قراءات نقدية

قراءة في رواية (أحمر أفضل من ميت) للروائي أحمد ابراهيم السعد

شعرية الواحدات السردية وتوليد ذائقة الحكي

توطئة: بدءا يمكننا القول السرد الراوي في تجربة ومسار الرواية السيرذاتية من تكثيف اللحظات الزمنية الماضوية، التي يقتطعها الروائي من شريط الملفات الذاكراتية لا ليخبر بها القارىء بل ليعيد إحياءها في سرد حركي يهتم بأدق التفاصيل الحافة بالحدث. وقد تواتر هذا النوع من السرد بكثافة ليس في أن يسطر لنا الروائي حالة من حالات مذكراته الحياتية، لا أبدا، بقدر ما راح يضفي على زمنه الروائي زمنا هو من محاكاة الفعل النواتي المتعلق بطابع الديمومة في زمن ذكريات أحداثه الذاتية المصوبة في محطات إنشاءها الروائي، وكأنها عرض تمثيلي لمرآة ذاته في تماثلات وعي شخوصه وحوارها المنقول عن السرد المضخم بالذات المتكلمة والجامعة ما بين (الماضي ـ الحاضر) . تميل دلالات رواية (أحمر أفضل من ميت) لأحمد ابراهيم السعد إلى هوية السرد المفصل عند محصلة استذكارات لحظات السيرة الذاتية للهوية التأليفية، ولكنها تفترق عند تلك الاستذكارات عندما يتم الدور التمثيلي في زمن فاعل وفعل الطابع الديمومي في النص. لذلك ألفينا الروائي يعيد صياغة الزمن الماضوي للذات الضمائرية وملفوظاتها ومسمياتها ودوالها في صنيع أحداث (ما وقع بالفعل؟) أي بما وقع في ما بعد تدوين انطباعات الذات للزمن الماضوي، لتعيد استحضاره في هيئة تمثيلات أدوارية في زمن حاضري مضارع ليس بالبعد النحوي، إنما بالاستكمال لمجلى وقائع ديمومية تناسب حوارات وبنيات الطابع التخييلي في مستحدثات النص الروائي. وبفضل هذه الخصائص الفنية المتصلة بالسير الذاتي دليلا على تخييلية النص الروائي، ثم تقديم الحكاية الروائية في رواية (أحمر أفضل من ميت) على أنها الخطاب غير المباشر الذي يعيد علامات الإجراءات الفنية بصورة أكثر على مستوى موقع المؤشر الزمني وطبيعة وعيه النفسي ورؤيته في الأداة الفعلية للشخصية الساردة في تبئيرات وظائف السرد.

ـ المتن الحكائي وحقيقة ترابط اجناسية رواية العائلة

سوف تكون انطلاقتنا من حدود هذا الفرع المبحثي، لأجل قراءة مجمل الإشارات السير ذاتية في رواية أحمد ابراهيم التي تقرب بين هوية المحور الشخوصي والذات التأليفية، ومهما حاول الروائي تجنب فعل تثوير الذاكرة في أطروحة نصه، نجد أن هذه الذاكرة لا تنفك عنه قيد شعرة من انصهارات كتابته ذاتها:فهل من المعيب أن يتأثر الكاتب بمحيط ذاكرته؟لا أبدا فهوية كل القرائن النصية هي مبعثها إشارات سير ذاتية في سنن أعراف النصوص؟ولو تعاملنا مع رواية (أحمر أفضل من ميت) من ناحية سياقية، لوجدنا فيها من التماهي بين رواية تسعى إلى التقريب والإيحاء والعلامة وليس عرض سيرة المؤلف الذاتية بالضرورة. تواجهنا إجرائية الملمح الرمزي في مستهل البناء الروائي، على هوية متعلقات وقائع مقصدية مشحونة بروح المرمز غالبا، وذلك عندما يعاين السارد المشارك المكنى ب (وسيم) تلك اللوحة الخاصة بسير وقع الأقدام العائلية: (ذات مساء خريفي نظرت جسيكا ناحية اللوحة، وهي تلاعب أرنبة أنفها بظفر سبابتها الأيمن، في عادتها لإظهار عبقرية ما، قالت متكهنة:كأنها أقدام تتخبط في حلم، أوانها آثار أقدام قفزت من الوحل إلى السماء. /ص6الرواية) لعل القارىء البسيط إلى مثل هذه الدلالات المنصوصة في متن السرد والحوار، قد لا يعاين مدى العلاقة القصدية بين حيازة التمثيل في حالة سردية ما، أو في عدم حصولها على قيمة المسوغ الدلالي حتى. أن طبيعة النظام السردي في بنية هذا النوع من الروايات قد يبدو من جهة ما قائما على المنتج الأيقوني وبالتالي فضاءاته وأزمنته، ومن ثم انتسابه إلى دليل الخطاب والمبنى في علاقات خاصة من القص وأشكاله المتباينة للحكاية أو المتن. فعلى سبيل المثال، لو أردنا إخضاع علامات القرائن في النص مثلا كحالة (لوحة أقدام العائلة) أو جملة (أقدام تتخبط في حلم) أو وحدة (طبعت أخواتي آثار أقدامهن) لبدت كلها مناصصات أيقونية بموجب علاقة الصور والأوضاع داخل سياق مداليلها السير ذاتية، ولكنها في الآن نفسه تشكل بذاتها مادة خصبة في أحياز منظور ومعطى في استيعاب الدلائل الكلية والجزئية من محيلات النص الفاعلة واللافاعلة.

