قراءات نقدية

الموشحات هل هي أندلسية المنشا أم سريانية شرقية؟

ان كلمة شعر shaer تعبير قديم معروف متوارث منذ عهود السومريين والأكاديين ومن بعدهم في بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام، وان أقدم نصوص شعرية وجدت منقوشة على رقم يرجع تاريخ كتابتها الى الألف الثالث قبل الميلاد (على أقل تقدير) وكان أهمها على الأطلاق ملحمة كلكامش، وغيرها من القصائد والتراتيل الموجهة الى آلهتهم، هذا يعني ان الأنسان كتب الشعر وغناه قبل ان تولد أوزان الخليل واوزان الشعر السرياني وما شابه ذلك في البلدان الأخرى، وإن كانت اوزان الخليل أو أوزان برديصان قد أكتسحت الساحة في الفترة التي تلتهما ولكن هذا لا يعني زوال الأغاني الشعبية التي كانت أمهاتنا وآبائنا يمارسونها أمام مهود أطفالهن أو أثناء ممارسة أعمالهم وأفراحهم وأحزانهم ... وهذا ما لفت أنتباهي حين دراستى للأوزان الشعرية السريانية والعربية ومقارنتها بالشعر السومري ومن ثم الموشحات والشعر المحكي اللبناني . ما أريد أن أقوله أن الأنسان كان يستخدم ذوقه اللحني أي كان يعتمد على الحركة والتي هي أصل الصوت وهذا ما يؤكده كل من خليل بن أحمد الفراهيدي (القرن الثامن) حين قال:

(.. في اجابته على السؤال هل للعروض أصل؟

فاجاب الخليل: نعم! مررت بالمدينة حاجا فرأيت شيخا يعلم غلاما ويقول له قل:

نعم لا، نعم لالا، نعم لا، نعم لالا

قلت ما هذا الذي تقوله للصبي؟ فقال: هو علم يتوارثونه عن سلفهم يسمونه التنعيم، لقولهم فيه نعم... قال الخليل: فرجعت بعد الحج فاحكمتها) بمعنى بنى على أساسها البحر الطويل (فعولن مفاعيلن) وهذا الوزن ينسب في السريانية الى مار أفرام (القرن الرابع للميلاد) والمسمى بالبحر المزدوج (3+4) .

وكذلك ما يؤكده العلامة السرياني انطون التكريتي (القرن التاسع) في كتابه علم الفصاحة حين يصف الوزن المستخدم لدى الشاعر السرياني وفا الارامي (قبل الميلاد) حيث قال:

(وهذا وزن مركب ومنظم على هيئة أغاني محببة اِعتاد على اِستعمالها الملحنون للحروب، ومنظموا الأغاني الاِجتماعية ... ولما كان هذا هدفهم، فأنهم يحددون اللحن وليس بالصور والتهجئة والمقاطع كما نفعل نحن فانهم يفسدون سواء بالإضافة او النقصان..) ويزيد التكريتي قائلاً: ان الأولون بنوا أوزانهم على الألحان التي كانت اِنعكاسا لأصوات الطيور كصوت اليمامة والديك البري ....)

إذن الوزن هو مجموعة مقاطع صوتية متشابهة أي تردد ظاهرة صوتية على مسافات زمنية محددة .

ولكن لو أجرينا مقارنة بسيطة بين هذه الأوزان لنجد ان الأوزان الشعرية المستخدمة في التراث السرياني والعربي والعبري والفارسي والتركي والكوردي.. ما هي إلا تطور في الأوزان القديمة.

لذا علينا إعادة النظر فيما يقال بأن الموشحات والزجل والشعر المحكي اللبناني جاءت كنتيجة مزاوجة بين أوزان الخليل والاغاني الشعبية الاسبانية (الفلامنكو) والبروفنسانية اللاتينية لأن هذا الفن موجود في الشعر السرياني قبل أن يولد الخليل وجماعة الفلامنكو وما شابه ذلك .كي لا أطيل سيقتصر بحثي عن الموشحات:

ذكر المؤرخون والباحثون تعاريف عديدة للموشح، جميعهم أجمعوا على إن الموشح لا يخرج عن كونه نوعاً من النظم وان فنهِ (حسب قولهم) هو من فنون الشعر العربي . و كلمة الموشح في العربية مشتق من كلمة وشح أي زين، وسميت بالموشحات لما فيها من تزيين وتنميق . يقابلها في السريانية ܐܲܫܲܚ - أشح بمعنى ذوب، أوقع، أسال

منشأه: كثرت آراء القدامى والمحدثين حول تاريخ ومكان نشأت الموشحات فمنهم من يحدد تاريخها إلى أواخر القرن التاسع واخرون في نهاية القرن العاشر واخرون في أوائل القرن الحادي عشر . أما منشأه فهناك عدة نظريات نوجزها بما يلي:

أولا- إن اغلب الباحثين من المستشرقين (مينيندز بيلينو، ريبيرا، جب، بروكلمان، بنكل، وغيرهم) والعرب (يوسف اسعد، بطرس البستاني، د. عبد العزيز ألاهواني وحنا الفاخوري وغيرهم ...) بأن فن التوشح إنتقل الى الادب العربي من خلال الأغاني الشعبية الاسبانية (الفلامنكو) والبروفنسانية اللاتينية التي كانت تعرف بالرومانسية من خلال جماعة الرواة والمغنين المعروفين في فرنسا بالتروبادور وجنكلر إشتهروا في غالية واسبانيا اذ كانوا يطوفون البلاد متنقلين من قصر الى قصر يقصدون الامراء في المواسم والاعياد، يتغنون باناشيدهم الغرامية وقصص الفروسية في مقاطع غير محكمة الوزن ولا تلتزم فيها القوافي التزاما . اما الاساس الذي يستندون اليه في نظريتهم هو:

1-لان قصائدهم (أسوة بالموشحات) كانت مغناة

2- مواضيعها تدور في الغرام والفروسية

3-غير محكمة الوزن ومختلفة القافية

4- وجود جوانب مشتركة بين الموشحات والمنظومات التروبادورية حيث نجد في مقطوعة من المقطوعات التروبادورية جزء يقابل الغصن في الموشحة وجزء يقابل القفل .. ومن نقاط الاِلتقاء أيضا ان ما يقابل الغصن مع ما يقابل القفل يسمى عند جماعة التروبادور بيتا كما هو الحال عند جماعة الموشحات .

إلا ان هذا الرأي خلق عند البعض رأي معاكس أي دفع بالبعض أمثال المستشرق (ليفي بروفنسال وبنكل وكراتشوفسكي) ومقداد رحيم ومجدي شمس الدين و... لا يستبعدوا ان يكون شعراء التروبادور هم الذين تاثروا بالموشحات، ويدعمون نظريتهم بما يلي:

إن أول شاعر تروبادوري هو جيوم التاسع أمير بانييه الذي كتب أشعاره بين سنة 1100-1127م أي بعد اقدم الموشحات بأكثر من 200 سنة فضلا عن ما ذهبنا إليه من التقارب بين الموشحات واغاني التروبادور كتقابل الأغصان والأقفال .

ثانيا- البعض الآخر أمثال اِبن بسام، ابن خلدون، أحمد حسن الزيات، طه حسين، مارون عبود، ابراهيم أنيس ...وغيرهم يعتقدون ان فن التوشح هو مشرقي المنشأ اي عربي وينسبونه الى مقدم بن معافر الفريري من شعراء الامير عبد الله بن محمد المرواني في اوائل القرن الحادي عشر الميلادي واخذ عنه ابو عبد الله احمد بن عبد ربة صاحب كتاب العقد الفريد ويوسف بن هارون وعبادة بن ماء السماء، .. ومنهم من يعتقد ان الشاعر العراقي ابن المعتز المتوفي سنة (296هـ – 876م) هو اول من أنشا هذا الفن بقوله:

