دراسات وبحوث

المفسرون وكارثة الاسلام الفقهي.. الانزال والتنزيل نموذجاً

جريمة التغيير في الاسلام تقع على عاتق المفسرين الذين خططوا مع الخلفاء الامويين والعباسيين والسلطويين لتدمير الدين الاسلامي الصحيح، دين محمد الأمين، وجعله حجج دينية باطلة للمعادين، نحن نكتب الى أهل العلم والمفكرين، لا الى الجهلة والمتعصبين، الذين جعلوا من انفسهم خدمة للمتسلطين، كل هذا أختصر في تفسير المفسرين للقرآن الكريم وهم بالمئات كل لهم راي يختلف عن الأخرين، ولا ندري اين هو الصحيح، التنزيل والانزال، والمذاهب الدينية الباطلة، نموذجا في التطبيق، والا هل يعقل ان المرتبطين بالدين الصحيح يكونوا بهذا المستوى من خيانة الوصايا العشر والايات الحدية والقوانين الآلهية من اجل المال والمنصب، وتناسي القسم واليمين، مستحيل؟

يعرف التنزيل القرآني بأنه عملية نقل موضوعي للنص المقدس من القادر القدير الى خارج الوعي الانساني، أي دون الأدراك الشخصي له، لان القدر وجود موضوعي وليس سلوك انساني،  بينما الأنزال هو عملية نقل المادة المنزلة، من غير المُدرك اي من الله تعالى الى المُدرك الأنسان، أي الى الرسل والأنبياء ، هنا يدخل الأنزال النصي ضمن المعرفة الانسانية لتداولها بين الناس، وبداية انتقالها كقوانين لضبط حياة الانسان في الأرض، لذا فالنص المنزل يعتبر قانون لا يجوز أختراقه بالمطلق، وخاصة النص في الوصايا العشر (الأنعام 151-153) والآيات الحدية، وايات الاحكام كما في قوله تعالى:"وأتلُ ما أوحيَ اليكَ من كتاب ربكَ لا مُبدل لكلماتهِ ولن تجد من دونهِ مُلتحدا، أي لا ملجأ الا اليه، الكهف 27"، حكمة آلهية مرتبطة بنصٍ مقدس غير قابل للتغيير، عملية قانونية بحتة لم يدركها المفسرون. لكنها مخترقة من قبل سلطة المسلمين دون اعتراض الفقهاء والمفسرين عليها عبر الزمن الطويل، وهنا وقعوا كلهم في خطأ التقدير.

هذا التوصيف النصي ينطبق على وجود الانزال والتنزيل لشيىء واحد بأوقات مختلفة مثل القرآن فقط"نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا، الانسان 23"، والماء "وأنزلنا من السماء ماءأً طهورا، الفرقان 48"، والملائكة "ولو أننا نزلنا أليهم الملائكة وكلمهم الموتى، الانعام 111".أما في حالة وجود أنزال دون تنزيل كما في حالة الحديد "وأنزلنا الحديد، الحديد 25"، واللباس " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يوارى سوءاتكم وريشاً، الأعراف 26"، والمن والسلوى "ونزلنا عليكم المن والسلوى طه 80"، فان الانزال هنا هو عملية أدراكية للأنسان المنزل عليه النص فقط "اي للمعرفة لا غير". أما التنزيل فهو لغير المدرك.

وحتى تكون هناك حالة أنزال منفصلة عن التنزيل في القرآن، يجب ان يكون للقرآن وجود قبل الانزال والتنزيل، "في لوح المحفوظ، البروج 22" في هذه الحالة تُنفى أسباب النزول وليس لها أي معنى في القرآن، لأن تنزيل النص المقدس على الأنبياء (ص) هو حتمي سئُل عنه أو لم يسئل، والانبياء المرسلين لا فرق بينهم بالمطلق، لذا من الخطأ الكبير ان تقول ان محمداً(ص) هو اشرف الأنبياء "تفسير فقهي خاطىء"، لأن الانبياء جميعهم في موضع القداسة والاحترام الآلهي، لذا قال الله عن الاشياء التي تخص مواضيع القرآن بالذات مثل الغيبيات "يا أيها الذين أمنوا لا تسئلوا عن أشياءٍ أن تٌبدَ لكم تسوءكم وان تسئلوا عنها حين يُنزل القرآن تُبدَ لكم عفا الله عنها، المائدة101"، ولم يقل أبداًعن الأشياء التي تخص الأحكام أو تفصيل الكتاب لا تسئلوا عنها، فالغيبيات ليس لأحد علاقة بها، لذا قال القرآن: "ولو كنت أعلم الغيب لأستكثرت من الخير وما مسني السوء، الأعراف 188"هناا كل ما يقوله المفسرون من معرفتهم ادراك الغيبيات بمجملها كعذابات القبر والمنايا وعودة الروح وعودة الامام الغائب، فهي مجرد وَهَم غير مُدرك، أي ابتكار منهم على الحدس والتخمين.