1ـ الدائرة العلائقية بين مسافة الحكي والاستباق في الزمن:

يظهر لنا بجلاء ما قلناه سابقا، أن مستويات السرد أحيانا في الوحدات الروائية، تبدو علامات وقرائن تتضمن كل منهما خلفية معدولات الصيغة في الخطاب السردي، ويمكننا قراءتها على أنها في الوقت نفسه (الدائرة العلائقية: مسافة الحكي ـ الاستباق الزمني) وتظهر لنا في أبعاد ثيماتية أحيانا، كمثل ورود هذه الوحدات: (قفزت جسيكا إلى ظهري، ووشوشت في أذني: وأين قدم أمك؟. /ص6 الرواية) لعلنا نلمس من هذه الوحدة مستوى الإبراز والإضمار في مسافة الحكي ، خصوصا وأن الدور المحوري لوالدة الشخصية المشاركة حضورا متعلقا بين مسافة الحكي داخل النص، وتقانة الاستباق بمنظور أساسي، أي بمعنى ما أن خصوصية الأم في الأحداث الروائية، غالبا ما نجدها تستبق حضورها كواقعة فعلية، ومن جانب آخر فلها كشخصية دلالة تأشيرية وليس أدوارية أو ذاتية محددة بالوقائع الحاضرة إلا من خلال صعيد ذاكراتي في حياة الشخصية وسيم في مراحله العمرية الأولى والمتوسطة.

2ـ دلالة أقدام لوحة العائلة وبوصلة المحور الشخوصي:

تتعامل القابلية المجازية في مستوى سيكولوجية الشخصية الروائية وسيم، دورا تحليلا ومؤولا. فهو ـ أي الشخصية ـ أصبحت المحدد المشخص لأحوال دلالة أقدام العائلة في محيط وفضاء اللوحة التي قام بتشكيلها من خلال: (ولكي لا تصيبني الأيام بلوثة النسيان دونت بدايات حروف أسمائهن في فراغات خطوط الأقدام . .  أشاهد الحرف فأتذكر الوجه. /ص7 الرواية) إن آليات العلاقة هنا شبيهة بثنائية (الدال ـ الدليل) فعندما يكون الدال حاضرا يرتبط بلفظ دليله التكويني، وهنا علاقة السارد المشارك كطرفا في دالا، هو المرجح الأول في أن يكون هو الدليل على مجموعة الدوال، ذلك لأن طبيعة آثار الأقدام حضورا غيابيا، أما هو فحضوره مجسدا في نسق استدعائي، إذاً فهو المصدر المعاش كدليل في لوحة حيوات الأقدام ومحمولاتها الحكائية المرجعية في حاضنة الذاكرة. وعندما تتنامى الوحدات الطردية في نسيج حوارية الشخصية مع زوجته، تتبين لنا أن موضعية الشخصية متقدمة في زمنها ومكانها، كأداة تكوينية من جهة الشخصية المشاركة وسيم، وهي تومىء إلى مرجعية حكاية لوحة العائلة وجذرها الضارب في اللاشعور النصي: (سألتني جسيكا: لم سجنت أقدامهم داخل لوحة؟قلت: كي لا أتيه. /ص7الرواية) وعندما نتأمل منظومة هذه التوليدية الدلالية مع الذات الساردة، نلاحظ أن لوحة أقدام العائلة، هي بمثابة الوسائل الزمنية التي من شأنها تأويل مدى علاقة الشخصية في نطاق زمنه المهجري المؤقت والعابر، فيما تهم ذاكرة الأقدام العائلية في حث الحافزية الزمنية لدى الشخصية ذاتها في العودة إلى زمن جدران وطنه وبيت العائلة الذي أضحى مهجورا إلا من لغة الأستدعاء والمسند الذاكراتي.