أيها الساقي إليك المشتكي   قد دعوناك وإن لم تسمع

ونديم همت في غرته

وشربت الراح من راحته

كلما استيقظ من سكرته

ثالثا- البعض منهم وخاصة د. عبد العزيز الاهواني يعتقد بان الموشحات أعجمية لوجود ألفاظ أعجمية وهذا ما سينقلنا إلى عدة احتمالات هل هي أندلسية أم فارسية أم سريانية .. وهذا ما سنجده لدى كثير من الوشاحين (وحتى غير الوشاحين أمثال ابونواس) يخرجون قصائدهم بأبيات او ألفاظ دخيلة الا أنها قد تكون مألوفة لديهم . حيث روى ابو فرج الأصفهاني (تولد 356هـ - 936م) مقطعة من أربعة أبيات لابراهيم الموصلي يصف بها خمارا ختمها بالبيت الاتي:

فقال (إزل بشينا) حين ودعني       وقد لعمرك زلنا عنه بالشين

نجد ان الشاعر استخدم مفردات سريانية كعبارة (ازل بشينا) بمعنى اذهب بسلامة وكذلك (زِلنا) بمعنى ذهبنا و(بشينا ـ بالشين) بمعنى بالسلامة .

رابعا- واخرون يعتقدون أمثال الأستاذ مقداد رحيم إن الموشحات التي نسمعها اليوم مغناة بشكل جماعي ليست أندلسية في طريقة الغناء والألحان بل هي مشرقية . فهي مزيج من ألحان مشرقية وألحان أندلسية كنسية . ويعتقد الأستاذ مقداد إن الموشحات كانت في السابق يغنيها شخص واحد مع جوقة تردد بدلا من جوقتين ... كما يعتقد ان الموشحات مرت بثلاث ادوار وما وصلنا منها كانت بالدور الثالث اي متكاملة .

خامسا- هناك من يذهب أمثال المستشرق فيليكروسا بان الموشحات العربية قد تأثرت بالموشحات العبرية

سادسا- أما الأستاذ سلمان علي التكريتي يقول:

ولا نغالي إذا قلنا ان الموسيقى السريانية بواسطة الكنيسة الشرقية قد تمكنت من فرض فنية ترانيمها الشرقية على عموم أوربا عن طريق مدرسة الرها ونصيبين، وإن الموسيقى الأندلسية والموشحات الأندلسية هي موسيقى الكنيسة الشرقية . ويعتقد الأستاذ سلمان علي بان الموشحات الأندلسية في المشرق العربي (سوريا، عراق، لبنان، اردن، مصر) قد تأثرت تأثيرا واضحا بايقاعات الغناء الشعبي من ناحية وتأثيرات الموسيقى التركية من ناحية ثانية فإفتقدت الموشحات الأندلسية في المشرق العربي ميزتها التراثية الأصلية لكننا نجد العكس في المغرب العربي (تونس، مغرب، جزائر) . والدليل على هذه الأصالة والنقاء هو قربها ومشابهتها لأداء الغناء الكنسي المشرقي الذي ما زال يؤدي على شاكلته على مر القرون ومنذ ظهوره وخلال تطوره باِسلوب مار افرام .

سابعا: أنا اتفق مع الأستاذ سلمان علي التكريتي على إن الموشحات هــــي مشرقيـــة الأصل ذات جذور كنسية سريانية، فهذا الفن وجد في الأدب السرياني قبل أن يوجد عند جماعة التروبادور والجنكر بقرون ويرجع السبب في ظهوره في الاندلس بدلا من العراق وبلاد الشام:

1- كون بغداد والشام هي مركز الخلافة الإسلامية وكان تمسك الخلفاء بتراثهم وإنشغالهم في الفتوحات أدت إلى عدم تشجيعهم لأي قصيدة تخرج من إطارها التقليدي .

2- أما الأندلس فلبعدها عن المركز وانفتاحهم على مجتمع شاع فيه الترف واللهو والغناء شيوعا عظيما جذبتهم الطبيعة الأندلسية وأوزانها التقليدية الأمر الذي أدى بالأمراء في الأندلس إلى تشجيع هذا اللون من الشعر. فبدأت حركـــة التحرر في القـرن الحادي عشـــر على يد الشاعر ابن زيدون وابن عمار والمعتمد بن عباد وغيرهم .