ويبرر ذلك بالسؤال عن الوجود للقرآن قبل الأنزال والتنزيل، وعن ماهية هذا الوجود، فأن كان كذلك فأن الله بالمقياس اللغوي والمعرفي هو عربي. وبما ان كلام الله مطلق لأنه هوعين الموجودات ونواميسها، لكنه لم يقل سبحانه وتعالى عن نفسه أنه متكلم. فالنواميس التي تحكم الوجود خُزنت في لوح محفوظ وفي كتاب مكنون وضعه في أعلى علوم التجريد، وأعلى هذه العلوم هي الرياضيات لذا قال (وأحصى كل شيء عددا، الجن 28)، فالأحصاء هو التعقل والعدد هو حال الاحصاء، هنا كان القرآن في اللوح المحفوظ صيغة غير مدركة، فحين أنزَله على النبي ليبشر به الناس جرت عليه عملية التغيير في الصيرورة التاريخية - الصيرورة هي صراع الأضداد وهي القانون الحتمي الذي يحكم الكون والانسان والآله-، اي جعلة مدركاً للنبي حين قال: (أنا جعلناهُ قرآناً عربياً لعلكم تعقلون، الزخرف3)، أي كان له وجود مسبق قبل أن يكون عربياً فجعله عربياًعند التنزيل، وهنا جرت عملية التغيير في الصيرورة لينقل الى المدرك. أي كان القرآن قبل الأنزال غير مدرك، فأصبح بعد الانزال مُدركاً، ولا أحد يعلم بأية لغةٍ كان مكتوباً". كذلك التوراة والانجيل مرت عليهما نفس الحالة ثم نُقلا الى اللغات المتعارف عليها في وقتها، محمد شحرور، الكتاب والقرآن ص147 وما بعدها.

أما نزوله في ليلة القدر، فقد أُنزلَ القرآن جملة واحدة وليس مفرقاً (أنا أنزلناه في ليلة القدر، سورةالقدر1) لكن هذا ليس معناه نزول القرآن الى الارض دفعة واحدة، بل نزوله الى السماء الدنيا (الذي خلق سبعَ سموات ٍ طباقاً، الُملك 3)، وتم اشهاره في ليلة القدر (ليلة القدر خير من ألف شهر، القدر3) فالشهر هنا معناه الاشهار الأعلامي وليس الشهر بمعناه الزمني، لأن القرآن نزل على النبي بواسطة جبريل (ع) خلال ثلاثة وعشرين سنة في مكة والمدينة منطوقا لا مخطوطا، اي غير ملموسٍ كما في قوله تعالى:(ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوهُ بأيديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين (الانعام 7)، لذا قال الكفار لماذا لم ينزل القرآن دفعة واحدة فيرد القرآن عليهم بقوله: (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا، الفرقان 32) اي جاء بصف ٍواحد على نسق معين، لأن الترتيل لا يقصد به التلاوة كما وردت خطئاً عند المفسرين، وأنما يقصد ابه التنسيق في الآيات القرآنية ليبعدعنها التداخل، ونحن بحاجة الى تنسيقه الآن، بعد ان تداخلت الآيات في سور مفرقة اثناء جمعه في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رض) أما الوصايا العشرفقد جاءت الى موسى منسوخة على الواح كما في قوله (ولما سكت عن موسى الغضب اخذ الالواح وفي نسختها هدىً ورحمة للذين هم لربهم يرهبون، الاعراف، 154)، فكلمة الألواح تعني القرطاس الذي نسخت فيه الوصايا، وهنا الفرق بين ان نزل على موسى(ع) مكتوبا وعلى محمد (ص) منطقوقا، فحصل التداخل.؟

وهناك جملة امور يجب مراجعتها في الانزال والتنزيل منها: الانزال والتنزيل في أم الكتاب "الرسالة التي جاء القرآن تصديقا ً"، وهنا لم يخصص سبحانه وتعالى آية خاصة لتنزيل الكتاب، حين قال: (تنزيلُ الكتاب من الله العزيز الحكيم، الزمر1) لأن خصوصية فصل الأنزال عن التنزيل جاءت للقرآن وحده دون بقية مواضيع الكتاب، ولذا خصها وذكرها صراحة لأنها من خصوصياته وخاصة التي لا تدخل في الحكام الشرعية كما في لباس المرأة وزوجات النبي والممنوعات كالخمروالميسر وهي تخضع لنظرية الاجتهاد الشخصي ماعدا الحدود والعبادات المُجتهد فيهامن قبل الرسول (ص). أما التنزيل للملائكة فيعني نقلة مادية موضوعية خارج الوعي الانساني كنقل الصوت والصورة معاً عن طريق الأمواج التي ترى بالعين وتسمع بالأذن لكنهالا تدخل ضمن المدركات.

