دراسات وبحوث

منى زيتون: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى

منى زيتونيقول تعالى في مطلع سورة النجم: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [سورة النجم:1-4].

والقسم هنا في أول السورة قد يُحمل على جنس النجم فيشمل جميع النجوم لأن النجم أحد أعظم مخلوقات الله، ولكن أغلب المفسرين حملوا القسم على عنقود الثريا، والعرب إذا قالت: "النجم" إنما تعني –على الأغلب- الثريا. والثريا وإن كانت مجموعة نجمية وليست نجمًا واحدًا إلا أن تقارب نجومها وتجمعها على ارتفاع كبير في السماء يجعلها تضيئ كوحدة واحدة، ومن هنا سمى العرب كل وحدات إضاءة مجتمعة مرتفعة تضيء معًا بالثريا.

والثريا هي منزلة قمرية ممتزجة الطاقة (نار وتراب) تقع بين الحمل والثور؛ إذ تشغل 4.3 درجات الأخيرة من الحمل وأول ‏‏8.55 درجات من بداية الثور. وفي الميثولوجيا القديمة، ووفقًا لنظرية الطباع الأربعة، فإن امتزاج طاقة النار التي تمثل القوة مع طاقة التراب التي تمثل الثبات والاستقرار هي أفضل طاقة لتأسيس كيان قوي وثابت، فالخيمة تُقام على أربعة عصي –والعصا هي القوة وهي رمز طاقة النار- وهذه العصي تثبت في التراب، وهذه تحديدًا هي طاقة الثريا. وهي المنزلة القمرية الثالثة التي ينزل عليها القمر ضيفًا في دورته حول الأرض من بين ثمان وعشرين منزلة. فما هي علاقة هذه المجموعة النجمية بصاحبنا ورسولنا عليه الصلاة والسلام؟

الثريا لارتفاعها وإشعاعها هي أبين وأوضح نجوم السماء الساطعة، ونبينا عليه الصلاة والسلام ليس مثله بشر، وهذه المجموعة النجمية لارتفاعها في السماء هي أقرب مجموعات النجوم الثابتة في دائرة الأفق إلى المدار الظاهري للشمس، وكانت الثريا في الطالع مقترنة بالشمس يوم ميلاد ‏سيدنا ورسولنا محمد عليه الصلاة والسلام؛ إذ إن المعروف عند الفلكيين العرب أن طالعه صلى الله عليه وسلم كان في أواخر درجات الحمل، وشمسه كانت في أول درجة من الثور، وكلاهما مقترنان ضمن درجات الثريا لأنه وُلد قبل طلوع الشمس بدقائق، معلنًا أن شمسًا جديدة قاربت أن تُشرف على الدنيا.‏

ومنزلة الإكليل –وتُعرف أيضًا بالطريق المحترق- هي المنزلة الرقيب للثريا؛ أي المنزلة المواجهة للثريا تمامًا في دائرة الأفق، وهي منزلة ممتزجة الطاقة (هواء وماء) تقع بين الميزان والعقرب؛ إذ تشغل 4.3 درجات الأخيرة من الميزان وأول 8.55 ‏درجات من بداية العقرب، ومفهوم أن المنزلة الرقيب هي التي تطلع من الشرق فتهوي الأخرى من الغرب، وعندما تهوي الثريا تطلع الإكليل. وقد روى الإمام الطبري في تفسيره عن مجاهد بن جبر قوله في الآية: "سقوط الثريا".

وفي تاريخ الطبري (ج2، ص 157) عن عثمان بن أبي العاص، قال: حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم –وكان ذلك ليل ولدته- قالت: فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو، حتى إني لأقول: لتقعن علي.

وفي الليلة السابقة لميلاده عليه الصلاة والسلام ظهرت (الدرجات الأولى من العقرب في منزلة الإكليل في الطالع من جهة الشرق مقترنة بالمشتري وزحل والعقدة الجنوبية لتقاطع مسار الشمس مع مسار القمر -والتي تمثل النهايات-) منذ غروب الشمس وغروب النجم (الثريا)، وبعدها بدقائق طلع نجم قلب العقرب الأحمر الذي يقترب من الأرض ليلة ميلاد الأنبياء، أي أنه بمجرد أن هوت الثريا مع مغيب الشمس في الليلة السابقة على ميلاده عليه الصلاة والسلام حدث ما يُعرف بالاقتران العظيم، واستمر هذا الاقتران طوال الليل حتى هوى الإكليل وأشرقت الشمس مقترنة بعنقود الثريا والعقدة الشمالية لتقاطع مسار الشمس مع مسار القمر -التي تمثل البدايات- ‏بعد ميلاده عليه الصلاة والسلام بدقائق، والقمر أحدب متزايد غارب يُثلث الطالع في الدرجة 20 من برج الأسد، وذلك يوم الاثنين الموافق 20 من أبريل عام 571 بالتقويم الجولياني، الموافق العاشر من ربيع الأول من عام الفيل.

