دراسات وبحوث

تحقيق مدة سجن الإمام الكاظم

هو الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بالكاظم لشدة صبره وحلمه ولد في يوم (7صفر 128هـ) في قرية الأبواء في الحجاز الموافق (8 نوفمبر 745م) وتوفي في(25 رجب 183هـ) الموافق (12 أغسطس 799م) في بغداد في العراق.

هو الإمام السابع عند الشيعة الإثنا عشرية والده هو الإمام جعفر بن محمد الصادق كبير فقهاء الإسلام ومعلمهم وسيد البيت الحسيني في وقته. وأمه هي: (أم ولد) - جارية - وهو لقب يطلق على الجارية التي يشتريها سيدها فتحمل منه ولدا وكان يمنع بيعها بعد الولادة.

ومن احكامها أنها عندما يموت مالكها تصبح حرة ويرث ابنها اباه.

اسمها حميدة بربرية الأصل وتكنى لؤلؤة.

كنيته ابو إبراهيم وابو الحسن ومن ألقابه: الكاظم والعبد الصالح وباب الحوائج وسيد بغداد وسيد السادات وراهب بني هاشم.

عاش الإمام موسى بن جعفر (55) عاماً قضى منها (20) عاماً في حياة والده الإمام جعفر الصادق و(35) بعد وفاته فتكون مدة إمامته هي (35) عام. كانت العلاقة التي تربط العلويين بالخلافة العباسية متأزمة دائما فقد ورث الإمام موسى الكاظم (ع) تاريخا داميا من تعامل السلطة مع ابائه واجداده فكونهم أئمة للشيعة ورؤساء لتلك الجماعة التي تمثل أشرس فئات المعارضة للحكم الأموي ثم العباسي جر عليهم الكثير من التضييق والاضطهاد الذي وصل في كثير من الأحيان إلى التصفية الجسدية.

مات المهدي بن عبد الله المنصور - ابو الهادي والرشيد - في قرية (ماسبذان) في (21 محرم 169هـ) قرب مدينة مندلي العراقية وتولى ابنه موسى الهادي الخلافة في نفس السنة.

وموسى الهادي أكبر أولاد محمد المهدي ولد بالري (144هـ - 170هـ -761م - 786م) وهو رابع خلفاء بني العباس وأمه الخيزران بنت عطاء وهي زوجة الخليفة العباسي المهدي والخيزران

جارية استقدمت من اليمن اشتراها الخليفة المهدي وأعتقها وتزوجها فأنجبت له موسى الهادي وهارون الرشيد.

كان الهادي إذ ذاك بجرجان

حيث كان واليا على جرجان منذ ان فتحها عام (167هـ) فهم بعض رجال الدولة - منهم الربيع الحاجب وطائفة من القواد - على تقديم الرشيد عليه والمبايعة له.

وحين بلغه الخبر  أسرع الهادي السير من جرجان إلى بغداد فوصلها في عشرين يوما فدخل بغداد وقام في الناس خطيبا وأخذ البيعة منهم فبايعوه وكان عمره عند توليه للخلافة (25) سنة وبهذا لم يلي الخلافة أحدا أصغر منه وأستمر في الحكم سنة وأشهر وتغيب الربيع الحاجب فطلبه الهادي حتى حضر بين يديه فعفا عنه وأحسن إليه وأقره على وظيفة الحجوبية.

ومع تربع موسى الهادي على سدة الحكم زاد التشنج مع العلويين ليتوج ذلك في موقعة (فخ)* التي ذهب ضحيتها ثلة من أعيان العلويين الأمر الذي زاد من التضييق على الإمام الكاظم الذي كان يراه الخليفة الهادي المسؤول والمحرض للثائر الشهيد (الحسين بن علي بن الحسن المثلث) واصحابه المقتولين في فخ حيث قال الهادي: "والله ما خرج الحسين إلا عن أمره ولا اتبع الا محبته لأنه صاحب الوصية في اهل هذا البيت، قتلني الله ان ابقيت عليه".(1).

لكن أجل الهادي لم يسمح له بتنفيذ تهديده حيث مات بعد مدة قليلة من وقعة فخ عام (170هـ).

وجاء الرشيد - ولد في (30 ذُو الحجَّة 149هـ - ومات 30 من جُمادى الأولى 193هـ - 17مارس 763م - 24 مارس 809م) - خليفة عام (170هـ). مرت العلاقة بين الإمام الكاظم والرشيد بفترة هدوء حذر كان خلالها الرشيد يراقب عن بعد ويخطط لإحتواء إمامة الإمام الكاظم(ع) ودفع خطرها وأستمر هذا الهدوء الى عام (179هـ) حيث أمر الإمام بجمع الخمس من أتباعه وهو أول إمام يأمر بجمع الخمس ويوجبه على شيعته وكانت الغاية من ذلك تنظيم بناء قاعدة مادية دائمة لغرض إنشاء قوة مسلحة تقوض السلطة العباسية.

هنا رصدت العيون تصرف الإمام فكتبوا للرشيد بذلك أن موسى بن جعفر يجمع المال وكان أحد الوشاة هو أبن أخ الإمام المسمى (علي بن إسماعيل بن جعفر). ولم يكن لهارون الرشيد أن يتهاون مع ما يمكن أن يهدد كرسيه وحكم آل العباس فأمر باعتقال الإمام موسى الكاظم فاعتقل وهو يصلي في المسجد النبوي وكان اعتقاله في يوم (20 من شوال 179هـ).(2).

وهذا هو أول اعتقال له. وكانت السلطات حريصة على عدم وقوع اضطرابات فأرسلت موكبان وهميان أحدهما للبصرة والآخر للكوفة ليوهموا الناس عن مسير الإمام الكاظم(ع) ووجهة اعتقاله وأمر هارون الرشيد بتسيير الإمام موسى الكاظم ليلا وبشكل سري إلى البصرة.(3).

أودع الإمام الكاظم في سجن البصرة تحت اشراف رئيس سجنها عيسى بن أبي جعفر العباسي.

وعِيسَى هذا هو بْن جعفر بْن أَبِي جعفر المنصور اخو زبيدة كان من وجوه بني هاشم وسراتهم وولي إمارة البصرة وخرج من بغداد يقصد هارون الرشيد وهو إذ ذاك بخراسان- فأدركه أجله بالدسكرة من طريق حلوان.

(أَخْبَرَنِي الحسن بن أبي بكر قَالَ: كتب إلي مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ الجوري أن أَحْمَد بن حمدان بن الخضر أخبرهم قال: حدثنا أحمد بن يونس الضّبّي، حَدَّثَنِي أَبُو حسان الزيادي قَالَ: سنة اثنتين وَسبعين ومائة فيها مات عيسى بن جعفر بن أبي جعفر بطرازستان، لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان).(موسوعة رواة الحديث).

ويبدو إن شخصية الإمام الكاظم الكاريزمية قد أثرت على عيسى ومن معه بالسجن فكان لهذا أثر في إستطاعة شيعته الوصول اليه بشكل سري ورواية الحديث عنه. وقد تكون السلطات في بغداد وجلت من أنباء تأثير الإمام الكاظم على من حوله فطلب هارون الرشيد من عيسى بن أبي جعفر أن يغتال الإمام الكاظم فرد عيسى برسالة يقول فيها بانه اختبر الإمام الكاظم ولم يجد منه سوءا ويطلب اعفاءه من تنفيذ هذه المهمة ثم كتب لهارون الرشيد: "والله إن لم ترسل من يأخذه مني لأطلقن سراحه".(4).

فامر الرشيد بحمل الإمام الكاظم إلى بغداد بعد أن قضى عاماً بحبس البصرة.(5).

لما وصل الإمام الكاظم إلى بغداد لم يحبس في السجن مع عامة الناس وإنما حبس في بيت الفضل بن الربيع. وهو الفضل بن الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة واسم أبي فروة كيسان مولى عثمان بن عفان، وكنيته الفضل أبو العباس وكان حاجب هارون الرشيد،و محمد الأمين وكان أبوه حاجب ابوجعفر المنصور ومحمد بن عبدالله، ولما أفضت الخلافة إلى محمد الأمين قدم الفضل عليه من خراسان ــ وكان في صحبة هارون الرشيد إلى أن مات بطوس ــ فأكرم محمد الأمين الفضل وألقى أزمة الأمور إليه، وعول في مهماته عليه. وقد ولد في مدينة الخليل عام (138 هجري/755م وتوفي عام 208هـ/823م).(سير اعلام النبلاء).

وقد يكون السبب من ذلك الخشية من تأثير الكاظم على الناس ثم أمر الرشيد بأطلاق سراح الإمام الكاظم وتقول المصادر إن اطلاق السراح هذا كان بسبب رؤيا راها الرشيد في منامه. لكن الإمام الكاظم لم يُغادر بغداد ويذهب العديد من المؤرخين بأنه كان تحت الاقامة الجبرية فيها. وخلال هذه الفترة كان يلتقي بصورة متواصلة مع الرشيد ويخوضون المناقشات الدينية.(6).

ولم ينجح الرشيد في إقناع الإمام الكاظم بتأييد خلافته وإعطاء شرعية لحكمه فعاد هارون الرشيد الى اعتقال الإمام الكاظم مرة أخرى وحبس عند الفضل بن يحيى البرمكي - والفضل هذا هو الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك وزير هارون الرشيد وحامل خاتم السلطة. - مجدداً لكن الفضل عمد إلى الترفيه عن الإمام وعدم أذيته. كما اوعز هارون الرشيد إلى الفضل باغتيال الإمام الكاظم إلا أن الفضل امتنع وماطل في ذلك. وقد وصلت اخبار الترفيه الذي فيه الكاظم إلى هارون الرشيد الذي كان في الرقة آنذاك. فامر بمعاقبة الفضل بن يحيى وإرسال الإمام الكاظم إلى سجن السندي بن شاهك. وبالفعل تم اعتقال (الفضل بن يحيى وتجريده وجلده مائه سوط أمام الناس حتى كاد يفقد عقله) (7).  والسندي هذا هو السندي بن شاهك مدير شرطة هارون الرشيد جلاد منحط اشتهر بالقسوة وعدم الرحمة لكل مخالف لأوامر هارون الرشيد حتى من أقارب الخليفة ووزرائه (وهو مجهول الأب عرف باسم أمّه السنديّة (شاهك) ربّاه المنصور تربية غليظة وكان السند بن شاهك يكلف بالمهمات التي تحتاج إلى قمع وقسوة).(نهاية الأرب/623).

نُقل الإمام الكاظم إلى سجن السندي بن شاهك حسب أمر الرشيد وقد جهد السندي في ارهاق الإمام الكاظم والتنكيل به والتضييق عليه بكل الوسائل ابتغاء مرضاة الرشيد. وذهب المؤرخون إلى أن (الإمام الكاظم قد سجن في بيت السندي).(8).

توفي الإمام الكاظم في سجنه وكان ذلك عام (183هـ) ويذهب الرواة على ان الإمام الكاظم لم يمت حتف أنفه وإنما جرى تسميمه والمشهور إن هارون الرشيد عمد إلى وضع السم في الرطب وامر السندي أن يجبر الإمام الكاظم على أكله.(9).

وأرى أن الدليل الأقوى على إتهام هارون الرشيد بقتل الإمام هو نقل الإمام الكاظم عليه السلام من عند الفضل بن يحيى الى السندي بن شاهك لأنّه أشد وأقسى  وخالف بذلك مخالفة صريحة العرف السياسي بأن تسجن الشخصيات القرشية والهاشمية عند وزراء الخليفة وشخصيات دولته فقد حبس الإمام الكاظم عليه السلام أوّلاً عند عمّه عيسى بن جعفر والي البصرة ثم عند وزيره الفضل بن الربيع ثم عند وزيره الفضل بن يحيى فتأثموا أن يقتلوه فأمر بحبسه عند السندي بن شاهك اللقيط القاسي وأمره أن يقتله!

وبعد قتل الإمام عليه السلام أعطى هارون للسندي جائزة فجعله والي دمشق!

(ثم جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبيين والعلويين والإمام موسى الكاظم مسجى فقال لهم: هذا موسى بن جعفر قد مات حتف انفه، وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه فانظروا اليه. فنظروا إلى جثمانه من دون ان يجدوا فيه اثر جرح او خنق.(10).

ووضع بعد ذلك جثمانه الطاهر على جسر الرصافة في بغداد تنظر له المارة. ويرى الشيعة ان القصد من ذلك هو إذلال الإمام والتشهير به والحط من كرامته ثم حمل الجنود نعشه وصاروا يصيحون: (هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة انه لا يموت، فانظروا له ميتا).(11).

مبادرة سليمان:

كان سليمان بن أبي جعفر المنصور رجلا محنّكا وذا عقل متزن وقد رأى أنّ الاعمال التي قام بها هارون ما هي إلّا لطخة سوداء في جبين العباسيين ؛ فإنّ هارون لم يكتف باغتيال الإمام ودسّ السمّ إليه بل ارتكب جملة من الأعمال الوحشية التي تدل على أنه لا عهد له بالشرف والنبل والمعروف والإنسانية.

من هنا بادر سليمان - حين سمع نبأ اخراج جنازة الإمام إلى الجسر والنداء الفظيع على جثمانه الطاهر- هذه المبادرة الإيجابية.

كان قصر سليمان مطلّا على نهر دجلة وحين سمع النداء والضوضاء ورأى بغداد قد اضطربت، قال لولده وغلمانه: ما هذا؟

قالوا: السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر ، وأخبروه بذلك النداء الفظيع.

فصاح بولده قائلا: انزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فإن مانعوكم فأضربوهم ، وخرقوا ما عليهم من سواد - وهو لباس الشرطة والجيش-

وانطلق أبناء سليمان وغلمانه إلى الشرطة فأخذوا جثمان الإمام منهم، ولم تبد الشرطة معهم أية معارضة، فسليمان عم الخليفة وأهم شخصية لامعة في الأسرة العبّاسية وأمره مطاع عند الجميع، وحمل الغلمان نعش الإمام (ع) فجاءوا به إلى سليمان فأمر في الوقت أن ينادى في شوارع بغداد:

ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب بن الطيب موسى بن جعفر فليحضر .(12).

ثم شيع الإمام (ع) تشيعيا مهيبا ودفن في مقبرة قريش.

هذه باختصار حياة الإمام ووفاته الآن أتضح كم هي مدة سجن الإمام وهي (4) سنوات من عام (179هـ) الى عام (183هـ). فمن أين أتى الخطأ الذي وقع فيه أغلب العلماء أتى الخطأ من رواية الطبري (310هـ) في تأريخه : (ج7 - ص 174 ـ ص 175) التي تذكر تأريخ سجن الإمام يذكر الطبري استدعاء الإمام من قبل الرشيد وسجنه سنة (169هـ). والكل عيال على هذه الرواية وواقع الحال الرشيد كان في هذه السنة ولياً للعهد وليس خليفة بل كان الرشيد موقوفا هو شخصياً من قبل أخيه الهادي الذي كان هو الخليفة. والدليل الآخر المهم في الموضوع هو رواية ابن خلكان(681هـ - 1282م) في كتابه وفيات الأعيان(ج5 - ص 308 ـ 309) : حيث ذكر تأريخ استدعاء الإمام وسجنه في عام (179هـ - 795م) وليس (169 هـ) والفرق كما ترى هو عشر سنوات بالضبط.

***

سليم جواد الفهد

.....................

المصادر:

1- حياة الإمام موسى بن جعفر، دراسة وتحليل، باقر شريف القرشي، ص 494.

2- بحار الانوار للمجلسي، الجزء 48 ،ص 321.

3- حياة الإمام موسى بن جعفر، دراسة وتحليل، باقر شريف القرشي، ص 465.

4- الارشاد، الشيخ المفيد،ج2 ،ص 239.

5- الفصول المهمة في معرفة احوال الائمة، ابن صباغ، ص 236.

6- حياة الإمام موسى بن جعفر، دراسة وتحليل، باقر شريف القرشي، ص 469.

7- حياة الإمام موسى بن جعفر، دراسة وتحليل، باقر شريف القرشي، ص 481.

8- حياة الإمام موسى بن جعفر، دراسة وتحليل، باقر شريف القرشي، ص 491.

9- عيون اخبار الرضا، الشيخ الصدوق،ج2 ،ص 94.

10- تاريخ اليعقوبي،ج2، ص 414.

11- حياة الإمام موسى بن جعفر، دراسة وتحليل، باقر شريف القرشي، ص 528.

12-كمال الدين: 38، عيون الأخبار: 1 / 99 / ح 5 ، وعنهما في بحار الأنوار : 48 / 227 / ح 29.

*موقعة فخ أو معركة فخ.

هي معركة وقعت بتاريخ (8 ذو الحجة 169هـ - 11 يونيو 786م) بالقرب من مكة بمكان يسمى فخ.

وفخ بفتح الفاء وتشديد الخاء وادي يبعد عن مكة ثلاثة أميال.

حدثت المعركة بين الجيش العباسي وثوار من العلويين بزعامة الحسين بن علي (العابد) بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وكان مع الحسين من بني عمومته إدريس بن عبد الله الذي نجا من المعركة ولجأ إلى المغرب وأسس دولة الأدارسة. وسليمان ويحيى أبناء عبد الله الكامل ساندا وشاركا في الثورة والحرب ونجوا من المعركة وشارك معهم سليمان بن عبد الله الرضا وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا واستشهدا.

وتعرف فخ اليوم باسم حي الشهداء الحديث بمكة.

أسباب المعركة ووقائعها:

بعد مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب(ع) في معركة كربلاء وفشل ثورة محمد ذو النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط وفشل ثورة أخيه إبراهيم بن عبد الله الكامل قامت حركات أخرى للعلويين في اليمن وخراسان لكنها لم تلق نجاحا وأصابها مثل ما أصاب ما قبلها من ثورات وعاش من بقي من آل البيت العلوي في هدوء وربما تخفوا حتى يتمكنوا من إعداد العدة للخروج وهم مكتملوا القوة والعدد وظلت الأمور على هذا النحو من التربص والانتظار .

إلا أن موسى الهادي العباسي ولى على المدينة اسحاق بن عيسى بن علي فاستخلف الأخير عليها عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وكان عمر هذا حاقدا ومن أشد الناس بغضا لآل البيت (ع) فضيق عليهم وأساء إليهم وأفرط في التحامل عليهم فكان يفرض عليهم الحضور في المقصورة (إثبات وجود) في كل يوم فكانوا يعرضون في كل يوم.

فحرك ذلك مكامن الثورة في نفوسهم وأشعل الحمية في قلوبهم فثار بعض العلويين في المدينة بقيادة الحسين بن علي العابد بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى العلوي وانتقلت الثورة إلى مكة بعد أن أعلن الحسين البيعة لنفسه وأقبل الناس عليه يبايعونه.

ولما انتهى خبر هذه الثورة إلى الخليفة العباسي موسى الهادي أرسل جيشا على وجه السرعة للقضاء على الثورة قبل أن يمتد لهيبها إلى مناطق أخرى فيعجز عن إيقافها فتحرك الجيش العباسي إلى مكة بقيادة موسى بن عيسى بن علي ومحمد بن سليمان بن المنصور والتقى بالثائرين وهم محرمون في طريقهم للحج في (8 من ذي الحجة 169هـ /11 من يونيو 786م) في وادي فخ. وفيها قتل الحسين بن علي العابد زعيم الثورة وجل من كان معه.

ونقل أبو نصر البخاري عن الإمام محمد الجواد بن علي الرضا(ع) أنه قال: لم يكن لنا من مصيبة بعد الطف إلا فخ.

ومن مراثي الحسين العابد ومن معه ما جاشت به قريحة عيسى بن عبد الله الطالبي:

تُركوا بفخ غُدوة في غير منزلة الوطن.

كانوا كراما قُتِّلوا لا طائشين ولا جُبُن.

غسلوا المذلة عنهم غسل الثياب من الدَرَن.

 

في المثقف اليوم