دراسات وبحوث

منى زيتون: حادثة الإسراء والمعراج ونسبية الزمن

منى زيتونمن آياته العظيمة أن خلق لنا الله سبحانه وتعالى الشمس والقمر ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: 96]، ‏﴿‏هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [يونس: 5]. فاستخدم البشر منذ القدم الظواهر الفلكية التي تنشأ من حركة الأرض والشمس والقمر لحساب الزمن، مثل تعاقب الليل والنهار، ودورة أوجه القمر (هلال، تربيع أول، أحدب، بدر، .....)، وتعاقب الفصول الأربعة. وعلى هذا الأساس استخدموا العديد من وحدات الزمن مثل اليوم والشهر والسنة الناشئين على التوالي عن: دوران الأرض حول محورها، ودوران القمر في فلكه حول الأرض، ودوران الأرض في فلكها حول الشمس، وقد أسهم ثبات هذه الوحدات  في ثبات مفهوم الزمن بالنسبة للبشر.

ومع ذلك فبإمكاننا أن نجد في القرآن الكريم آيات شديدة الوضوح تشير إلى نسبية الزمن، وأن الزمن الذي يعرفه البشر يختلف عن الزمن عند الله تبارك وتعالى، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: 47] و ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: 5]. ويختلف كذلك عن الزمن الذي تتعامل به كائنات نورانية كالملائكة والأرواح ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: 4]. والمقصود باليوم في هذه الآيات مراحل لا علم لنا بها.

ومن اللافت بالنسبة لي أن الله سبحانه وتعالى لم يشبه ذاته العلية إلينا إلا من خلال مفهومين، وهما الضوء حين قال تعالى: ‏﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ‏[النور: 35]، والزمن فقال في الحديث القدسي: "أنا الدهر". وسنرى في هذا المقال المبسط كيف يتعلق كلا المفهومين ويترابطا.

المادة والطاقة وسرعة الضوء وعلاقتهم بالزمن

في مقال سابق عن "المادة والطاقة" في كتابي "نحو مجتمع عربي متحضر" تحدثنا عن أنهما وجهان لعملة واحدة، أو ما يُعرف فيزيائيًا بـ "تكافؤ المادة والطاقة"، وأن التحولات ما بينهما مستمرة منذ بدء الكون، ووفقًا للمعادلة الشهيرة التي نتجت عن نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين [ط = ك.س² (بالإنجليزية: ‏E=mc²‎‏)‏] فإن طاقة المادة تساوي حاصل ضرب كتلة المادة في مربع سرعة الضوء.

ومن ثم فإن زيادة الطاقة التي تحرك الجسم (زيادة سرعة الجسم) يترتب عليها زيادة كتلة مادته، ولكن زيادة الكتلة هذه لا تُلحظ إلا مع السرعات الكبيرة للغاية. وتحرك الجسم بسرعة الضوء يجعل كتلته لا نهائية.

ووفقًا لأينشتاين أيضًا فإن الجاذبية هي انحناء في نسيج عالم الأبعاد الأربعة (الزمكان= أبعاد المكان الثلاثة+ الزمن كبعد رابع)، وهذا الانحناء تحدثه كتلة المادة والطاقة. ومن ثم ولأن هناك انحناءً يحدث في هذا النسيج فإن الزمن نسبي والمكان أيضًا نسبي!

ويقول ألبرت أينشتاين: "التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل هو فقط وهم مستمر"؛ فملخص نظرية أينشتاين فيما يخص الزمن أن الزمن ليس مطلقًا ولا يتدفق دومًا إلى الأمام، وإنما هو نسبي، والمستقبل ليس مجهولًا بل هو موجود لمن يستطيع الوصول إليه! والحادث الواحد في هذا الكون قد يكون في الماضي بالنسبة إلى شخص، وفي الحاضر بالنسبة إلى شخص آخر، وفي المستقبل بالنسبة إلى شخص ثالث!

ومعلوم أن سرعة الضوء هي أعلى سرعة في الطبيعة، وهي أعلى سرعة يمكن أن تتحرك بها المادة أو الطاقة، وهي ثابتة في الفراغ لا تتغير بالزيادة أو النقصان تبعًا لسرعة مصدره وهو يبتعد أو يقترب من الراصد، فهي ثابت مستقل عن حركة الراصد.

وقد استنتج العلماء أنه في أي جهاز متحرك بالسرعة (v) يكون فيه الزمن (T’) بالنسبة إلى الزمن (T0) الذي يحدده الجهاز الذي يرجع إليه في قياس الزمن هو:

3359 معادلة الزمن

حيث c هي سرعة الضوء. ومعنى ذلك أن الزمن يتوقف على السرعة (v).

وعندما تكون v= c ، أي عندما يتحرك الجهاز (أو الراصد) بسرعة الضوء يبلغ الزمن اللانهاية.

ووفقًا للنظرية النسبية فإن الزمن يتباطأ حسب السرعة، وكلما زادت السرعة زاد تباطؤ الزمن (تمدد الزمن)، ونظريًا فإن التمدد يبلغ أقصاه إذا وصل الجسم المتحرك إلى سرعة الضوء الثابتة في الفراغ.

وتلك الحالة المعروفة في النظرية النسبية والتي يمكن أن نسميها بحالة (اللا زمن) (no time) تحدث للجسم إذا تحرك بسرعة الضوء، وهي حالة افتراضية لا يمكن تحقيقها عمليًا لأن البشر عاجزون عن اختراع آلة تسير بسرعة الضوء والتي تبلغ حوالي 300000كم/ث.

