دراسات وبحوث

تطور فكرة الشيطان في الأديان (2)

الشيطان في الديانة اليهودية

يجب أن يبذل القارئ جهد الجبابرة ويستعير صبر أيوب ويتحلى بحكمة أكثم بن صيفي حتى يستطيع إكمال قراءة التوراة. التوراة- معنى الكلمة حرفيا (التعليم)- هي كتاب اليهود المقدس وتسمى أيضا (بالعهد القديم) تميزا لها عن “العهد الجديد” الذي ينقسم إلى ثلاثة أقسام أولها الأناجيل وهي بالتسلسل التاريخي (متى - مرقس- لوقا- يوحنا). وثانيها أقوال الرسل وثالثها أقوال الصحابة والرواة المتصلين بالرسل. والأنجيل كلمة معربة من اليونانية تعني البشارة السارة أو بشرى الخلاص بمجيء يسوع المسيح المخلص.

أقسام التوراة:

التوراة هي مجموعة كتب وليس كتابا واحدا يطلق عليها الأسفار جمع سفر أو كتاب وتسمى في مجموعها التوراة وهي تسمية مجازية تطلق على كل الكتاب لأن التوراة تقتصر على الكتب الخمس الأولى من مجموع كتب يشملها هذا الكتاب يصل عددها إلى تسعة وثلاثين سفرا وقد اتفق على تقسيم هذه الكتب إلى أربعة أقسام هي على الترتيب:

القسم الأول:

"ويُعرف باسم التوراة أو كتب موسى الخمسة أو البنتاتك Pentateque، والكلمة توراة مأخوذة من الكلمة المصرية القديمة توروت أي شريعة، لكنها في العبرية استخدمت بدلالة تعني التعليم، ونطقها العبري «تورة» من الفعل «شورة» (رأى — رأه بالعبرية)، على وزن أفعل، وتعني حرفيًّا الترئية أو الرقية، وتتضمن معنى العودة للشورى الإلهية، وتشمل التوراة خمسة كتب أو أسفار هي""1":

1- سفر التكوين: ويحكي تاريخ العالم من لحظة البدء بخلق الرب للسماوات والأرض ثم آدم ونسله وينتهي سفر التكوين باستقرار فروع يعقوب أو الأسباط في مصر، ضيوفًا عليها إبان مجاعة حلَّت بالمنطقة بكاملها.

وتبين الأبحاث الأركيولوجية الحديثة حقيقة هذا السفر وكونه منقولا بتصرف عن الأساطير الرافدينية ومن يطلع على أساطير وادي الرافدين سيجد أن كتاب التوراة نقلوا قصة الخلق السومرية بحذافيرها.

2- سفر الخروج: ويتعرض هذا السفر للأحداث التي مرت بها القبيلة الإسرائيلية في مصر وأسلوب هذا القسم الذي يميل للإطناب والتفصيل والتكرار إلى حد الملل وتركز بقية السفر على أحداث الأيام الأخيرة للخروج من مصر لإبراز قدرات يهوه السحرية وضرباته للمصريين ضربات مدمرة انتهت بخروج الإسرائيليين من مصر تحت قيادة موسى أحد أحفاد سبط لاوي شقيق يوسف والأسباط في رحلة هروب أو خروج كبرى تتم حكايتها هنا بتدقيق وتفصيل شديدين تشير إلى جغرافيا شرقي دلتا مصر وسيناء بمزيد من التدقيق لأسماء مواضع الحل والترحال للخارجين عبر سيناء نحو فلسطين ويحوي هذا السفر بعض أحكام الشريعة اليهودية في العبادات والمعاملات والعقوبات.

3- سفر اللاويون: نسبة إلى (لاوي) أحد الأسباط ويشير إلى نسل (لاوي) هذا وهم من اختارهم موسى من عائلته اللاوية ليكونوا كهانا للإله (يهوه) حفظا لمسؤولية العلاقة بالله داخل أسرته وقد شغل هذا السفر في معظمه بشؤون العبادة وطقوسها خاصة ما تعلق منها بطريقة تقديم الأضاحي والقرابين إلى الإله (يهوه).

4- سفر العدد: واهتم بإحصائيات عن بني إسرائيل كعدد القبائل وعدد أفراد الجيش ومقدار الأموال وأي شأن كان يمكن أن يخضع لعملية الإحصاء لذلك سمي العدد أو الإحصاء.

5- سفر التثنية: وقد اعتنى هذا السفر بأحكام الشريعة اليهودية في الحرب والسياسة والاقتصاد والعبادات والمعاملات والعقوبات وسمي تثنية لأنه ثنى أو أعاد ذكر التعاليم المفترض أن موسى تلقاها من ربه إبان رحلة الخروج عبر سيناء.

"لكن نقاد التوراة لهم رأيٌ آخر، فهم يُجمِعون على أن هذا السفر لم يتم تأليفه إطلاقًا قبل أواخر القرن السابع قبل الميلاد، أي بعد زمن موسى بحوالي سبعة قرونٍ كاملة، وبعد مملكة سليمان بثلاثة قرون، وأن ذلك قد تم إبان وجود اليهود في المنفى البابلي على أرض الرافدَين""2".