واليوم العاشر من الشهر العربي له خصوصية عند العرب، وذلك في كل شهر. ومولده قبل شروق الشمس والقمر الأحدب المتزايد دلالتان على قرب اكتمال النور الذي تم بمبعثه، وبإمكاني القول إن كل ما في خريطته الفلكية عليه الصلاة والسلام من مواقع للكواكب وزوايا بينها يشير إلى ميلاد شخصية عظيمة يكون لها بصمة وأثر ودور كبير في تغيير وإصلاح نفوس البشر.

* تنبيه: قمت باستخدام موقع فلكي باستخراج الخريطة الفلكية للحظة ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وما ذكرته من تحليل الخريطة مجرد قشور، ولكنها تستوفي الغرض في هذه المقالة.

ونعرف جميعًا ما رُوي عن استطلاع الفلكي اليهودي في يثرب (المدينة المنورة) للسماء في تلك الليلة، وما شاهده من اقتراب النجم الأحمر (قلب العقرب) من الأرض، والذي لا يقترب إلى هذه الدرجة إلا ليلة ميلاد الرسل والأنبياء في إشارة لهدم الباطل ليُبنى الحق، وما روي عن تهدم إيوان كسرى وانطفاء نيرانه المقدسة وتهاوي الأصنام حول الكعبة في تلك الليلة العظيمة في تاريخ البشرية.

3374 والنجم اذا هوى

قال ابن إسحاق‏‏‏:‏‏‏ وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف، عن يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري‏‏‏.‏‏‏ قال‏‏‏:‏‏‏ حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت، قال‏‏‏:‏‏‏ والله إني لغلام يفعة، ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهوديًا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب‏‏‏:‏‏‏ يا معشر يهود، حتى إذا اجتمعوا إليه، قالوا له‏‏‏:‏‏‏ ويلك ما لك‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ طلع الليلة نجم أحمد الذي وُلد به‏‏‏.‏‏‏ قال محمد بن إسحاق‏‏‏:‏‏‏ فسألت سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت، فقلت‏‏‏:‏‏‏ ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏المدينة‏‏‏؟‏‏‏ فقال‏‏‏:‏‏‏ ابن ستين سنة، وقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين‏‏‏.‏‏‏

وللعلم فإن رقم سورة النجم في القرآن الكريم هو 53، وتوجد في ‏الحزب 53، وحساب الجُمل لاسم أحمد= 1+ 8+ 40+ 4= 53!‏

ورغم اقتناعي أن القسم في أول سورة النجم ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا ‏هَوَى﴾ بسقوط الثُريا تحديدًا كان إشارة منه تعالى لما حدث في السماء منذ لحظة الغروب في الليلة السابقة على ميلاده عليه الصلاة والسلام، وحتى أشرقت الدنيا بمولده، فإنه ربما كان القسم إخبارًا منه تعالى أيضًا بأن حدثًا سيحدث من علامات القيامة يتعلق بتلك المجموعة ‏النجمية التي تضرب بها العرب المثل في العلو والارتفاع، أو لعل ظالمًا سيهوي، ولذلك صلة بسقوط الثريا. وقد قال تعالى في موضع آخر: ‏﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم﴾ ‏[الواقعة: ‏‏75-76].‏ وقال المفسرون: "إن القسم بمواقعها أي: مساقطها في مغاربها، وما يحدث الله في تلك الأوقات، من ‏الحوادث الدالة على عظمته وكبريائه وتوحيده".

والملاحظ أن عام 549م قد شهد اجتماعًا في برج الجدي لمدة شهر ونصف للعقدة الجنوبية والمشتري وزحل وبلوتو (الذي يحمل طاقة قلب العقرب). بدأ هذا الاجتماع في أول نوفمبر عندما انتقل المشتري من القوس إلى الجدي فاقترن بالعقدة الجنوبية في أول الجدي، بينما كان هناك اقتران تام بين زحل وبلوتو في الدرجة 26 في آخر الجدي، بعد ذلك استمر المشتري في التقدم في الجدي حتى بلغ ثلثه، فصار في منتصف المسافة تقريبًا بين العقدة الجنوبية أول الجدي وزحل وبلوتو في آخر الجدي، وفي 15 ديسمبر 549م انتقل زحل إلى الدلو، وترك البقية في الجدي، وانفك الاجتماع بينهم.

وطاقة هذا الاجتماع تشبه الاقتران العظيم الذي حدث عام الفيل 571م، لكنها أضعف بسبب تباعد الدرجات بين الكواكب عن الحد اللازم للاقتران، ومع ذلك فهو إشارة عظيمة، لأن اقتران المشتري وزحل يحدث مرة كل حوالي عشرين سنة، ولكن اقترانهما مع العقدة الجنوبية ونجم قلب العقرب أو بلوتو –الذي لم يكن القدماء قد اكتشفوه- يسمى بالاقتران العظيم، وهو يحدث مرة كل ما يزيد عن 700 عام، وحدوثه مرتين متتاليتين (549- 571) إشارة قوية، وربما وُلد في هذه الفترة من سنة 549 عبد الله والد النبي أو أمه آمنة.

وآخر مرة حدث فيها الاقتران العظيم كان في ديسمبر 2019م، فنحن نعيش تمهيدًا لحقبة جديدة في تاريخ العالم، ولعلها ستكون آخر حقبة.

نبذة عن أبرهة وحادثة الفيل

مبدأ قصة أبرهة قبل عام الفيل بحوالي خمسين سنة، في عهد الملك اليهودي يوسف ذو ‏نُواس ملك مملكة حِمْيَر باليمن، وهي المملكة التي خلفت مملكة سبأ. والنُواس هو المصباح الضعيف المضطرب نوره، ويُقال إنه سُمي بذي نُواس لأنه كان يخرج ليلًا ومعه خادم يحمل النُواس ليضيء الطريق أمامه.

تحكم ذو نواس في طريق التجارة بجوار اليمن، وضيَّق على التجار البيزنطيين والأحباش والغساسنة، والأخيرون هم مسيحيون عرب سبأيون ممن هاجروا من اليمن إلى الشام وكونوا بها مملكة وتحالفوا مع الرومان، وبعد المقتلة التي قام بها ذو ‏نواس في نصارى نجران في سنة 523م على التقريب، والمعروفة بحادثة الأخدود، بلغ الخبر ملك ‏الحبشة، وكان نصرانيًا، وأمده إمبراطور الروم جستنيان ببعض السفن والعتاد لغزو اليمن؛ نصرة للمسيحيين بها وللسيطرة على طريق التجارة، فأرسل حملة عسكرية ‏من الأحباش لغزو اليمن، تصدى لها ذو نواس ومعه كبرى قبائل اليمن همدان ومذحج وكندة ومراد وبيت ‏ذي يزن، وهزموهم، وفي عام 527م تولى حكم مملكة حِمير أحد أبناء أسرة ذي يزن، وربما كان هو من عُرف عند العرب باسم عائلته، و"يزن" اسم وادٍ باليمن، ويُنسب إليه من يملكه ويملك ما حوله فيُقال "ذي يزن".‏

وفي عام 531م، وهو العام الذي ملك فيه الفرس كسرى الأول أنوشيروان ووقع معاهدة سلام مع ‏إمبراطور الروم جستنيان، وكانت قد مرت أربع سنوات على دخول مملكة حِمْيَر تحت حكم أسرة ذي يزن، أرسل ‏ملك الحبشة إلى اليمن حملة عسكرية ثانية كبيرة بقيادة قائده آبراهيموس الذي عرفه العرب باسم أبرهة الأشرم، فملكها بعد ‏معارك طويلة مع أسرة ذي يزن وسيد قبيلة كندة وقائد حبشي آخر، وخلصت اليمن لأبرهة بعد سنين، ومن أشهر أعماله بها ترميمه لسد مأرب حوالي عام 542م، وكان قد تصدع وتفرقت قبائل سبأ وتمزقوا في البلاد قبلها بقرون. واستمر السد قائمًا حتى انهار أغلبه عام 575م، وهو العام الذي انتهى فيه حكم الأحباش في اليمن.

