قراءات نقدية

دراسة في رواية (ليون الإفريقي) للكاتب أمين معلوف (3)

وقفة مع (كتاب فاس)، الفصل الثاني ـ المبحث (1): سيرة الوثيقة المرجعية وحكاية الصياغة الروائية

توطئة: تناولت الدراسات النقدية للرواية التأريخية ـ المرجعية، بشيء من الأحجام والضيق والتضييق، فراحت منها ما تهتم بتلميع السير ذاتي ـ المرجعي، ومنها الآخر ما راح يختزل وقائع التحليل في العلاقة الواقعة بين (المرجع ـ التخييل) في حدود نظرة تجزيئية خالية من الالتفات الكامل إلى معاينة الأثر المرجعي في الحدود الكاملة في عملية المعالجة التخييلية، لذات بدت أغلبها نمطي، تجزيئية، هامشية، في التوافر المدروس بين مرحلة وسيرة الوثيقة ومعالجات سرد الوقائع المتخيلة، استكمالا لرحلة الدراسة العضوية النقدية التي توظف أدق مجساتها المعيارية والمفهومية من خلال مستويات منجزة من التمثيل الإجرائي في النصوص المرجعية.

ـ الاستدلالات المقاربة في واقعة حكايا الرحيل

من الضروري والضرورة أن نعاين ما فاتنا من وقفات مؤشرة على مراحل ومشاهد وتقاويم حبكة (عام المهرجان) حيث من خلاله تتحدد مشاهد وصلية بالامتداد نحو (عام الرحيل) من كتاب فاس، ومن خلال وقفات هذا الفصل المتأنية بمشاهده المؤثرة، نلاحظ ذلك الإطار الدال الذي هو عبارة عن وحدات مجملة بالمحسوس السير ذاتي للشخصية المحورية ليون أو حسن الوزان.وبناء على ما جاءت به وحدات المستهل الافتتاحي لهذا الفصل من آخر كتاب لغرناطة، ينصرف صوت المسرود بما تلقى من مشاهد الأفعال بالتجربة السير ذاتية للمكان والزمن والشخوص ذاتهم، لذا بدا لنا صوت المروي عبر صيغة المباشرة بالضمير المضارع الحاكي، يلفت الانتباه إلى حلقات ترابطية من عناصر (سيرة الوثيقة المرجعية) وذلك ما تحدد به هذه التمثيلات مثالا: (لم أجرؤ قط منذ ذلك العام على أن اتلفظ أمام أبي بكلمة ـ مهرجان ـ لفرط ما كانت تفرقه في ألم الذكريات، وما كانت أسرتي لتحتفل بعد ذلك بهذا العام./ص84 عام المهرجان ـ كتاب غرناطة/ الرواية) ربما المعنى السيري للوثيقة التأريخية هنا في متممات هذا الفصل، بدت لها أكثر إيغالا في الشواهد ذات الصلة وطبيعة العوامل الأدائية الكامنة في رؤية الأثر المرجعي، ولكننا عندما نطيل المتابعة لأدق التفاصيل الإشارية في مقاربات الوثيقة، نلاحظ استقدام المعالجة التخييلية المرتهنة في تحريك البناء الروائي نحو لغة الخيال المتواصل في عملية المسرود وخصائصه التي تبدو مرشحة في مكونات استدعائية غالبة على مسودة الوثيقة: (وربما كان علي بالحري أن أقول في ذكرى القديس يوحنا في الرابع والعشرين من شهر حزيران ـ يونيه ـ. لأنه لم يكن يحتفل بالمهرجان بحسب العام الهجري، وإنما تبعا للتقويم المسيحي.فذلك اليوم يمثل منقلب الصيف الذي يحدد مدار الشمس، فلا وجود له في سنتنا القمرية./ص84 الرواية) من هنا نعاين بأن أمين معلوف راح يشكل من خلال محوره الشخوصي جملة محددات تتعلق أولا بحدود سيرة مرجعية، إلا أنه أضاف بالإيقاع التقويمي وفعالية مؤشراته الزمنية المتفاوتة، إلى القيمة الملحوظة عبر فضاء توليد السارد والمسرود بهذه الصيغة إذ غدا الأمر تأطيرا في التفسير الخلاصي الذي مبعثه الأرجح هو الانطباعات الحسية والصور والتواترات وعمليات قمع القشتاليين، وبكل هذا وذاك تنكشف حقيقة المسودة الوثائقية المروجة دون شك، بالشكل المعطى من حياة (الفاعل المروي) وإذا استتبعنا فاعلية الحياة الفعلية للمتخيل، لوجدنا أن أغلب نقاط التحول بين (سيرة وثيقة ـ وقائع سرد روائي) تستكملها طبيعة الشخصيات المنظورة بالمسار المتخيل، وليس بالعامل الحقيقي الخاص من سيرة الواقع المرجعي.لذلك فأن التفكير في منظور المروي لدى الشخصية الضمائرية بالمسرود، هي متحولة بالسيرة المرجعية للوثيقة، طالما هناك فاعلية متواترة بالأحداث المحكية ومتابعة سردها من خلال أداة ذاتية موغلة في تفاصيل النمو الروائي الموافق والمنطلق من حدود مرجعية، غير أن نقطة التحول والاستبدال في الشكل المسبوغ، بدت من مهام عوامل تخييلية في الانشغال الإمكاني للمحفوظ المرجعي.