وهذا فرق آخر بين منظور نيوتن للزمن المطلق ومنظور الزمن النسبي عند أينشتاين، فوفقًا لنيوتن يمكن نظريًا الوصول لسرعة الضوء، ولكن وفقًا لنسبية أينشتاين فإن الوصول لسرعة الضوء أمر مستحيل؛ لعدم توفر طاقة يمكن أن توصل لهذه السرعة.

الإسراء والمعراج؛ رحلة دائرية بسرعة الضوء

إذا كان البشر عاجزون عن إيجاد آلة تسبح بهم في الكون بسرعة الضوء فربهم قادر على كل شيء، ومنذ أكثر من ألف وأربعمائة عام حدثت حادثة الإسراء والمعراج التي أُسري فيها بخير الأنام إلى المسجد الأقصى حيث صلى بالأنبياء، ثم عُرج به إلى السماء، ثم عاد إلى النقطة التي بدأ منها رحلته.

في تلك الليلة -ليلة الإسراء والمعراج- جاء جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ودعاه للركوب على دابة تُسمى (البُراق)، فركبا عليها، ومن ثم أصبح كلاهما –النبي وجبريل- يسيران بسرعتها، ولنضرب مثلًا بأنك ركبت أنت وابنك الصغير سيارة وتحركت بكما، فكلاكما تتحركان بسرعة السيارة، ونلاحظ أن لفظ البُراق مشتق من البرق، والبرق ضوء، وفي هذا إشارة إلى أن الدابة التي كانت تحمل النبي وجبريل (البُراق) كانت تتحرك بسرعة الضوء، ما أدخل النبي في حالة تمدد الزمن وصولًا إلى اللازمن، والتي وصفتها الصحابية الجليلة التي كان النبي صلوات ربي وسلامه عليه نائمًا في بيتها في تلك الليلة بأنها "لم تفتقده قط"؛ أي أنها ما نظرت نحوه وهو نائم في أي لحظة ولم تجده؛ ذلك أنه كان يتحرك نحو المستقبل بسرعة الضوء، حتى أنه شاهد أقوامًا يعذبون في جهنم. وعندما انتهت رحلته صلى الله عليه وسلم عاد من مداره الدائري الذي تحرك فيه بسرعة الضوء، ودخل ثانية في مسار الزمن الخاص بنا عندما عاد إلى سرعته الأرضية الأصلية، ولم يكن قد فاته منه شيء.

وأرى أن هذا هو التفسير الأدق فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتحرك بسرعة الضوء وليس أن طبيعته المادية قد تحولت إلى طبيعة نورانية كما قال بعض العارفين بالله؛ فحادثة الإسراء والمعراج كانت نقطة تقارب بين العبد وربه، وهي التي فُرضت فيها الصلاة، وكأن الله يخبرك أنك متى أطعتني حتى وأنت على طبيعتك المادية ستكون قريبًا مني، وستعرج روحك إلي، ثم إن الرسول الكريم أخبرنا أنه دُعي له بدابة اسمها البراق ركبها هو والأمين جبريل، ومن ثم فقد كانا يتحركان بسرعة الدابة، فإذا كانت طبيعة جسم الرسول ستتغير حتى يصبح نورانيًا فلم كانت الدابة؟!

وكما أن الزمن نسبي فالمكان أيضًا نسبي، ووفقًا لأينشتين فلا مكان مطلق، وكل ما في الكون يتحرك بالنسبة إلى الكون، فنحن في الحقيقة مسافرون في الكون على متن كوكبنا الأرض. ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ [النمل: 88].

اقتربت الساعة

ختامًا أذكر بما سبق أن تحدثت فيه مرارًا من رصد العلماء منذ سبعينات القرن الماضي لتحرك مجرتنا بالكامل وكذلك باقي المجرات التي تنتمي ‏إليها مجرتنا في اتجاه مركز المجرة التي تقع خلف المجموعة النجمية لكوكبة القوس، وقدروا هذه ‏الحركة بسرعة 600 كم في الثانية، ولا يعلمون يقينًا مصدر هذا الجذب، فهو مجهول الهوية، وإن كانوا ‏يسمونه بالجاذب العظيم!‏ ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [يس: 37 ].

فإذا كان العلماء يعرفون أن لهذا الكون بداية وأنه اتسع وتمدد بعدها، وفقًا لما يُعرف بنظرية الانفجار العظيم، فهناك تصور يتأكد يومًا بعد يوم بالدلائل أنه سينكمش وينطوي وينسحق. وهو ما تؤكده آيات القرآن الكريم.

ومعلوم أن القمر هو ترس الأرض، وأنه يتحرك مقتربًا منها إلى حضيضه في أوقات كي لا تسرع في دورانها حول محورها في فلكها حول الشمس، ومن ثم يثبت طول اليوم عند 24 ساعة مهما اختلف موضع الأرض بالنسبة إلى الشمس، ومهما اختلفت ساعات النهار والليل، والتي تحدد الفصول الأربعة، ونظريًا فإنه يمكن أن يختل هذا النظام المقفل بين الأرض والقمر بسبب زيادة قوى التجاذب، وعليه فإن القمر سوف يقترب منها إلى الحد الذي قد يؤدي إلى انشقاق القمر بانفصال الجزء الذي يواجه الأرض على الدوام، وهذا يتفق مع أحد تفسيرات قوله تعالى: ‏﴿‏اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: 1].

وربما كان لوصول مجموعتنا الشمسية إلى نقطة معينة من هذا الجاذب العظيم أثره في اختلال قوى الجذب التي تحكمها، ويذكرني هذا بقوله تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ﴾ [الانفطار: 1-2].

وسبحان من له الدوام.

 

د. منى زيتون

من مقالات كتابي "تأملات في كتاب الله"

 

في المثقف اليوم