وبنى أبرهة بصنعاء ‏كنيسًا سماه القُليس أراد أن يحج إليه العرب، ولكن العرب رغبوا عنه ونجسوه وبقوا يحجون إلى كعبة أبيهم ‏إبراهيم، ويُقال إن الذي نجسه هو أحد النسأة ممن ينسأون للعرب السنين بعد موسم الحج –ولنا عودة مع النسيء وكيف كان يُحسب في مقال آخر-  فقرر أبرهة غزو مكة لهدم الكعبة، وسيّر جيشًا كبيرًا تقدمه فيل ضخم، ويُقال إن العرب على ‏الطريق أرادوا أن يضللوه عن مكة ويرسلوه إلى الطائف؛ فيهدم بيت صنمهم اللات وتسلم الكعبة، ولكن ‏ثقيفَ أخبروه أن البيت الذي يريد هدمه ليس عندهم، وأرسلوا معه دليلًا يوصله إلى مكة، وفي مكة لقي ‏عبد المطلب بن هاشم سيد قريش أبرهة الحبشي وطلب رد إبله التي أخذها بعض جند أبرهة، وقال قولته ‏الشهيرة: "أما الإبل فهي لي، وأما البيت فله رب يحميه"، وبعدها سار أبرهة بجيشه إلى الكعبة ليهدمها، ‏فجعل الله كيدهم في تضليل، وكان ذلك عام 571م، وبعد هذه الحادثة بحوالي خمسين يومًا ولد سيد الخلق.‏ وفي السنة نفسها مات أبرهة بعد عودته إلى اليمن.

وأراد الله سبحانه وتعالى أن يتم هزيمة الأحباش الذين تجرأوا على بيته الحرام واستحيوا الحرمات في ‏اليمن لعقود، فعاد الحكم في أسرة ذي يزن. وكان سيف بن ذي يزن قد اتصل بملك الفرس كسرى الأول ‏‏(كسرى أنوشروان) سنة 570م بعد أن رفض إمبراطور الروم مساعدته لاسترداد ملك آبائه، وبعد محاولات ‏وإلحاح على كسرى أن يمده بقوة لمحاربة الأحباش وافق كسرى وأمده بجيش صغير من المساجين من أسرى الديلم في سجنه مع قائد يسمى خُرزاد بن نرسي، وهو أحد أمراء الديلم، وكانت رتبته فاهريز (وَهْرِز)، وقيل إن (وَهْرِز) رتبة عسكرية صغيرة عند الفرس تعني القائد لألف فارس، وبعد غرق سفينتين ووصول ست سفن عليها 600 فرد إلى ميناء مثوب على ساحل اليمن انضمت إليهم بعض قبائل العرب، فاستطاعوا غلبة الأحباش في موقعة حضرموت قرب مدينة عدن، وكان قائد الأحباش مسروق بن أبرهة، والذي كان قد تولى الحكم بعد ‏هلاك أبرهة بعد عودته مغلوبًا من مكة، وهلاك ابنه الأكبر –فيما قيل-. ‏وانتهى الاحتلال الحبشي لليمن عام 575م، مع عودة الحكم لأسرة ذي يزن، واستمر سيف في الحكم حتى قُتل بعدها بأربع سنوات، وبقي نفوذ الفرس في اليمن حتى أسلم باذان بن ساسان حاكم اليمن، ومن معه من أبناء الفرس عام 628م الموافق 6هـ.

وبعد أن عاد لأسرة ذي يزن الحكم في اليمن، وانتهى الاحتلال الحبشي عام 575م ذهبت وفود العرب تهنيء سيفًا باسترداد ملكه، وكان عبد ‏المطلب بن هاشم على رأس وفد قريش، ويحكي المؤرخون أن سيف بن ذي يزن استقبله بالبشر والترحاب ‏قائلًا: "أهلًا بابن أختنا" لأن أم عبد المطلب هي السيدة سلمى بنت عمرو من بني النجار من الخزرج في يثرب، وهي من القبائل السبئية التي تفرقت بعد تهدم سد مأرب، والعرب تعد ابن الأخت منهم. ويُقال إن سيفًا كان عنده علم من أحبار اليهود باقتراب ميلاد نبي في بلاد العرب، وأخبر بها عبد المطلب، فقال له إنه قد وُلد.

 

د. منى زيتون

الـخميس 16 سبتمبر 2021‏

مزيد ومنشور في كتابي "تأملات في كتاب الله"

 

في المثقف اليوم