دراسات وبحوث

التفسير القرآني المتعدد بحاجة الى توحيد

عبد الجبار العبيديالكراهية للمسلمين أصبحت عامة عند الشعوب.. الا يشعرون؟

المعارك الفقهية الكلامية بين فقهاء المسلمين، وتعدد التفاسير القرآنية منذ القرن الثاني للهجرة، والتي أصبحت تزيد على المئات وأشهرها تفسير الطبري، وابن كثير، والقرطبي وغيرها كثير، والأنكى والامر ان لكل فرقة اسلامية أصبح لها تفسير قرآني مغاير في الرأي والفكر والمعنى من الفرقة الاخرى، وكأن الاسلام اصبح أديان مختلفة لا دين واحد في العقيدة والتطبيق، حتى تنوعت اهتماماتها وتطبيقاتها ومناهجها التي أفرزت الكثير من الاشكاليات التي نراها اليوم فرقاً دينية متناحرة لكل منها مذهب ديني مختلف عن الأخر في الشريعة والتطبيق.

الكل يدعي الاسلام ولا ندري أي أسلام يدعون أسلام محمد أم اسلام، المرجعيات الدينية التي تتحكم بالعقل والفكر والعمل والعقيدة عند المسلمين، والتي أقرت نظريات مذهبية فقهية مخترعة منهم، لا علاقة لها بالأسلام الصحيح قدرعلاقتها بالسلطة الحاكمة ومصالحها لا غير منذ عهد السابقين الاسلاميين، حتى خرجت علينا تدعي الاحادية وتنطق بغير الحق، ولا تكتفي بالاشارة او السكوت.

هذا التعدد في التفسير الذي رافقه ويرافقة التشدد والعنصرية جعلنا أمة متفرقة ضعيفة هزيلة معزولة عن ركب الحضارة والقانون، لا تستطيع ان تتوحد حتى لو نزل علينا قرآن جديد بعد ان تمزقت العقيدة بنص الحديث المختلف بين الفقهاء في القول والتثبيت، لمَ رافقتنا هذه الظاهرة المقيتة اليوم الم تكن بفضل مؤسسات الدين التي ليل نهار تلهج بالكراهية والعنصرية ضد الأخرين، من الشعوب التي تدين بديانات اخرى غير ديانة المسلمين متهمه غالبيتهم بالكفر والألحاد، ولهم جهنم والناروبئس المصير، أما هم واتباعهم لهم جنات النعيم والولدان المخلدون وما ملكت ايماننا من النساء والجواري الحسان اما في الضيق والشدة والحصول على الراحة والحقوق والقانون، فغالبيتنا تهرول خلفهم لاجئين، ألم يكن هذا تناقضا، مع الفكر والدين، مع ان القرآن يقر بأنهم جميعا مسلمين، "الاحزاب 35"، اذن هل نستسلم لعمامة الفقيه ورجال الدين؟

كل تلك الديانات قد وحدت شعوبها وانتجت دولاً تحت حكم الدساتير والقوانين بعيدا عن الدين ونظريات المذاهب المتطرفة الطارئة التي لا علاقة لها بالاديان ومبتعدة عن نظريات العقل بحرية الانسان، متناسين ان المذاهب ولدت مع الحركات السياسية والشعرية لا مع الأديان، والقرآن يقول "لكم دينكم ولي دين"،

نحن نطالب المخلصون ان يتفقون على ثورة عقلية ايمانية لبناء فكر جديد بعيدا عن الفرضيات المذهبية المخترعة من الاساطيرواصحاب الأحاديث المفبركة، بعد ان اصبح التفسير القرآني عائقا تماما عن تطبيق مبادىء الاسلام الصحيح وتقدم أمة العرب والمسلمين؟ خذ الأية القرآنية التي تقول: " يا ايها الرسول بلغ ما انزل أليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يُعصمك من الناس، المائدة 67"، كيف فسرت باختلاف المفسرين وكم احدثت من فرقة بين المسلمين، والقرآن يقول وامرهم شورى بينهم، وينسب العصمة لله لا للانبياء والمرسلين، فهل من مفسرٍ فرقة او مذهب يتفق مع الاخرين لازالة اختلاف التفسير؟

وخذ تفسير آيات النساء، في أضربوهن، وهجروهن في المضاجع، كيف فسرت وادت الى الخطأ الأنساني عند المسلمين، والقرآن يقول: أنا خلقناكم من نفسٍ واحدة" ألم يكن هذا تناقضا في التفسير؟

ان اعتناق العنصرية والتعصب والعنف ضد النساء ومعادات الديانات الاخرى جسدت الكراهية ضد المسلمين في مشارق الارض ومغاربها، وفي منطقة الشرق الاوسط هنا دولة او اكثر اصبحت تمارس العنصرية ضد الاخرين هادفة الى تغليب الرأي الاخر على البقية الباقية من المسلمين، بتفسير القرآن الفِرقي بما يملى عليهم التفضيل، على الحكومات العربية بشكل خاص الابتعاد عن هذه النرجسية والعشائرية والطبقية واحلال مبدا الاخوة بين الناس بغض النظر عن العقيدة والدين، مثبتا في الدساتير وابعاد القوانين السياسية عن مبادىء الشريعة الدينية واقتصارها على الحق والعدل في القانون.

