضر (لقد وافقت الفتاة على الزواج من علي بن المديني) 20

يهمنا في هذا المحكي متخيلُ الربط وهو المتعلق بالتماهي العجيب بين قدريْ القروي والجاحظ في خصوصية العشق وفشل هذا العشق بتواطؤ فنّي بين السارد والمؤلف، أي أن الأمر يتعلق أساسا بفشل البرنامج السردي للقوى الفاعلة. والبرنامج السردي هو (مجموعة من الوضعيات المتحولة وفقا للعلاقات القائمة بين الفاعل والموضوع، كما أنه تتابع الحالات وتحولاتها المتسلسلة على أساس العلاقة بين الفاعل والموضوع) 21

و من خلال تتبع مسارات القروي والجاحظ في وقائعهما الفردية وفي علاقاتهما بالماحول وتحولات هذا الماحول يتبين اتفاق المتخيل في فشل سيرورة هذين العلَميْن على الأقل في اصطدامهما مع الواقع الثقافي في العصر العباسي مع الجاحظ ومحيطه الذي كان يعجّ بالمفارقات. وكذا اصطدام القروي في مشروعه الثقافي النافح عن صفاء اللغة العربية في زمن يصفق للرداءة... وكذا في اصطدامهما على مستوى العشق حيث أخفق كل منهما في تصويب دفة العلاقة العاطفية مع حصّة من جهة ومع تماضر من جهة ثانية.

الختم:

نفهم إذن أن أفق قراءتنا لا يعدو أن يكون دوائر تأويلية يتعذر عليها القول في الإطلاق، وتحتشم القول في نسبية النتائج على اعتبار أن رواية الحدقي هي في الأساس نص حمّال أوجه. ومن ثمّة فتأويلنا للمتخيل السردي هنا لا ينبغي أن يأخذ أكثر من حجمه في التصنيف. إن الأمر لا يخرج عن محاولة لتجميع لاوعي السارد وهو ينظم خيوط الحكي، داخل وعينا نحن القراء المالكين لقيمة مضافة لا يملكها السارد ولا المؤلف، وهي قيمة المسافة والبعد عن الرواية، بمعنى أننا في موقع المتفرج على اللعبة لا المندمج فيها... وشتان بين متفرّج وبين مندمج، فالخارج عن الخطاب الروائي يملك من الدعة والاسترخاء ومساحات التأويل ما لا يملكه المؤلف والسارد باعتبارهما كينونتيْن تحترقان من أجل القول وإبداع النص فيما القارئ كينونة تستمتع في ممارسة التأويل داخل النص وخارجه.

***

نورالدين حنيف – ناقد من المغرب

............................

- إحالات

1- الآية 65 من سورة طه

2- (حتى الشفاهي يصير ورقيا قصد التوثيق)

3- محمد نور الدين أفاية: المتخيل والتواصل، دار المنتخب العربي، بيروت، لبنان، ط1،1993 ص18

4- هايدن وايت، مقالة، قيمة السردية في تمثيل الواقع، ترجمة رمضان مهلهل، مجلة الثقافة الاجنبية، العدد 3 \ 2009، ص 53

5- شادية شقرون، الخطاب السردي في أدب ابراهيم الدرغوثي، دار سحر للنشر، تونس، ط 2008، ص 63

6- عادل مصطفى، مدخل الى الهرمنيوطيقا، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 2007، ص 13

7- أحمد فال ولد الدين، الحدقي، رواية، الناشر المجلس الأوروعربي للفكر والدراسات والترجمة، ط 2022، ص 28

8- رواية الحدقي ص 43

9- رواية الحدقي ص 49

10- رواية الحدقي ص 51

11- رواية الحدقي ص 52

12- رواية الحدقي ص 55

13- جان ريكاردو، قضايا الرواية الحديثة، ترجمة صباح الجهيم، وزارة الثقافة والارشاد القومي، دمشق، ط 1، 1977، ص 40 - بتصرف.

14- رواية الحدقي ص 74

15- رواية الحدقي ص 105

16- رواية الحدقي ص 121

17- غريماس وفونتيني، سيميائيات الأهواء من حالات الأشياء إلى حالات النفس، ترجمة وتقديم سعيد بنكرد، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط 2010، ص 101

18- رواية الحدقي ص 156

19- رواية الحدقي ص 158

20- رواية الحدقي ص 161

21- رشيد بن مالك، قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص، دار الحكمة للنشر، الجزائر، ط 1، 2000، ص 148

 

في المثقف اليوم