1ـ الفضاء المرجعي وزمن الوقائع المسرودة:

ولو حاولنا إبراز كيفية الأشكال الفضائية في متواليات وتمظهرات المستوى المرجعي في الكتابة الروائية، لوجدناها تمتاز في تجليات خطاب (الراوي المتناوب) إي بمعنى ما أن علامات المروى إليه تتم من خلال (الراوي ـ المروى إليه ساردا ـ تناوبية الرواة) وهذا الفضاء من الرواة والمرويات تسند إلى جملة الذات الناظمة والمتمثلة ب (ليون) ارتباطا بالشخصيات والأحداث والحالات الأكثر ثنائية بين (الراوي ـ المروى إليه) وعلى هذا النحو أضحى مستوى الكتابة الروائية ـ المرجعية، كعلامة تلاقحية يراد من خلالها تقديم الخطاب المروى إليه، كوظيفة متمحورة العلاقة بين (الفضاء المرجعي ـ معالجات التخييل) كتقنيات في الرؤية السردية التي لا يبارحها زمن البناء الفعال في علاقته المباشرة أو اللامباشرة ومسودة الوثيقة (السيرتأريخية).ولو دققنا في بعض الوحدات المسرودة، لواجهتنا إشكاليات عسيرة من المستويات في الأخبار والأوصاف والاستطلاعات ذات النكهة المروية إلى درجة الإجناس الرحلاتي: (لقد انضم إلى أولئك الرعاع في تلك السنة مئات الجنود القشتاليين، فاجتاحوا منذ الصباح الحانات الكثيرة التي فتحت بعد سقوط المدينة./ص86 الرواية). كما أن الأساس البنائي في مسرود الأحداث ينتمي إلى مواصلة الروي ـ اهتماما ملحوظا ـ لأجل دعم الإمكانية الفعالة في شواهد الوثيقة السيرتأريخية، ذلك لأن الهدف والمراد الأول من مهام هذا النص الروائي، هو الإفراط في طرح تقاويم ووجوه ومسميات وزمكانيات نستشعر من خلالها مدى حقيقة الوقائع في حساسية الوثيقة المرجعية، إلى جانب توفر خواص وخصوصية التلاعب بالشخصية وملامحها الحسية والدرامية مع اختلاف توقعاتنا في مؤثرات درجة الخلق الروائي عن الوثيقة النقلية كشاهدة حديثة ذا وجود تأريخي محنط بالتقاويم وغبار حوافر الخيول وهمسات حوارية المروى إليه راويا.

2ـ فرضية المسرود حضورا في مفارقة الأحداث:

ربما من الجدل البديهي أن نقول: أن الرواية التأريخية لا تقدم فرضيات البناء الحقيقي للنص الروائي غالبا، فهي أحيانا تبدو لنا إعادة إنتاج أو معالجة سردية إلى حقيقة مرجعية، كما الحال في روايات تأريخية عديدة.غير أننا في رواية (ليون الأفريقي) قد نصادف حقيقة الوقائع في أبعادها السير تاريخية، ولكن ليس بالضرورة أن تحمل الكينونة الروائية للنص المرجعي، كل الحقائق المنقولة من أسماء الشخوص وأشكال الحوارات والمسرودات وبعض الأفعال المشتملة على الأستلهام التخييلي.إن رواية (ليون الأفريقي) تقدم باختصار ما يتفرد به أستلهامات الدليل الروائي من دلالات وأدوار وتوزيع ووظائف عاملية، وليس كما هو مرجحا في الوثيقة للمصادر التأريخية المتشدقة حول حوادث غرناطة وسقوطها على أيدي القشتاليين.هناك في رواية أمين معلوف، كينونات إشارية وعلاماتية وإحالية ووصفية، ناهيك عن صياغة المشروع الروائي في أوجه تتجلى كوحدات اختلافية عن إطارية نموذجها المرجعي.يمكننا القول في هذا الصدد، بأن تراتيبية الأحداث المسرودة، ذات الأفق التحولي في مسارية وقائع متغيرة، إذ نلاحظ ما في هذه الاقتباسات من المسرود، ما يجعل المسار السردي أحداثا مستندة على ما يحدث وعلى ما لم يكن متوقعا: (كان أبي يمشي في الطليعة ممسكا بيد مريم من جهة وبيدي من الجهة الأخرى ـ كانت أمي على بعد خطوتين خلفه تتبعها عن كثب وردة عندما صاحت بغتة:جوان !وجمدت في مكانها ـ توقف على يميننا جندي شاب ذو شاربين مطلقا صيحة مخمور خفيفة وهو يجهد في التعرف إلى المرأة المحجبة التي نادته على هذا النحو./ص86.ص87 الرواية) عبر هذه الهيئة من الحس اللامتوقع بوقوع هذه المناداة، تتجسد المداخلة المشهدية، وتبرز من خلالها خيارات التفاصيل الأكثر نذيرا بالشئم.من الواضح أن الكاتب معلوف يتوفر في سرده عنصر المباغتة بما لا يكون متصلا في مجال الاحتفاظ بما تحمله الواقعة التسجيلية في حذافيرها المنقولة.وربما من هنا تكمن مظاهر الوظيفة الروائية وتبديد صورة اللحظة التاريخية.أقول للأسف وحتى بعد انصرام عقود عظيمة من تجربة الرواية التأريخية، والى الآن هناك روائيون لم يستوعبوا كيفية أن تكون عليه أدوات وصياغة ومسوغات النص الروائي التأريخي، فهي ليست سيرة ذاتية لأزمنة ماضوية يعاد نقلها من خلال صفة إعادة المادة في صورة جديدة من الإسهاب الإنشائي، بقدر ما هي تجربة تحول في المشاهد ومظاهر الذاكرة المرجعية، إلى صعيد ممارسة ممكنة في ملمح الانطباع للمقروء في الوثيقة التأريخية، أي جعل إمكانية واقع المرجع إلى هوية ذات أصداء وملامح مغايرة ليس في معيارية الحقيقية، بل في مساحات ملاعبات حبكة التخييل.إذا تأملنا عن كثب الضمير المروى إليه في شخصية سلمى أو الأب محمد الوزان أو في الشخصية ليون ذاته، لوجدنا أن دلالة المادة النقلية في المسرود إليه، ما هي إلا حلقات من الوصل في الإيحاء بأن الشخصية ليون هو من يتكلم وينقل، وما هذه الوسائط في الرواة إلا استجابات في المحكي الزمني الذي كان فيه المحور المركزي طفلا أو صبيا.أقصد من وراء كلامي هذا، أن القيمة التأليفية للنص الروائي تتوزعها مراحل من الرواة والمتن الحكائي ثم ذلك الزمن بالنهوض بالخطاب كقيمة تتجاوز ملابسات أعباء إعادة الإنتاج للمادة المرجعية.

3 ـ الفاعل المروى إليه وعوائق السابق باللاحق الزمني:

ويمكننا في حال الإحاطة بالأفعال المسرودة، فهم أوجه الأسباب الإعاقية في إحالات (الفاعل المروى إليه) عندما كان يحمل أو يقاد من قبل شخصية الأب محمد الوزان إزاء حادثة مناداة الزوجة الرومية وردة إلى شقيقها جوان، حيث تتضح سمات الإعاقة البادية على وضع الأب الوزان من جراء المتعلقات الإشكالية بين السابق الفعلي من الأحداث وما كان لاحقا بها من التصاعد الزمني: (شعر أبي على التو بالخطر وقفز خطوة نحو أم ولده وأمسك بمرفقها بقوة وهو يقول بصوت خافت:لنعد إلى البيت يا وردة!لنعد بحق عيسى المسيح؟كانت نبرته متوسلة لأنه يحيط بالمدعو جوان أربعة جنود قشتاليين ثملين ومسلحين ـ هتفت للشاب الذي ظل ذاهلا:جوان، أنا إسمرلدا، أختك./ص87 الرواية) تتبين لنا من خلال تقلبات المشهد، أن شخصية الأب تخشى في ذاتها من فقدان الزوجة وردة، بعد إحاطة شقيقها جوان بوجودها تتمخض عنه مدى استنزاف شخصية محمد الوزان الذي راح لا يقوى على مواجهة أهالي الحي بأسره، بأعتبار أنه غدا مطعونا في كرامته كرجلا تسلب زوجته من أمامه فلا قوة له ولا حول على استعادتها إليه مجددا.من جهة أخرى نلاحظ مقدار المقصدية في كلام الشخصية ليون، ومدى تحديدها للزمن في نطاق مقاربة التصور والتقدير كقوله: (وأما أنا فلم أكن أفقه بالطبع شيئا من المأساة الدائرة أمام عيني الطفل الذي كنته./ص87 الرواية) كل هذا يزيد من تأكيد أن الفاعل الذاتي كان ساردا إلى مرسل إليه ما، بعد أن كان هو ذاته في موقع المرسل إليه، ولكن اللعبة في مواقع الرواة أو المروى إليهم أخذت مع نمو الأحداث الروائية، تتركز أحيانا في الكشف عن ليون راويا إلى جهة المقروء الإجمالي في سياق التلقي أو ربما أن تقاوم الزمن التصاعدي في النص ليكشف لنا المقصدية بوسائل أكثر تدليلا ودلالة.

ـ محاور ترسيمة الرحيل وسياقية الحكاية المرجعية

توافينا دلالات الفصل (عام الرحيل) في جملة تمظهرات حدثية في عملية الانتقال من غرناطة إلى ألمرية، حيث الأجواء في غرناطة أصبحت غير منسجمة مع المسلمين من أهالي المدينة ذاتها، وما كان على رأس الحث في حركة الهجرة التي قامت بها العوائل المسلمة هو الشيخ ـ أستغفر الله ـ هذا الرجل المتظاهر في التدين بالحيلة والغل من القشتاليين في الضمير الفردي وبالجمعي والأخذ بالأحساس المسؤولية إزاء بقاء بعض المسلمين فوق أرض أصبحت ملكا صرفا إلى جيوش الكفر: (ـ أرحلو، هاجروا..دعوا الله يسدد خطاكم لأنكم إذا رضيتم بالعيش في الخضوع والذل.. إذا رضيتم بالعيش في بلد تنتهك فيه تعاليم الدين الحنيف/كانت كلمات ـ أستغفر الله ـ ترن على وقع سبحة العنبر التي كانت أصابعه الهزيلة الورعة تفرق حباتها بلا كلل./ص94 الرواية).

1 ـ قلق الهوية: استلاب ذاتية الإنتماء:

يعد الحديث عن فكرة الهوية وهو من الموضوعات المثارة في فصول رواية (ليون الأفريقي) حيث انقلاب منظومة العلاقات والخطاب القومي والعقائدي والعرقي إلى حلقات طويلة من المساجلات التي تناقلتها الألسن عبر العيش في موطن أصبح لا يتحلى إلا بالتسقيط الكامل إلى العقائد والقومية المخالفة للمسيحية القشتالينية: (فحسب اتفاق التسليم كان أمامنا حتى بداية 1495 المسيحي للتقرير، بيد أنه لما كان اجتياز البحر إلى المغرب محفوفا بالريب منذ شهر تشرين الأول ـ أكتوبر ـ / وسرعان ما الصق بمن رغب في البقاء النعت الذي سبق إطلاقه على المسلم القاطن أرضا مسيحية ـ مدجن ـ وهي كلمة حرفها القشتاليون إلى ـ مديجار ـ وعلى الرغم من هذه التسمية الشائنة فإن كثيرا من الغرناطيين كانوا مترددين./ص95 الرواية) وتتبين من خلال سياق الأحداث والأفعال بأن هناك كان من يعقد ذلك الاجتماع السري في حديقة ـ بألبيسان ـ بيد أن الشخصية ـ أستغفر الله ـ كان يحضر حينما يكون متاحا له الحضور..وقد نلاحظ من جهة خاصة بأن هذه الشخصية له الكلمة العليا، وأن كان يقولها غالبا بصوت هامس.ذلك للدلالة على أنه صار مذاك في بلد معاد، وكان يبادر بدوره إلى زمام القول إنه إذا لم يكن قد سلك حتى الآن طريق المنفى فذلك فقط لثني المترددين عند درب الهلاك.وتخبرنا الأحداث السياقية في المسرود الروائي، بأن أعداد المترددين ممن كانوا حاضرين بالقليل، بدءا بمحمد الوزان: (أبي الذي لم يكن قد فقد الرجاء في العثور على وردة وابنتها؟) كان محمد الوزان عندئذ قد أقسم أن لا يرحل من غير أن يصطحبها وابنتها مع زوجته سلمى وليون ـ حسن محمد الوزان ـ وبعد زمن بحثه الدؤوب واتصاله بالشخصية حامد الفكاك قد أفلح أخيرا في تكليف تاجر جنوي أسمه ـ برتولوميه ـ ممن يقيمون منذ أمد طويل في غرناطة، وكان هذا الرجل يكسب المال الكثير عن طريق التنسيق في إطلاق الأسرى مقابل مبلغ مالي.

2 ـ مذكرات الراوي في تمفصلات المسرود إليه:

إذا كانت كل أنماط المسرود في تمظهرات دلالات رواية (ليون الأفريقي) تبدأ بمذكرات أطروحة يكون خطابها وفق آليات (الراوي ـ المروى إليه) فذلك تمثلا إلى المكونات التي تمتاز بها بنية ودلالة ومنظور الرواية.

ـ تعليق القراءة:

وعلى هذا النحو تواجهنا العديد من مجريات الأحداث المروية والتي تنحدر من (حديث الراوي ـ المبئر المتكلم ـ ذاتية النقل ـ تأزم المصير).وتبعا لهذا وذاك تتابع الأحداث في فصل (عام الرحيل) وفصل (عام الفنادق) كمسرحة المسرود عبر (زمن الرواة ـ المروى إليه) في سياقات حدثية وفعلية من فضاءات (المتكلم: الفاعل الذاتي) وصولا إلى تفاصيل مشبعة أوصالها الافعالية بكافة الاسترجاعات المتحققة من فكرة ورؤية (سيرة الوثيقة المرجعية) ـ اقترانا ـ لها بمشاهد وقائع آليات الخطاب الروائي الذي غدا مطروحا في آلية الوعي كمؤطرا لسيرة المرواتية (داخليا ـ خارجيا) إذ تتراءى منهما مسحات منظور المتكلمين وبحدود تتناسب مع كيفيات المبئر الأحوالية والأدوارية والعاملية وفي تفاصيل كفيلة بالإحاطة بمسيرة الفصول والوقفات والتقاويم الهجرية المتمثلة في رؤية مؤدلجة وتوليفية من وجهة نظر الروائي وتبئيرات الرواة من الآباء والامهات والأبناء بمن فيهم هو الناظم الأوحد: (وكان علينا التأكد من عدم الوقوع في أحد تلك الأمكنة السيئة السمعة، أن نبحث عن فندق بجوار جامع القرويين.. فهنا كان ينزل الأثرياء من المسافرين التجار./ص118، عام الفنادق / الرواية) هكذا بدت لنا مساحة الحكي تتخللها الأصوات لجملة الرواة بين الفينة والأخرى.. مساحات من أصوات الرواة والمرويات المتناوبة في آليات حركة المسرود والسرد والأوصاف والأخبار والزمكانيات المنزوعة الوظائف وذات الوظائف المقترنة في تماثلات الأحوال الشخوصية اختزالا في مدارات أفق الذوات والمدن ووقائعها الوثائقية والتخييلية والحسية واصطداماتها الحجاجية في مغزى تخليد النص الروائي كقيمة إمكانية عبر شرنقات (المرجع النصي) وكتجربة إبداعية في تصورات المخيلة والتخييل والانحيازية بالدليل الوظائفي إلى تقنيات البناء الروائي الارتدادي.

***

حيدر عبد الرضا

في المثقف اليوم