هكذا كان تنزيل الملائكة تنزيلاً مادياً ولكن دون ان يراها أحد كقوله تعالى: (تَنَزلُ الملائكةُ والروحُ فيها بأذن ربِهم من كل أمر، القدر4). وكذلك الانزال والتنزيل في المن والسلوى، فقد حصلت النقلة خارج الوعي الانساني بأن جاءهم المَن والسلوى دون ان يعلموا ماهي، ولأي سبب نزلت لذا قطع قوله: (كُلُوامن طيباتِ ما رزقناكم) ولم يدرك بني اسرائيل هذا الانزال الا بعد أكله. أما الأنزال والتنزيل للماء، فأنه يعطي ظاهرة قابلة للأدراك وهي من المدركات بقوله تعالى: (ألم ترَ ان الله أنزل من السماء ماء فَسَلَكه ينابيع في الارض، الزمر 21)، وهذا يعني ان ظاهرة جريان الماء في الارض هي ظاهرة قابلة للادراك الانساني فعليك دراستها للاستفادة الحياتية منها، وهذا ما يسمى اليوم بالهيدرولوجيا.

أما الظواهر التي حصل فيها الانزال دون التنزيل كما في قوله تعالى(وأنزلنا الحديد)، وفي قوله يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً)، فالانزال هنا مرتبط بالوعي الانساني، فاذا كانت هناك ظاهرة في الطبيعة موجودة موضوعياً ولكن لا يدركها الانسان وحصل أنزال لها، فهذا يعني أنها أصبحت من المدركات.وهنا يكمن التعريف الأساسي لنظرية المعرفة الأنسانية في القرآن حيث أنها تتلخص في الأنزال، أي أنه بالنسبة للأنسان يسبق الوجود الادراكَ، والأنزال كما نعلم هو عملية ادراك الموجودات.

ان عدم فهم هذه الظواهر الربانية من قبل المفسرين وعشرات الآيات التي جاءت في اول السور على هيئة حروف متقطعة، والكلمات الاعجمية، ترك سوء فهم ٍفي الحدود والتعليمات، فلم يستطيعوا التفريق بين الرسالة والنبوة وبين الكتاب والقرآن، مماجعل الناس محتجزين في أفكارهم، ضيقي الافق، فضاع العقل وضاع مفهوم القضاء والقدر والحرية الانسانية ومفهوم العقاب والثواب والمسئولية، لذا جاءت هذه المفاهيم رمادية التفسير في الادبيات الاسلامية ولم تترك اثرا معمقاً في نفوسهم وأفكارهم وتطبيقاتهم العملية الى اليوم بعد ان تلاعب بها المفسرون، فظلت المجتمعات العربية والاسلامية في سجن حديدي لا تستطيع الفكاك منه مما ولد ويولد لنا كل السلبيات التي لم نستطيع التخلص منها، وأهمها سلبيات الأجباروهي الاوامر التي جاءت من المفسرين ولا علاقة لها بالنص المقدس كما في الراغب الاصفهاني والزمخشري.ولان السلف لم يفهموا الانزال لذا لم يُذكروا الفرق بين لفظتي أُنزلت ونُزلت لذا بقيت الامور عائمة دون تثبيت.

نعم، القرآن صالح لكل زمان ومكان، ولكن بفهم الأرضية المعرفية للذين يستخدمونه وليس على الحدس والتخمين، وهذا هوألأقرار الصحيح به، لكننا بقينا نعتقد بأعجازه دون فهم لواقع التحقيق، من كل هذا التصور المبهم في التفسير، تبين لنا بالدليل ان نظريات المذاهب الاسلامية كلها طارئة ولا علاقة لها بالأسلام الصحيح، ونظرية الأئمة الاثنا عشر من اهل البيت وزج اسم الامام علي في آذان الصلاة، كلها اجتهادات شخصية بلا دليل حيث لا نص فيها، من هذا فنحن نعيش اليوم باسلام غيراسلام محمد (ص) الصحيح، هذا الاسلام الفقهي الجديد الذي ولد لنا السلطة الغاشمة مقرونة بباطل المذهبية الكبير، حتى أصبح السيف بديلاً عن العقل والقلم في العقيدة والتطبيق، فوقعنا في خطأ التقدير،

***

د. عبد الجبار العبيدي

.......................

* انظر الكتاب والقرآن، للاستاذ الدكتور محمد شحرور

في المثقف اليوم