القسم الثاني:

ويعرف بالأسفار الخارجية وعددها اثنا عشر كتابا قامت بعرض تاريخ بني إسرائيل منذ دخولهم أرض فلسطين قادمين من مصر ويشمل أسفار:

سفر يشوع: ويشوع هو ربيب موسى وخليفته على قيادة بني إسرائيل إلى فلسطين بعد موت موسى.

سفر القضاة: وهم الذين تولوا أمور الحكم على بني إسرائيل بشكلٍ قبلي حيث كان الحاكم هو من يقضي في الخصومات بين الناس بشكل مباشر في اجتماعات دورية تعقد لهذا السبب.

سفر راعوث: وهو اسم جدة الملك داود من جهة أبيه - لأنها ليست يهودية وإنما موآبية- ويحكي قصة لا علاقة لها بالسياق التاريخي.

سفر صموئيل الأول وصموئيل الثاني (كتابان أو سفران): وصموئيل هو آخر قضاة إسرائيل قبل التحول عن نظام حكم القضاة القبلي إلى الحكم الملكي المركزي وقيام المملكة.

سفر أعمال الملوك أول وثانٍ (كتابان): ويحكيان تاريخ ملوك القبائل الإسرائيلية بدءا من أول ملوكهم المؤسس شاؤول مرورا بداود وولده سليمان ثم انقسام المملكة إلى يهوذا في الجنوب وإسرائيل في الشمال وسيرة ملوك المملكتين في علاقتهما بالرب وببعضهما وبالدول المجاورة.

سفر أخبار الأيام أول وثانٍ: ويعرضان على الترتيب شجرة النسب من آدم إلى يعقوب ويكرران ما سبق عرضه في سفر التكوين ثم يكرران عرض تاريخ الملك داود وولده سليمان ثم يعرضان لتاريخ اليهود السياسي بعد سليمان.

سفر عزرا: وينسب هذا السفر إلى كاهن إسرائيلي باسم «عزرا بن سرايا» على رأس الموجة الثالثة العائدة من اليهود المنفيين في بابل إلى فلسطين حوالي منتصف القرن الخامس قبل الميلاد وإليه تنسب محاولة تجديد الديانة وإيقاد جذوة القومية الإسرائيلية وقد أشرف على تجديد الهيكل وإليه تنسب كثير من كتب العهد القديم في رأي نقاد التوراة. وقد بلغ عزرا منزلة عظيمة عند بني إسرائيل ويخبرنا القرآن أن الإسرائيليين قد قدسوه حتى قالوا: عزير ابن الله رغم أننا لم نجد - في العقائد اليهودية ذاتها- ما يشير إلى مثل هذا الاعتقاد.

سفر نحميا: وهو أحد وجهاء بني إسرائيل تمكن مع عزرا من إقناع الملك الفارسي كورش بعد غزو الفرس لبابل بالسماح للإسرائيليين بالعودة إلى فلسطين وبناء الهيكل من جديد.

سفر إستير: وهو سفر صغير يشتمل على تسعة أبواب أو إصحاحات ويروي قصة الإسرائيلية الجميلة إستير التي تمكنت من إغواء أخشويريش ملك الفرس فتزوجها وتمكنت بوجودها في البلاط من إحباط مؤامرات وزيره الكبير هامان ضد بني جلدتها ثم دبرت مع عمها الكاهن مردخاي مكيدة قضت على هامان وأتباعه حتى سمح لهم الملك الفارسي بالولوغ في دم هامان وفريقه كيف شاءوا وقام الإسرائيليون بذبح الآلاف من قوم هامان ونسائهم وأطفالهم وحتى اليوم يحتفل اليهود بذكرى تلك المذبحة في عيد (البوريم) أو عيد إستير في مارس من كل عام.

القسم الثالث:

ويعرف بمجموعة كتب الأناشيد أو الأسفار الشعرية ويشتمل على أسفارٍ في صيغ أناشيد وتراتيل ومواعظ دينية مصوغة شعرا ويشمل خمسة كتب أو أسفار هي على الترتيب:

آ- سفر أيوب. ب- سفر المزامير. ج- سفر أمثال سليمان. د- سفر الجامعة وينسب بدوره لسليمان.

ه- سفر نشيد الإنشاد وهو بدوره ينسب إلى سليمان ويسمى نشيد الإنشاد الذي لسليمان.

القسم الرابع:

وهو مجموعة أسفار (النبييم) أي الأنبياء يعرض تاريخ أنبياء بني إسرائيل بعد موسى وهي على الترتيب:

سفر إشعيا. سفر إرميا. سفر مراثي إرميا. سفر حزقيال. سفر دانيال. سفر هوشع. سفر يوئيل. سفر عاموس. سفر عوبيديا. سفر يونان. سفر ميخا. سفر ناحوم. سفر حبقوق. سفر صفنيا. سفر حجي. سفر زكريا. سفر ملاخي."3".

هذه هي التوراة بقضها وقضيضها طرحتها لكم باختصار.

يتبع.

***

سليم جواد الفهد

.......................

1- القمني، النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة، ص42.

2- نفس المصدر، ص43.

3- الكتاب المقدس

 

في المثقف اليوم