3ـ حياة سردية الوصف ومحفزات القصد السردي للموصوف:

إن آليات الكتابة الروائية ربما تعني حالة استكمال كافة مناطق الاشتغال الحكائي والخطابي عبر زمنيهما المتجسد للوحدات السردية كممارسة شكلية ومضمونيه تولدان جملة من الأوصاف بدءا من الشخصية وحتى الزمن والمكان. أما فيما يتعلق ب (المحفزات ـ التحريك) فهي الممارسة الأدوارية والعاملية حيال مجرى شخصية أمام آخرى بغية تحقيق فعل ما. وعند الإمعان في وظائف الوصف لدى الروائي السعد عبر مسار أحداث روايته موضع بحثنا، نلاحظ شكل الصياغة الجارية في أدق سمات وملامح حالات الموصوف السردي: (منذ تزوجت جسيكا وأنا مؤمن بأن ثمة ساعة من يوم ما في شهر بعد سنة، ربما أو أقل سأحمل حقيبة فيها بعض الكتب، وألبوم صور، مع بعض الملابس، وأغادر هذه الشقة ـ تاركا جسيكا تحدق بدفترها لتحصى سعادتها الجنسية مع رجل كان حريصا على تناول الكثير من الحبوب المنشطة ليثبت وهم قوة ذكورة الرجل العربي المختون. /ص8 الرواية) قد يحق لنا النظر في سياق هذه الوحدات من السرد الواصف، ولا نبالغ عندما نخبر القارىء، بأن الواصف السردي ـ الشخصية الناظمة ـ يبلغ مرحلة منتجة تتأسس من خلالها تصورات قرائية ممكنة ومحتملة، إذ أننا نستقرىء ما بين السطور، رغم وضوح المراد الدلالي في ذات السارد المشارك، ولكن السرد هنا يتقصى دقائق شعرية في سيكلوجية الذات الشخوصية المتمثلة بجسيكا ومدى المحفزات والتبليغ والمفترض في آليات الوصف التي تدفعنا إلى الوقوف على خلطة (إبلاغ ـ سرد ـ خبر ـ موقف وصفي) وصولا إلى أفعال السرد والحكي التي لا تسقط عنها حنكة الواصف الذي يجتهد في رسم أبعاد تواصيفه إلى حد قبول الامكاني والمحتمل واقعا.

ـ لغة الحكي والتشخيص الضمني 

1ـ الإمساك بموقع التمثيل السردي:

تنبني آفاق القدرة السردية في رواية (أحمر أفضل من ميت) بوسائلها التجريبية التي تقترب من رواية تيار الوعي أو أنها تختزل في رقعة تمفصلية قاب قوسين ، ثمة محايثة خاصة بما يتطلبه تمثيل الدور العاملي اللاحق في السرد من انطلاقة سردية، كحال هكذا وحدة قاب قوسين: (أن تراقب أباك حيا أمام عينيك وأنت تعلم بموته الوشيك، ذلك يعني أن حياته عندك حلم، وموته حياة. /ص23 الرواية) من هكذا صيغة مشحونة بالترقب والشك واليقين أو العكس تبدأ الفواصل التصديرية بين مسافة وأخرى من زمن المسرود الذاتي، كما وتستند مسارات تقانة الاسترجاع في الأعم من أحداث الرواية على ثنائية تقتضي من المحكي اتخاذ الاسترجاع بالسرد اللاحق أو البعدي أو ذلك السرد في ملأ الثغرات المجدولة عبر أحداث الاجتزاء أو التأخير أو الإضمار: (في الكتابة:اخترت بقعة لأدخلها، كي أسمع صوت أمي وهو يسأل. /ص10 الرواية) يمثل هذا النوع من تقنية (المنولوج) بالقياس إلى زمن خارج الاستدعاء كقيمة أولية في الزمن، لذا فهو يرد هنا كتكرار ملأ فجوات زمن لم يعرض في السرد الفعلي، إلا من خلال اللحظة التي يتوقف فيها ـ الزمن السردي ـ نحو خلفية مضمرة من المنولوج الممنتج.

2ـ مأزومية الشخصية وسوداوية الواقع السياسي:

تقودنا الإشارات النصية عبر سياقها وصياغتها ونموذجها المتحرك ـ تلفظيا ـ إلى إستدعاء الدلالات الأكثر إيغالا في براثين الهيكلية المتصلة في أعلاها بالهرم السياسي، ويرتبط مشروع النمط الشخوصي رواية السعد في اتجاهات تسمح لنا برؤية الظروف التي عانى منها الشخصية عابد متوحدا داخل عوالمه الأكثر اعترافا بزوايا حرية المفكر والكاتب للمقولات التي لم تجد لها ملاذا آمنا سوى وهي ترصع داخل حفريات جذوع الأشجار. الشخصية عابد يمكننا تسميته بالشخصية الإشكالية أو البوهيمية التي توزعتها معايير حب الكلمة وبثتها في الاتجاه المضاد المعارض. في الواقع أن مكونات هذه الشخصية هي من البساطة ولا يوحي جوهرها بأية قيمة تمايزية، ولكن الغريب في الأمر أن الروائي وضعها في مكانة استثارية مشكوكا في قيمتها التوظيفية والدلالية، فهو لا يعبر إلا عن نفسه كونه صاحب مجرد كلمات خواطرية يحفرها في جذع الشجر، وقد صادف وأن كتب عبارة ـ أحمر أفضل من ميت ـ وماذا يعني هذا بالضبط؟ ليس الأمر يتطلب من الروائي كل هذا التعويل حول هذه الجملة منذ منتصف الرواية وحتى مراحلها الأخيرة ، لتنكشف حقيقته القصوى بأنه أحرق وجهه من أجل أن لا يموت جنديا في الحرب؟. كذلك الأمر ينسحب على الشخصية ذاتها ـ وسيم ـ وحجم الإسراف والإفراط في خلقه كاتبا للحرب، ودون حتى مقدمات مؤهلة في أفعال الرواية تخوله لينال هكذا مكانة، ثم الهروب بعدها إلى السويد عن طريق تفاصيل أهملها أو تناساها الروائي بطريقة ما. أنا لا أنكر شخصيا أن في الرواية تكمن اللغة السردية الحاذقة والأدوات التي لا غبار عليها، كما وإلى جانب ذلك ثمة تنصيصات لافتة في الشكل السردي، ولكن تبقى هناك جملة أشياء غير متماسكة ولا من جهة ما مقنعة تماما:فما كل هذا التعويل في خلق شخصية مأزومة من الوضع النفسي لها أن تحتل كل هذه الأهمية، وما القيمة في هذه العنونة المركزية للرواية إن كانت بالحيلولة هي خلاصة خاطرة قالها رجلا هاربا من الموت وقد قام بحرق وجهه بماء النار تدليلا منه على أنه رافضا للنظام أو الوضع السياسي بصورة مباشرة أوغير مباشرة؟والأغرب من كل هذا عندما عاد الشخصية وسيم من الخارج وهو يرتقي التاكسي شاهد مكتوبا على مقصورة شاحنة عابرة (أحمر أفضل من ميت؟) فهل يمكن يمكن لنا قبول خاطرة لم يستوعبها وسيم هذا المؤلف المثقف في ذاته، فكيف يمكنها إن تكون وسما وشعارا مفهوما لدى أذهان العوام من الناس ممن يقودون الشاحنات والعربات الأخرى، وما قام به وسيم ذاته عندما عقد الصداقة بينه وبين سيمون سائق سيارة الإجرة، ويا للغرابة أيضا أكتشف وسيم بأن سيمون أديبا يكتب القصة القصيرة، كحال قصة وسيم ذاتها التي قرأها صدام حسين وأعجب بها فجعله في عداد أدباء الحرب. هكذا ودون مؤهلات تفصيلية جادة . بمعنى ما أن في بعض أحداث رواية (أحمر أفضل من ميت) ثمة افتعالات شاخصة وثغرات لا يمكن سدها، فليس من الاعتبار الفني والجمالي أن يصنع الكاتب الروائي من كل شخصياته على مراده المقاسي والشخصي اللذان لا يغادران مملكة خياله الممتحنة بألبومه العائلي المنسوخ في كل نصوصه شكلا وموضوعا وتدليلا.

ـ تعليق القراءة:

لا بد من التنويه في ختام قراءتنا السريعة إلى رواية (أحمر أفضل من ميت) على أنها رواية تتمتع بدرجات جمالية الوحدات التصويرية التي تصل غالبا إلى سحرية جذب المتلقي وصفيا، إلى جانب هذا هناك منظومة تخليية مكثفة في صياغة القص الروائي وعناصره وعوامله الشيقة في المحيط السردي للرواية. كما أن هناك بالمقابل وظائف لم يحسن الروائي خلق آلية متوازنة في تدبر إدارة حبكتها الفنية والسياقية، رغم كل هذا يبقى للروائي أكثر من تجربة في منجزه الروائي بدءا برواية (وهن الحكايات) ورواية (عراق سينما) وروايته الأخيرة موضع بحثنا التي غلب على طابعها السردي ذلك النوع المفهومي من شعرية الوحدات السردية بصورة تحول فيها السرد إلى توالدات ذائقية وسياقية في تجليات النص الروائي في تجليات النص الروائي الذي لا تنقصه في القيمة الجادة سوى خلق المبررات المقنعة والأدلة التفصيلية الأكثر ثراء وخصب وصياغة سببية ذات روابط توفر للقارىء ذلك الفضاء الجاذب من الأداة وحسن التمثيل في علاقة الأحوال والبحث في أسبابها المرجعية والنواتية، لا أن تظهر ثمة عنونة تتصف بأبعاد علامية مشفرة، فنجدها على متون مقصورات الشاحنات ودون أية علاقة مدلولية ودلالية تربط بين قائل هذه العبارة وحياة سائق هذه الشاحنة افتراضا ما. . كان بالإمكان خلق محاور جادة في التفاصيل وأسبابها، لا أن تترك الرواية وأفعالها تقودها عفوية الذائقة وحلاوة رصف الجمل الوصفية ولباقة وتحليق اللغة المسرودة في الأبعاد اللفظية وزخرفها الكنائي، بعيدا عن خيوط الأفعال ومرابط مصداقها الذائقي في أنسيابية المقروء. أنا شخصيا ممن يعشق ويقر بجماليات المشغل السردي لدى السعد سواء كان الأمر في مجال القصة القصيرة أو في مجال التجربة الروائية، ولا أخفي عن القارىء حلاوة حكاية الرواية وسلاسة لغتها الكنائية الجميلة، ما جعلها تتفوق على محاولات روائية عديدة في المشهد الروائي البصري. ولكن في الوقت نفسه، هناك وحدات سردية في رواية (أحمر أفضل من ميت) تعوزها الدقة في التفاصيل وبعض من التفاصيل المقنعة في موجهات الأفعال وكيفية وصولها إلى هذه المستوى من التخريج الدلالي في شكله العام والخاص والأظهاري والمعلن، حتى تتاح لنا كقراء استكمالية العلاقة البينة والمتبينة من صنيع وصناعة الرواية كمنظومة فنية تطرح حكايا وأحوال المادة النواتية ضمن حالة محفوفة بالوعي وآهلية المشروع الروائي المنجز.

***

حيدر عبد الرضا

 

في المثقف اليوم