أما كيف انتقل هذا الفن من المدراش السرياني الى الموشح العربي فيكون:

1- من خلال المدارس والجامعات السريانية في الكنائس والاديرة التي كان يتلقى فيها الكثير من الادباء والمفكرين العرب علومهم فيها ومن بينها المداريش والسوغيتات، فتشبعت الأذن العربية بهـــذه التراتيل التي كانت ترتل باِستمرار في الكنائس والأديرة بألحان شتى .. فليس مستبعدا ان تكون هناك عشرات الموشحات تغنى سرا او علنا في العراق او الشام او لبنان واِختفت لعدم تشجيعها من قبل الخلفاء .

2- عندما دخلت الجيوش العربية الاِسلامية بلاد الاندلس واِستقرت هناك كان من بينهم او من بين الذين توافدوا اِليها لاحقا الكثير من الأدباء الذين تلقوا علومهم في المدارس السريانية في العراق او بلاد الشام فنقلوا معهم أشعارهم وأفكارهم التجددية في الشعر، فعندما سنحت لهم الفرصة أظهروها هناك .

3- كانت العلاقات وثيقة بين طرفي العالم العربي، فكان الكثير من الرحالة يذهبون الى الشرق للتزود بالعلوم في المدارس السريانية. وكان البعض الآخر من المشرق يذهبون الى الأندلس لسبب ما، فوفد زرياب (تلميذ اِسحق الموصلي)الى الاندلس عام 822 م وكان له أثر بليغ في فن الغناء والموسيقى كما جلبت المغنيات من الشرق فحملن معهن الى الأندلس فنها وأدبها ومن أشهر هؤلاء المغنيات القيان قمر البغدادية.

3- ومن المحتمل ان يكون هذا الفن قد اِنتقل اِليهم من خلال اليهود القاطنين في بلاد الأندلس (كما يقول المستشرق فيليكروسا) حيث اِستمدوا (اليهود) الكثير من آدابهم وعلومهم من السريان كما يقول بذلك الباحث اسرائيل اِبراهام .

ومن الاسباب التى دعتني الى القول كون فن الموشح مشرقي سرياني:

1- كانت باِستطاعة الأذن العربية ان تتقبل اللغة السريانية وآدابها وألحانها بصورة أسهل بكثير من تقبلها للغة أعجمية بعيدة كل البعد عن لغتها وتراثها .

2- ان ما يجمع من صفات مشتركة بين المدراش السرياني (القرن الثالث الميلادي) والموشحات العربية (القرن الحادي عشر) يجعلنا أن نؤكد جازمين أن الموشح مشرقي الأصل سرياني المولد . فالمدراش الذي هو عبارة عن منظوم جدلي في قالب شعري يمثل النوع الغنائي من الوزن يمتاز والموشحات بـ:

1- ان ابياتها لاتكون على نمط واحد اي تتساوى عدد مقاطعه حينا وتختلف حينا اخر.

2- ان ابياتها تكون قائمة بذاتها ولا صلة لها بالبيت السابق (اي كل بيت في المدراش قائم بذاته) وتفصل هذه الأبيات (ويسمى في الموشحات الدور حيث يشتمل على أجزاء تسمى أغصانا تتعدد بتعدد الاغراض) ردة (قفل بالعربية الذي هو عبارة عن بيت واحد او عدة ابيات من الشعر تبتدئ بها الموشحات وتتكرر ويشترط فيها إلتزام القافية والوزن والأجزاء وعدد الأبيات الشعرية وذات موسيقى واحدة) ترتلها الجوقة بعد كل بيت او أكثر يقوم فرد بترتيله، اي ان:

* الجوقة الاولى (الشماس في الغالب) ترتل الابيات الطويلة

* الجوقة الثانية ترتل الابيات القصيرة التي تؤلف الردة (التي هي عبارة عن حمدلة او صلاة ما) . ومن شروط هذه الأبيات (باِستثناء الردة /القفل) ان تكون متشابهة وزنا ونظاما وعدد أجزاء، وباِستطاعة الراوي تنويعها .