ان مناهضة هذه الاتجاهات الخطرة المنافية لاخلاقيات الاديان يستدعي العودة للالتزام بتفسير القرآن تفسيرا جديدا بعيدا عن التفسير القديم الذي بين ايدينا والذي ادخله العباسيون وادخاله منهج الدراسة بما يتلائم مع النص المقدس وكتب الديانات الاخرى والزام مؤسسة الدين، التطبيق.

من هنا يجب تفسير المصطلحات القرآنية الغامضة التي ظلت بلا توضيح، والحروف المتقطعة في اول السور وبعض الكلمات الاعجمية التي جاءت بلغات اخرى مثل: " مشكاة الهندية، والقسطاس الرومية، والاستبرق الفارسية وسجيل الفارسية، وكلمات وألفاظ اخرى كثيرة، "، موضع خلاف فقهي في التثبيت، اصبح يمر عليها القارىء مرور الكرام دون ان يعي معناها. والقرآن يقول: "انا أنزلناه قرآناً عربياً، ".لماذا أهملها المفسرون السلف ودمجوا معانيها مع معاني النص القرآني دون تحديد، فهل يعود ذلك الى ان المفسرين لم يدركوا المعنى الحقيقي لها، ولم يراعوا تطور اللغة العربية واستكمال تجريداتها اللغوية، وحتى لا تبقى هكذا على ما هي عليها، سوف نعرج على القاء الضوء والتعريف بها خدمة للنص والقارىء معاً.

وحتى بعض الايات الواردة كما في سورة المزمل " يا أيها المزمل قم الليل الا قليلا * نصفه او أنقص منه قليلا * او زد عليه ورتل القرآن ترتيلا أنا سنلقي عليك قولا ثقيلا * فعدوها تأنقا في التلاوة "وقولا ثقيلا "عدوها من الثقل في الكلام بينما هي وعورة فهم ما يشتمل عليه القرآن من علم وغيرها كثير.

أما المصطلحات، مثل

مصطلح الحديث ومصطلح القرآن، الأمام المبين، السبع المثاني، الزمن والوقت، الدائم والباقي، الوحي والايحاء، علم الله وقضاؤه، الأذن والمشيئة، نقرأها كل يوم ولا نعرف معناها الا من فقهاء التفسير، حتى اصبحنا كالببغاء التي تردد ولا تدري ما تقول .

القرآن هو مصطلح النبوة وأنه (الحقيقة) .ولكن لماذا قال تعالى عنه: أنه الحديث؟: (ما كانَ حديثاً يُفترى ولكن تصديق الذي بين يديهِ، يوسف 111).

اما الحديث فهو مشتق من فعل (حدث) .والحدث: هو واقعة ذات شقين: أما واقعة أنسانية (هل أتاك حديثُ موسى) أو واقعة كونية (أوَلم ينظروا في ملكوت السمواتِ والارضِ وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكونَ قد أقتربَ أجلُهم فبأي حديثٍ بعدهُ يؤمنون، الاعراف 185)، اي حدث أنساني او حدث كوني. والقرآن قرن الاحداث الكونية الكلية والجزئية مع الاحداث الانسانية كما في" القصص القرآني أحسن القصص" لذا سمي حديثاً وسمي قرآناً.

أماالأمام المبين: هي الايات التي تحوي قوانين الطبيعة الجزئية في القرآن وهي ارشفة الاحداث التاريخية التي تحدث عنها التنزيل الحكيم.

وصدق الله العظيم، ولا مبدل لكلماته، وكل شيء أحصيناه كتابا، وكل شيء هالك الا وجهُهُ، فهل يفهم الناس والحاكمون قوانين الله والمخافة منها، لو فهموها كما يدعون، فحينما تعددت المذاهب والتفاسير القرآنية التي لعبت دورا في التشرذم والتفكك والتباعد بين المسلمين، اخترق الحق والعدل بين الناس وسخروا ايات القرآن لغير مقاصدها وخاصة حج البيت الحرام لغفران الذنوب حتى ولو كانت قصدية فأصبحنا كالغريق الذي يتشبث بالقشة وهم يعانون من غرق الغارقين.

وأخيرا نقول لا أخرآ: ان البيت المنقسم على نفسه مهدد بالزوال، والعقيدة الوهمية لا تنتج الا التخريف، والكتب المقدسة ان لم تطبق عقيدتها، تكون سرطانا على المعتقدين، والجهل والجبن والخيانة، لا تصنع اوطان

وها نحن في طريق الزوال، لان عقائدنا اليوم، وَهُم في اوهام لا تصنع حياة للانسان، فكفاية تهريجا بالأسلام، دون تطبيق؟

***

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم