دراسات وبحوث

جدلية العلاقة بين الرجل والمرأة في مفاهيم التكامل (2)

3- هرمونات الدماغ: تشمل هرمونات الدماغ المؤثرة في علاقة الحب هرمون الدوبامين(Dopamine)، والأوكسيتوسين(Oxytocin)، والسيروتونين (Serotonin)، يُطلق على الهرمونات الثلاثة مصطلح (هرمونات السعادة)[1]،وهرمون رابع هو النورفينفرين(Norepinephrine)[2].

عند حدوث علاقة حب بين الجنسين يقوم الدماغ بإفراز هذه الهرمونات الأربعة. أما أعراض ارتفاع نسبة الهرمونات في الجسم؛ فهي:

هرمون الدوبامين: يُسمى هرمون الانبهار أو الانجذاب الأولي، ويُسمى هرمون النشوة والإدمان. عند اللقاء الأول بين العشّاق يزداد إفرازه في الدماغ فيُحدِث تغيّرا في المزاج والسلوك بشكل أفضل، والحماس الزائد لبقاء العاشقين جنبا إلى جنب، والشعور بالسعادة، والتعلّق الشديد عند اللقاء الأول بين العشّاق[3]. وتكون نسبتُه في صعودٍ في الفترة الأولى من اللقاء، ويستمر بالصعود بازدياد حالة الهيام والوجد بينهما كحدٍ أقصى من ستة الى تسعة أشهر. بعد التسعة أشهر يبدأ الهرمون بالهبوط حين تهبط حالة الشغف بينهما.

هرمون الأوكسيتوسين: يُسمى هرمون الحب، يتم إنتاجه في منطقة ما تحت المهاد[4] في الدماغ، ثم ينتقل إلى الغدة النخامية التي تفرزه في الجسم. لهذا الهرمون تأثيرات مهمة في الجسم حينما ترتفع نسبته ترتفع تبعا له مشاعر البهجة والارتياح والدفء والإيثار، وزيادة تعلق الشريكين ببعضهما، وبناء الثقة، وتحفيز التعاطف، والحب، والحنان، والتواصل بينهما. وللهرمون تأثيرات أخرى، هي زيادة شعور الاسترخاء، والتوازن النفسي، وزيادة قدرة الفرد على التكيف مع الظروف الحياتية الجديدة. ويمتد على تعابير الوجه والبشرة، وله علاقة وثيقة بفسلجة الجسم بل يتعداه الى مدى أبعد، حين يرتفع في جسم المرأة فيكون المؤثر الأول لاحتضان الطفل حين الولادة والرضاعة؛ وما تتطلبه هذه الوظائف من تدفق غزير للعاطفة وإغداقها بإسراف؛ فتقوى علاقتها به. ويساعد الهرمون على تقلص الرحم عند الولادة، وتخفيف آلامها، وتخفيف حالة اكتئاب ما بعد الولادة. ويمتد أثر الهرمون في حياة الأمهات والآباء والعائلة فيما بعد، والمقرّبين، وفي بناء العلاقات الاجتماعية، وهو مهم جدا لديمومة الحياة وحفظها. ويُستخدم الهرمون في بعض الحالات كعلاج للتوحد، وعلاج الفوبيا، وتسريع شفاء الجروح، وغيرها. وتؤدي زيادة إفراز الهرمون إلى نتائج سلبية ترتبط بالمشاعر السلبية مثل الحسد، والكذب[5]. وحينما تهبط نسبته فإن مشاعر الحزن ترتفع تبعا له. وجوده في جسم المرأة عشرون ضعف ما عند الرجل؛  لغاية عظيمة هي احتواء الجنس البشري، والحفاظ عليه من الانقراض.

هرمون السيروتونين: تؤدي زيادة إفرازه في الدماغ إلى الشعور بالبهجة، والفرح، وزيادة نبض القلب[6].

هرمون النورفينفرين: تؤدي زيادة إفرازه إلى النشاط، وزيادة طاقة الجسم، وتركيز الانتباه، وفقدان الشهية، وسرعة نبض القلب[7].

كيف تحدث علاقة الحب بتأثير الهرمونات الأربعة؟

يمر الحب بثلاث مراحل تدريجية؛ هي:

الأولى: مرحلة الانبهار؛

الثانية: مرحلة الاكتشاف؛

الثالثة: مرحلة الارتباط الحقيقي[8].

الأولى: مرحلة الانبهار، أو الانجذاب الأول (مرحلة الدوبامين). هذا الهرمون يكون مرتفعا في جسم العشّاق للوهلة الأولى؛ لأنهم في أولى مراحل الحب والاعجاب. تكون مشاعرهما مثالية، رومانسية وعميقة جدا. كل منهما يرى الآخر كاملا لا نقص فيه، وربما في نظره لا وجود له بين البشر. في هذه المرحلة لا يكتشف الطرفان سلبياتهما؛ لأنهما غارقان في العشق ما زال الدوبامين في مراحله الأولى مرتفعا. بعد وقوع علاقة العشق، وغالبا ما تمتد لفترة من ستة أشهر إلى تسعة أشهر حتى عام كامل، بعدها يبدأ الهرمون بالنزول التدريجي.

عن هذه المرحلة كُتبت الكثير من الأشعار، والقصائد التي عكست أروع، وأجمل صور الحب، وتغنّى بها الشعراء والمطربون. وقدّمت للشباب صورة رومانسية مثالية جدا للحب. وقد وقع الشباب تحت تأثيرها في الحب والاقتران السريع بالمحبوب، وانتهى كثير منهم الى الإحباط والفشل.

أكثر الزيجات تنبني على هذه المرحلة، لأن الشريكين عادة يقعان تحت تأثير الهرمون المرتفع، فيقعان في وهم الانسجام التام بينهما، وأنهما صالحان لعلاقة الزواج والعشرة الطويلة. يتصور كل منهما أنه قد عثر على شريك العمر المثالي الذي ستتحقق السعادة والراحة معه على امتداد العمر؛ لذا يتسرّع الطرفان لإبرام عقد الزواج الجاد.

قد يتزوج إثنان عن علاقة حب بشكل سريع وهما في مرحلة الانبهار الأولى دون المرور بمرحلة الاكتشاف فإن زواجهما إما ينتهي بالنجاح، أو الفشل. حين تُبنى العلاقة على المرحلة الأولى، ويتسرّع الطرفان في الزواج، قد تفشل العلاقة؛ لأن تصور مفهوم الزواج والارتباط هنا مبني على نحو مثالي صوري ظاهري غير صحيح مدعوم بمشاعر جياشة. وفي الغالب الزواج الناتج عن الحب لا يدوم طويلا، لأن فورة المشاعر المثالية تخمد في الأشهر الأولى من الزواج عند الشريكين؛ بسبب هبوط هرمون الدوبامين في جسميهما، ومن ثم ينتقلان إلى مرحلة الاكتشاف؛ فتنكشف تدريجيا عيوب كل من الطرفين، وتنشأ المشاكل الكثيرة التي ربما لا يمكن حلها، ومن ثم تنتهي العلاقة بالفشل. فالمشاعر لا تكفي في العلاقة الزوجية ما لم يشوبها تقارب وجهات النظر، والقيم الأخلاقية، والمقاصد المشتركة، والتخطيط الواعي.

متخصصو علم النفس والعلاقات العاطفية يؤكدون في هذه المرحلة على عدم وقوع أية علاقة جسدية بين الطرفين حتى يتأكدا أنهما في العلاقة الصحيحة، لأنهما لا يدركان كنهيهما ما زال الهرمون مرتفعا. وحتى ينكشف أحدهما للآخر يحتاجان إلى المدة المذكورة التي هي من ستة أشهر إلى تسعة أشهر وحتى أحيانا عام كامل. يمكن للطرفين من إبرام عقد مؤقت من أجل الوصول إلى النتيجة النهائية للارتباط.

قيل: "لا يُحب الإنسان بأسبُوع أو شهر، لا يُمكنك أن تُحب البحر وأنت تقف على الشّاطئ، يجب أن تغُوص في أعماقُه، تضْرِبُك أمواجُه، وترى قاعهُ المُظلم فتَلْمَس عُيُوبه، وتعْرف كيفَ يغضب، وبعدها فقط إما أن تُحبه كله، أو تكرهه كله. يبدأ الحبّ عنْدمَا ينْتهي الحَماس".

الثانية: مرحلة الاكتشاف؛ في هذه المرحلة تنكشف صورة كل من الطرفين للآخر، عبر تكثيف اللقاءات، والاشتراك في نشاط، أو عمل ما، حتى يرى الطرفان السلوكيات، والأخلاق، وطرق التعامل مع الحياة العامة، حيث تنكشف إيجابيات وسلبيات الطرفين لبعضهما، وينظران فيها نظرة متبصرة، ومتفحّصة، وواعية؛ فإذا تقبّلا السلبيات والعيوب، حينئذ يمكنهما الدخول في علاقة جادة، بعدما تهبط نسبة الدوبامين في الدم، وتبدأ الصورة المثالية الرومانسية للطرفين بالاضمحلال.

في هذه المرحلة قد يعثر كلاهما، أو أحدهما على أنيماه، أو أنيموسها المخبوئين في اللاوعي بدليل "ما أثبته علماء الطب النفسي أن الحب الرومانسي هو عملية فيزيائية لها مكونات بيولوجية يمكن قياسها، والمقصود هو إفراز الهرمونات المذكورة في الدماغ، أما لو عدنا إلى علم النفس النظري لوجدنا أن هذه العملية غير كافية لولادة الحب إنما يساهم في ذلك العقل الباطن الذي يحتضن صور الأبوين اللذين تربى في كنفهما الإبن، أو البنت. فإذا ما عثر كل منهما على صورة أحد الأبوين فإن حسّا خفيا يولد بأن الشريك الذي أمامك هو المناسب، والعقل الباطن هو الحاضن الأول للحب"[9].

لذا فوجود الهرمونات ليس كافيا في علاقة الحب ما لم تتدخل فيها مشاعر وأحاسيس الطرفين، وتراكم صورة الشريك في العقل الباطن.

الثالثة: مرحلة الارتباط الجدي والتعايش الطويل (مرحلة الأوكسيتوسين). وهي من أصعب المراحل لأن الطرفين يدخلان في صراع، ونزاع يتطلب اتخاذ أسلوب التعامل والتماهي مع المشاكل والعقبات؛ وبعدها القبول التام لكلا الطرفين ببعضهما؛ حيث يدخلان في مرحلة أخرى التي هي الحب الحقيقي الذي ينولد مع ارتفاع هرمون الأوكسيتوسين.

أكدت دراسة بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو أن الأزواج الذين تربطهم علاقات ناجحة طويلة الأمد تبيّن أن في أجسادهم نقص هرمون الدوبامين، وازدياد هرمون الأوكسيتوسين، فكيمياء العشق مختلفة عن كيمياء الحب الذي ينتهي إلى الزواج. هرمون الأوكسيتوسين هرمون الحب يضل على الدوام في أجساد المتزوجين. للفيلسوف الأمريكي سام كين مقولة في هذا المجال: "نصل إلى الحب ليس بإيجاد الإنسان المثالي أو الخارق بل بتعلم رؤية الإنسان غير المثالي مثاليا"[10].

حينما يتقبل كل من الطرفين عيوب الآخر وينسجما تمضي علاقتهما نحو النجاح والسعادة. وقد تنتهي إلى الانفصال لأسباب كثيرة. هذا بالنسبة لمن تزوجوا بعد علاقة عشق وحب أوّلا.

أما الذين تزوجوا زواجا تقليديا فإنهم يَلِجون بشكل مباشر في المرحلة الثالثة التي هي مرحلة الارتباط الجاد، ومن ثم مرحلة الانبهار الأولي، ومرحلة الاكتشاف والحب النهائي. وقد تنتهي العلاقة إلى الديمومة والنجاح، لأنها بُنيت على أسس مشتركة؛ كعلاقة الدم، والعادات، والتقاليد، والقيم، والأخلاق، والأهداف. وقد يمضون طويلا في العلاقة، حتى وان اعترت حياتهم المشاكل فإنهم يحلّونها بوعي وحكمة إن توفرواعليها، وإذا لم يتوفروا فقد لا تدوم أحيانا، وقد تنتهي إلى الانفصال.

وفي حالات أخرى تنتهي علاقة الزواج التقليدي بالفشل لأسباب كثيرة؛ منها انعدام الحب بين الطرفين، ومنها عدم تطابق كيمياء الإثنين مع بعضهما، و-أعني عدم التوافق في الحب، والمزاج، والمشاعر، والتطلعات، والطموحات، وقد تنتج تلك الأسباب مشاكل كثيرة غير قابلة للحل، وغيرها.

يقول جون باينس في هذا الصدد: "إن المسألة التي لا يمكن تفاديها هي أنه كثيرا ما يظن شخصان أنهما عاشقان دون أن يكونا كذلك في الواقع، ولكن من غير المشروع أن يتزوج أحدهما لمجرد أن يتخذ من الزواج وسيلة لراحته، بينما يستخدم الطرف الآخر كوسيلة لإشباع نفسه على حسابه، والعناصر المشوقة للزواج لا تقوم عادة على أساس الحب الحقيقي؛ ولهذا كثيرا ما تكون مصدرا لانتهاك الشريعة الكونية؛ لأنه من غير الأخلاقي أن نتزوج دون حب، وكون الزوجان لا يدركان هذا عن وعي لا يعتبر ظرفا مخففا، لأن هناك عامل نية لاواعية تخطط لهذه المسائل بطريقة تحقق فيها شيئا مرغوبا ولكنه ليس أخلاقيا تماما"[11].

بالنتيجة يصل الشريكان إلى مرحلة القناعة التامة عندما يمران بمراحل الحب الثلاث، والنضوج النهائي لها بعد المعرفة الكاملة لشخصيهما، بتأثير هرمونات الدماغ خاصة هرمون الدوبامين والأوكسيتوسين، أما هرمون السيروتونين والنورفينفرين فإن دورهما في علاقة الحب هو دور مساعد في عملية ضخ مشاعر النشاط، والحيوية، والسعادة، والبهجة، وزيادة نبض القلب.

إلى هنا نكون قد أنهينا الحديث عن بواعث ولادة الحب الثلاثة؛ الغريزة وهي ثابتة عند كلا الجنسين، والبعدان الأنثوي عند الرجل، والذكري عند المرأة، وهذا العامل كما أوردنا فعّالا منذ الطفولة حتى العثور على الشريك. ويمكن القول أن العامل الثاني أكثر ثباتا واستقرارا من العامل الثالث الذي هو هرمونات الدماغ، وهي الأكثر حراكا ونشاطا، وتأرجحا، وعدم توازن؛ فهي في ارتفاع وهبوط حسب نوع العلاقة التي يمر بها الطرفان، وتخضع كذلك للحالة النفسية والجسدية، وتتأثر جدا بتعدد العلاقات عند أحد الطرفين، أو كلاهما.

الحب الواعي والزواج الواعي

كيف يكون الحب واعيا؟ والحب أعمى - كما يُقال-

وكيف يولد الزواج الواعي من الحب الأعمى؟

مقولة  "الحب أعمى" تُقال عند الوقوع الأول في علاقة الحب، كما أوردنا حينما تكون صورة الشريك كاملة لا نقص فيها؛ كون هرمون الدوبامين فعالا في مرحلة الحب الأولى. وأيضا تُقال حينما يكون الشريك في أسمى وأرقى شعور تجاه شريكه؛ حيث يغض النظر عن عيوبه ونواقصه، ويُحب إرضاءه بكل السبل والوسائل.

الحب الواعي ينولد بعد التحري، واكتشاف وانكشاف كنه الشريك بشكل مفصّل وكامل. بالنتيجة الحب الواعي يؤوب إلى الزواج الواعي الحقيقي الذي يمر بكل المراحل التي ذكرناها؛ مرحلة الانبهار الأول، ومرحلة الاستيعاب والقبول والتوافق، ثم مرحلة الارتباط الجدي.

الدكتور جون كري خبير العلاقات العاطفية يشبّه الحب الواعي بالحديقة؛ فربيع الحب هو وقت الانجذاب والغرام والهيام؛ حيث الحديقة غناء مزهرة. وصيف الحب حينما يُدرك أن الشريك ليس كاملا حسب الظن فهو إنسان، وهو ناقص في نواح معينة، ويمكن الخلاص من شعور الإحباط الذي يعتري الشريكين في مرحلة صيف الحب هو الخلاص الكامل من الحشائش الضارة وقلعها من جذورها؛ لأنها تجلب الضرر لحديقة الحب، وتحتاج مزيدا من الري والعناية. وخريف الحب هو مرحلة النضوج وقطف الثمار. وشتاء الحب حين ينكفئ الشريكان كل على نفسه متأملا؛ فشتاء الحب هو دخول الرجل في كهفه، والمرأة في بئرها، وهو وقت المراجعة، والتأمل، والراحة، والسكون، والهدوء، والتجديد. من ثم يتجدد ربيع الحب حينما ينهض كلاهما من الكهف والبئر، وهكذا[12].

الزواج الواعي نتيجة حتمية عن الحب الواعي. يمكن التعرّف على الزواج الواعي عبر تسليط الضوء السريع على ركائزه الأساسية المهمة؛ هي:

1-اختيار الشريك المناسب حسب المعايير الاجتماعية، والتربوية، والثقافية، والسلوكية السليمة، ونعلم أن لا وجود لإنسان كامل، إنما يمكن القول أن المعايير على الأقل تكون متقاربة فيما بين الشريكين. ولا يجب أن يكون الفارق بينهما كبيرا. التكافؤ بين الشريكين أول عوامل الارتباط الجدي.

2-الذكاء العاطفي؛ هو التوفّر على معرفة كاملة بالذات أولا، واحتياجاتها، وسلوكياتها، وتراكمات ماضيها، فالمعرفة بالذات تقود إلى المعرفة والوعي بالأهداف الخفية من وراء الارتباط، ومن ثم المعرفة بذات الشريك، وما هي اهتماماته، وتطلعاته، والسلوكيات التي يحتاجها من الآخر، والدوافع الكامنة للارتباط عنده؛ حتى يصلا إلى مرحلة التكامل والتكافؤ من خلال معرفة بعضهما؛ فالمعرفة تقود إلى الحقيقة.

في الزواج الواعي تذوب الأنا لكل من الزوجين، ولا يكون لأحدهما حق الأفضلية على الآخر، وتكون الحياة الزوجية هي البوصلة التي تحدد اهتماماتهما. هذا العامل مهم لنجاح العلاقة والتغلب على المعوقات التي تعترضها. الذكاء العاطفي يتطلّب الصدق والصراحة دون كذب، وتزوير، وزيف، وغش للإبقاء على علاقة الزواج درءا لحدوث مشاكل، أو إرضاءَ الناس المحيطين. والذكاء العاطفي يمكّن الزوجين من التحلي بالحكمة والصبر في حل المشاكل إن وجدت؛ فالمشاكل هي حالة طبيعية في كل علاقة سواء بين الأزواج، أو الأفراد، أو الجماعات. والمعرفة بالذات، وذات الشريك لها أكبر الأثر في علاج المشاكل الناجمة.

3-العطاء من أهم ركائز الزواج الواعي. العطاء يجب أن يكون عمليا لا نظريا، ومعنويا قبل أن يكون ماديا، كإنفاق المشاعر والأخلاق الحسنة، والإطراء، والدعم، والتشجيع، والتعاون في كل المهمات، والثناء على الجهود التي يبذلها الطرفين في الحياة المشتركة.

4-التنظيم والنظام بكل شيء يجلب الراحة والسعادة فكيف إذا كان النظام يسود العلاقة، وهذا العامل يسنده تنظيم ونظام من الطرفين لا من طرف واحد. والتنظيم أعني به مراعاة شؤون العلاقة، وإعطائها الوقت والجهد لتبقى حيوية دينامية على طول العشرة.

5-عدم الإخلال بالقيم الفاضلة كالصدق، والأمانة، والثقة المتبادلة، والحذر الشديد من هدم الثقة؛ للحفاظ على قدسية العلاقة.

6-فهم "لغات الحب الخمس" التي أطلقها الدكتور الأمريكي جاري تشابمان المتخصص في العلاقات العاطفية، ولغات الحب الخمس هي:

أ-كلمات التشجيع، أو (التحفيز)؛

بـ- تكريس الوقت؛

جـ- تبادل الهدايا؛

د-أعمال خدمية؛

هـ-الاتصال البدني.[13]

أ-كلمات التشجيع، أو(التحفيز): تُعتبر إحدى طرق التعبير عن الحب العاطفي، والكلمات الجميلة كثيرة في مجال الحب والزواج وتتبع مهارة الأسلوب في انتقائها؛ فكلمات التشجيع تُعتبر موصلات جيدة للحب، وعاملا محفّزا لممارسة المهارات والأعمال. ومنها إغداق المشاعر العفوية غير المتكلفة بين الزوجين كالكلمات الدافئة، والمشاعر الحميمة مدعومة بالاحترام والاهتمام العملي، فالتنظير بالكلام غير كاف. أن يُسمع أحدهما الآخر كلمات التقدير والثناء والشكر والمديح.

بـ-تكريس الوقت: المقصود منه إفراد وقت خاص ليكون الزوجان بمعية بعضهما، في محادثة مثلا، أو نزهة خارج المنزل، أو نشاط معين. وتكريس الوقت لا يخضع للمكان، لأن ربما يكونان في مكان واحد لكن لكل منهما شأنه الخاص. المقصود منه التركيز الكامل للشريك دون مشاغل، التركيز الكامل فيما يقول، ويفصح عن مشاعره، وخلجات نفسه، ومطالبه، ومقترحاته.

جـ-تبادل الهدايا: فهي من ضرورات الحياة الزوجية؛ والهدايا مختلفة الأصناف والألوان يمكن تقديمها بمناسبة، أو غير مناسبة. الهدايا لها رمزية معنوية أكثر منها مادية، وهي تعمق علاقة الحب بين الزوجين.

يذكر الدكتور جاري تشابمان أنه كان يدرس علم الإنسان(الانثربولوجيا) وزار العديد من الشعوب الرائعة في كل أنحاء العالم فقد زار أمريكا الوسطى ودرس الثقافات الحديثة ل"المايا" وا"الأزتك" وعبر المحيط الهادي ودرس عشائر قبال "الميلانيجا" و"البالونيجا" وشعوب"الأسكيمو" في القطب الشمالي وسكان اليابان الأصليين، وقد بحث في الأساليب المتعلقة بالحب والزواج، ووجد أن في كل الثقافات التي درسها كان تبادل الهدايا جزءا من عملية الحب والزواج[14].

د- الأعمال الخدمية: هي كثيرة منها ما يخص داخل المنزل، أو خارجه، ففي المنزل لا ضير من أن يتشارك الزوجان في عمل محدد، أو يتشاركان خارج المنزل ، أو يتشاركان معا في كلا العملين.

هـ- الاتصال البدني: المقصود منه هي العلاقة الجسدية بين الزوجين[15].

بلغات الحب الخمس هذه يبقى "خزان الحب ممتلئا"، وخزان الزواج الواعي ممتلئا تبعا له؛ فالحب الواعي، والزواج الواعي ينصهران وفق انصهار كيمياء الحب التي تحدث وفق هرمون الدوبامين، وكيمياء الزواج وفق هرمون الأوكسيتوسين. "والحب الحقيقي فقط هو الذي يساعد الزوجين على إكمال النغمات الاهتزازية عند كل من الرجل والمرأة على نحو متآلف بحيث تتناغم بدورها مع موسيقى الأفلاك التي ذكرها فيثاغورس، والأسرة بدورها مجموعة موسيقية أكثر أهمية، ونوعية تناغمها هي التي تضمن سعادتها واستقرارها وخصوصياتها الأخلاقية وحياتها الروحية"[16].

الوعي المشبع هو الجدار الحصين لحماية الحب الواعي، والزواج الواعي من الانفلات والانهيار فهو يوصل الطرفين إلى إيجاد مخرج لكل المشاكل التي تعترض الحياة المشتركة بحكمة، وصبر، وتأمل في ظل الود، والاهتمام، والتقدير، وحسن الظن، والثقة، والاحترام.

في مجتمعاتنا لا يتم الزواج الواعي عبر المرور بمرحلة الحب الواعي لأن كما أوردنا أن اختيار الشريك يتولاه الأهل، أو الأقارب، أو الأصدقاء؛ وقد يختار الشاب، أو الشابة شريكا بشكل متسرّع لا عن حب واعٍ؛ فينتهي خياره بالفشل.

إن على كل من يروم الارتباط الجاد بعلاقة زواج واعٍ عليه أن يلمّ بركائزه، ويتعلّم علم نفس الرجل والمرأة والطفل؛ عبر دورات تطلقها معاهد التربية وعلم النفس؛ حتى يستطيع أن يحب بوعي، ويتزوج بوعي.

(يتبع)

***

إنتزال الجبوري

......................

[1]  أنظر: د. رهام عباس. موقع ويب طب (10/آذار 2019).

[2]  أنظر: موقع ويكيبديا، كذلك عريشة، مصطفى. في موقع (elconsolto 14/فبراير 2019).

[3] أنظر: عريشة، مصطفى. في موقع: elconsolto(14 فبراير 2019).

[4]المهاد أو الثلاموسThalamus ؛ هي كلمة إغريقية تعني الخزانة. والمهاد هي كتلة كبيرة في المادة الرمادية في الجزء الظهري للدماغ البينيّ، والذي هو جزء من الدماغ، وظائفه هي إعادة بث الإشارات الحسية، مثل تنظيم الوعي والنوم واليقظة.

[5] أنظر: د. رهام عباس. موقع ويب طب (10/آذار 2019).

[6] أنظر: عريشة. مصدر متقدم.

[7] أنظر: نفس المصدر.

[8] أنظر: موقع hopeeg.com

[9] أنظر: هندريكس، د. هارفيل. كيف تحصل على الحب الذي تريده. الرياض: مكتبة جرير، ط1، 2008، ص 90.

[10] أنظر: نفس المصدر.

[11]باينس، جون. أسس التعامل والأخلاق للقرن الحادي والعشرين. ترجمة: أحمد رمو. دمشق: دار علاء الدين، ط1، 2002، ص104-105.

[12] أنظر: كري، د. جون. الرجال من المريخ والنساء من الزهرة. الرياض: مكتبة جرير، ط2، 2007، ص410-411.

[13] تشابمان، جاري. لغات الحب الخمس. الرياض: مكتبة جرير، ط3، 2010، ص36.

[14] أنظر: نفس المصدر، ص65.

[15] أنظر: نفس المصدر، ص36-120.

[16] باينس، جون. أسس التعامل والأخلاق للقرن الحادي والعشرين. مصدر متقدم، ص301.

 

 

في المثقف اليوم