3- للمداريش أنغام شتى وكانت الألحان تتغير بموجب أنواع المداريش فالمونسنيور لامي اكد وجود 75 ضربا من الألحان في الاناشيد الصحيحة او المنحولة لمار افرام . وتأتي على الأغلب على شكل حوار وكان ذلك سببا دفع البعض بتسمية المداريش بالموشحات، وأول من صنفها هو برديصان (+154م) واسونا (القرن الرابع الميلادي) ومار افرام (+306) ومار اسحق وبالاي و.. . وقد دخلت عليها وعلى الموشحات بعض الفنون في كتابتها. وتفرع من المدراش السوغيت، حيث يستعمل في صياغة المآسي الدينية ويكون على شكل حوار بين منشدين او جماعتين . فبعد مقدمة مؤلفة من 5-10 أبيات ذات أربعة أشعار من الوزن السباعي (الغالب) تبدا المحاورة بين شخصين او جوقتين كما في اِنشودة الميلاد (محاورة بين العذراء والمجوس) وانشودة البشارة (محاورة بين الملاك جبرائيل والعذراء) وهي من قصائد نرساي (399 -503 م) .

اما الموشحات فهي تتالف من أسماط (أقفال ـ يقابلها الردة) ومن أبيات تتفرع الى أغصان (اجزاء ـ يقابلها دعامات)   .

وقد قسم ابن سناء الملك الموشحات الى قسمين:

ا- ما جاء على أوزان العرب وهي تشبه المدراش السرياني ذو الوزن المتساوي .

ب - الخالية من العروض وأكثرها مبني على تأليف الأرغن ...) وهي نفسها في المداريش السريانية الموزنة على الوزن المركب .

4- الوزن: من حيث الوزن نجد ان الموشحات تستخدم نفس أسلوب الوزن السرياني وهذا الوزن يختلف عن أوزان الشعر العربي الخليلي ذات التفعيلة الواحدة، كما ان الشعر العربي لا يحتوي على دعامات متساوية كما سنجدها في الموشحات، وذلك لتدوير الايقاع بين التفعيلات في اوزان الخليل وهذا لا يجوز في الشعر السرياني وما لا نجده في الموشحات الاصلية . فعلى سبيل المثال نجد ان قصيدة صفي الدين الحلي(750هـ) والتي مطلعها:

شق جيب الليل عن فجر الصباح     ايها السامون

وزنها (فاعلاتن فاعلاتن فاعلان   فاعلن فاعلن) هذا الوزن سوف لن تجده في اوزان الخليل الصافية، كونها موزونة على اساس الايقاع الموسيقي كما الحال في المدراش وهي على الشكل الاتي:

6حركات + 5 حركات         5 حركات

اي الشطر 11 حركة والعجز 5 حركات

وهكذا في القصيدة الغنائية (سكن الليل) لجبران خليل جبران التي يقول فيها:

سكن الليل وفي ثوب السكون   تختبي الاحلام

وسعى البدر وللبدر عيون       ترصد الايام

نجدها موزونة على وزن (فعلاتن فعلاتن فاعلان     فاعلن فعلان) هذا الوزن ايضا لا تجده في الاوزان الصحيحة عند الخليل بل تجدها موزنة وبشكل صحيح كما في المدراش فوزنها(5 حركات +6 حركات في الشطر و5 حركات في العجز) . وهكذا الحال في قصيدة ابن بقي (المولود سنة 1145م) والتي مطلعها:

انما يحيى سليل الكرام       واجد الدنيا ومعنى الانام

نجده يستخدم الدعامة الخماسية اي 5+5+5+5 وعلى مدار القصيدة .

وهي تشبه قصيدة لانطون التكريتي (المتوفي سنة 840م) يقول فيها:

ܚܣܡܐ ܠܒܪܢܫܐ / حساما لبرناشا

ܐܝܟ ܫܘܚܬܐ ܠܒܪܙܠܐ / أخ شوحتا لبرزلا

ܐܘ ܫܘܒܐ ܠܫܒܠܐ /أو شوبا لشبلا

ܐܝܟ ܣܐܡܐ ܠܡܝܢܐ / ايك سيما لمينا

وهناك قصيدة تنسب لسلم الخاسر (180هـ) تتكون من مجموعة دعامات (سلم موسيقي) على وزن مستفعلن، يتكون البيت الواحد من اربع دعامات وكل دعامة من اربع حركات كما في قوله:

موسى المطر. غيث بكر. ثم انهمر.الوى المرر

كم اعتسر. ثم ابتسر. وكم قدر . ثم غفر

وهذا اللون لا نجده الا في الموروث السرياني الذي اشتهر فيه كل من نرساي (+399م) ويعقوب السروجي (+451م) .وكما في المدراش الذي نيشه (ܒܝܠܕܗ ܕܡܪܢ ـ ميلاد المسيح) كقول نرساي (399م):

ܪܫ ܚܟܡܬܐ       ܚܟܡܬ ܠܩܘܫܬܐ  ܕܚܝܠ ܒܪܘܝܐ

رِش حَخِمتا   حِكمَت لقوشتا     دحيل بارويا

نجد ان البيت الشعري يتكون من ثلاث دعامات (بدلا من اربع) وكل دعامة تتكون من اربع حركات . وكما لدى بالاي (توفي سنة 432م):

ܡܚܕܐ ܕܢܫܩܗ / ܫܢܝܬ ܢܘܫܗ / ܦܩܕܠܐ ܡܪܝܐ /ܦܩܕܠܐ ܠܨܦܪܐ

مَحدا دنَشقي / شِنيَت نَوشى / فقَدلا مَريا / فقَدلا لصَفرا

نجد ان البيت الشعري وكما عند سلم الخاسر يتكون من عدة دعامات وكل دعامة تحوي اربع حركات.

5- القافيـــة: نجدها في الموشـح اســوة بالمدراش تختلف من مقطع لآخر وأحيانا تستعمل قافيــــة موحـــدة فـــي الدعامات الداخلية كما في موشحة ابي عبــد اللـــه محمـــد بن عبـــادة المعروف بابن قزاز:

بدرتم . شمس ضحا     غصن نقا . مسك شم

ما أتم . ما أوضحا       ما أورقا . ما أتم

لا جرم . من لمحا       قد عشقا .قد حرم

نجد ان المقطع يتكون من دعامتين ذات ثلاث واربع حركات اي بمجموع سبع حركات وعلى وتيرة واحدة خالية من التدوير ذات قافية مقطعية . ومثل هذا الاسلوب لا نجده الا في الموروث السرياني . كما في قصيدة يعقوب السروجي (تولد 521م). يقول فيها:

ܩܠܗ ܕܚܠܝܢ / ܚܙܘ̈ܐ ܬܡܝܗܝܢ / ܪܥܡ̈ܐ ܪܗܝܒܝܢ / ܛܩܣܐ ܣܕܝܪܝܢ ܬܓܡ̈ܐ ܫܘܝܼܚܝܢ

قالى دَحلين / حِزوى تميهين / رَعمى رهيوين / طَقسى سديرين / تِغمى شويحين

***

نزار حنا الديراني

.................

المصادر:

1- د رضا محسن القريشي /الموشحات العراقية منذ نشاتها وحتى القرن التاسع عشر

2- الموشحات / د مجدي شمس الدين ـ مجلة الافاق العربية 3-4/اذار 1999

3- سلمان علي التكريتي / مجالي تطور الموسيقى العربية / مجلة افاق عربية عدد 12/اب/1983

4- مقداد رحيم / الموشحات الاندلسية وعلاقتها بالغناء / افاق عربية عدد 9/مايس/1984

5- نزار حنا / الايقاع في الشعر ـ دراسة مقارنة بين العربية والسريانية

في المثقف اليوم